إعادة تعريف الفخامة: الخليج يغيّر معايير التّجزئة
قطاع التّجزئة للسّلع الفاخرة في الخليج يشهد تحوّلاتٍ لافتة، مع نموٍّ سريعٍ وابتكارٍ يقود الصّناعة إلى آفاقٍ جديدة
هذا المقال متوفر أيضاً باللغة الإنجليزية هنا
شهدت تجارة المنتجات الفاخرة في العالم تحوّلاً عظيماً في السّنوات الأخيرة، وكان هذا التّحوّل نتيجةً لتغيّراتٍ جذريّةٍ في أذواق المستهلكين، وسرعة التّقدّم التّكنولوجيّ، والعولمة الّتي لا تزال تبسط أجنحتها على الأسواق كافّةً. وفي خضمّ هذه التّحوّلات الكبرى، تبدو دول مجلس التّعاون الخليجيّ وكأنّها قطبٌ جديدٌ يجذب هذه الصّناعة، إذ تجاوز سوق المنتجات الفاخرة فيها كلّ التّوقّعات، متفوّقاً على المعدّلات العالميّة ليبلغ ذروته مع نهاية عام 2023. ووفقاً لدراسةٍ حديثةٍ أجرتها مجموعة شلهوب (Chalhoub Group)، الّتي تتّخذ من دبي مقرّاً لها، ومن توزيع المنتجات الفاخرة مجالاً لتفوّقها، فإنّ سوق الفخامة الشّخصيّة في المنطقة ينمو بوتيرةٍ تفوق نظيرتها العالميّة بمرّتين، ليصل حجمه إلى 12.5 مليار دولارٍ أمريكيٍّ بنهاية العام ذاته.
يزدهر هذا السّوق، مدفوعاً بطلبٍ متزايدٍ على الموضة الرّفيعة، السّاعات الثّمينة، المجوهرات المتألّقة، ومنتجات التّجميل الّتي تنضح بالفخامة. ولعلّ الإمارات العربيّة المتّحدة قد نالت قصب السّبق بين هذه الدّول، إذ باتت السّوق الرّائدة الّتي تجذب إليها الأنظار، مستفيدةً من ارتفاع مستويات الدّخل المتاح في المنطقة، ممّا أسهم في زيادة الإقبال على المنتجات الفاخرة، حيث يشكّل قطاعا المنتجات الفاخرة والمنتجات الفاخرة جداً نحو 86% من السّوق، مع نموٍّ بلغ 11% و6% على التّوالي في عام 2023. ومن المتوقّع، وفقاً لإحصائيّات "ستاتيستا" (Statista)، أن يشهد سوق المنتجات الفاخرة في دول مجلس التّعاون الخليجيّ نموّاً سنويّاً مركّباً يبلغ 2.05٪ حتّى عام 2029، محقّقاً إيراداتٍ تقدّر بـ12.55 مليار دولارٍ أمريكيٍّ في عام 2024.
تؤكّد السّيّدة إنجي شلهوب، مؤسّسة مجموعة إتوال (Etoile Group)، أنّ سوق المنتجات الفاخرة في دول مجلس التّعاون الخليجيّ قد تجاوز حدود السّوق التّقليديّة ليصبح نموذجاً فريداً يتّسم بزبائن يقدّرون الجودة قبل كلّ شيءٍ، ويبحثون عن هويّةٍ تتجلّى في اختياراتهم الفاخرة. تقول شلهوب: "إنّ بيئة التّجزئة في المنطقة تتّسم بديناميكيّةٍ فريدةٍ، إذ تتسارع وتيرة النّموّ بفضل المشاريع الطّموحة، الوجهات التّجاريّة المبهرة، والجمهور الّذي ينشد تجربةً استثنائيّةً تمتزج فيها الفخامة بالابتكار". وتضيف: "لقد أصبحت السّياحة مصدراً حاسماً لدعم هذا السّوق، إذ يجذب السّيّاح الباحثين عن تجارب تسوّقٍ عالميّة المستوى. كما أنّ الفئات الشّابّة تضيف لهذا السّوق زخماً خاصّاً؛ فهي جيلٌ طموحٌ، ممترّسٌ في التّكنولوجيا، ويضفي على الفخامة طابعاً جديداً أكثر جرأةً وابتكاراً".
