Gemini على المحك: رحلة Google نحو استعادة الثقة الضائعة
كيف تتعاطى Google مع التحديات التي تواجه Gemini لضمان استعادة ثقة المستخدم؟
لو كنت المدير التَّنفيذيَّ لشركة Google -الشُّركة التي تتبنَّى شعار: "تنظيم المعلومات العالميَّة وجعلها في متناول الجميع، ليستفيدوا منها"- لوجدت نفسك أمام تحدٍّ كبيرٍ خلال الأسبوع الماضي، فقد اضطرَّت Google إلى تعليق خاصيَّة إنتاج الصُّور ضمن منتجها للذكاء الاصطناعي التوليدي Gemini، إثر ملاحظة المستخدمين لطريقة تعاطيه مع الصَّور التي تتناول الأشخاص والأعراق. [1]
على سبيل المثال، عند طلب صورة من Gemini تُظهر "جنوداً ألمان في عام 1943"، كان يُظهِر صوراً تضمُّ أمريكيين سود من أصول أفريقيَّة ولاتينيَّة، يرتدون الزّيَّ العسكريَّ، وهذا ممّا يعدُّ بشكلٍ واضحٍ من الأمور الإشكاليَّة، وقد كشفت دلائل إضافيَّة أنَّ Gemini كان يعدُّ الطَّلبات المتعلِّقة بإنشاء صورٍ للرّجال البيض طلباتٍ حسَّاسةً وكان يرفض تنفيذها.
وتبيَّن أنَّ السَّبب بسيطٌ جداً، ولقد تناولت في مقالاتٍ سابقةٍ، تفسير Google لإدراج Gemini تعليمات من أجل ضمان أنَّ النَّتائج التي يُقدِّمها تكون شاملةً، وتمثّل التَّنوُّع السُّكانيّ بصورةٍ أكبر، وهذه الغاية بحدِّ ذاتها معقولةٌ، إلَّا أنَّ المشكلة تكمن في ضرورة تقديم صورٍ تعكس السِّياق الَّتاريخيَّ الدَّقيق للموضوع المُستفسَر عنه، وإذا ما أرادت Google أن تكون مصدراً موثوقاً للمعلومات.
لقد أثار العديد من المراقبين تساؤلاتٍ حول ما إذا كان بيتشاي سيتمكَّن من الاستمرار في منصبه كرئيسٍ تنفيذيٍّ عقب هذه الفضيحة الكُبرى مع منتجٍ يُعدُّ الأهمَّ لـ Google في المستقبل، وتبدو هذه التَّساؤلات معقولةً بحدِّ ذاتها. ولقد فشلت Google من خلال Gemini بشكلٍ فادحٍ، ما دلَّ على وجود ثقافةٍ منهارةٍ داخل الشَّركة، ولكن في نهاية المطاف، يتحمَّل الرَّئيس التَّنفيذيُّ مسؤوليَّة تلك الأخطاء.
والآن، ردّ بيتشاي أخيراً على ذلك، في بيانٍ إلى الموظَّفين عرضته The Verge، وتطرَّق بيتشاي خلاله إلى الحديث عن النُّصوص والصُّور الإشكاليَّة في تطبيق Gemini، واصفاً إيَّاها بأنَّها غير مقبولة، وقال: "لقد فهمنا الأمر بصورةٍ خاطئةٍ"، ولم يُقدِّم بيتشاي اعتذاراً صريحاً عمّا وقع، بل اكتفى بالعبارات التَّقليديَّة حول تصحيح الأخطاء، ومن ناحيةٍ، يُمكن القول إنَّ كلماته تفتقر إلى الأهميَّة نظراً؛ لأنَّه لم يكن أمامه خيارُ آخر سوى الإدلاء بتصريحٍ، من ناحيةٍ أُخرى، ما أفصح عنه كان بالضَّبط ما ينبغي قوله، وفي الحقيقة، يختتم بيتشاي المذكَّرة بإبراز أحد الدُّروس الأساسيَّة لكلِّ قائدٍ:
"نحن نعرف ما يتطلَّبه الأمر لإنشاء منتجاتٍ استثنائيَّةٍ تنال إعجاب مليارات الأشخاص والشَّركات عبر العالم ويستخدمها الكثيرون منهم، وبفضل المقوِّمات التي لدينا وخبرتنا في البحث، نحن نمتلك المنصَّة المثاليَّة للانطلاق في عالم الذكاء الاصطناعي، ودعونا نُركِّز على ما يهمُّ حقَّاً، ألا وهو تطوير منتجاتٍ مفيدةٍ تليق بثقة مستخدمينا."
