Google: ابتكارٌ جديدٌ في الحوسبة الكمية يغيّر مستقبل الأعمال
شريحة "Willow" تحقق تفوقاً كمياً غير مسبوق، وتفتح آفاقاً لتطور الذّكاء الاصطناعيّ والتّكنولوجيّا
كشفت شركة "غوغل" (Google)، المعروفة بكونها عملاقاً في محرّكات البحث والإعلانات وبرمجيّات المكاتب، إضافةً إلى طموحاتها في مجال الذّكاء الاصطناعيّ، يوم الاثنين عن مشروعٍ قد يتجاوز في أهمّيّته كلّ أعمالها الأخرى. فقد أعلنت عن تطوير كمبيوترٍ كمّيٍّ جديدٍ يعتمد على شريحةٍ خاصّةٍ من تصميمها تدعى "ويلو" (Willow)، تستخدم موادّ فائقة التّوصيل يتمّ تبريدها إلى درجات حرارةٍ منخفضةٍ جدّاً. ووفقاً لتقرير "نيويورك تايمز" (The New York Times)، يتمتّع هذا الجهاز بقدرةٍ هائلةٍ تمكّنه من إجراء حسابٍ رياضيٍّ في أقلّ من خمس دقائق، وهو الحساب الّذي يعجز أحد أقوى الحواسيب العملاقة في العالم عن إنجازه حتّى خلال 10 سبتيليون سنةٍ، وهو زمنٌ يتجاوز بكثيرٍ عمر الكون المعروف.
تفوّقٌ كمّيٌّ غير مسبوقٍ
وصفت غوغل هذا الإنجاز بأنّه يمثّل "التّفوّق الكمّيّ" (Quantum Supremacy)، وهو مصطلحٌ يشير إلى قدرة الكمبيوتر الكمّيّ على إنجاز مهامّ حوسبةٍ يستحيل على أيّ كمبيوترٍ تقليديٍّ القيام بها. وقد أثار الإعلان اهتماماً واسعاً، بما في ذلك تعليق الملياردير إيلون ماسك، مالك منصّة "إكس" (X) الّتي كانت تسمى تويتر سابقاً، الّذي عبّر عن إعجابه ببساطةٍ بكلمة "رائعٌ" (Wow)، قبل أن يدخل في حوارٍ مع الرّئيس التّنفيذيّ لغوغل، سوندار بيتشاي، حول إمكانات هذه التّكنولوجيا. واقترح بيتشاي أنّه قد يصبح من الممكن إطلاق "عنقودٍ كمّيٍّ" (Quantum Cluster) في الفضاء باستخدام صاروخ "ستارشيب" (Starship) التّابع لشركة "سبيس إكس" (SpaceX). وأكّد ماسك أنّ هذا الأمر "مرجّح الحدوث".
من جهةٍ أخرى، تعمل أجهزة الكمبيوتر الكمّيّة باستخدام ميكانيكا الكمّ، وهو أحد الفروع المعقّدة والغريبة من الفيزياء. فبينما تعتمد أجهزة الكمبيوتر التّقليديّة على "البتّات" الّتي تكون حالتها إمّا "مفعّلة" أو "متوقفة"، تعتمد الحواسيب الكمّيّة على "الكيوبتات" (Qubits)، الّتي يمكن أن توجد في حالاتٍ متعدّدةٍ في نفس الوقت. ونتيجةً لذلك، يمكن للكمبيوتر الكمّيّ أن يجري كمّيّةً هائلةً من العمليّات الحسابيّة في الوقت نفسه الّذي يحتاج فيه الكمبيوتر التّقليديّ لإجراء عمليّةٍ واحدةٍ فقط.
تحدّياتٌ وإمكاناتٌ مستقبليّةٌ
رغم ذلك، تواجه الحوسبة الكمّيّة تحدّياً كبيراً يتمثّل في الطّبيعة الاحتماليّة للنتائج، إذ غالباً ما تكون الإجابة "مرجّحةً" وليست "مؤكّدةً". ولكنّ جهاز غوغل الجديد يتضمّن نظاماً لتصحيح الأخطاء، وهو تقدّمٌ وصفته نيويورك تايمز بأنّه خطوةٌ طال انتظارها لعقودٍ.
في الوقت نفسه، تعمل شركاتٌ أخرى على تطوير تقنيات الحوسبة الكمّيّة، إلّا أنّ تقدّم غوغل، بفضل مواردها الماليّة الضّخمة وفريقها من العلماء الموهوبين، يمثّل علامةً فارقةً في هذا المجال. ورغم أنّ الأجهزة العمليّة الّتي تعتمد على هذه التّكنولوجيا قد تكون بعيدة المنال لسنواتٍ، إلا أنّنا يمكننا أن نتخيل مدى قيمتها وأهميتها استناداً إلى الطّريقة الّتي نعتقد أنّ غوغل ستستخدمها بها.
كيف يمكن أن يغيّر هذا الابتكار العالم؟
يعتمد كلّ شيءٍ في غوغل تقريباً على البيانات والرّياضيّات، من محرّك البحث الّذي يعمل عبر خوارزميّاتٍ معقّدةٍ، إلى أدوات الذّكاء الاصطناعيّ الّتي تتطلّب قواعد بياناتٍ ضخمةً وأجهزة حوسبةٍ عملاقةٍ. وبالتّالي، فإنّ الكمبيوتر الكمّيّ، بسرعته الخارقة، يمكن أن يحدث ثورةً في قدرات غوغل الحوسبيّة. كما يمكن استخدام هذا النّوع من الأجهزة في مجالاتٍ مثل اكتشاف الأدوية المستقبليّة، وتطوير أنظمة ذكاءٍ اصطناعيٍّ أكثر ذكاءً وسرعةً. وبالإضافة إلى تعزيز أنظمة غوغل نفسها، تطمح الشّركة إلى جعل الحواسيب الكمّيّة مفيدةً للشّركات والمستهلكين، وليس مجرّد أدواتٍ لدعم عمليّاتها الدّاخليّة.
رغم أنّ تأثير هذه التّكنولوجيا لن يظهر على الفور، إلّا أنّ الحوسبة الكمّيّة في طريقها إلى تحقيق تغييرٍ جذريٍّ، قد يوازي الثّورة الّتي أحدثها ظهور الكمبيوتر الرّقميّ وأجهزة الكمبيوتر الشّخصيّة خلال القرن العشرين. تخيّل كيف غيّرت هذه الأجهزة العمل المكتبيّ، والتّجسّس، والتّصوير الفوتوغرافيّ، وتطوير الأدوية، والعديد من جوانب الحياة الأخرى.
والآن، تخيّل كيف يمكن أن تتغيّر الأمور مع ظهور أجهزة كمبيوترٍ أسرع بملايين المرات ممّا لدينا حاليّاً. بالنّظر إلى تأثير الذّكاء الاصطناعيّ اليوم، الّذي يعتمد على التّكنولوجيا التّقليديّة، يبدو المستقبل واعداً بشكلٍ لا يمكن تصوّره مع دخول الذّكاء الاصطناعيّ الكمّيّ إلى السّاحة.