أتخشى أن يستبدلك الذكاء الاصطناعي؟ إليك لماذا يجب ألّا تقلق
وسط المخاوف المنتشرة حول فقدان الوظائف لصالح الذكاء الاصطناعي، يقدم رائد في القطاع رؤية تحفيزية حول كيفية مواجهة هذا التحدي، مؤكداً على دور الابتكار والتعلم المستمر
في عام 2023 والأشهر الأولى من عام 2024، شهدنا تسريح آلاف الموظَّفين من قبل كبريات شركات التُّكنولوجيا، ممَّا أثار موجةً من الإحباط لدى بعضهم، وأثار لدى بعضهم الآخر مخاوفَ بشأن ما يُنظر إليه على أنَّه تهديد الذكاء الاصطناعيّ لمستقبل وظائفهم.
وعلى الرَّغم من أنَّ هناك فرص عملٍ جديدةٍ تظهر على السَّاحة، إلَّا أنَّه من الضَّروري تعزيز وتحسين المهارات لكي يتمكَّن المرشَّحون من التَّوافق مع هذه الأدوار الجديدة، ومن بين هذه الأدوار، يبرز منصبٌ في الإدارة التَّنفيذيَّة يُعرَف بـ"المدير الرَّئيسيّ للذكاء الاصطناعي"، وهو المسؤول عن توظيف الذكاء الاصطناعي لتعزيز الكفاءة والإنتاجيَّة، وهي وظيفةٌ تقدِّم رواتبَ مغريةً لكنَّ قلةً قليلةً هي من تتأهَّل لها، وهذا الدَّور يتطلَّب فهماً عميقاً للأعمال والاستراتيجيَّات، بالإضافة إلى خبرةٍ في تطبيق الذكاء الاصطناعي والمعايير الأخلاقيَّة المرتبطة به، ممَّا يضع الشَّركات في سباقٍ مع الزَّمن للعثور على المرشَّح المثاليّ.
أمَّا بالنِّسبة لأولئك الَّذين يفتقدون إلى الخبرة التّجاريَّة والمعرفة التِّقنيَّة اللَّازمة لتسلُّق سلالم الوظائف التَّنفيذيَّة في عالم الذَّكاء الاصطناعيّ، فكيف يمكننا التَّعامل مع المخاوف المتزايدة حول استيلاء الذكاء الاصطناعي على وظائفنا؟
يقول حسن صوَّاف، المؤسِّس والرَّئيس التَّنفيذيّ لشركة aiXplain النَّاشئة في مجال الذَّكاء الاصطناعيّ في الولايات المتَّحدة: "النَّاس مشغولون بالقلق حول مستقبلِ سوقِ العمل بعد تقدُّمِ الذَّكاء الاصطناعيّ، وهذه مسألةٌ مشروعةٌ، ولكنَّ كلَّ ثورةٍ تكنولوجيَّةٍ تفرض علينا ضرورة إعادة تأهيل وتحسين مهاراتنا، فنحن كبشرٍ من الضَّروري لنا أن نستمرَّ في التَّعلُّم والتَّقدُّم والتَّكيُّف باستمرارٍ مع التُّكنولوجيا التي تتوفَّر لنا".
صوَّاف الذي يعدُّ رائد أعمالٍ بارزاً ومحاضراً سابقاً وباحثاً، قد باع شركته النَّاشئة في مجال التَّرجمة الآليَّة، AIXPLAIN AG، إلى شركة AppTek الأمريكيَّة في عام 2004 وانتقل إلى الولايات المتَّحدة حيث قاد أقسام الذكاء الاصطناعي في شركاتٍ مرموقةٍ مثل eBay وخدمات الويب من أمازون وفيسبوك قبل أن يؤسِّس aiXplain، ويشاركنا بأنَّه عندما أسَّس شركته الأولى، AIXPLAIN AG، كان هناك قلقٌ واسعُ النِّطاق من المترجمين حول فكرة أنَّ الآلات قد تحلُّ محلَّهم، ولكن الواقع كان أنَّ الآلات أنجزت مهاماً كانت تتجاوز قدرات البشرِ، وفي الوقت نفسه، خلقت فرصَ عملٍ جديدةً للمترجمين.
عند انضمامه إلى eBay، كانت مهمَّته الأولى تمكين المنصَّة للعمل في دولٍ جديدةٍ، حيث كانت هناك حاجةٌ إلى إنشاءِ 60 مليون قائمة وتوفير التَّرجمة الفوريَّة لضمان التَّكافؤ بين المستخدمين في دولٍ متعدِّدةٍ مثل الهند وروسيا وألمانيا والولايات المتَّحدة، وكان لا بدَّ من ضمان توافُر القوائم بشكلٍ عادلٍ ومتساوٍ.
لتكون القوائم متاحةً خلال 200 مللي ثانية بكلِّ هذه اللُّغات، وكان يجب أن تكونَ الاستفسارات متاحةً خلال 20 مللي ثانية،وبقول صوَّاف: "لا توجد طريقةٌ يمكن بها لمترجمٍ بشريٍّ أن يقوم بذلك"، وهذه المتطلَّبات الجديدة للاستخدام أوجدت بدورها الحاجةَ إلى ترجماتٍ ذات جودةٍ عاليةٍ، وعمليَّاتِ فهرسةٍ متقنةٍ لتحسين تجربة القراءة، ممّا يعني ضرورة إشراك المترجمين البشريين في العمليَّة وبالتَّالي، خلقُ فرصِ عملٍ جديدةٍ.
بالطَّريقة نفسها التي يُعيد بها الذكاء الاصطناعي تشكيلَ الوظائف التي كان يقوم بها البشر سابقاً، فإنَّه أيضاً يفتح آفاقاً لفرصٍ جديدةٍ لأولئك الَّذين يتمكَّنون من التَّكيُّف بمرونةٍ مع التَّغييرات.
في مجال الرّعاية الصّحيَّة، على سبيل المثال، يمكن للذَّكاء الاصطناعي أن يمكِّن الأطباء من الوصول إلى مخزونٍ هائلٍ من الأبحاث بدلاً من الاعتماد فقط على خبرتهم المحدودة لتشخيص الحالات أو علاجها، ويؤكِّد صوَّاف: "تخيَّل لو استطاع الطَّبيب الاستفادة من كافَّةِ المعارف التي تمَّ تجميعها في الماضي واتِّخاذ قراراتٍ أكثر حكمةٍ؟ يُصبح الأطباء أكثر كفاءةً بفضل الخبرة، فكيف لو تمكَّن الذكاء الاصطناعي من توسيع آفاقهم؟ الأمر ذاته ينطبقُ على الباحثين والكتَّاب والاقتصاديين".
يرى صوَّاف أنَّ تطوُّر الذكاء الاصطناعي اليوم يمكن مقارنته بظهور الحواسيب الأولى، التي كان استخدامها مقتصراً حصريَّاً على المهندسين، ويقول: "قبل عام 1984، كان المهندسون هم الفئة الوحيدة التي تستخدم الحواسيب حتَّى جاءت واجهات المستخدم الرُّسوميَّة (GUIs) التي سهَّلت وصول مجموعاتٍ جديدةٍ من المستخدمين إليها، واليوم أصبح الجميع يستخدم الحواسيب.
الذكاء الاصطناعيّ هو الجيل الجديد من هذا التَّطوُّر، والآن أستطيع أن أتحدَّث إلى الذَّكاء الاصطناعيّ كأنَّه كيانٌ ذكيٌّ يفهم ما أحاول القيام به، وهو متاحٌ للجميع، هذا ما كنَّا نحلم به قبل ثلاثين عاماً".
لكن مع انتشار الذكاء الاصطناعي تأتي أيضاً مجموعةٌ من التَّحدِّيات، خاصَّةً فيما يتعلَّق بالوصول، ويوضِّح صوَّاف أنَّ الوصول إلى التُّكنولوجيا والتَّعليم هما المفتاحان لتجاوز الفجوة الرَّقميَّة والتَّغلُّب على المخاوف المتعلّقة بالذَّكاء الاصطناعيّ.
ويقول أيضاً: "التَّعليم هو العامل الحاسم، وكذلك الوصول إلى التُّكنولوجيا والبيانات، واليوم، لا تحتاج إلى أن تكون في مكانٍ محدَّدٍ لتطوير ذكاءٍ اصطناعيٍّ قويٍّ، ولكن أنَ بحاجةٍ إلى الوصول إلى البيانات والتُّكنولوجيا، ومن ناحية التُّكنولوجيا، أعني أين يمكنني العثور على وحداتِ معالجةِ الرُّسوميَّات (GPUs) وما هي البدائل المتاحة؟ وبالنّسبة للبيانات، ما هي البيانات المملوكة، وما هي المتاحة بشكلٍ مفتوحٍ؟".
ويتابع صوَّاف شارحاً أنَّ هناك فوائد يمكن أن تنشأ من ترخيص استخدام البيانات، على الرَّغم من أنَّ الإمكانيَّات ما تزالُ قيد الاستكشاف، ويُضيف: "إذا كنت تمتلك البيانات ولكن لا تملك التُّكنولوجيا، هل يمكنك الاستفادة من استخدام شخص آخر لبياناتك ثمَّ يتمُّ منحك ترخيصاً في كلِّ مرَّةٍ يتمُّ فيها استخدامها؟ هذه هي الأسئلة التي ندرسها في aiXplain".
ويقول: "سيكون السُّؤال: هل سيحلُّ محلِّي شخصٌ يستخدم الذكاء الاصطناعي بشكلٍ أفضل منِّي؟ ولهذا السَّبب، نحن بحاجةٍ إلى خفض العتبة بحيث يمكن للجميع استخدامه، ولا يوجد عذرٌ لعدم القيام بذلك".
في هذا السِّياق، يؤكِّد صوَّاف على أهميَّة التَّكيُّف والتَّعلُّم المستمرِّ كأساسٍ للنَّجاح في عصر الذكاء الاصطناعي، ويشجِّع على النَّظر إلى الذَّكاء الاصطناعيّ كأداةِ تعزيزٍ وليس كتهديدٍ للوظائف البشريَّة، مؤكِّداً على أنَّ التَّعاون بين البشر والآلات يمكن أن يؤدِّي إلى نتائجَ مذهلةً لا يمكن تحقيقها بمفردها.
يُشدِّد على أنَّ المستقبل سيكون لأولئك الَّذين يستطيعون احتضان التَّغيير، والابتكار، وتطوير مهاراتٍ جديدةٍ تتماشى مع التَّقدُّم التُّكنولوجيّ، ويرى صوَّاف أنَّ الذَّكاء الاصطناعيّ يقدِّم فرصاً لا حصر لها للتَّطوير الشَّخصي والمهنيِّ، وأنَّ السَّبيل للتَّغلُّب على القلق من فقدان الوظائف هو التَّحوُّل نحو تبنِّي هذه التِّقنيَّات واستخدامها لتعزيز القدرات البشريَّة بدلاً من النَّظر إليها كبديلٍ لها.
شاهد أيضاً: أفضل أدوات الكتابة بالذكاء الاصطناعي في عام 2023
في الختام، يؤكِّد صوَّاف على أنَّ مفتاح التَّعامل مع تحدِّيات الذكاء الاصطناعي، والاستفادة من فرصه يكمن في التَّعليم والوصول إلى التُّكنولوجيا، وأنَّ الجهود يجب أن تُركِّز على تمكين الأفراد والمجتمعات من خلال توفير الموارد والدَّعم اللازمين لتحقيق هذا الهدف، وبالتَّركيز على تطوير المهارات والمعرفة، يمكن للأفراد الاستعداد بشكلٍ أفضل لمواجهة مستقبلٍ متغيرٍ بثقةٍ، واستغلال قوَّة الذَّكاء الاصطناعيّ لإحداث تأثيرٍ إيجابيٍّ في حياتهم ومهنهم.
لمزيدٍ من النصائح في عالم المال والأعمال، تابع قناتنا على واتساب.