شاهد أيضاً: Bard يطلق Gemini Pro وميزات جديدة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
أعد النَّظر في آخر الكلمات: "تليق بثقة مستخدمينا" هذه هي النُّقطة الجوهريَّة التي تهمُّنا، وهذا هو الدَّرس الذي تعلَّمناه، وتلك هي أسمى مهامُّ أيّ مُصمِّمٍ للمنتجات، ولطالما أكَّدت على أنَّ الثّقة هي الكنز الأثمن الذي يمكن أن تمتلكه أيُّ شركةٍ، وفي النِّهاية، هذا هو التَّحدِّي الوجوديُّ الذي تواجهه Google، وإنَّه يتمثَّل بإمكانيَّة خسارة ثقة المستخدمين، ويأتي الاستخدام الدّراماتيكيّ لكلمة "وجوديُّ" من كون Google لن تُعد ذات فائدةٍ لأحدٍ، إذا لم يستطع المستخدمون الوثوق بأنَّ الإجابات المقدَّمة منها دقيقة وذات صلةٍ، وفيما يخصُّ Gemini، لم تتحقّق أيٌّ من هاتين الحالتين.
وتكمن المسألة في أنَّ الثّقة لا تُمنح ببساطةٍ لمجرَّد تقديم شيءٍ جديدٍ، إذ ينبغي أن يكونَ ما تُقدِّمه -كما يُشير بيتشاي- مبنياً بشكلٍ يستحقُّ هذه الثِّقة بالفعل، ويتطلَّب الأمر بناءً يأخذ بعين الاعتبار العهد الذي تقطعه لمستخدميك في المقام الأوَّل، وبالنّسبة لـ Google، هذا العهد يعني أنَّها لن تفبرك تمثيليَّاتٍ مُضللةً فقط لتعزيز أجندةٍ ثقافيَّةٍ معينةٍ.
شاهد أيضاً: بوتات Google وMicrosoft للدردشة تختلق إحصائيات الـSuper Bowl
عندما يطلب أحدهم صورةً للآباء المؤسّسين للولايات المتَّحدة، فمن المرجَّح أن يُتوقَّعَ رؤية مجموعةً من الرّجال البيض، بغضّ النَّظر عن الجدل حول كيف أنَّ عدم التَّنوُّع بين هؤلاء الرّجال الَّذين أرسوا دعائم هذا البلد، قد أسهم في خلق مجموعةٍ واسعةٍ من المشكلات الهيكليَّة، وقد يكون هذا الجدل صحيحاً، ولكنَّه لا يتعلَّق مباشرةً بهذا الطَّلب الخاصّ، ولا يُعدُّ تصحيح هذه المشكلات من ضمن مسؤوليَّات أدوات الدَّردشة الذَّكيَّة، أو من مهام Google.
ويقول بيتشاي: "لقد حرصنا دوماً على توفير معلوماتٍ مفيدةٍ ودقيقةٍ، ومحايدةٍ من خلال منتجاتنا، وهذا هو السَّبب في أنَّ النَّاس يثقون بها، وينبغي أن يظلَّ هذا هو منهجنا المتَّبع مع جميع منتجاتنا، بما في ذلك المنتجات النَّاشئة في مجال الذكاء الاصطناعي".
لقد وقعت Google في خطأٍ جسيمٍ بالفعل، ولم تُثبت Gemini فائدتها، ولا دقَّتها، ولا حياديتها، وهنا تبرز ردَّةُ فعل بيتشاي مدى الجهد المطلوب من الشَّركة لتصحيح مسارها، أي العمل على إعادة بناء منتجاتٍ تستحقُّ ثقة المستخدمين، غير أنَّ هذا المبدأ لا ينطبق على Google وحدها، بل على كلِّ شركةٍ، على سبيل المثال، سواءً كان هدفك تنظيم المعلومات التي يتشاركها العالم وجعلها متاحةً ومفيدةً بشكلٍ عامٍّ، أو كنت تعمل على بيع أيِّ منتجٍ تصنعه شركتك.
وفي نهاية المطاف، هذه هي القاعدة الأساسيَّة، إذا فقدت ثقة عملائك، فلا شيء آخر يهم، ففي تلك اللَّحظة، تكون قد خسرت كلَّ شيءٍ.
لمزيدٍ من الأخبار في عالم التكنولوجيا، تابع قناتنا على واتساب.