أمّا السّيّد ليث البازرجان، رئيس تطوير الأعمال في إندافا الشّرق الأوسط (Endava Middle East)، تلك المؤسّسة البريطانيّة الّتي تختصّ بالاستشارات البرمجيّة، وتعمل على دعم قطاعي التّجزئة والسّلع الاستهلاكيّة، فيرى أنّ السّياحة هي أحد أهمّ المحرّكات الّتي تدفع بهذا السّوق نحو آفاقٍ جديدةٍ. ويقول البازرجان: "لقد أصبحت مدنٌ مثل دبي والدّوحة وجهاتٍ لا تضاهى لتجارب التّسوّق الفاخر، بفضل مراكزها التّجاريّة الرّاقية وخدمات التّسوّق الشّخصيّة الّتي تلامس احتياجات الزّوّار وتفضيلاتهم". ويضيف: "إنّ الفخامة هنا لا تختصر في المنتج ذاته، بل تتجسّد في قيمٍ ثقافيّةٍ عميقةٍ، تعبّر عن الضّيافة والتّميّز، وهي بذلك رمزٌ للهويّة والمكانة الاجتماعيّة".
وفي السّياق ذاته، يوضّح السّيّد كيم سانجييف، مؤسّس تطبيق جيت آوتفيت (Get Outfit)، لتنسيق الأزياء الّذي يعتمد على الذّكاء الاصطناعيّ، أنّ النّموّ المتزايد في هذا السّوق يعكس مزيجاً فريداً من العوامل الاقتصاديّة والثّقافيّة. ويقول: "إنّ ارتفاع مستويات الدّخل في المنطقة يعزّز الإنفاق على المنتجات الفاخرة، ولكن ما يميّز سوق المنتجات الفاخرة في الشّرق الأوسط هو التّزاوج بين التّقاليد والابتكار، وهو عاملٌ بالغ الأهمّيّة يجعل هذه السّوق محطّ الأنظار على مستوى العالم".
ويشير سانجييف، إلى زاويةٍ ديموغرافيّةٍ ذات أهمّيّةٍ بالغةٍ، إذ يقول: "إنّ أكثر من 68% من المتسوّقين في دول مجلس التّعاون الخليجيّ تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاماً، وهذه الشّريحة العمريّة تنضج تدريجيّاً، وتزيد من دخلها، ممّا يحفّز الاستهلاك". ويتابع ملاحظاً: "أنّ أكثر من 46% من أفراد الجيل زد ينفقون على الموضة أكثر من أيّ فئةٍ أخرى".
وقد غدا التّسوّق عبر الإنترنت خياراً يزداد انتشاراً وشعبيّةً في دول مجلس التّعاون الخليجيّ، مدفوعاً بتغيّر أذواق المتسوّقين، خصوصاً من أبناء جيل الألفيّة والجيل زد. هؤلاء الّذين يقودون عصر التّكنولوجيا الرّقميّة، ويطالبون بخدماتٍ تلبّي احتياجاتهم الشّخصيّة، وتكون متاحةً لهم في كلّ حينٍ. وتعلّق إنجي شلهوب، مؤسّسة مجموعة "إتوال" (Etoile)، قائلةً: "إنّ متسوّقي الجيل زد، بخلاف الأجيال السّابقة، يبحثون عن تجارب فريدةٍ وشخصيّةٍ، وعن علاماتٍ تجاريّةٍ تمنحهم شعوراً بالانتماء إلى مجتمعٍ". كما أضاف سانجييف:" لقد أدّى هذا الاتّجاه إلى تزايد الإقبال على التّسوّق عبر الإنترنت، ممّا أتاح للعلامات التّجاريّة الفاخرة الوصول إلى جمهورٍ أوسع وتلبية احتياجات شريحةٍ واسعةٍ من المستهلكين المتمرّسين في التّكنولوجيا".
كما غيّر نموّ التّجارة الإلكترونيّة وانتشار وسائل التّواصل الاجتماعيّ معالم تجارة الفخامة، وأضحت المنصّات الرّقميّة ركيزةً أساسيّةً في تعزيز مبيعات المنتجات الفاخرة. ولا شكّ أنّ الجماهير الأصغر سنّاً قد أظهرت ولاءً جديداً ومختلفاً تجاه العلامات التّجاريّة؛ إذ يبحث هؤلاء عن علاماتٍ تتواصل معهم مباشرةً، وتصمّم لهم تجارب تعكس احتياجاتهم الفرديّة. وفي هذا السّياق، يقول سانجييف: "إنّ هذه الفئة، على عكس الأجيال السّابقة، لا تكتفي بشهرة العلامة؛ بل تبحث عن قصصٍ ملهمةٍ تحملها العلامات التّجاريّة، وعن حداثةٍ وابتكارٍ يجتذبهم. كما أنّنا نرى ميولهم نحو العلامات التّجاريّة المتخصّصة، خاصّةً تلك الّتي تعكس الأصالة والتّنوّع".
وترى كيلي باور، الّتي شاركت في تأسيس منصّة "بِست كِبْت شيرد" (Best Kept Shared)، وهي منصّةٌ للتّجارة الإلكترونيّة تعنى بتأجير وإعادة بيع الأزياء بين الأفراد، أنّ صعود التّجارة الإلكترونيّة جعل الموضة الرّاقية في متناول فئاتٍ أوسع. وتقول باور: "إنّنا نشهد نموّاً ملحوظاً في قطاع تجارة المنتجات الفاخرة عبر الإنترنت، حيث باتت الموضة الرّفيعة أكثر سهولةً وملاءمةً، مع تقديم العديد من المتاجر خدماتٍ مثل المنسّقين الشّخصيّين عبر الإنترنت وسياسات الإرجاع المجّانيّة، ما يجعل تجربة الفخامة متاحةً عند الطّلب".
التحولات الرقمادية
وفي هذا الإطار، برز مفهوم الـ Phygital أو ما تترجم اصطلاحاً إلى الرّقماديّة، الّذي يجمع بين التّجارب الرّقميّة والماديّة، كأحد التّوجّهات الّتي يعتنقها تجّار التّجزئة الفاخرة على مستوى العالم. وفي دول مجلس التّعاون الخليجيّ، يتزايد اعتماد العلامات التّجاريّة على هذا النّهج لخلق تجارب تسوّقٍ استثنائيّةٍ. وبهذا، يتمّ الدّمج بين العالمين الرّقميّ والماديّ لتقديم خدماتٍ مخصّصةٍ، ومنتجاتٍ حصريّةٍ، وتجارب تتماشى مع تطلّعات العملاء. يقول ليث البازرجان، رئيس تطوير الأعمال في "إندافا الشّرق الأوسط": "إنّ هذا الجيل يتوقّع من العلامات التّجاريّة الفاخرة أن تتبنّى القنوات الرّقميّة والاجتماعيّة بطريقةٍ مبتكرةٍ، تخاطبهم مباشرةً وبشفافيّةٍ".
تؤكّد شلهوب أنّ نجاح استراتيجيّة الرّقماديّة يكمن في قدرتها على الجمع بين أفضل ما يقدّمه العالم الرّقميّ وما تتميّز به المساحات الماديّة. وتوضّح: "إنّ الأمر يتعلّق بإتاحة تجربةٍ سلسةٍ، حيث يمكن للعملاء الانتقال بين التّفاعل الرّقميّ والخدمات داخل المتجر بسلاسةٍ. فعلى سبيل المثال، توفّر العلامات التّجاريّة اليوم تطبيقاتٍ تربط بين المجموعات الرّقميّة والتّجربة الحيّة في المتاجر، ممّا يمكّن العملاء من حجز مواعيد أو معاينة المجموعات قبل زيارتهم الفعليّة. "كما يضيف البازرجان أنّ دمج تقنيّاتٍ مثل الذّكاء الاصطناعيّ (AI)، والواقع المعزّز (AR)، والواقع الافتراضيّ (VR)، أصبح ضرورةً ملحّةً لتلبية تطلّعات العملاء وزيادة المبيعات. ويقول: "إنّ هذه الأدوات تقدّم للعملاء تجربةً تفاعليّةً غامرةً، تتيح لهم التّفاعل مع المنتجات الفاخرة أينما كانوا، ممّا يمنحهم شعوراً حصريّاً ومميّزاً".
