هل يمكن للنزاعات غير المحلولة أن تكون عقبة أمام نمو شركتك؟
طريقة التّعامل مع النّزاعات في بيئة الشّركات النّاشئة يمكن أن تحوّلها إلى محفّزٍ للإبداع والنّمو أو عائقٍ للإنتاجيّة وفقدان الثّقة بين أعضاء الفريق
في عالم الشّركات النّاشئة، إدارة النّزاعات ليست مجرّد جانبٍ إضافيٍّ في القيادة، بل هي عنصرٌ أساسيٌّ يحدّد بقاء الشّركة ونموّها. عندما تكون قائداً أو مؤسّساً، فإنّ مواجهتك للنّزاعات بحكمةٍ وكفاءةٍ قد تكون الفارق بين تكوين ثقافة عملٍ قويّةٍ ومرنةٍ أو انهيار الثّقة وتفكّك الفريق.
وفي هذا السياق، تناول سورين كابلان في كتابه "الذّكاء التّجريبيّ 2023" (Experiential Intelligence, 2023)، كيف يمكن للتّجارب الشّخصيّة والمهنيّة أن تشكّل سلوك الأفراد وديناميكيّات الفريق، وبالتّالي تخلق أساساً متيناً أو هشّاً لثقافة الشّركة. فالتّجارب الّتي يمرّ بها فريقك، سواءٌ كانت لحظات نجاحٍ أو تحدّياتٍ، ستلعب دوراً كبيراً في تشكيل ثقافة شركتك النّاشئة. فإذا لم يتم حلّ النّزاع بشكلٍ فعّالٍ، فإنّه قد يقود إلى تآكل الثّقة بين أعضاء الفريق، ممّا يعيق الإنتاجيّة، ويخلق بيئة عملٍ سلبيّةً. وعلى النّقيض، إذا تمّ التّعامل مع النّزاعات بمهارةٍ، فإنّها تصبح محفّزاً للابتكار، وتساعد على بناء ثقافةٍ من التّعاون والاستعداد للنّموّ.
أسباب النّزاعات في بيئة الشّركات النّاشئة
تواجه الشّركات النّاشئة مجموعةً متنوّعةً من التّحدّيات، وغالباً ما تكون هذه التّحدّيات هي السّبب في نشوب النّزاعات بين أعضاء الفريق. إليك بعض المصادر الأكثر شيوعاً للنّزاعات في بيئة الشّركات النّاشئة، وفهمها قد يساعدك على معالجة التّوتّرات قبل أن تتحوّل إلى مشكلاتٍ كبيرةٍ:
- انقطاع التّواصل: غالباً ما يميل الفريق إلى الاعتماد على التّواصل المكثّف لتحقيق الأهداف. ولكن، قد يؤدّي الضّغط العالي وانشغال الأفراد إلى غياب التّواصل الواضح، ممّا يخلق سوء تفاهمٍ ويحفّز النّزاعات.
- ندرة الموارد: وكذلك، غالباً ما تعاني الشّركات النّاشئة من نقصٍ في الموارد، سواءٌ كانت ماليّةً أو بشريّةً. وقد يدفع هذا النّقص الفرق إلى التّنافس للحصول على ما هو متاحٌ، ممّا يزيد من احتماليّة نشوب النّزاعات.
- عدم وضوح الأدوار والمسؤوليّات: في العديد من الشّركات النّاشئة، قد لا يكون هناك وضوحٌ كاملٌ حول أدوار كلّ فردٍ في الفريق، ممّا يخلق بيئةً من الالتباس. فعدم معرفة الأدوار بوضوحٍ يمكن أن يؤدّي إلى اصطداماتٍ وتعارضاتٍ، حيث يشعر الأفراد بأنّهم يقومون بأدوار غيرهم، أو أنّهم غير مدعومين في مهامّهم.
- تباين الشّخصيّات: تتطلّب بيئة الشّركات التّعامل مع مجموعةٍ متنوّعةٍ من الشّخصيّات. وهذه البيئة المشحونة بالضّغط والمليئة بالطّموحات قد تجعل الصّدامات الشّخصيّة أمراً لا مفرّ منه. في مواقف التّوتّر العالي، يمكن أن تبرز الفروقات بين الأفراد، ممّا يزيد من احتماليّة حدوث النّزاعات.
- اختلاف الأهداف والمعايير: في بعض الأحيان، قد تكون أهداف الأفراد الشّخصيّة غير متوافقةٍ مع الأهداف العامّة للشّركة، ممّا يخلق نزاعاً داخليّاً يؤدّي إلى تباينٍ في الرّؤية بين أعضاء الفريق.
