الرئيسية التنمية DeepSeek يتفوق على ChatGPT: هل المجانية تستحق المخاطرة؟

DeepSeek يتفوق على ChatGPT: هل المجانية تستحق المخاطرة؟

على الرّغم من جاذبيّة أدوات الذكاء الاصطناعي المجانيّة، إلّا أنّ المخاطر الخفيّة تتطلّب إعادة التّفكير في اعتمادها، خصوصاً فيما يتعلّق بأمان البيانات

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

يعدّ إطلاق "ديب سيك" (DeepSeek) الجديد حدثاً مثيراً في عالم التّطبيقات، فقد تمكّن مؤخّراً من طرد "شات جي بي تي" (ChatGPT) من عرشه بصفته تطبيقاً مجّانيّاً ذا التّصنيف الأعلى في متجر "آبل" (Apple)، ممّا أثار موجةً من الاستفسارات بين قادة الأعمال بـ "هل جرّبته من قبل؟"

ولم يقتصر الأمر على كونه متاحاً للجميع مجّاناً، إذ يدّعي مطوّرو ديب سيك إنّ تطوير التّكنولوجيا استغرق شهرين فقط وبميزانيّةٍ تقلّ عن ستّة ملايين دولارٍ. وهذا يعني أنّ الشّركات الّتي ترغب في استخدام ديب سيك لبناء تطبيقاتها وتقنيّاتها ستتحمّل تكلفةً زهيدةً مقارنةً بالمبالغ الباهظة الّتي تنفقها شركاتٌ مثل "أوبن إيه آي" (OpenAI)، و"غوغل" (Google)، و"ميتا" (Meta) لتدريب أنظمتها الذّكيّة. فالوعد بتقديم قدراتٍ مشابهةٍ لنموذج تشات جي بي تي بتكلفةٍ منخفضةٍ يبدو في غاية الجاذبيّة. ومع ذلك، ليس كلّ ما يلمع ذهباً.

إذا كانت التقنية مجانية، فأنت المنتج

يبرز هنا أمرٌ غالباً ما يغفله الكثير من قادة الأعمال: عندما يتعلّق الأمر بتبنّي حلول الذكاء الاصطناعي في المؤسسات، فإنّ "المجّانيّة" غالباً ما تحمل تكلفةً خفيّةً لا تظهر فوراً في تقارير الأرباح والخسائر. ورغم أهمية جعل التّكنولوجيّات التّحويليّة في متناول الجميع، إنّ الإندفاع لاعتماد أدوات الذكاء الاصطناعي المجانيّة دون وجود أطر تقييميّةٍ دقيقةٍ يثير المخاوف، خاصّةً للّذين شهدوا في الماضي نتائج مشابهةً.

خصوصية البيانات: المشكلة التي يتجاهلها الجميع

تُشير سياسة الخصوصيّة الخاصّة بديب سيك إلى أنّ بيانات المستخدمين، بما في ذلك ضغطات المفاتيح، وسجلّات الدّردشة، والملفّات المرفعة، تُخزّن على خوادم تقع في الصّين. وهذا الأمر يعتبر بمثابة تحذيرٍ عاجلٍ للعديد من الشّركات، والّتي انتهت بسبب عدم توفير الحماية الكافية للبيانات الحسّاسة، فالتّكلفة الحقيقيّة هنا لا تقاس بالدّولار، بل بالمخاطر المحتملة على الملكيّة الفكريّة وأمن الشّركة.

