أنس جابر.. ملهمةٌ منحت حلم ممارسة التنس للفقراء والنساء
وزيرة السعادة التي ألهمت الشباب والشابات في بلادها لدخول ملاعب التنس في محاولة لتحقيق إنجازات مشابهة لإنجازاتها.
حصلت لاعبة التنس أنس جابر على الكثير من الإنجازات، وحقَّقت الفوز في العديد من البطولات، لكنَّ لقب وزيرة السعادة الذي أطلقه عليها أبناء بلدها، ربَّما كان أعظم إنجازاتها، وفي اليوم العالمي للمرأة، لا يوجد ما هو أجمل من نشر السَّعادة والتَّعريف بواحدةٍ من أبرز النساء العربيات اللواتي تفخر بهنَّ بلادهنَّ وشعوبها.
وزيرة السعادة: أُنس جابر والبدايات المتواضعة
تأثَّرت أنس جابر بحبِّ والدتها لرياضة التنس، حيث كانت ترافق والدتها عندما كانت تلعب التنس مع صديقاتها؛ ليكون دور أنس التقاط الكرات وجلبها لوالدتها واللّاعبات، وبمرور الوقت نجحت الطّفلة الصَّغيرة بتعلُّم هذه اللُّعبة.
وفي عام 1999 -حين كانت في السادسة من عمرها- انضمَّت إلى مركز النُّهوض برياضة التنس، لكنَّ قلَّة الملاعب في المركز المذكور، دفع أنس للتَّمرين في أيّ مكانٍ تجده، مثل: ملاعب الفنادق في مدينتها قصر هلال التَّابعة لمحافظة المنستير وفي مدينة سوسة أيضاً. كما شاركت أنس بدورة "الدوقات الصغار" في مدينة ديجون الفرنسيَّة، حين كان عمرها 12 عاماً، وتمكَّنت من الفوز بالمركز الأول في الدَّورة عام 2008.
لم تكن أنس لتحقّق أيَّ إنجاز لولا دعمُ الأهل الذين لم يرفضوا الانتقال إلى العاصمة التُّونسية، بهدف مساعدة ابنتهم على الجمع بين دراستها وتمارينها، حيث كان يصعبُ عليها الجمعُ فيما بينها بمدينتها قصر هلال، فاستجابت العائلة لنصيحة مدرب أنس، نبيل مليكة، بتسجيلها في معهد بيار دو كوبرتان المخصَّص للرِّياضيِّين البارعين، والذي تحرص إدارته على تنظيم وقت التَّدريب بما يتناسب مع الدّراسة، فاستعادت الشابة توازنها مجدَّداً، وعادت للتَّدريب بزخمٍ كبيرٍ، لتعلن بدء رحلتها الرياضيَّة الفعليَّة، التي ستحوّلها لاحقاً إلى وزيرة السعادة لدى التونسيين. [1]
أُنس جابر: من جلب الكرات إلى ملاعب العالم
حقَّقت أنس جابر -التي تكمل عامها الثَّلاثين في شهر أغسطس القادم- إنجازاتٍ كبيرة على الرَّغم من حداثة سنِّها، فهي أوَّل لاعبةٍ تونسيَّةٍ تشارك في دورات غراند سلام، وأوَّل لاعبةٍ عربيَّةٍ تصل إلى دور الثَّمانية في هذه الدَّورات، ووُصِفَ إنجازها هذا بالتَّاريخيّ على مستوى الدول العربية.
لم يكد يمضي عامٌ في حياة الشَّابَّة دون إنجازٍ جديدٍ، فليس عن عبثٍ سُمِّيت وزيرة السعادة، فقد تمَّ اختيارها في عام 2017 لتكونَ أفضلَ لاعبةٍ عربيةٍ في تصويتٍ نظَّمه موقع اتّحاد التنس الدّوليّ، وفي العام التَّالي منحها المجلس الدّوليّ للرّياضة والإعلام جائزة أفضل رياضيَّة، بينما تأهَّلت إلى نهائيَّات بطولة برمنغهام الإنجليزيَّة عام 2019.
مواجهة التحديات: التهديدات والتضامن مع القضايا الإنسانية
التَّحدِّيات التي واجهتها لاعبة التِّنس التُّونسيَّة، لم تكن تحدّيات تتعلَّق بالمجتمع أو صعوبات الواقع، بل تحدِّيات أخطر من ذلك بكثيرٍ، ففي عام 2020 تم تهديدها بالقتل بسبب مشاركتها في دورة برلين الألمانيَّة، لكن تلك التَّهديدات لم تمنعها من المشاركة، وتوالت إنجازات أنس التي تجاهلت تهديدات القتل، ومضت قُدماً تشقُّ طريقها بكلِّ اقتدارٍ نحو النَّجاح؛ لتفوز ببطولة برمنغهام البريطانيَّة للتنس عام 2021، وفي العام ذاته فازت ببطولة أبوظبي.
