لماذا تشعر بأنّك سجين عملك الخاص؟ وكيف تحرّر شغفك من جديد؟
طرق فعّالة لاستعادة حماسك الرّيادي حينما تشعر بالرّكود، حتى لو كانت شركتك ناجحةً ومزدهرةً على الورق
يشعر كثيرٌ من روّاد الأعمال في بداية رحلتهم الرّياديّة بالنّشوة والحماسة. فتحقيق حلم إنشاء عملٍ تجاريٍّ وتحويل الأفكار إلى واقعٍ مزدهرٍ يعدّ أمراً ملّهماً، خاصّةً في المراحل الأولى الّتي تتطلّب الكثير من الإبداع والتّجديد. ولكن مع مرور الوقت، قد يتحوّل هذا الشّغف إلى إحساسٍ بالجمود أو عدم الرّضا. حتّى وإن كانت الشّركة ناجحةً ومربحةً، يجد بعض المؤسّسين أنفسهم في مرحلةٍ من الفتور والشّعور بالانحباس في إطار الوظيفة الّتي صنعوها بأنفسهم. فكيف يحدث هذا، وما الّذي يمكن فعله للخروج من هذا المأزق؟
وفي هذا السّياق، يسلّط ستيفن شورت، عضوٌ في "منظّمة روّاد الأعمال" (Entrepreneur Organization) في أيرلندا وخبيرٌ في التّخطيط المهنيّ، الضّوء على الأسباب الّتي تجعل روّاد الأعمال يشعرون أحياناً بأنّهم عالقون في شركتهم الخاصّة، ويقدّم حلولاً عمليّةً تساعدهم على تجديد حماسهم واستعادة الشّغف.
المرحلة الانتقاليّة من الحلم إلى "العبء"
إنّ البداية غالباً ما تكون مرحلةً ديناميكيّةً يتولّى فيها المؤسّس معظم القرارات، ويشارك في الإبداع والمغامرة والتّخطيط الاستراتيجيّ. ولكن مع توسّع الشّركة وتطوّرها، تتغيّر طبيعة العمل؛ فيصبح المؤسّس مشغولاً بالأعباء الإداريّة اليوميّة، ممّا يخلق فجوةً بين التّوقّعات والطّموحات الأولى وبين المسؤوليّات العمليّة الّتي تفرضها الإدارة. ويبدأ الشّعور بأنّ العمل تحوّل من حلمٍ ممتعٍ إلى عبءٍ يوميٍّ، بل قد يبدو كأنّه "سجنٌ" فرضه المؤسّس على نفسه.
وخلال أكثر من عقدٍ من العمل مع روّاد الأعمال والاستماع إلى قصصهم، حدّد شورت ثلاثة أسبابٍ رئيسيّةٍ تجعل روّاد الأعمال يشعرون بأنّهم عالقون في شركتهم الخاصّة. وهذه المشاكل قد تؤثّر على الحماسة والدّافعيّة لديهم، ولكنّها قابلة للحل.
السبب الأول: الانتقال من الإبداع إلى الإدارة الرّوتينيّة
كان المؤسّس في بداية الطّريق يشعّ بالطّاقة والرّغبة في الإبداع واتّخاذ المخاطر. ومع نموّ الشّركة، يتحوّل دوره تدريجيّاً نحو المزيد من المهامّ الإداريّة الّتي قد تتطلّب وقتاً أكبر وجهداً إضافيّاً، مثل إدارة الفرق والإشراف على العمليّات والتّأكّد من سير الأعمال بسلاسةٍ. ومع الوقت، قد يشعر المؤسّس بأنّ دوره لم يعد محفّزاً كما كان في السّابق، بل أصبح مليئاً بالمهامّ الرّوتينيّة والقرارات اليوميّة الّتي تقيّد حرّيّته الإبداعيّة.
الحلّ: للتّخفيف من هذا الشّعور، ينصح شورت بتفويض بعض المهامّ لأعضاء الفريق المؤهّلين. ممّا يتيح للمؤسّس التّركيز على الرّؤية الكبيرة للشّركة، ويمنحه الوقت للعمل على الإبداع وتطوير المنتجات أو الخدمات الجديدة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن الاستعانة بمصادر خارجيّةٍ لبعض الأقسام مثل المحاسبة أو التّسويق، وهو ما يخفّف من الأعباء التّشغيليّة، ويسمح للمؤسّس بتخصيص وقته وطاقته في الأمور الّتي تثير شغفه. كما يوصي شورت بإنشاء ثقافةٍ داخل الشّركة تعزّز الإبداع المستمرّ، ممّا يضمن بيئة عملٍ مليئةً بالحيويّة والإبداع.
السبب الثاني: أزمة الهويّة الرّياديّة
قد يجد المؤسّس نفسه، بعد فترةٍ من النّجاح، في أزمة هويّةٍ؛ فهو لم يعد الشّخص المبتكر الّذي يضع كلّ التّفاصيل الصّغيرة بنفسه، بل أصبح أكثر انخراطاً في الأعمال الإداريّة البعيدة عن روح الرّيادة. وتدريجيّاً، قد يشعر بعدم الرّضا أو الانفصال عن الهدف الأوّل الّذي بدأ لأجله العمل. يصبح الدّور الّذي كان يحبّه غير مألوفٍ ومملّاً، وتبدأ تتشكّل لديه تساؤلاتٌ حول ماهيّة دوره الحقيقيّ.