لا يقتصر الأمر على شركةٍ أو دولةٍ معيّنةٍ، بل يمتدّ إلى كيفيّة تقييم الشّركات واعتمادها لأدوات الذكاء الاصطناعي. وفي ظلّ سرعة تطوّر التّكنولوجيا، يصبح من السّهل الانجراف وراء أحدث الاتّجاهات دون دراسة التّكلفات الكاملة للتّنفيذ. ومن الجدير بالذّكر أنّ حتّى تشات جي بي تي لم يخلُ من مشاكل الأمان، فقد تمّ حظره في إيطاليا مؤقّتاً حتّى قامت أوبن إيه آي بتعديل سياساتها لتتوافق مع اللّوائح الأوروبيّة للخصوصيّة. وقد شهدت العديد من الشّركات اعتماد أدوات الذكاء الاصطناعي المجانيّة لتكتشف بعد فترةٍ أنّها تنفق مبالغ أكبر على التّدريب والتّكامل وتدابير الأمان مقارنةً بالحلول المؤسّسيّة المدروسة.

وعلى الرّغم من زعم ديب سيك أنّ تكلفة تطويره لم تتجاوز ستّة ملايين دولارٍ، تشير تقاريرٌ جديدةٌ إلى أنّ المبلغ الفعليّ قد يصل إلى خمسمئة ملايين دولارٍ، ولا تزال التّحقيقات جاريةً حول هذا الشّأن. وفي سياقٍ متّصلٍ، اقترح أحد أعضاء مجلس الشّيوخ الأمريكيّ مؤخّراً قانوناً يهدف إلى حظر ديب سيك وتصنيفه كجريمةٍ.

تجاوز التركيز على السعر

غالباً ما يؤدّي الاندفاع لاعتماد أدوات الذكاء الاصطناعي على تجاهل أسئلةٍ جوهريّةٍ تتعلّق بحوكمة البيانات. يشبه الأمر إلى حدٍّ بعيدٍ التّحوّل السّريع الّذي فرضته جائحة كوفيد-19، حينما اضطرّت الشّركات إلى الانتقال الفوريّ إلى نماذج العمل عن بعدٍ دون التّأكّد من جاهزيّة أنظمتها، ولا تزال الكثير من المؤسّسات تتعامل مع تبعيّات ذلك.

ومن المهمّ دائماً طرح الأسئلة الأساسيّة والتّفكير النّقديّ: من يملك مخرجات تفاعلات الذكاء الاصطناعي؟ وكيف تستخدم بيانات شركتك في تدريب هذه النّماذج؟ فهذه ليست مجرّد أسئلةٍ تتعلّق بالامتثال، بل هي قراراتٌ استراتيجيّةٌ ذات تأثيرٍ كبيرٍ على الأعمال.

هذا هو السّبب الّذي يفسّر تفوّق الشّركات الّتي تطلّ على المستقبل على تلك الّتي تتسرّع في تبنّي التّقنيّات دون تخطيطٍ، فالشّركات النّاجحة تبحث عن شركاء استراتيجيّين في مجال الذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال، تُظهر شركة "كرايون" (Crayon) كيف يمكن للتّنفيذ السّليم أن يحدث تحوّلاً حقيقيّاً في الأعمال. فقد طوّرت كرايون تطبيقاً للتّعرّف على الصّور قائماً على الذكاء الاصطناعي، ساعد أحد موزّعي "كوكا كولا" (Coca-Cola) في تحديد مئتين وعشرين ألف قطعة غيارٍ، وبعد إثبات نجاح الفكرة، يتمّ الآن تعميم هذه التّقنيّة على جميع مصانع التّعبئة.

يمكن أن يؤدّي التّطوير السّليم واستراتيجيّات التّنفيذ المحكمة إلى خفض إنفاق تكنولوجيا المعلومات وتقليل التّكلفات النّاتجة عن ديون التّكنولوجيا بنسبةٍ تصل إلى 40%، إلى جانب تحسين النّتائج التّجاريّة وتوسيع القيمة المضافة. ولكنّ كلّ ذلك يتطلّب نظرةً شاملةً تتجاوز السّعر الظّاهر، لفهم كيفيّة تكامل هذه الأدوات مع الأنظمة القائمة، وتحديد تدابير الأمان المناسبة، وتدريب الفريق بفعاليّةٍ.

