Hamilton: ابتكار مصري يغير قواعد التمويل اللامركزي
يسعى محمد القسطاوي وإيهاب زغلول، مؤسّسا هاميلتون، لتمكين الأسواق النّاشئة من بناء الثّروة عبر ترميز الأصول الواقعيّة على شبكة بيتكوين

أسّس محمّد القسطاوي وإيهاب زغلول، رائدا التّكنولوجيا الماليّة في مصر، "هاملتون" (Hamilton)، وهو بروتوكولٌ يتيح توكنة الأصول الواقعيّة (RWA) على شبكة البيتكوين، وذٰلك بعد اكتشافهما لتقنيّة البلوكشين في عام 2014. وفي عام 2017، أطلقا شركة "زي كي كابيتال" (ZK Capital) بهدف الاستثمار في الشّركات النّاشئة في مجال العملات المشفّرة، وكانا مدفوعين بإيمانٍ مشتركٍ بأنّ البلوكشين سيحدث ثورةً في النّظام الماليّ.
اليوم، وبعد اكتسابهما خبرةً عميقةً في مجالات البلوك تشين وأمنه، والتّكنولوجيا الماليّة، وعلم التّشفير، وريادة الأعمال، أسّسا شركة "هاملتون" لتحقيق هدفهما في جعل النّظام الماليّ أكثر إتاحةً وأماناً وشموليّةً للفئات الّتي تفتقر إلى الخدمات الماليّة في الأسواق النّاشئة. وفي 4 يوليو 2024، أتمت "هاملتون" أولى معاملةٍ لها من خلال توكنة سندات الخزانة الأمريكيّة على حلول الطّبقة الثّانية للبيتكوين مثل "ستاك" (Stacks) و"كور" (Core). وتستهدف الشّركة الآن إلى التّوسّع في الأسواق النّاشئة، خاصّةً في منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا، لتعزيز الاستقلاليّة الماليّة من خلال حلول التّمويل اللّامركزيّ (DeFi).
في حديثٍ مع "عربية .Inc"، كشف القسطاوي وزغلول أنّ فكرة تأسيس "هاملتون" نشأت نتيجةً لتجاربهما الشّخصيّة مع عدم الاستقرار الماليّ في منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا. يقول القسطاوي وزغلول: "ولدت هاملتون من التّحدّيات الواقعيّة الّتي عايشناها بأنفسنا. كانت عائلاتنا في المنطقة تسعى إلى إيجاد منتجاتٍ ذات دخلٍ ثابتٍ لتوليد دخلٍ شهريٍّ مستقرٍ. وعندما لم تستطع الوصول إلى الخيارات المؤسّسيّة مثل "بلاك روك" (BlackRock) أو "فرانكلين تمبلتون" (Franklin Templeton)، اعتمدوا على شهادات الإيداع ذات الفائدة المرتفعة المحلّيّة. وعندما انخفضت قيمة العملة، خسروا جزءاً كبيراً من ثرواتهم - أكثر من 233 في المئة. ألهمتنا هذه اللّحظات لأن نسأل: لماذا لا يستطيع أيّ شخصٍ، حتّى لو كان معه دولارٌ واحدٌ، الوصول إلى استثماراتٍ مؤسّسيّةٍ أينما كان، كما يحدث في الولايات المتّحدة؟ وكانت "هاملتون" هي الإجابة على هذا السّؤال".
من هنا، بدأ القسطاوي وزغلول في بناء حلٍّ يساعد الأفراد في الأسواق النّاشئة للوصول إلى استثماراتٍ مؤسّسيّةٍ من خلال توكنة الأصول الواقعيّة مثل سندات الخزانة الأمريكيّة والصّكوك الإسلاميّة على البيتكوين، بهدف تمكين الأفراد من حماية ثرواتهم وتنميتها. وفي يناير 2025، جمعت الشّركة تمويلاً أوّليّاً قدره 1.7 مليون دولارٍ بقيادة "ديسربتك فينتشرز" (DisruptTech Ventures) المصريّة، وبمشاركة شركات رأس المال الاستثماريّ مثل "سي إم إس" (CMS) في نيويورك، و"دي سبريد" (DeSpread) في دبي، و"هايبرثيم" (Hyperthim) اليابانيّة، و"كور فينتشرز" (Core Ventures) في كاليفورنيا، وغيرها. وستستخدم هذه الأموال لدعم روّاد الأعمال في إطلاق منتجات "هاملتون" الرّئيسيّة مثل "HUSD"، وهي منصّةٌ مدعومةٌ من عملةٍ مستقرّةٍ لتمكين توكنة أيّ أصلٍ على البيتكوين. كما ستساهم هذه الأموال في تطوير الفريق وبناء الشّراكات مع مديري الأصول، وشركات التّكنولوجيا الماليّة، والبنوك.
تستحوذ توكنة الأصول الواقعيّة، التي لا تزال في مراحلها الأولى حتّى في الأسواق المتقدّمة، على فكرة تحويل حقوق ملكيّة الأصول التّقليديّة إلى رموزٍ رقميّةٍ على البلوك تشين، ممّا يسهّل وصولها وإدارتها وتناولها. تشمل هذه الأصول المعادن الثّمينة مثل الذّهب، والفنّ، وسندات الخزانة، والعقارات. وعندما نتحدّث عن "هاملتون"، يوضّح القسطاوي وزغلول أنّ المشروع يركّز في الأساس على الأصول الواقعيّة مثل السّندات، والمعادن الثّمينة، والعقارات كأصولٍ مستقرّةٍ وآمنةٍ. وتوكنة هذه الأصول على البيتكوين، كما يشيران، قد تساعد في تجاوز الحواجز التّقليديّة للاستثمار المؤسّسيّ في الأسواق النّاشئة، من خلال تمكين الأفراد من الوصول إلى أدوات بناء الثّروة مثل المنتجات ذات الدّخل الثّابت والصّناديق المدعومة بالذّهب. ولذلك، تكون محطّتهم الأولى في الأسواق النّاشئة هي الدّول في منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تكون المنتجات المماثلة إمّا محدودةً، أو تترافق مع رسومٍ مرتفعةٍ. وقد خصّ روّاد الأعمال الإمارات وقطر والسّعوديّة ومصر كدولٍ تتمتّع بزيادةٍ في الطّلب على الاستثمارات الآمنة مثل الصّكوك وسندات الخزانة. إلى جانب منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا، يرى القسطاوي وزغلول إمكاناتٍ لـ "هاملتون" في أسواقٍ أخرى ناشئةٍ عبر أمريكا اللّاتينيّة وجنوب شرق آسيا وأفريقيا، حيث توجد تحدّياتٌ مماثلةٌ.
وفي حديثهما، أوضح القسطاوي وزغلول أنّ العمل في الأسواق النّاشئة يمثّل فرصةً لتجاوز الفجوات الماليّة الكبيرة؛ نظراً للاختلاف في الوصول إلى الأدوات الماليّة بين تلك الأسواق والأسواق الأكثر تطوّراً. "في الأسواق المتقدّمة، يتمتّع الأفراد والشّركات بوصولٍ سلسٍ إلى استثماراتٍ مستقرّةٍ وعالية الجودة"، كما يقولان. "أمّا في الأسواق النّاشئة، فإنّها غالباً ما تواجه حواجز كبيرةٍ. جسر هذه الفجوة لا يوفّر فرصاً للأفراد والشّركات في هذه المناطق لحماية وتنمية ثرواتهم فحسب، بل يعزّز أيضاً الشّمول الماليّ العالميّ من خلال خلق الوصول إلى الأدوات الّتي كانت تقليديّاً مقتصرةً على الاقتصادات المتقدّمة".
في رأيهما، تكمن الفرصة الحقيقيّة في معالجة هذه الفجوات الماليّة. "إنّ سوق الأصول الواقعيّة المرمزة في الأسواق النّاشئة على موعدٍ مع نموّ كبيرٍ مع تقدّم البنية التّحتيّة، والتّقنيّة، ووضوح اللّوائح التّنظيميّة"، كما يقول القسطاوي وزغلول. "فئات الأصول الّتي تمّ تصميمها لتلبية الحاجات المحلّيّة - مثل الصّكوك في المناطق الإسلاميّة، والذّهب المرمز في الاقتصادات المعرّضة للتّضخّم، والعقارات المرمزة في الأسواق الّتي تشهد نموّاً في الطّبقة الوسطى - ستدفع بالاعتماد على هذه المنتجات".
ورغم ثقتهما في التّبنّي السّريع لهذه الأسواق وإمكانيّاتها في النّموّ، إلّا أنّهما يدركان التّحدّيات الّتي قد يواجهانها في اختراقها، مشيرين إلى عواملٍ مثل عدم اليقين التّنظيميّ، والامتثال، وانعدام الثّقة في المنتجات الماليّة المعتمدة على البلوكشين، فضلاً عن غياب السّياسات الثّابتة للعملات المشفّرة. للتّغلّب على هذه التّحدّيات، يتّبع مؤسّسا "هاملتون" استراتيجيّةً تركّز على الامتثال، من خلال العمل عن كثبٍ مع المنظّمين المحلّيّين والمؤسّسات الماليّة، بما في ذلك البنوك، وشركات التّقنيّة الماليّة، ومديرو الأصول، لضمان أن منتجاتهما تلبي شروطهما القانونيّة والسّوقيّة.