وتشير شلهوب إلى أنّ هذه الابتكارات لا تقتصر على تقديم المنتجات، بل تعزّز تفاعل العملاء مع العلامات التّجاريّة بطرقٍ ثريّةٍ ومتنوّعةٍ. وتقول: "إنّ المتاجر المؤقّتة المزودة بعناصر رقميّةٍ أو المعارض الافتراضيّة توفّر تجربة تسوّقٍ تفاعليّةٍ أكثر ثراءً وتنوّعاً".
ومن الأمثلة البارزة في هذا السّياق ما قدّمته علامة "لايت أورغانيكس" (Liht Organics)، وهي علامةٌ متخصّصةٌ في منتجات التّجميل، تتّخذ من "مول الإمارات" في دبي مقرّاً لها. ففي عام 2023، أطلقت هذه العلامة منصّةً تعتمد على تقنيّة الواقع الافتراضيّ، ممّا أتاح للعملاء معاينة المنتجات وتجربتها دون الحاجة إلى تطبيقها فعليّاً. وقد استخدم المتسوّقون الكميرات لإنشاء صورةٍ رمزيّةٍ تعرض على شاشةٍ، تتزيّن بمجموعةٍ مختارةٍ من المنتجات المتاحة.
أمّا الذّكاء الاصطناعيّ، فإنّه يعدّ من أبرز التّقنيّات الّتي تحدث تحوّلاً عميقاً في صناعة المنتجات الفاخرة، إذ يمكّن العلامات التّجاريّة من جمع بياناتٍ دقيقةٍ وشاملةٍ حول اتّجاهات العملاء وسلوكيّاتهم الشّرائيّة، فضلاً عن ديناميكيات المخزون. ويوضّح نيكولاس ناث، مؤسّس "أيكونيك لابز" (Aiconic Labs)، وهي شركةٌ مبتكرةٌ للذّكاء الاصطناعيّ التّوليديّ مقرّها دبي، أنّ "تكنولوجيا الذّكاء الاصطناعيّ تتطوّر بسرعةٍ مذهلةٍ، وأنّ هناك العديد من العناصر المتنوّعة داخل التّسويق – مثل اختيار النّماذج، وتحليل البحث، وإنتاج المحتوى، وإدارة البيانات، وضمان الحصريّة، والاستخدام الأمثل للموارد، والتّكاليف، والقدرة على التّوسّع – وكلّها تعيد تشكيل الطّريقة الّتي تعمل بها العلامات التّجاريّة".
ويتابع ناث شارحاً أهمّيّة الذّكاء الاصطناعيّ في تخصيص الموادّ التّسويقيّة وتوجيهها بشكلٍ أكثر دقّةً نحو العملاء، ممّا يجعل تجربة التّسوّق أكثر شخصيّةً وخصوصيّةً. ويقول: "بفضل الذّكاء الاصطناعيّ، تستطيع العلامات التّجاريّة تقديم توصياتٍ وإعلاناتٍ موجّهةٍ تعكس أذواق كلّ عميلٍ وتاريخه الشّرائيّ، ما يجعل التّفاعل الرّقميّ يبدو وكأنّه قد صمّم خصّيصاً له ". ويضيف: "تحليل أنماط الشّراء يمكّن العلامات التّجاريّة الفاخرة من تحديد تفضيلات العملاء للعناصر محدودة الإصدار أو الخدمات المصمّمة حسب الطّلب، ممّا يعزّز ولاء العلامة التّجاريّة، ويرفع من معدّلات التّحويل".
