الرئيسية الذكاء الاصطناعي DeepSeek تُشعل المنافسة في الذكاء الاصطناعي

DeepSeek تُشعل المنافسة في الذكاء الاصطناعي

بفضل تقنياتها المتقدمة وتكلفتها المنخفضة، تتحدّى ديب سيك هيمنة الشركات الأميركية على عالم الذكاء الاصطناعي

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

أحدثت شركة "ديب سيك" (DeepSeek) الصّينيّة النّاشئة موجةً جديدةً من المنافسة في قطّاع الذكاء الاصطناعي بعد أن أطلقت أحدث نماذجها، مؤكّدةً أنّها قادرةٌ على منافسة النّماذج الرّائدة في الولايات المتّحدة أو حتّى التّفوّق عليها وبنفقاتٍ أقلّ بكثيرٍ. قد يعيد هذا التّحوّل المفاجئ تشكيل النّظام التّكنولوجيّ العالميّ، ويضعف الهيمنة الأمريكيّة على مجال الذكاء الاصطناعي.

تقنياتٌ متقدّمةٌ تثير اهتمام الأوساط العالميّة

نجحت ديب سيك في جذب انتباه الخبراء والباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي بعدما كشفت، في ورقةٍ بحثيّةٍ نُشرت الشّهر الماضي، أنّ تدريب نموذجها المتطوّر "ديب سيك-V3" لم يتطلّب سوى استثماراتٍ بقيمةٍ تقلّ عن 6 ملايين دولارٍ، مستعينةً برقائق "إنفيديا H800"، تعدّ هذه التّكلفة ضئيلةً مقارنةً بما تنفقه الشّركات الأمريكيّة الكبرى على تطوير نماذجها، ممّا يفتح الباب أمام تساؤلاتٍ جادّةٍ حول مدى كفاءة الاستثمارات الضّخمة الّتي تضخّها الشّركات المنافسة في هذا المجال.

استطاع مساعد ديب سيك للذكاء الاصطناعي، المدعوم بنموذج "ديب سيك-V3"، تحقيق إنجازٍ كبيرٍ بتفوّقه على تشات جي بي تي ليصبح التّطبيق المجّانيّ الأعلى تصنيفاً في متجر آبل آب ستور في الولايات المتّحدة. يعكّس هذا الإنجاز سرعة تبنّي المستخدمين لتقنيات ديب سيك، ما يشير إلى تحوّلٍ كبيرٍ في تفضيلات المستهلكين تجاه حلول الذكاء الاصطناعي الأكثر كفاءةً وفاعليّةً.

أثار الصّعود السّريع لديب سيك موجةً من القلق داخل كبرى شركات التّكنولوجيا الأمريكيّة، الّتي أنفقت مليارات الدّولارات على تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصّة بها، فمع دخول لاعبٍ قويٍّ جديدٍ قادرٍ على تقديم نماذج متطوّرةٍ بتكلفةٍ أقلّ، بدأت الأسواق تتفاعل، حيث تأثّرت أسهم شركات التّكنولوجيا الكبرى، وعلى رأسها إنفيديا، الّتي تعتبر أحد المورّدين الرّئيسيّين لرقائق الذكاء الاصطناعي.

مستقبل الذكاء الاصطناعي: هل تفقد أميركا تفوّقها؟

تشير هذه التّطوّرات إلى أنّ السّباق العالميّ في الذكاء الاصطناعي قد يشهد تغييراً جذريّاً خلال السّنوات القادمة. وبينما كانت الهيمنة الأمريكيّة في هذا المجال شبه مطلقةٍ، يبدو أنّ دخول شركاتٍ -مثل ديب سيك- يُعيد تشكيل المشهد، ويؤدّي إلى تكثيف الابتكار وتقليل التّكاليف، لكنّه في الوقت ذاته يشكّل تحدّياً حقيقيّاً أمام اللّاعبين التّقليديّين. فهل نشهد تحوّلاً كبيراً في ميزان القوى التّكنولوجيّ العالميّ؟ الأيّام القادمة وحدها كفيلةٌ بالإجابة.