لكنّ التّحدّيات لا تتوقّف عند التّنظيم فقط، فالقسطاوي وزغلول يشيران إلى أنّه هناك عملاً كبيراً يجب أن ينفّذ لسدّ الفجوات في الثّقافة الماليّة عبر الأسواق، خاصّةً فيما يتعلّق بالمنتجات اللّامركزيّة (DeFi)، وببناء الوعي والثّقة. لذلك، يعتبران التّعليم جزءاً أساسيّاً من مهمّتهما، ويشرحان أنّ دورهما الأساسيّ يتضمّن توعية الأطراف المحلّيّة والإقليميّة بفوائد الأصول الواقعيّة المرمزة، وتعزيز الثّقة في موثوقيّتها. يقول القسطاوي وزغلول: "التّثقيف الماليّ هو تحدٍّ عالميٌّ - لا يقتصر على الأسواق النّاشئة فحسب، بل نراه حتّى في الاقتصادات المتقدّمة". ويضيفان: "من دون التّعليم، يصبح من المستحيل كسر هذه الحواجز وتمكين المشاركة الأوسع في الأسواق الماليّة. لذلك، تتضمّن استراتيجيّتنا تبسيط تعقيد المنتجات الماليّة من خلال التّصميم الحدسيّ، والمحتوى المحلّيّ، وأدوات التّعلّم المعتمدة على الألعاب، لتيسير فهم هذه الأصول والتّعامل معها وجعله أمراً سلساً، حتّى للمستثمرين الجدد. نخطّط أيضاً للتّعاون مع شركات التّقنيّة الماليّة المحلّيّة، والمنظّمات المجتمعيّة، والمؤسّسات التّعليميّة لتقديم برامج التّثقيف الماليّ الّتي تناسب السّياقات الثّقافيّة والاقتصاديّة المختلفة".
ركّز القسطاوي وزغلول على أن بناء الثّقة في "هاملتون" وفي التّمويل اللّامركزيّ بشكلٍ عامٍ لا يقتصر على التّعليم فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى إنشاء أنظمةٍ يمكن أن تثبت قدرتها على كونها موثوقةً وآمنةً مع مرور الزّمن. ومن هنا، راهنا على البتكوين، وهو الأساس الّذي يوفّر البنية التّحتيّة الآمنة. يقولان: "استخدام هاملتون للبنية التّحتيّة الآمنة للبتكوين وحلول الطّبقة الثّانية القويّة يضمن أنّ الاستثمارات محميّةٌ بأقوىٰ تقنيّات البلوكشين المتاحة". ويضيفان: "سنقوم أيضاً بإدراج آليّاتٍ مثل الشّفافيّة الفوريّة في تقارير الأصول، والامتثال الصّارم، والتّدقيق من قبل أطرافٍ ثالثةٍ للتّحقّق من صحّة الادّعاءات. تنمو الثّقة من خلال التّجربة، وهدفنا هو تمكين المتبنّين الأوّائل والمستثمرين الصّغار عبر توفير عمليّة تسجيلٍ سلسةٍ، ودعمٍ استجابةٍ سريعةٍ، ونتائجٍ مرئيّةٍ، ممّا يجعلهم دعاةً للتّبنّي الأوسع".
ورغم التّحدّيات الّتي قد يواجهها المشروع، يبقى القسطاوي وزغلول واثقين بأنّ السّواق النّاشئة قادرةٌ على التّفوّق في مجال التّمويل اللّامركزيّ. ويختتمان قائلين: "غالباً ما تكون الأسّواق النّاشئة أكثر مرونةً في تبنّي الأطر الماليّة المبتكرة، وقد تجعل اللّوائح التّنظيميّة المتقدّمة منها قادةً في هذا المجال. أمّا التّدفّقات الاستثماريّة العابرة للحدود الّتي ستمكّنها الأصول الواقعيّة المرمّزة، فستسمح للأفراد والمؤسّسات بالتّنوّع في أصولٍ كانت تقليديّاً متاحةً فقط في الاقتصادات المتقدّمة. هذا التّحوّل سيغيّر من طريقة تقديم واستهلاك المنتجات الماليّة، ممّا يمكّن المزيد من الأشخاص من المشاركة في أسواق رأس المال العالميّة".
نُشرت هذه المقالة لأول مرة في عدد يناير/فبراير من مجلة "عربية .Inc". لقراءة العدد كاملاً عبر الإنترنت، يُرجى النقر هنا.