ما تأثير النّزاعات على أداء الشّركات؟
النّزاعات الّتي لا يتمّ حلّها بسرعةٍ وكفاءةٍ قد تكون مدمّرةً. كما أنّ النّزاعات المستمرّة تستنزف طاقة الفريق، تقلّل من الرّوح المعنويّة، وتبطئ عمليّة اتّخاذ القرار، وهذه كلّها تحدّياتٌ تؤثّر سلباً على بيئة العمل. وعندما تترك النّزاعات دون معالجةٍ، فإنّها قد تنّموّ لتخلق بيئةً سامّةً تدفع بالمواهب للابتعاد، وتحدّ من الابتكار.
على الجانب الآخر، إذا تمكّن القائد من تحويل النّزاعات إلى حواراتٍ بنّاءةٍ، فإنّ النّتائج الإيجابيّة ستكون واضحةً. وعند إدارة النّزاع بشكلٍ فعّالٍ، يشعر أعضاء الفريق بأنّهم مسموعون، تحلّ المشكلات بسرعةٍ، ويصبح الفريق أكثر تماسكاً ومرونةً. حيث تساهم إدارة النّزاع بشكلٍ صحيحٍ في تأسيس ثقافة عملٍ تدعم الشّركة، وتدفعها نحو النّجاح.
استراتيجيّاتٌ عمليّةٌ لإدارة النّزاعات في الشّركات النّاشئة
إدارة النّزاعات هي مهارةٌ حيويّةٌ يجب أن يتحلّى بها أيّ قائدٍ لشركةٍ ناشئةٍ. وهذه بعض الاستراتيجيّات العمليّة الّتي يمكنك اتّباعها لتحويل النّزاعات إلى فرصةٍ للنّموّ:
- تشجيع ثقافة تواصلٍ مفتوحٍ: تتطلّب بيئة الشّركات التّواصل المستمرّ. من المهمّ تشجيع أفراد الفريق على التّحدّث عن مخاوفهم وآرائهم بشكلٍ دوريٍّ دون خوفٍ من النّقد. إذ تساهم الاجتماعات الدّوريّة وجلسات العصف الذّهنيّ في كشف التّحدّيات مبكّراً قبل أن تتحوّل إلى مشكلاتٍ كبرى.
- تحديد الأدوار بوضوحٍ: من الأمور الأساسيّة تجنّب الخلط في الأدوار. تأكّد من أنّ كلّ عضوٍ في الفريق يعرف دوره بوضوحٍ، ويفهم كيف يساهم في تحقيق الأهداف العامّة للشّركة. وضوح الأدوار يساهم في تخفيف التّوتّرات ومنع سوء الفهم.
- تطوير الذّكاء العاطفيّ: القائد النّاجح هو من يتحلّى بذكاءٍ عاطفيٍّ، يستطيع من خلاله إدارة مشاعره ومساعدة فريقه في التّعامل مع التّوتّرات. كما أنّ ممارسة التّعاطف والتّفهّم تساهم في تهدئة النّزاعات وتسهيل التّوصّل إلى حلولٍ.
- تحفيز التّعاون بدلاً من المنافسة: في بيئةٍ محدودة الموارد، قد يكون من السّهل نشوء التّنافس بين أعضاء الفريق. حثّ فريقك على العمل كفريقٍ واحدٍ وتبنّي حلولٍ إبداعيّةٍ لحلّ المشكلات، وتحويل تركيزهم من التّنافس إلى التّعاون.
- الاحتفاء بالتّنوّع في المهارات: يعدّ التّنوّع داخل الفريق قوّةً، ويساعد في إثراء الأفكار وتوسيع دائرة الابتكار. شجّع أعضاء فريقك على تقدير مهارات كلّ فردٍ وفهم كيفيّة الاستفادة من اختلافاتهم.
- معالجة النّزاعات فور ظهورها: الانتظار لحين تفاقم النّزاع قد يؤدّي إلى تعقيد الأمور. كن استباقيّاً وتابع النّزاعات فور ظهورها؛ فالتّحدّيات الصّغيرة الّتي لا تحلّ قد تتحوّل إلى عقباتٍ كبيرةٍ يصعب تجاوزها.
وكما أوضح كابلان في كتابه، فإنّ طريقة تعاملك مع النّزاعات اليوم هو الأساس لثقافة شركتك في المستقبل. سواءٌ كنت تسعى لجولة تمويلٍ جديدةٍ، أو تستعدّ لإطلاق منتجٍ كبيرٍ، فإنّ تعلّم مهارة إدارة النّزاعات يعدّ أحد الرّكائز الأساسيّة الّتي ستساعدك في دفع شركتك نحو آفاقٍ جديدةٍ. وكذلك يعتمد نجاح الشّركات النّاشئة على القدرة على التّكيّف والابتكار وتنفيذ الأفكار بسرعةٍ. وتذكر، إدارة النّزاع ليست مجرّد وسيلةٍ لتجنّب المشكلات، بل هي أداةٌ قويّةٌ يمكن استخدامها لتعزيز الفريق، تحسين الإبداع، وبناء ثقافةٍ مرنةٍ وملهمةٍ.