لماذا يثير ديب سيك كلّ هذا الجدل؟

أشعل إطلاق "تشات جي بي تي" (ChatGPT) من قبل "أوبن إيه آي" (OpenAI) أواخر عام 2022 سباقاً محموماً بين شركات التّكنولوجيا الصّينيّة، الّتي سارعت إلى تطوير روبوتات دردشةٍ تعتمد على الذكاء الاصطناعي لمنافسة النّموذج الأمريكيّ. ولكن، عندما كشفت "بايدو" (Baidu)، عملاق محرّكات البحث في الصّين، عن أوّل نموذجٍ محلّيٍّ منافسٍ لـتشات جي بي تي، خابت آمال الكثيرين في الصّين بعد أن تبيّن أنّ الفجوة بين قدرات الذكاء الاصطناعي لدى الشّركات الأمريكيّة والصّينيّة لا تزال واسعةً.

ديب سيك يقلّب الموازين، ويغيّر قواعد اللّعبة

نجحت ديب سيك في تغيير هذا التّصوّر جذريّاً، إذ قدّمت نماذج تتميّز بجودةٍ عاليةٍ وكفاءةٍ غير مسبوقةٍ من حيث التّكلفة، إذ حظي نموذجا "ديب سيك-V3" "وديب سيك-R1" بإشادةٍ واسعةٍ من قادة ومهندسي كبرى شركات التّكنولوجيا الأمريكيّة، بعدما أكّدت الشّركة الصّينيّة أنّ هذه النّماذج تضاهي في أدائها أحدث ما تقدّمه أوبن إيه آي و"ميتا" (Meta).

تمكّن "ديب سيك-R1" من تحقيق ميزةٍ تنافسيّةٍ أخرى، إذ جاء تشغيله بتكلفةٍ أقلّ بكثيرٍ مقارنةً بمنافسيه. ووفقاً لما نشرته الشّركة على حسابها الرّسميّ في "ويتشات" (WeChat)، فإنّ تكلفة استخدام "ديب سيك-R1" تقلّ عن تكلفة تشغيل نموذج "أوبن إيه آي o1" بمعدّلٍ يتراوح بين 20 إلى 50 مرّةً، وذلك حسب طبيعة المهمّة المطلوبة.

ما الذي يعنيه هذا لمستقبل الذكاء الاصطناعي؟

يبدو أنّ الصّين لم تعد متأخّرةً في سباق الذكاء الاصطناعي -كما كان يعتقد سابقاً- فقد فرضت ديب سيك نفسها كلاعبٍ رئيسيٍّ قادرٍ على منافسة الشّركات الأمريكيّة العملاقة. ومن شأن هذا التّطوّر أن يجبر شركات التّكنولوجيا الأمريكيّة على إعادة تقييم استراتيجيّاتها، سواءً من حيث التّكلفة أو جودة النّماذج الّتي تقدّمها، فهل نشهد تحوّلاً جذريّاً في ميزان القوى التّكنولوجيّ العالميّ؟

رغم الضّجّة الكبيرة الّتي أثارتها ديب سيك في عالم الذكاء الاصطناعي، تصاعدت الشّكوك حول مدى صحّة ادّعاءاتها بشأن نجاحها التّقنيّ وتمويلها، وقد أعرب بعض الخبراء والمسؤولين عن تحفّظاتهم علناً، مشيرين إلى أنّ التّفاصيل المتعلّقة بإمكاناتها الحقيقيّة لا تزال غير واضحةٍ.

تكاليف التّدريب: هل الرقم المعلن دقيقٌ؟

سلّط محلّلو "بيرنشتاين" (Bernstein)، في مذكّرةٍ بحثيّةٍ نُشرت يوم الاثنين، الضّوء على الغموض المحيط بتكاليف تدريب نماذج ديب سيك، مشيرين إلى أنّ الرّقم الّذي أعلنت عنه الشّركة –5.58 مليون دولارٍ لتكاليف الحوسبة الخاصّة بتدريب نموذج ديب سيك-V3– لا يعكس التّكلفة الفعليّة، الّتي يرجّح أن تكون أعلى بكثيرٍ.

كما لفت المحلّلون إلى أنّ الشّركة لم تفصح عن تكاليف تدريب نموذجها الآخر "ديب سيك-R1"، رغم الإشادة الواسعة الّتي حظي بها، ممّا أثار مزيداً من التّساؤلات حول مصادر تمويلها ومدى شفافيّتها في الإعلان عن مواردها الحقيقيّة.

