أسبوع عمل من 4 أيام: هل يُعزز تقليل ساعات العمل الإنتاجية؟
تُظهر الاستطلاعات تأييداً كبيراً من العمال لأسبوع العمل المختصر، ممّا يفرض على أصحاب العمل التفكير في كيفية تطبيق ذلك في أنظمتهم.
ما تزال بعض التَّغييرات المتتالية التي أحدثتها الجائحة في الحياة والأعمال قائمةً، وأصبحت الشَّركات تتأقلم مع نمط العمل المختلط والنِّزعات الاستهلاكيَّة المتبدِّلة، ويُعدُّ إعادة صياغة مفهوم العمل بمثابة تمهيدٍ لتحوُّلٍ جللٍ آخر يتمثَّل في الانتقال إلى أسبوعِ عملٍ يمتدُّ لأربعة أيَّامٍ فحسب. وعلى الرَّغم من تباين الأرقام بشكلٍ طفيفٍ، فقد كشفت استطلاعاتٌ متعدِّدةٌ أُجريت على مدار العام المنصرم أنَّ نحو 75% من الموظّفين يؤيِّدون فكرة أسبوع العمل الرُّباعيّ، بينما أظهر استطلاعٌ أُجري بواسطة Bankrate دعماً مذهلاً يصل إلى 89%.
قد لا يكون على أصحاب الأعمال، الذين أنهكتهم التَّعديلات المستمرِّة بعد الجائحة، أن يقلقوا على الفور بشأن تقصير أسابيع عملهم، إذ تجعل الانقسامات السِّياسيَّة داخل الحكومات من تمرير الإصلاحات العماليَّة الكبرى المطلوبة لتطبيق أسبوع العمل الرُّباعيّ أمراً بعيد المنال في أفضل الأحوال، ومع ذلك، فإنَّ الفكرة بدأت تأخذ مكانها، خصوصاً بين الموظَّفين الأصغر سنّاً الذين يتبنونها بسرعةٍ، ما يعني أنَّ على مدراء الشَّركات على الأقلّ البدء في التَّفكير في مستقبلٍ يتَّسم بأسبوع عملٍ يدوم أربعة أيَّامٍ.
شاهد أيضاً: تأثير بيئة العمل على الإنتاجية بطريقةٍ إيجابية وبناءة
ويتفاوت الدَّعم لفكرة أسبوع العمل المختصر بحسب الأجيال، فنجد أنَّ نصف جيل الطَّفرة السُّكانيَّة فقط يؤيدون هذه الفكرة، وذلك وفقاً لعدَّة استطلاعاتٍ، في حين ترتفع هذه النِّسبة إلى 63% في صفوف جيل الألفيَّة، بحسب استطلاعٍ حديثٍ نشرته مجلَّة Newsweek، إذ يعتقد 46% من أفراد هذا الجيل أنَّ ذلك لن يُقلِّل إنتاجيَّتهم بل على العكس سيزيدها، غير أنَّ الشَّكل المطلوب لأسبوع العمل المختصر يظلُّ مسألةً معقَّدةً.
وأظهر استطلاعُ رأي أنَّ 77% من الأفراد يدعمون فكرةَ أسبوع العمل الممتدِّ لأربعة أيَّامٍ وفقاً للنَّموذج الحاليّ المكوَّن من 40 ساعةً، ويؤيّد آخرون تقليص عدد الأيَّام والسَّاعات المعمول بها مع الحفاظ على الأجور كما هي أو تخفيضها قليلاً، بطريقةٍ مشابهةٍ لتلك التَّجارب التي أُجريت أو اعتمدت في أوروبا، والتي لم تؤثِّر سلباً على الإنتاجيَّة. ويُلاحِظ المؤيدون لهذه النَّظريَّة أيضاً أنَّ فعاليَّة الموظَّفين تتضاءل كُلَّما ازدادت ساعات عملهم.
وكان هذا التَّفكير دافعاً للسِّيناتور التَّقدمي Bernie Sanders من ولاية Vermont، لتقديم "قانون 32 ساعةً أسبوعيَّاً" في مجلس الشُّيوخ الشَّهر الماضي، ويستند في حجَّته إلى أنَّ "العمّال الأمريكيين زادت إنتاجيَّتهم بأكثر من 400% عمَّا كانت عليه في الأربعينيَّات"، في حين "يعملون ساعاتٍ أطول مقابل أجورٍ أدنى، ممَّا كانت عليه قبل عقودٍ"، ويقول: "يجب أن يحدث تغييرٌ ما"، داعيّاً إلى ضرورة تقليص ساعات العمل.
ولقد أسهمت التُّكنولوجيا بالفعل في تعزيز الإنتاجيَّة لكلِّ موظَّفٍ، ويزداد هذا التَّعزيز بدخول تطبيقات الذكاء الاصطناعي الجديدة، التي تَعِدُ برفع مستوى الإنتاجيَّة أكثر فأكثر، وعليه فإنَّ الأسباب التي يقدِّمها Sanders واضحةٌ ومنطقيَّةٌ: الإنتاجيَّةُ العالية -التي تدعمها الأعمال- يمكن أن تمنح الموظَّفين المزيد من الوقت الحُرِّ دون أن تؤثِّر سلباً على الإنتاج الاقتصاديّ الكُليّ.
وفي حين قد لا يتسق ذلك مع المبادئ التّجاريَّة التَّقليديَّة التي تدفع نحو زيادة الإنتاج والكفاءة من خلال مزيدٍ من ساعات العمل وبأقلّ التّكاليف، فإنَّ فكرة مشاركة الإنتاجيَّة المرتفعة من خلال أسبوعِ عملٍ مختصرٍ تكتسب زخماً، ولا تقتصر فقط على الموظَّفين.
كما أظهرت دراسةٌ أجرتها KPMG في عام 2023 أنَّ 30% من جميع الرُّؤساء التَّنفيذيين الأمريكيين يُفكّرون بالفعل في تغييرات مثل تبنِّي أسبوعِ عملٍ يمتدُّ لأربعة أيَّامٍ أو أربعة أيَّامٍ ونصفٍ، وفي ظلّ هذا الاتّجاه، ينبغي لأصحاب الأعمال الصغيرة أيضاً أن يبدؤوا في التَّفكير في كيفيَّة الاستفادة من ترتيبات العمل المماثلة.
شاهد أيضاً: كيف تساعد التكنولوجيا رواد الأعمال في حل نزاعات الأجور وساعات العمل؟
وتقدِّم دراسة من Harvard Business Review نُشرت في عام 2023 بعض الرُّؤى المهمة حول التَّعديلات التَّنظيميَّة المحتملة، والتي تشمل ما يأتي:
- وضعُ تعريفٍ واضحٍ للمهام الأكثر أهميَّةً، من خلال استخدام الأهداف والنَّتائج الرَّئيسيَّة التي يستند إليها الأفراد والأقسام في قياس إنتاجيَّتهم.
- إجراءُ تدقيقٍ شاملٍ للاجتماعات المعقودة حاليّاً، مع التَّخلُّص من تلك التَّجمُّعات غير الضَّروريَّة أو التي لا تُسهم في الإنتاجيَّة بشكلٍ ملموسٍ، نظراً لاستهلاكها الكبير للوقت.
- تمكينُ الموظَّفين من استغلال تدريبهم ومهاراتهم العليا في المهام ذات الأولويَّة، إمَّا عن طريق التَّعهيد أو الاستغناء عن المهام الرُّوتينيَّة أو الإداريَّة، أو نقلها إلى تطبيقات الذَّكاء الاصطناعيِّ الَّتي تتسم بالأتمتة.
- اعتمادُ أسلوبِ التَّواصل غير المتزامن الذي برز كحلٍّ ضروريٍّ خلال فترة العمل من المنزل في زمن الجائحة، وتظهِر الأبحاث أنَّ هذه الفوارق الزَّمنيَّة في التَّواصل توفِّر للموظَّفين فرصاً للتَّركيز المتواصل، ممَّا يعزِّز فهمهم وتحكُّمهم في الأعمال الموكلةِ إليهم.
- التَّأهُّب لتحوُّلٍ محتملٍ نحو أسبوع عملٍ مختصرٍ، مع توضيحٍ للموظَّفين المتحمِّسين أنَّ حصولهم على وقتِ عملٍ مخفَّضٍ يعتمد على الحفاظ على الإنتاجيَّة أو زيادتها، وذلك وفق مبدأ يؤكّد أنَّ "لا شيء يأتي دون مقابلٍ".
سيتطلَّب إقرار أسبوع عملٍ مدَّته أربعة أيَّامٍ كقانونٍ فدراليٍّ -حتَّى في بيئةٍ سياسيَّةٍ أقلَّ انقساماً- جهوداً تفاوضيَّةً وتشريعيَّةً مضنيةً وزمناً طويلاً لكي يستعدُّ أصحاب الأعمال لمثل هذا التَّحوُّل الكبيرِ.
مع ذلك، وبالنَّظر إلى التَّاريخ العريق لعالم الأعمال الأمريكيّ كمحفِّزٍ للابتكار، قد يجد روَّاد الأعمال أنَّه من المفيد أن يبدؤوا في الوقت الرَّاهن بالتَّفكير في كيفيَّة تأثير تقليص أسابيعِ العمل على أماكن أعمالهم، وقبل كلّ شيءٍ كان Henry Ford هو من أدخل في البداية مفهوم أسبوع العمل المكوَّن من 40 ساعةً في مصانعه للسّيَّارات، ولم يلبث أن اعتمدت البلاد هذا النَّمط على نطاقٍ واسعٍ كمعيارٍ رسميٍّ.