في عام 2022 تمَّ تتويج أنس بلقب بطولة مدريد المفتوحة؛ لتصبح أوَّل لاعبةٍ عربيةٍ تفوز بهذه البطولة، كذلك بلقب بطولة برلين للتنس، وفي 2023 حصدت بطولة دورة تشارلستون للتنس، لكنَّ العام 2023 حمل تحدِّياً جديداً للشَّابَّة، حين تقدَّم الاتحاد الإسرائيليُّ للتنس بشكوى إلى الاتحاد الدولي للتنس ورابطة المحترفات ضدَّ أنس، نتيجة دعمها القضية الفلسطينيَّة؛ لتواجه البطلة التُّونسيَّة خطر منعها من المشاركة في كافَّة البطولات التي ينظِّمها الاتحاد ورابطة اللاعبات المحترفات.
وكانت أنس قد أعلنت عن تبرُّعها بجزءٍ من مكافأتها الماليَّة التي حصلت عليها نتيجة المشاركة في دورة دبليو تي إيه -التي أقيمت في كانكون المكسيكية نهاية العام الفائت- لصالح فلسطين.
وانهارت أُنس باكيةً بينما كانت تعلن تبرُّعها لصالح فلسطين، وقالت: "إنِّي سعيدةٌ للغاية بالفوز، لكنِّي لست سعيدةً مؤخَّراً بسبب ما يجري في فلسطين"، وعلى الرَّغم من أنَّها أكَّدت بأنّ تبرُّعها بجزءٍ من أموال جائزتها لصالح الفلسطينيين يأتي من شعورٍ بالإنسانيَّة ولا يحمل أيَّةَ رسائل سياسيَّة، إلَّا أنَّ هذا التَّصريح لم يمنع عنها هجوم مسؤولي الرياضة الإسرائيليين.
التَّوجه الإنسانيُّ العميق في حياة لاعبة التِّنس بدأ يتكشَّف منذ أزمة كوفيد-19، حين عرضت مضربها للبيع، على أن يعود ثمنه لصالح مستشفيات بلادها في مواجهة الجائحة عام 2020. [2]
شاهد أيضاً: ليلى عقل: رائدة أعمال تساعد الناس والمنظمات على التنقل بأمان في فلسطين
تأثير أُنس جابر: إلهام الجيل الجديد وتحطيم الحواجز
ألهمت أنس جابر الكثير من الفتيات وحتَّى الشَّباب، ويمكن قياس هذا الأثر بتوجُّه الكثير من الشَّباب لممارسة رياضة التِّنس، على الرَّغم من أنَّ كرة القدم كانت اللُّعبة الأكثر شعبيَّةً في تونس، كما أقبلت الفتيات على رياضة التنس، كلُّ واحدةٍ فيهنَّ تحلم بقصَّةٍ مشابهةٍ لقصَّة أنس جابر، وازداد عدد النَّوادي التي تُدرِّب على اللُّعبة، حيث ارتفع عدد النَّوادي من 31 نادياً عام 2017 إلى 52 نادياً أواخر عام 2022.
وقالت نائبة رئيس نادي التنس في مدينة صفاقس سندة الفقي بتصريحاتٍ صحفيَّةٍ عام 2023: "إنَّه ومنذ تألُّق أُنْس جابر، صار هناك إقبالٌ كبيرٌ على هذه الرّياضة من قبل مختلف الأعمال والشَّرائح الاجتماعيَّة متأثّرين بنجاحات جابر". [3]
لم تكسر أنس الصُّورة النَّمطيَّة حول ممارسة المرأة للرّياضة وتحقيق الإنجازات فيها فحسب، بل مهَّدت الطَّريق أمام فقراء بلادها لممارسة رياضة التنس التي كانت حكراً على أفراد الطَّبقة المخمليَّة لعقودٍ طويلةٍ، إضافةً إلى ذلك صار يُنظر للرّياضيَّة الشَّابَّة على أنَّها مثلٌ أعلى في بلدها، يحاول تقليدها ومحاكاة نجاحها كلُّ شابٍّ وشابَّةٍ في ميادين عملهم.
الإلهام الذي بثَّته أنس جابر في أرواح الشَّباب والشَّابَّات العرب، يتجاوز في حدوده جغرافيا العالم العربيّ، فقد أسهمت بكسر الصُّورة النَّمطيَّة للمرأة العربيَّة لدى الغرب الذين ينظرون للنساء العربيَّات على أنهنَّ غير واثقاتٍ يعشنَّ التّبعيَّة ويرتدين الملابس وفق أوامر الرّجال، لقد فتحت أُنْس الباب على مصراعيه أمام الجميع، ومنحتنا القدرة على الدُّخول دون عناءٍ، نحتاج فقط أن نقرِّر نقل خطوتنا الأولى باتّجاه هذا الباب.
لمزيدٍ من قصص النجاح في عالم المال والأعمال، تابع قناتنا على واتساب.