لكن السّؤال الأهمّ، هل تستطيع ديب سيك تبديد الشّكوك؟ دفعت هذه المزاعم العديد من الخبراء إلى التّساؤل حول مدى قدرة ديب سيك على تحقيق هذه القفزة التّكنولوجيّة بمواردها الخاصّة، أم أنّها تعتمد على وسائل غير معلنةٍ للحصول على التّكنولوجيا المحظورة. وفي ظلّ تصاعد المنافسة العالميّة في الذكاء الاصطناعي، يبقى على ديب سيك مواجهة هذه الادّعاءات بشفافيّةٍ وإثبات مصداقيّتها أمام المجتمع التّقنيّ العالميّ.

من يقف وراء ديب سيك؟

تأسّست ديب سيك في مدينة هانغتشو بالصين، ويسيطر عليها ليانغ وينفينج، الشّريك المؤسّس لصندوق التّحوّط الكمّيّ "هاي-فلاير" (High-Flyer)، وفقاً للسّجلّات التّجاريّة الصّينيّة. وتُظهر هذه السّجلّات روابط وثيقةً بين "ديب سيك" و"هاي-فلاير"، ممّا يثير التّساؤلات حول مدى اعتماد الشّركة النّاشئة على تمويلٍ ودعمٍ من هذا الصّندوق الاستثماريّ.

قرّر هاي-فلاير توسيع نشاطه إلى قطّاع الذكاء الاصطناعي بعد أن أعلن، في مارس 2023، عبر حسابه الرّسميّ في "ويتشات"، عن "إعادة الانطلاق" والتّركيز على إنشاء مجموعةٍ بحثيّةٍ مستقلّةٍ لاستكشاف "الذكاء الاصطناعي العام" (AGI). وبعد أشهرٍ قليلةٍ من هذا الإعلان، تمّ تأسيس ديب سيك ضمن هذا الإطار الجديد.

ما هو الذكاء الاصطناعي العام؟ يُعرّف أوبن إيه آي الذكاء الاصطناعي العام على أنّه أنظمةٌ مستقلّةٌ قادرةٌ على التّفوّق على البشر في معظم المهامّ ذات القيمة الاقتصاديّة، ويعدّ هذا المجال قفزةً نوعيّةً مقارنةً بالذكاء الاصطناعي التقليدي، الّذي يقتصر على أداء مهامّ محدّدةٍ.

هل تصبح ديب سيك قوّةً جديدةً في الذكاء الاصطناعي؟ بفضل الدّعم غير المباشر من هاي-فلاير والقدرات الحاسوبيّة المتقدّمة، يبدو أنّ ديب سيك تسير بخطى ثابتةً نحو ترسيخ مكانتها في عالم الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، لا تزال بعض الأسئلة بلا إجابةٍ -مثل حجم الاستثمار الحقيقيّ لهاي-فلاير- وما إذا كانت ديب سيك قادرةً على تحقيق استقلاليّةٍ تامّةٍ على المدى الطّويل. ولكن، الأيّام القادمة ستكشف المزيد عن مستقبل هذه الشّركة الطّموحة.

هل تصبح ديب سيك ركيزةً في استراتيجيّة الصين التّكنولوجيّة؟ كشف ليانغ عن أهمّيّة ديب سيك بالنّسبة للحكومة الصّينيّة، خاصّةً في إطار جهودها لتجاوز قيود التّصدير الأمريكيّة وتحقيق الاكتفاء الذّاتيّ في الصّناعات الاستراتيجيّة، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي، إذ سعت الصين خلال السّنوات الأخيرة إلى تقليل اعتمادها على التّكنولوجيا الغربيّة، لا سيّما في ظلّ تشديد الولايات المتّحدة قيودها على تصدير رقائق الذكاء الاصطناعي المتقدّمة، ممّا يجعل شركاتٍ مثل ديب سيك محوريّةً في هذا التّحوّل.

هل تتحوّل ديب سيك إلى رمزٍ لاستقلال الصين التّكنولوجيّ؟ يبدو أنّ الحكومة الصّينيّة تراقب عن كثبٍ صعود ديب سيك، وقد توفّر لها دعماً غير مباشرٍ عبر تسهيلاتٍ تنظيميّةٍ أو تمويلٍ استراتيجيٍّ لضمان نجاحها في سدّ الفجوة التّكنولوجيّة مع الغرب. وإذا استمرّت ديب سيك في تحقيق تقدّمٍ سريعٍ، فقد تصبح ركيزةً أساسيّةً في استراتيجيّة الصّين لتعزيز السّيادة التّكنولوجيّة وتقليل الاعتماد على الشّركات الأمريكيّة في قطّاع الذكاء الاصطناعي.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
آخر تحديث:
تاريخ النشر: