HyperSpace: ثورة في التفاعل بين العالمين الرقمي والواقعي
يعمل المؤسّسون المشاركون لشركة هايبرسبيس، ألكسندر هيلر، وراما ألين، وديسي غونزاليس، على ابتكار سحرٍ رقميٍّ يضفي بعداً جديداً على العالم الواقعيّ

في عام 2021، شدّ ثلاثةٌ من سكّان نيويورك الرّحال إلى دبيّ ليؤسّسوا شركةً تدعى "هايبرسبيس" (HyperSpace)، هدفها، كما يصرّحون، أن "تبثّ الدّهشة" في النّفوس عبر متنزّهاتٍ مبهرةٍ تنقل العالم الرّقميّ إلى فضاءٍ ملموسٍ، فتغدو أشبه بعالمٍ متجسّدٍ من ميتافيرس حقيقيٍّ. وبعد أربعة أعوامٍ، أطلق المؤسّسون الثّلاثة، راما آلن (الرّئيس التّنفيذيّ للابتكار)، وديزي غونزاليس (الرّئيسة التّنفيذيّة للعمليّات)، وأليكساندر هيلر (الرّئيس التّنفيذيّ)، ثلاثة متنزّهاتٍ على امتداد المنطقة، وكان أحدثها قد افتتح في دبي مول في شهر فبراير الفائت. فكيف تبلورت هذه الفكرة في البدء؟ وما الّذي دفعهم إلى خوض غمارها منذ البداية؟
في حوارٍ مع مجلّة "عربية .Inc"، يشرح الثّلاثيّ كيف انتقلوا من عالم الفنّ والتّسويق التّجريبيّ إلى تأسيس شركةٍ ناشئةٍ تروم إحداث ثورةٍ في كيفيّة التقاء العالمين الرّقميّ والمادّيّ.
يؤكّد آلن وغونزاليس أنّ مسيرتهما المهنيّة كانت دائماً تسير على الحدّ الفاصل بين الواقع والممكن، إذ شملت تجاربهما كلّ ما يمكن تصوّره، من تصميم عروضٍ بصريّةٍ مذهلةٍ لحفلات نجوم البوب مثل ليدي غاغا، إلى ابتكار حملاتٍ إبداعيّةٍ وتجارب متفرّدةٍ لصالح شركاتٍ تقنيّةٍ كبرى مثل غوغل (Google) وميتا (Meta)، حيث عملا على دفع حدود الإبداع إلى آفاقٍ غير مسبوقةٍ.
وتشير غونزاليس إلى أنّها أمضت سنواتٍ تدير فريقاً عالميّاً يضمّ مئة شخصٍ، لإنجاز ما تصفه بـ"المشروعات المستحيلة" لصالح علّاماتٍ تجاريّةٍ ضخمةٍ. وتضيف: "اعتدنا دائماً السّعي وراء تحقيق ما لم ينجز من قبل، وهذا ما يشكّل جوهر عملنا؛ فنحن نحرص على تقديم شيءٍ لم يكن له وجودٌ من قبل، لنحوّله إلى حقيقةٍ".
وهنا، يعلّق آلن قائلاً: "ما كنّا نبتكره دائماً كان يبدو وكأنّه مشهدٌ من أفلام الخيال العلميّ، وهذا بالضّبط ما كان يجعلهم يلجؤون إلينا: أن نقدّم لهم شيئاً لم يكن في الحسبان، ولم يسبق أن جرّب من قبل".