الحلّ: يقترح شورت ضرورة أن يعيد رائد الأعمال اكتشاف القيم الّتي ألهمته في البداية، وأن يربط بينها وبين أهدافه الحاليّة. الأمر الذي سيساعده على توجيه مسار العمل من جديدٍ بشكلٍ يعبّر عن هويّته الحقيقيّة، ويعيد إشعال الشّغف في رحلته الرّياديّة. كما ينصح بالتّواصل مع شبكات دعم روّاد الأعمال والمرشدين الّذين قد يساعدونه على تأكيد هويّته كرائد أعمالٍ وتذكيره بأسباب الشّغف الأصليّة. ويمكن كذلك استكشاف مشاريع جديدةٍ داخل الشّركة تكون مصدر إلهامٍ وإبداعٍ، ما يعيد روح الرّيادة والنّشاط إلى العمل.
السبب الثالث: تطوّر الأهداف الشّخصيّة والمهنيّة
تطوّر الأهداف والطّموحات أمرٌ طبيعيٌّ مع مرور الوقت. ما كان يلبّي طموحات المؤسّس قبل خمس سنواتٍ قد لا يرضيه الآن، وقد يجد نفسه في حالةٍ من الجمود إذا كانت أهدافه المهنيّة لم تتطوّر مع تغيّر طموحاته الشّخصيّة. ويمكن أن يشعر المؤسّس بأنّ المشروع الّذي حقّق نجاحاً في السّابق لم يعد يتماشى مع تطلّعاته الحاليّة، حتّى وإن كان العمل مزدهراً على الورق.
الحلّ: هنا يشدّد شورت على أهمّيّة إجراء مراجعاتٍ دوريّةٍ للأهداف وتقييمها للتّأكّد من توافقها مع التّطلّعات الجديدة. فيمكن أن يسهم تحديد أهدافٍ ملهمةٍ ومتناسبةٍ مع التّغيّرات في إضفاء روحٍ جديدةٍ على العمل. كما ينصح شورت باعتماد معايير "الأهداف الذّكيّة" وهي أن تكون محدّدةً وقابلةً للقياس وقابلةً للتّحقيق ومرتبطةً بوقتٍ. كما يعدّ الاستثمار في التّعليم والتّطوير المهنيّ من أهمّ الخطوات للحفاظ على الحافز والتّعلّم الدّائم، ممّا يمنّح المؤسّس فرصةً لاكتساب مهاراتٍ جديدةٍ قد تعزّز تجربته وتجدّد طاقته.
إذاً، يقدّم هٰذا النّهج عدّة فوائد، ومنها:
- التّركيز على مناطق القوّة لدى المؤسّس في الإبداع والابتكار.
- تحقيق نموٍّ مستمرٍّ يساعد على منع الرّكود ويحفّز الفريق.
- تجديد الحماس والطّاقة عبر تحدّياتٍ جديدةٍ.
- القفز إلى المنحنى "S" التّالي في ريادة الأعمال.
ومن جهةٍ أخرى، يشير منحنى "S" للابتكار إلى الدّورة الطّبيعيّة لنموّ الأعمال، بدايةً بالنّموّ الأوّليّ البطيء، ثمّ التّوسّع السّريع، وأخيراً مرحلة الثّبات الّتي تتطلّب إدارةً وتطويراً. وقد تمثّل مرحلة الثّبات تحدّياً لرائد الأعمال؛ لأنّها قد تكون خاليةً من الإبداع ومليئةً بالمهامّ المتكرّرة. فبدلاً من البقاء عالقاً في هٰذه المرحلة، يقترح شورت على المؤسّسين التّفكير في الانتقال إلى "منحنى S" جديدٍ، أيّ إطلاق دورةٍ جديدةٍ من الابتكار والابتعاد عن الرّوتين عبر البدء بمشاريع جديدةٍ، سواءً داخل الشّركة أو خارجها.
كيف تنتقل إلى المنحنى الجديد؟
للقفز إلى منحنًى جديدٍ، يجب على رائد الأعمال بناء فريقٍ قادرٍ على إدارة العمليّات اليوميّة، ممّا يمنحه الحرّيّة لاستكشاف أفكارٍ ومشاريع جديدةٍ. ويضرب شورت مثلاً برائدي الأعمال ستيف جوبز وإيلون ماسك اللّذين تميّزا بالقدرة على التّجدّد وإعادة الابتكار؛ فقد نجح جوبز في تحويل "آبل" (Apple) إلى شركةٍ رائدةٍ عبر إطلاق منتجاتٍ ثوريّةٍ، مثل "iPhone"، فيما أطلق ماسك مشاريع جديدة، مثل "سبيس إكس" (SpaceX) و"تسلا" (Tesla)، الّتي دفعت بحدود الابتكار إلى مستوياتٍ جديدةٍ.
بالإضافة إلى ذلك، يشير شورت إلى أنّ شعور رائد الأعمال بأنّه عالقٌ في مشروعه لا يجب أن يكون حالةً دائمةً. فعندما يتمكّن المؤسّس من تحديد الأسباب الجوهريّة الّتي أثّرت على دافعيّته، ويعمل على معالجة هٰذه الأسباب، يمكنه إعادة اكتشاف الفرح في العمل وضمان نموّه الشّخصيّ والمهنيّ على حدٍّ سواءٍ. فتساعدك هٰذه الخطوات على استعادة شعلة الشّغف الّتي قادته منذ البداية إلى رحلة ريادة الأعمال، وتمنحه الأمل والطّاقة للاستمرار في رحلةٍ مليئةٍ بالإبداع والنّموّ.