DeepSeek الصينية تدخل عالم الذكاء الاصطناعي عبر نموذج R1

هذا المقال متوفّرٌ باللّغة الإنجليزيّة من هنا.

طرحت شركة "ديب سيك" (DeepSeek)، النّاشئة الصّينيّة المُتخصّصة في الذكاء الاصطناعي، نموذجها الجديد "R1" في 20 يناير، ممّا أثار بعض المخاوف بشأن هيمنة الشّركات الأمريكيّة في هذا القطّاع. وفي غضون أسبوعٍ واحدٍ فقط من إطلاق النّموذج، شهدت أسهم شركات التّكنولوجيا الأمريكيّة هبوطاً حادّاً، حيث انخفض سهم "إنفيديا" (Nvidia) بنسبة 17%، ممّا أدّى إلى خسارة 589 مليار دولارٍ أمريكيٍّ من القيمة السّوقيّة، كما شهد مؤشرا "ناسداك كومبوزيت" (Nasdaq Composite) و"S&P 500" تراجعاً بنسبة 3% و1.5% على التّوالي.

في 27 يناير، أعلنت ديب سيك عن تعرّضها لهجماتٍ إلكترونيّةٍ واسعة النّطاق وخبيثةٍ، ما دفع الشّركة إلى تقليص تسجيل المستخدمين الجدد على منصّتها لتجنّب مخاطر إضافيّةٍ.

تأسّست ديب سيك عام 2023 في مدينة هانغتشو الصّينيّة على يد رجل الأعمال الصّينيّ ليانغ وينفينغ، ونجحت الشّركة في تطوير نموذجها "R1" بتكلفةٍ بلغت 5.6 مليون دولارٍ فقط، وهو مبلغٌ زهيدٌ مقارنةً بالتّكاليف الضّخمة الّتي تتحمّلها الشّركات الأمريكيّة، والّتي تتراوح بين 100 مليون إلى مليار دولارٍ لتطوير كلّ نموذجٍ.

استثمر وينفينغ أموالاً من صندوق التّحوّط الخاصّ به "هاي فلاير" (High-Flyer) لشراء رقائق إنفيديا، وجذب أفضل الكفاءات الصّينيّة في مجال الذكاء الاصطناعي عبر تقديم رواتبٍ تنافسيّةٍ، وتمكّنت الشّركة من تحسين كفاءة 2000 فقط من رقائق إنفيديا H800 ذات القدرات المحدودة، متجاوزةً الخطوات التّقليديّة الّتي تعتمد عليها الشّركات الأمريكيّة.

ورغم مواردها المحدودة، أظهرت اختبارات الطّرف الثّالث أنّ نموذج "R1" يقدّم أداءً مميزاً، وتزعم ديب سيك أنّ نموذجها يتفوّق على نموذج "o1-mini" الخاصّ بـ"أوبن إيه آي" (OpenAI) في عدّة معايير، وقد بدأت شركاتٌ في تبنّي نموذج "R1" كحلٍّ أكثر فعاليّةً من حيث التّكلفة، وفقاً لتقرير نشرته "وول ستريت جورنال" (Wall Street Journal).

علّق الرّئيس الأمريكيّ السّابق دونالد ترامب على نجاح ديب سيك، مشيراً إلى أنّ هذه الخطوة يجب أن تكون ناقوس خطرٍ للشّركات الأمريكيّة، مؤكّداً الحاجّة إلى تعزيز الابتكار والمنافسة في قطّاع الذكاء الاصطناعي.

ومن جانبه، وصف مارك آندرسن، الشّريك العامّ في "أندريسن هورويتز" (Andreessen Horowitz)، إطلاق نموذج "R1" بأنّه "لحظة سبوتنك" لقطّاع الذكاء الاصطناعي، في إشارةٍ إلى إطلاق الاتّحاد السّوفيتيّ للقمر الصّناعيّ "سبوتنك" (Sputnik) عام 1957 الّذي حفّز برنامج الفضاء الأمريكيّ.

تأتي هذه التّطوّرات في سياق تصاعد ما يُوصف بـ"سباق التسلح في الذكاء الاصطناعي" بين الولايات المتّحدة والصّين. ومنذ سبتمبر 2022، فرضت الولايات المتّحدة عقوباتٍ تمنع تصدير رقائق "إنفيديا H100" الأكثر تقدّماً إلى الصين. وفي أكتوبر 2023، توسّعت هذه القيود لتشمل حتّى رقائق "H800" ذات القدرات المحدودة. غير أنّ ديب سيك كانت قد خزّنت رقائق "إنفيديا A100" قبل دخول العقوبات حيّز التّنفيذ، ممّا مكّنها من التّكيف مع القيود الجديدة واستمرار الابتكار في ظروفٍ صعبةٍ.

تُشير التّطوّرات الأخيرة إلى تصاعد حدّة المنافسة في قطّاع الذكاء الاصطناعي بين القوى العالميّة الكُبرى، ومع نجاح ديب سيك في تقديم نموذجٍ قويٍّ وفعّالٍ من حيث التّكلفة، يبدو أنّ السّاحة مفتوحةٌ لتحوّلاتٍ كبيرةٍ قد تُعيد تشكيل ملامح هذا القطّاع الواعد.