من جانبها، حفرت غونزاليس اسمها كمنتجةٍ تنفيذيّةٍ بارعةٍ في عالم الوسائط المتعدّدة، وحصدت جوائز مرموقةً تقديراً لإبداعاتها. تولّت ريادة برامج تلفزيون الواقع لصالح كومكاست (Comcast)، وأبدعت في صياغة قصصٍ تفاعليّةٍ للأطفال تعتمد على الواقع المعزّز تحت مظلّة ميتا (Meta)، وأسهمت في تطوير تقنيّات الألعاب الحيويّة لدى نايكي (Nike). لم تتوقّف عند ذلك، بل كانت أيضاً وراء إطلاق نجوم بوبٍ افتراضيّين في فضاء الميتافيرس، لتدفع بحدود الإبداع نحو آفاقٍ غير مسبوقةٍ. أمّا دخولها عالم التّسويق التّجريبيّ، فقد بدأ عام 2011، حين كان هذا المجال لا يزال مجهولاً، بالكاد يدركه أحدٌ. تقول غونزاليس: "في ذلك الوقت، كان الأمر أشبه بالسّير في أرضٍ غير مكتشفةٍ، حيث لا خرائط ترشدنا، ولا مساراتٌ مهيّأةٌ للعبور".
على الجانب الآخر، أمضى آلن أكثر من عشرين عاماً في ابتكار تجارب تفاعليّةٍ مبهرةٍ، وصناعة الأفلام، وتطوير المنتجات الّتي تعيد تعريف العلاقة بين الجمهور والتّقنيّة. كان له حضورٌ لامعٌ في عالم الإخراج السّينمائيّ، حيث رُشّح مرّتين لجائزة إيمي المرموقة، كما درّس استشراف المستقبل وتصميم التّجارب في أعرق المؤسّسات الأكّاديميّة، من ييل وهارفارد إلى معهد ماساتشوستس للتّقنيّة. جمعه القدر بغونزاليس داخل أروقة ميل إكسبيرينس (Mill Experience)، حيث انكبّا معاً على استكشاف الإمكانات اللّامحدودة للتّسويق التّجريبيّ، دافعين بحدوده إلى أقصى ما يمكن تصوّره.
غير أنّ الشّرارة الحقيقيّة الّتي أشعلت رؤيتهما المشتركة لم تشتعل إلّا حين التقت مسيرتاهما بشخصٍ يمتلك بعداً اقتصاديّاً واستثماريّاً يكمل رؤيتهما الإبداعيّة: أليكساندر هيلر. كان هيلر قد صنع اسمه في تقاطع المال والفنّ، حيث تولّى إدارة صالة عرض ليلى هيلر (Leila Heller Gallery) في نيويورك ودبيّ، كما أسّس صندوق AM للاستثمار، الّذي ركّز على تحقيق التّوازن الماليّ في سوق الفنّ. حين جمعتهم الظّروف، بدا وكأنّ كلّ قطعةٍ من الأحجيّة وجدت مكانها، فاجتمع الثّلاثيّ ليؤسّسوا رؤيةً غير مسبوقةٍ تتجاوز التّفاعل التّقليديّ بين المادّيّ والرّقميّ، ليجسّدوا مفهوم "الفيجيتال" (Phygital) – ذلك الامتزاج الحيّ بين العالمين.
عوضاً عن توظيف إبداعاتهم في خدمة علّاماتٍ تجاريّةٍ كبرى، أدرك الثّلاثيّ أنّ الوقت قد حان لخوض المغامرة بأنفسهم. وهكذا، أبصرت هايبرسبيس النّور عام 2021، ولم يكد حبر الفكرة يجفّ، حتّى حصدت الشّركة 75 مليون دولارٍ في جولاتٍ استثماريّةٍ تصدّرها جالاكسي إنترأكتيف (Galaxy Interactive) الأمريكيّة، في تمويلٍ لم يكن محض رقمٍ، بل تصديقٌ على أنّ المستقبل قد بدأ بالفعل يتشكّل بين أيديهم".
لطالما كانت دبي مركزاً عالميّاً للتّرفيه، لكنّها لم تبرز بعد كعاصمةٍ للابتكار التّرفيهيّ. آن الأوان لتغيير ذلك "، يقول هيلر، وهو يتحدّث عن الشّرارة الأولى الّتي فجّرت فكرة هايبرسبيس. كانت رؤيتهم نابعةً من إدراكٍ عميقٍ لتحوّلٍ جذريٍّ كان يلوح في أفق البيع بالتّجزئة، خاصّةً بعد جائحة كوفيد-19".
أدركنا أنّ البيع بالتّجزئة لم يعد كما كان، وأنّ مراكز التّسوّق لم تعد مجرّد فضاءاتٍ تجاريّةٍ، بل باتت بحاجةٍ إلى عنصر جذبٍ جديدٍ، تجارب تثري رحلة الزّوّار، وتمنحهم سبباً للعودة"، يوضّح هيلر. فقد قلب التّسوّق الإلكترونيّ المعادلة، ولم يعد استقطاب الجماهير مهمّةً سهلةً، ما لم يعد ابتكار تجربةٍ حيّةٍ تتجاوز فكرة الاستهلاك التّقليديّ.
لكنّ العامل الحاسم في انطلاقة هايبرسبيس لم يكن التّحوّلات التّجاريّة فحسب، بل إدراكهم للدّور المتزايد الّذي تلعبه وسائل التّواصل الاجتماعيّ في صياغة العوالم والهويّات. "اليوم، لا يذهب النّاس إلى المتاجر للشّراء فقط، بل للعيش داخل تجربةٍ تروي قصّتهم"، يقول هيلر. "وهنا كان السّؤال الّذي أطلق رحلتنا: كيف نخلق متنزّهاتٍ حقيقيّةً تحاكي التّجربة الرّقميّة الّتي يعيشها المستخدمون على وسائل التّواصل؟".
من هنا، جاء الحلّ عبر تسخير "اقتصاد البهجة"، ذلك العطش العالميّ إلى عوالم غامرةٍ تنقل الإنسان بعيداً عن رتابة الواقع، وتحلّق به إلى أبعادٍ بديلةٍ، حيث يصبح الخيال هو القاعدة، والتّقنيّة هي بوّابة العبور.
وعبر متنزّهاتها، تفتح هايبرسبيس بوّاباتٍ نحو عالمٍ لا يفصل بين الواقع والرّقمنة، حيث يتحوّل الزّوّار من متفرّجين إلى مستكشفين، ينسابون بين "عوالم" متداخلةٍ تنبض بالعروض المسرحيّة الحيّة، والسّاحات المصمّمة لالتقاط أروع اللّحظات الّتي تزيّن صفحات "إنستغرام"، وتجارب الألعاب التّفاعليّة الّتي تكافئهم بكنوزٍ ونقاطٍ رقميّةٍ، في مزيجٍ يجعل من كلّ خطوةٍ مغامرةً، ومن كلّ لحظةٍ تجربةً تنبض بالحياة.
في قلب هذه التّجربة، تلتقي الثّقافة بالألعاب الجماعيّة، وتتداخل مع مواقع التّواصل الاجتماعيّ، مستفيدةً من شغف البشر بقضاء الوقت في فضاءاتٍ مشتركةٍ. تلتقط هايبرسبيس جوهر هذه العوالم المتشابكة، وتصوغها في إطارٍ جديدٍ لم يطرق من قبل، فتبتكر شكلاً من التّرفيه لا يواكب العصر فحسب، بل يتنبّأ بمستقبله، ليولد منتجٌ لا يخاطب إلّا جيلاً تشرّب التّقنية حتّى صارت جزءاً من وعيه.
يقول راما آلن: "نحن لا نقدّم مجرّد ترفيهٍ تقليديٍّ، بل نصنع فضاءً سحريّاً يربط بين هذه العوالم المتشابكة، لم يكن له وجودٌ من قبل". ثمّ يتابع: "ما يثير حماسي حقّاً هو أنّنا نشهد تحوّل السّلوك البشريّ وفق منحنًى متسارعٍ، أشبه بـ'قانون مور'، لكنّه لا يتعلّق بالمعالجات، بل بالبشر أنفسهم".
افتتح أوّل متنزّهٍ لـ "هايبرسبيس"، وهو "آيا يونيفيرس" (AYA Universe)، في دبيّ داخل مجمّع وافي سيتي التّجاريّ في ديسمبر 2022، ممتدّاً على مساحة 40 ألف قدمٍ مربّعةٍ، ويحتضن 12 منطقةً غامرةً، حيث تتضافر التّقنية مع الفنّ لتمنح الزّوّار تجربةً حسّيّةً باذخةً، تعيد تعريف مفهوم المتنزّهات التّرفيهيّة.
يقول أليكساندر هيلر: "اخترنا مركزاً تجاريّاً يحتاج إلى ضخّ طاقةٍ جديدةٍ، ومنذ افتتاحنا هناك، ارتفع عدد الزّوّار الفريدين بمقدار 16%، رقمٌ يعبّر عن تأثير التّجربة".
ثمّ يضيف: "’آيا‘ ليست مجرّد مساحةٍ للعرض، بل هي حلمٌ مجسّدٌ، يأخذك إلى مستقبلٍ حيث تصبح التّقنية جزءاً من المشهد الجماليّ، وتمنح الزّوّار فرصاً لالتقاط محتوًى بصريٍّ فريدٍ، ليتحوّل التّفاعل الافتراضيّ إلى تجربةٍ حقيقيّةٍ تتشابك بسلاسةٍ مع ’هايبرسبيس‘".
وبعد نجاح "آيا"، جاءت الخطوة التّالية، حيث افتتحت الشّركة في ديسمبر 2023 متنزّه "هاوس أوف هايب" (House of Hype) في الرّياض، ممتدّاً على مساحة 100 ألف قدمٍ مربّعةٍ، ويفتح أبوابه على 26 منطقةً إبداعيّةً، تجتمع فيها التّقنيات المتقدّمة مع عناصر التّرفيه الغامر.
يقول هيلر: "السّوق السّعوديّة مختلفةٌ تماماً عن دبي. ففي ’آيا‘، يشكّل السّيّاح 78% من زوّارنا، وهو ما يتماشى مع طبيعة المدينة. أمّا ’هاوس أوف هايب‘ في الرّياض، فقاعدته الجماهيريّة تعتمد على مستهلكين جددٍ في قطاع التّرفيه، يمتلكون تطلّعاتٍ مختلفةً، ويريدون اختبار تجارب لم تكن متاحةً لهم من قبل".
لكنّ العلامة الفارقة جاءت في فبراير 2024، مع افتتاح "هاوس أوف هايب" في دبي مول، ليصبح أكبر متنزّهات "هايبرسبيس" حتّى الآن، ممتدّاً على 100 ألف قدمٍ مربّعةٍ، ويحتوي على أكثر من 100 تجربةٍ ترفيهيّةٍ، موزّعةً على 18 عالماً غامراً، و14 تجربة تسوّقٍ فريدةً، و6 مطاعم ومقاهٍ، و50 تجربة لعبٍ إلكترونيٍّ، و55 منصّةً لصنّاع المحتوى، لتتكامل بين جدرانه أجواء الإبداع الرّقميّ مع حسّ المغامرة المستلهم من الألعاب الإلكترونيّة.
في هذا المشروع، مزج القائمون على "هايبرسبيس" بين الأجواء المستوحاة من الألعاب في "هاوس أوف هايب" والطّابع الفنّيّ والتّفاعليّ لـ"آيا يونيفيرس"، ليبتكروا تجربةً تمثّل نقطة جذبٍ أساسيّةً للزّوّار، ضمن الامتداد الجديد لـ دبي مول المعروف بـ"تشاينا تاون"، والّذي وصف بأنّه "تجربةٌ فريدةٌ تجمع بين التّسوّق والتّرفيه في أشهر مركزٍ تجاريٍّ عالميٍّ".
يؤكّد هيلر أنّ "اختيار هذا الموقع لم يكن وليد الصّدفة، بل تجسيدٌ لقناعتنا بأنّ هذه المتنزّهات يمكنها إعادة تعريف مفهوم ’المستأجر الرّئيسيّ‘ في مراكز التّسوّق، فتتحوّل إلى محرّكات جذبٍ أساسيّةٍ، تستقطب أعداداً هائلةً من الرّوّاد والمتسوّقين، إلى أماكن لم تكن على خريطة الاستثمار من قبل".
يصف راما آلن المشروع الأخير بقولها: "إنّه التّجسيد الأسمى لخلاصة خبراتنا كمؤسّسين في 'هايبرسبيس'، وهو البرهان الحيّ على الإضافة المتفرّدة الّتي نقدّمها". ويشاطرها الرّأي أليكساندر هيلر، الّذي يرى أنّ اقتصاد دبيّ السّياحيّ، بتنوّعه الدّيموغرافيّ، يمنّح مشروعهم بيئةً مثاليّةً للاختبار والانطلاق. فوجهات التّرفيه مثل "هاوس أوف هايب" و"آيا يونيفيرس" لا تقتصر على تقديم المتعة، بل تضفي بعداً جديداً على تجربة التّسوّق، إذ تستقطب الزّوّار إلى بيئةٍ ديناميكيّةٍ متكاملةٍ، حيث يندمج التّسوّق، وتجارب الطّعام، واللّعب، في منظومةٍ واحدةٍ تعيد تعريف مفهوم التّرفيه التّجاريّ.
يقول هيلر: "تمنحنا دبيّ جمهوراً متعطّشاً للابتكار، نبدع معه ومن أجله. وكثيرٌ من المشروعات الرّائدة الّتي ولدت بعد الجائحة في المنطقة، تبدأ من هنا، ثمّ تصدّر إلى العالم".
ويتابع: "في عالم ريادة الأعمال، الوصول إلى التّوازن المثاليّ بين المنتج والسّوق هو تحدٍّ بالغ الصّعوبة. لكن في دبيّ، تتحقّق هذه الملاءمة وكأنّها جزءٌ من طبيعة المدينة، الّتي تحتضن جمهوراً استثنائيّاً، وإنفاقاً ترفيهيّاً هو الأعلى عالميّاً، إلى جانب نزعةٍ أصيلةٍ نحو تبنّي التّجارب المستقبليّة، ممّا يجعلها البيئة المثلى لنموذج أعمالنا".
تنطلق "هايبرسبيس" من جوهر دبيّ، تلك المدينة الّتي لا تتوقّف عن التّطلّع إلى الأمام، حيث تعيد تشكيل الفضاءات التّرفيهيّة لتكون بوّاباتٍ مفتوحةً على المستقبل، مزجاً بين الخيال والتّقنية، في عالمٍ محسوسٍ ينبض بالحياة.
يقول هيلر: "ما نقدّمه ليس مجرّد تجربةٍ ترفيهيّةٍ، بل منتجٌ ثقافيٌّ يعكس هويّة دبيّ. فهي ليست مدينةً تنظر إلى الماضيّ عبر متاحفها، بل تعيد تعريف الزّمن نفسه، متقدّمةً دائماً نحو الأمام".
ويضرب مثالاً بمتحف المستقبل، حيث تتجسّد رؤية دبيّ في استشراف القادم، مؤكّداً أنّ هذه البيئة تمنح شركاتٍ مثل "هايبرسبيس" فرصةً ذهبيّةً لتطوير نموذج "الاستهلاك الإبداعيّ"، حيث تلتقي عناصر الفنّ، والتّقنية، والإبداع، في تجارب ترفيهيّةٍ ترتقي إلى مستوًى جديدٍ من التّفاعل الحيّ.
يعزو آلن قدرة فريقه على بناء هذه العوالم إلى تراكم خبراتهم الإبداعيّة، وفضولهم اللّامحدود لاستكشاف ما هو أبعد من الممكن. فهم يتوغّلون في آفاق التّقنية، ويدرسون تحوّلات وسائل التّواصل، ويترقّبون الاتّجاهات المستقبليّة في عالم الألعاب، لا بوصفهم متابعين، بل صنّاعاً لملامح الغد.
يقول آلن: "لقد أمضينا سنواتٍ نعمل على مشروعاتٍ تتطلّب دقّةً بالغةً، وميزانيّاتٍ محسوبةً، وتوقّعاتٍ عاليةً، في جداول زمنيّةٍ لا تحتمل التّأخير. كان هدفنا الدّائم أن ندفع بالحدود إلى ما وراء المتوقّع، وأن نترك بصمةً وجدانيّةً ومعرفيّةً في تجربة الجمهور. واليوم، تمنحنا هذه الخبرة القدرة على بناء متنزّهاتٍ تتجاوز كلّ ما هو مألوفٌ، وفق معايير لم يكن أحدٌ ليتخيّلها من قبل".
ويؤكّد أنّ نجاح تصميم هذه التّجارب يعتمد على تحقيق الانسجام بين الطّموح المستقبليّ والتّجربة الإنسانيّة، بحيث تبقى التّجربة في متناول الجميع، دون أن تتحوّل إلى صدمةٍ تقنيّةٍ تنفر الزّوّار منها، بل تفتح أمامهم أبواباً جديدةً لاكتشاف المتعة.
يوضّح آلن أنّ متنزّهات "هايبرسبيس" لا تبنى لتناسب الحاضر فحسب، بل تصمّم منذ اللّحظة الأولى لتكون مستعدّةً لاستيعاب كلّ ما سيأتي به المستقبل من تطوّراتٍ.
تقول: "حين أقول إنّنا نبني لأجل الغد، فأنا أعني أنّنا مستعدّون لأيّ نقلةٍ تقنيّةٍ قادمةٍ، سواءٌ كانت أجهزة الواقع المعزّز، أو النّظّارات الذّكيّة، أو تجارب الواقع الاصطناعيّ المتقدّمة. كما أنّنا مهيّؤون لدمج تقنيّات ’سلسلة الكتل‘ (البلوك تشين) في منظومتنا. لقد صمّمنا منصّتنا بحيث تكون متكاملةً في بنيتها، وما علينا سوى تفعيل وظائفها عندما يصبح العالم مستعدّاً لاستقبالها على نطاقٍ واسعٍ".
يؤمن فريق "هايبرسبيس" بأنّهم قد وجدوا جمهورهم المثاليّ بين أبناء جيل الألفيّة وجيل Z، غير أنّ متنزّهاتهم مصمّمةٌ لاستيعاب ثلاث فئاتٍ رئيسيّةٍ من الزّوّار: أولئك الّذين "ينغمسون بالكلّيّة" في التّجربة، وأولئك "المنفتحون جزئيّاً"، ثمّ الفئة الّتي "تخوض التّجربة دون مبادرةٍ زائدةٍ".
يقول راما آلن: "الفئة الأخيرة، الّتي يمكن وصفها بـ’المتلقّي السّلبيّ‘، قد تكتفي بالتّجوّل ومشاهدة العروض، لكنّها ستظلّ منبهرةً بالفضاء المحيط بها. أمّا الفئة الوسطى، الّتي تجمع بين الفضول والتّردّد، فقد تجد نفسها تشارك في الألعاب الجماعيّة، أو تتابع العروض الحيّة، أو تنخرط في عمليّات البحث عن الكنوز الصّغيرة المنتشرة في أرجاء المتنزّه".
ويتابع: "لكنّ الفئة الأولى، وهي الأهمّ وربّما الأغلى في العالم اليوم، إذ تضمّ أكثر النّاس شغفاً بالألعاب الرّقميّة وصناعة المحتوى، فهذه المتنزّهات جنّتهم المنشودة. إنّهم مستخدمو ’تيك توك‘ الّذين يقضون ساعاتٍ طويلةً في إنتاج المحتوى، ويرون هنا مساحةً تتيح لهم أن يصبحوا نجوماً ومبدعين، حيث يتفاعل العالم من حولهم معهم كما لو كانوا داخل لعبة فيديو أو منصّة تواصلٍ اجتماعيٍّ. هذا تماماً ما يتطلّعون إليه، وما يطالبون به ". ويضيف أنّ هذه الفئة تتعامل مع المتنزّه "باعتباره فضاءً لاستكشاف تجارب جديدةٍ".
هناك طبقةٌ إضافيّةٌ تجعل المتنزّه أشبه بلعبةٍ جماعيّةٍ كبرى متعدّدة اللّاعبين، لكنّها خفيفةٌ وغير إلزاميّةٍ، مصمّمةٌ خصوصاً لهؤلاء الّذين ينتمون إلى ثقافة الألعاب ذات التّفاعل العالي. يمكن للزّائر تسجيل دخوله، وجمع النّقاط، وخوض التّحدّيات، واستكشاف المهامّ، والبحث عن الرّموز المخفيّة، وكلّ ذلك مرتبطٌ بتطبيقٍ على هاتفه الذّكيّ".
"أمّا النّظام الاقتصاديّ الدّاخليّ للّعبة، فهو يعمل تماماً كما تفعل أشهر الألعاب مثل ’جراند ثيفت أوتو‘ (Grand Theft Auto) أو ’وورلد أوف ووركرافت‘ (World of Warcraft). يحصل الزّوّار على مكافآتٍ لمجرّد تفاعلهم، وقد يجدون صناديق الكنوز أو العملات الافتراضيّة، الّتي يمكنهم استخدامها في شراء المأكولات والمشروبات، أو اقتناء منتجاتٍ حصريّةٍ، بل وحتّى الحصول على مقتنياتٍ رقميّةٍ تضفي على تجربتهم بعداً جديداً، وتعزّز حضورهم على وسائل التّواصل الاجتماعيّ".
وفي تجربةٍ أخرى تدعى "إيكو بارك" (Echo Park)، يتيح المتنزّه للزّوّار تسجيل مقاطع موسيقيّةٍ مصوّرةٍ داخل أجواءٍ راقصةٍ معدّةٍ، خصوصاً للنّشر على "تيك توك"، باستخدام تقنيّاتٍ تتجاوز قيمتها مليون دولارٍ.
يقول آلن: "ما نفعله هنا هو رفع مستوى تجربة الزّائر، وجعله يشعر وكأنّه نجمٌ، ممّا يساعده في إنتاج محتوًى أفضل لمنصّات التّواصل الاجتماعيّ، وهو ما يعكس صورةً إيجابيّةً عنّا، في حين نكافئه في المقابل على تفاعله ". ويكشف هيلر أنّ أكثر من نصف زوّار متنزّهاتهم يأتون عبر المحتوى الّذي ينشره مستخدمون آخرون؛ "57% من جمهورنا يصل إلينا من خلال الموادّ الّتي نشرها زوّارنا أنفسهم".
أمّا عند استشراف المستقبل، فيرى الثّلاثيّ المؤسّس أنّ متنزّهات "هايبرسبيس" تجسيدٌ لملامح الفضاءات المادّيّة القادمة.
ويؤمن آلن بأنّ العالم يتّجه إلى مرحلةٍ تصبح فيها البيئات المادّيّة أكثر استجابةً للأفراد، تماماً كما تفعل منصّات التّواصل الاجتماعيّ اليوم. سوف تتكيّف هذه المساحات مع الرّغبات الفرديّة، لتجعل التّجربة أكثر تخصيصاً، وأكثر قدرةً على إدخال البهجة إلى النّفوس.
يقول: "نحن مهيّؤون للواقع الرّاهن، لكنّنا لا نبني من أجله، بل نبني للغد. كلّ شيءٍ نصمّمه يحمل بين طيّاته استشرافاً للمستقبل، وتوقّعاً لما سيطلبه النّاس لاحقاً".
ويضيف: "وهذا تحديداً ما يعجز عنه كثيرٌ من المؤسّسات العتيقة أو العلامات التّجاريّة التّرفيهيّة التّقليديّة؛ فهي تسير إلى المستقبل بينما تولّيه ظهرها، متمسّكةً بنجاحات الماضي، تحاول إعادة تدوير ما نجح في التّسعينيّات ليواكب أجيال اليوم. لكنّه رهانٌ خاسرٌ، لأنّ ما لم يبتكر أصلاً لأجل المستقبل، لن يجد له موطئ قدمٍ فيه".
يشبّه أليكساندر هيلر عمل "هايبرسبيس" بمن يخطو خطوته الأولى نحو المستقبل، قائلاً: "نحن نقدّم أحذيةً رقميّةً، وموضةً رقميّةً، وتدور منافساتنا بعملاتٍ افتراضيّةٍ داخل المتنزّه، ما يجعله أشبه بلعبة فيديو مندمجةٍ في الزّمان الواقعيّ. كلّ هذه الملامح تقرّبنا من مفاهيم المساحات الذّكيّة، وتعيد تشكيل طبيعة الولاء الاستهلاكيّ، وكيف يمكن لعوالم الألعاب أن تندمج وتتناغم مع واقعٍ مادّيٍّ حيٍّ".
وتضيف ديزي غونزاليس: "المكان، بجاذبيّته ومتعته التّلقائيّة، جاهزٌ لأن ينطلق إلى المستقبل في اللّحظة الّتي يضغط فيها على زرّ التّفعيل، فهو يواكب التّطلّعات الآتية. إنّنا نعيش فعلاً في المستقبل، لكنّ الزّائر يراه من زاوية الحاضر، فيشعر بالرّاحة لأنّ التّجربة سلسةٌ، وغير منفّرةٍ".
وفيما يعتقد الكثيرون أنّ الواقع الافتراضيّ هو البوّابة الرّئيسيّة لوصول العالم المادّيّ إلى المستقبل الرّقميّ، يرى راما آلن أنّ الواقع المعزّز أقوى وأكثر تأثيراً في حياتنا اليوميّة.
يقول آلن: "أؤمن بأنّ الواقع المعزّز هو المصير الحتميّ للحوسبة الفضائيّة، الّتي ستتسلّل إلى تجاربنا اليوميّة، وتشكّل طريقة تفاعلنا مع العالم. فهو يمثّل 'هلوسةً مفتعلةً'، لكنّها تضيف أبعاداً ترفيهيّةً ومعرفيّةً إلى أيّ بيئةٍ نتعامل معها، وهذا ما سيغيّر قواعد اللّعبة جذريّاً".
وحين يتعلّق الأمر بمستقبل "هايبرسبيس"، يصرّح هيلر: "بعد افتتاح 'هاوس أوف هايب' في دبي مول، سنمضي في خطّين استراتيجيّين: أوّلهما إدخال علاماتنا التّجاريّة المولودة في الخليج إلى الأسواق العالميّة، وخصوصاً تلك الّتي تشبه دبيّ في تطلّعها إلى المستقبل وطبيعة سياحتها وشرائحها الاستهلاكيّة. أمّا المسار الثّاني، فهو تركيزنا على دبيّ والمنطقة، وتواصل الابتكار في مجالاتٍ ترفيهيّةٍ جديدةٍ، لأنّنا نجيد ذلك".
ويضيف: "رغم تعدّد التّجارب التّرفيهيّة في الإمارات والسّعوديّة، فإنّ هذه المنظومة تبقى 'تربةً يانعةً' للاحتمالات الجديدة وفرص الابتكار".
ويشير: "لم يحظَ الابتكار في التّرفيه بالمكانة الّتي يستحقّها في دبيّ، رغم أنّه ينبغي أن يكون في صلب مشهدها. فهي مركزٌ رئيسيٌّ للتّرفيه في مجالاتٍ كثيرةٍ، ووجهةٌ سياحيّةٌ حتّى النّخاع".
ويختم: "تجعل السّعوديّة، مع إعطائها للتّرفيه مكانةً جوهريّةً في رؤيتها، من الخليج، بما فيه من طموحٍ وتطوّرٍ، بيئةً مثاليّةً لإعادة تشكيل مفهوم التّرفيه وصياغة ملامحه القادمة".
نُشرت هذه المقالة لأول مرة في عدد يناير/فبراير من مجلة "عربية .Inc". لقراءة العدد كاملاً عبر الإنترنت، يُرجى النقر هنا.