تبني الذكاء الاصطناعي بمسؤولية

إنّ بناء الثّقة في التّقنيّات الجديدة ليس حكراً على الذكاء الاصطناعي، بل يمكننا الاستفادة من التّجارب والدّروس المستفادة من قطّاعاتٍ أخرى. على سبيل المثال، تُظهر منصّة "تارا مايند" (Tara Mind) للمزايا الصّحّيّة النّفسيّة كيف يمكن تقديم العلاجات المبتكرة بالنّجاح عبر التّقييم الدّقيق، ووضع بروتوكولاتٍ واضحةٍ، واستخدام الأساليب المبنيّة على الأدلّة. وبنفس الطّريقة، يجب على الشّركات وضع أطرٍ مشابهةٍ لتقييم وتنفيذ أدوات الذكاء الاصطناعي الجديدة.

يتطلّب تبني الذكاء الاصطناعي في المؤسّسات استراتيجيّةً متكاملةً تأخذ في الاعتبار التّكاليف الخفيّة والتّداعيات طويلة الأمد، بما يشمل السّلامة والأمان. وهذا يستلزم الاستثمار في عمليّات تقييمٍ دقيقةٍ، وتدابير أمانٍ فعّالةٍ، وبرامج تدريبٍ متخصّصةٍ. كما يجب أن يدرك القادة أنّ الأداة المجّانيّة قد تبدو بدون تكلفةٍ، إلّا أنّ البنية التّحتيّة اللّازمة لاستخدامها بأمانٍ وبفعاليّةٍ قد تكلّف ثمناً باهظاً على المدى الطّويل.

إذا كنت ترغب في اتّخاذ قراراتٍ أفضل بشأن تبنّي الذكاء الاصطناعي، ابدأ بطرح الأسئلة الصّحيحة. بدلاً من السّؤال "ما هي التّكلفة؟" اسأل "ما هي التّكلفة الإجماليّة للملكيّة؟"، وبدلاً من السّؤال "ما الّذي يمكن أن تفعله هذه الأداة؟" اسأل "كيف ستتكامل هذه الأداة مع أنظمتنا وبروتوكولات الأمان القائمة؟" فهذه هي الأسئلة الّتي تميّز بين التّنفيذ النّاجح للذكاء الاصطناعي والأخطاء المكلّفة.

ما وراء ضجة المجانية

لن تكون ديب سيك آخر أداةٍ تعد بقدراتٍ ثوريّةٍ بأسعارٍ لا تقاوم. كقادة أعمالٍ، يجب أن نتجاوز إغراء المجّانيّة ونركّز على التّنفيذ المستدام والآمن. فالشّركات النّاجحة ليست تلك الّتي تقفز على كلّ اتّجاهٍ جديدٍ في عالم الذكاء الاصطناعي، بل تلك الّتي تبني أطراً صارمةً لتقييم وتنفيذ هذه الأدوات بما يضمن حماية بياناتها وعملائها ومستقبلها.

ليس الهدف تجنّب أدوات الذكاء الاصطناعي الحديثة؛ فهذه الأدوات تحمل إمكانيّاتٍ رائعةً. ولكن من الضّروريّ تبنّيها بطريقةٍ استراتيجيّةٍ ومسؤولةٍ، مع الانتباه إلى أنّ تحميل معلوماتٍ حسّاسةٍ في أيّ نموذجٍ مجّانيٍّ يؤدي إلى مخاطر جسيمةً. وفي النّهاية، قد تكون الحلول المدفوعة بشكلٍ صحيحٍ أقلّ تكلفةً وأكثر أماناً من مواجهة التّكاليف الخفّية لما يسمّى بـ "المجانيّة".

شاهد أيضاً: DeepSeek الصينية تدخل عالم الذكاء الاصطناعي عبر نموذج R1

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
آخر تحديث:
تاريخ النشر: