ليس محض خيال: الشخصيات السامة تحقق نجاحاً أكبر فعلاً
مناقشةٌ عميقةٌ حول الثالوث المظلم؛ النرجسية، التلاعب، والاعتلال النفسي وتأثيرها على النجاح المهنيّ
هل تساءلت يوماً لماذا يبدو أنَّ كثيراً من روَّاد الأعمال النَّاجحين والقادة الآخرين هم شخصيَّاتٌ سامَّةٌ؟ إنَّه ليس مجرّد توهُّم منك، وليس فقط لأنَّ الثَّروة والسُّلطة قد حوَّلتهم إلى أشخاصٍ متغطرسين، إنَّه أمرٌ محبطٌ حقَّاً أن تكشفَ الأبحاث بأنَّ الأشخاص الَّذين يدفعون الآخرين جانباً، ويتلاعبون بهم، ويعملون دائماً لصالحهم الشَّخصيِّ، ونادراً ما يساعدون أحداً غيرهم هؤلاء هم من ينتهي بهم الأمر إلى تأسيس شركاتٍ ناجحةٍ والحصول على مكاتب رئيسيَّةٍ، خاصَّةً إذا كانوا رجالاً.
لكنَّ هذا النَّجاح قد لا يستمرُّ، عندما تُكشف هذه السُّلوكيات الضَّارَّة بشكلٍ تامٍّ، يمكن أن تتهاوى كلُّ إنجازاتهم الظَّاهرة، وقد يجدون أنفسهم معزولين بشكلٍ كبيرٍ، هذا بحسب جوني طومسون، المديرُ المساعدُ للشَّراكات الجامعيَّة في أوروبا والشَّرق الأوسط وأفريقيا بمنصّة كورسيرا، ومدرس الفلسفة، ومضيف حساب Instagram الشّهير Mini Philosophy.
يشرحُ طومسون في منشورٍ له على موقع Big Think كيف تُظهر الدَّراسات أنَّ السَّلوكَ السَّامَّ يمكن أن يؤدّي فعلاً إلى النَّجاح المهنيّ للبعض؛ لكنَّه ينجح فقط طالما يمكنهم إخفاء تصرفاتهم الماكرة، بمجرَّد اكتشافهم، قد يتمَّ طردهم من مجتمعاتهم، يدافعون عن أنفسهم وبلا أصدقاء.
لماذا يسود الناس السامون؟
لقدَ أدركَ علماء النَّفس التَّنظيميون منذ زمنٍ بعيدٍ ما يسمَّى بـ "الثَّالوث المظلم" - النَّرجسية والتَّلاعب، والاعتلال النَّفسي كصفاتٍ قد تساعدُ أيّ رائدَ أعمالٍ أو قائدٍ في حياته المهنيَّة، النَّرجسيون ماهرون في ترويج أفكارهم وإلهام الآخرين لمتابعتها، والمتلاعبون يجيدون التَّأثير على الآخرين للقيام بما يرغبون، وهي مهارةٌ رائعةٌ إذا كنت تدير النَّاس وتحاول تحفيزهم، والمرضى النَّفسيون "دون الإكلينيكيين" (أيّ الأشخاص الَّذين لديهم بعض السُّلوكيَّات السَّيكوباتيَّة، وليسوا قتلةً متسلسلين) لا يعانون من الشُّعور بالذَّنب أو النَّدم كما يعاني بقيتنا، ممّا يجعلهم في بعضِ الأحيان أكثر قدرةً على المخاطرة أو اتّخاذ قراراتٍ جريئةٍ.
أظهرت دراساتٌ متعددةٌ أنَّ هذه الصِّفات المرتبطة بالثَّالوث المظلم غالباً ما تكون مرتبطةً بالنَّجاح الوظيفيّ، بالمقابل، تشيرُ دراسةٌ أخرى إلى أنَّ التَّوافقَ -هو إحدى سمات الشَّخصيَّة الخمس الكبرى- يرتبطُ بنقصِ النَّجاح الوظيفيّ كما يُقاس بالدَّخل، على الأقلِّ بالنَّسبة للرّجال، يفترض الباحثون أنَّ الرّجالَ المقبولين والنَّساء غير المقبولات "لا يؤكِّدون" الأدوار المتوقِّعة للجنسين، وبالتَّالي يُعاقب الرِّجال المقبولين لعدم امتثالهم للصُّورة النَّمطيَّة، ومن المحبطِ أنَّ الباحثين وجدوا أيضاً أنَّ كونكَ مقبولاً أو غير مقبول لا يبدو أنّه يؤثِّر بشكلٍ كبيرٍ على دخل النِّساء، فهنّ متأخراتٍ كثيراً عن الرّجال، حتَّى المقبولين.
شاهد أيضاً: استطلاعٌ يكشف أسرار تحيز الجنس في الإدارة! هل تكشف النتائج عن سنِّك؟
هل يجب أن نكون جميعاً سامين؟
إذاً، إذا كان السُّلوك السَّامِّ هو المفتاح للتَّقدُّم، فهل يجبُ أن نتجِّه جميعاً إلى العمل غداً بخطّةٍ للكذب والغشِّ وإبعاد الآخرين عن طريقنا للحصولِ على ما نريد؟ حسناً، ربَّما لا، على الرَّغم من عدم وجود إحصائيَّات حول هذا الموضوع، إلَّا أنَّ طومسون وآخرين يجادلون بأنَّه عادةً ما ينجح هذا السّلوك لفترةٍ قصيرةٍ فقط.
إذا فكَّرت في الأمر، فإنّ أداء المجتمع يعتمد إلى حدٍّ كبيرٍ على الأشخاص الَّذين لا يتصرَّفون بهذه الطَّريقة؛ بل يتعاونون مع بعضهم بعضاً ويساعدون بعضهم بعضاً عند الحاجةِ، يشرح المؤرِّخ روتجر بريجمان في فيديو لـ Big Think، "تخيَّل أنَّك تعيش في العصر الجليديَّ، وأن تكونَ صيَّاداً بدويَّاً، ما الذي تحتاجهُ أكثر؟ حسناً، كنت بحاجةٍ إلى أصدقاء، لن تتمكّن من البقاء على قيد الحياة بدون أصدقاء؛ لأنَّه، كما تعلم، قد يكون هناك يومٌ صعبٌ، يمكن أن تصابَ بإصابةٍ أو شيءٍ من هذا القبيل؛ ثمَّ تحتاج حقاً إلى هؤلاء الأصدقاء."
وهكذا، كما يقولُ، أصبح الودُّ والتَّعاون ميِّزةً تطوريَّةً، وتطوَّر جنسنا ليكون أكثر ودِّيَّةً ومودَّةً، وعلى الرَّغم من أنَّنا نادراً ما نتوقَّف للتَّفكير في ذلك؛ فإنَّ عالم الأعمال بأكملهِ، والمجتمع ككلٍّ، يعتمد على افتراضنا بأنَّ النَّاس جديرون بالثَّقة بشكلٍ عامٍ ويميلون إلى تقديم المساعدة، إذا اتّصلنا بمطعم بيتزا، حتَّى لو لم نتعامل معهم من قبل، وأعطيناهم رقم بطاقة الائتمان الخاصَّة بنا عبر الهاتف؛ فإنَّنا نتوقَّع أن يتقاضوا المبلغ الصَّحيح، ويقدّموا لنا بيتزا ساخنةً وذات طعمٍ جيّدٍ قدر الإمكان، وإذا فعلوا ذلك؛ فإنَّهم يثقون بنا لنشر تعليقاتٍ جيَّدة عنهم (أو على الأقل ليست سيِّئةً)، وليس لعكس الرُّسوم على بطاقتنا، في هذه الحالة وعددٌ لا يحصى من الحالات الأخرى، يثق الغرباء المثاليُّون في بعضهم بعضاً؛ لأنَّ هذه هي الطَّريقةُ التي يعمل بها المجتمع.
شاهد أيضاً: كيف تكتشف إن كان زميلك أو رئيسك شخصيّةً سامّةً؟ إليك 5 دلائلٍ حاسمةٍ
السميّة تنجح فترةً فقط
هذا الافتراضُ بالجدارة بالثِّقة يضع الأشخاص غير الجديرين بالثِّقة في ميِّزة؛ لأنَّهم يستطيعون استغلالها، على الأقلّ مؤقتاً، على سبيل المثال، إذا كنت تثق في شخصٍ سامٍّ بما يكفي لإخباره بفكرتكَ؛ فقد يقدِّمها على أنَّها فكّرته، قد يساعد ذلك حياته المهنيَّة على المدى القصير، لكنّه جعلك الآن عدوَّاً، ممّا قد يضرُّ به على المدى الطَّويلَ، ليس ذلك فحسب؛ فأنت عرضةٌ لإخبار الآخرين بذلكَ، ومع انتشار أخبار سلوكه السَّامِّ، قد يفقد الشَّخص السَّامَّ قدرتهُ على ممارسة التَّأثيرِ، وقد يجدون أنفسهم خارج الشَّركة تماماً.
قد يكون هذا أحد الأسبابِ الّتي تجعلُ النَّميمة جزءاً مهمّاً من التَّفاعل البشريِّ في كلِّ مجتمعٍ، وكما قالَ روبن دنبار، أستاذ علم النَّفس التَّطوري في جامعة أكسفورد: "قد تكون الوظيفةُ الرَّئيسية للنَّميمة مرتبطةٌ بشكلٍ صريحٍ بالسَّيطرة على الدَّراجين المجانيّين". ولهذا السَّبب يجادلُ طومسون بأنَّ المزايا المكتسبةً من خلال السُّلوك السَّامِّ عادةً ما يكون لها تاريخ انتهاء صلاحيَّة.
"قد يفوز الحمقى مؤقّتاً بالمعركة؛ لكنَّ الرّجال الطّيبين يفوزون بالحرب"، هذا درسٌ عن النَّجاح لنا جميعاً، قد يساعدكَ السُّلوك السَّامِّ على الانتصارِ لفترةٍ قصيرةٍ، وعلى المدى الطَّويل، كونك شخصاً جيِّداً هو طريقٌ أفضل للنَّجاحِ الدَّائمِ.
لمزيدٍ من النصائح في عالم المال والأعمال، تابع قناتنا على واتساب.