ويتوقّع ناث أنّ تقنيّات الذّكاء الاصطناعيّ – لا سيّما تلك المتعلّقة بالفيديو، وتحليل المشاعر في الوقت الفعليّ، والواقع الافتراضيّ – ستحدث ثورةً حقيقيّةً في مجال تسويق المنتجات الفاخرة، وذلك من خلال إعادة تعريف مفاهيم التّميّز والتّخصيص. ويشرح قائلاً: "من خلال الذّكاء الاصطناعيّ، تستطيع العلامات التّجاريّة الفاخرة تتبّع فاعليّة الحملات عبر المنصّات المختلفة، وتعديل الرّسائل الفوريّة وفقاً لردود الأفعال". ثمّ يضيف مثالاً: "إذا لاقت صورةٌ معيّنةٌ تفاعلاً إيجابيّاً مع شريحةٍ ديموغرافيّةٍ معيّنةٍ، يمكن للعلامات التّجاريّة فوراً تعديل استراتيجيّاتها لاستهداف الجمهور بشكلٍ أفضل، ممّا يؤدّي إلى حملاتٍ مرنةٍ تستند إلى البيانات وتحسّن التّفاعل بفعاليّةٍ كبيرةٍ".
ويشير ناث كذلك إلى ظهور "المؤثّرين الافتراضيّين" كفرصةٍ مبتكرةٍ للعلامات التّجاريّة للوصول إلى شريحةٍ أكبر من العملاء. ويضيف: "تتيح التّكنولوجيا للعلامات التّجاريّة إنشاء مؤثّرين الافتراضيّين مصمّمين خصّيصاً لاستهداف جمهورٍ معيّنٍ، ممّا يمنح العلامة سيطرةً كاملةً على هذا الكيان الافتراضيّ". ويضرب مثالاً بتعاون العلامة الألمانيّة "بوما" (Puma) مع المؤثّرة الافتراضيّة ليلى خضراء، الّتي جذبت أكثر من 12000 متابعٍ عبر حسابها على إنستغرام.
فخامةٌ منسوجةٌ بالقيم
أصبحت العلامات التّجاريّة الفاخرة في دول مجلس التّعاون الخليجيّ أكثر حرصاً على مواءمة جهودها في العلامة والتّسويق مع التّقاليد المحلّيّة والثّقافة الإقليميّة، سعياً إلى ترسيخ مكانتها وربطها بقيم المنطقة واحتياجاتها. فمن خلال إدماج الفخامة في الاحتفالات التّقليديّة الّتي تميّز هذه البقعة من العالم، استطاعت تلك العلامات أن تصل إلى جمهورٍ أوسع يشمل الجيل الجديد من عشّاق الفخامة. وفي هذا السّياق، يشير البازرجان إلى أنّ "ما يميّز المنطقة هو وجود عملاء يجمعون بين تقديرهم للعلامات التّجاريّة العالميّة، وتفضيلهم للخدمة الشّخصيّة الّتي تحاكي تراثهم وثقافتهم ". ويؤكّد هذا الرّأي شلهوب، مضيفاً أنّ "سوق المنتجات الفاخرة في الخليج تتميّز بقاعدة عملاء مثقّفةٍ تجمع بين تقديرها للتّقاليد وانفتاحها على الحداثة، حيث تبحث عن الأناقة الّتي لا تبلى، ولكنّها في الوقت ذاته تتفاعل بحيويّةٍ مع كلّ جديدٍ ومبتكرٍ".
ومن الأمثلة الّتي تبرز هذا التّوجّه، التّعاون بين العلامة الفرنسيّة "فان كليف آند آربلز" (Van Cleef & Arpels) والفنّانة الإماراتيّة فاطمة الكتبيّ خلال شهر رمضان، وهو تعاونٌ أثمر عن إبداع أعمالٍ فنّيّةٍ خطّيّةٍ استخدمت فيها سعف النّخيل، في تناغمٍ رائعٍ جمع بين التّراث والأناقة المعاصرة. وكذلك العلامة الإيطاليّة "غوتشي" (Gucci) الّتي نظّمت فعاليّاتها الرّمضانيّة تحت وسم #GucciGameNight، مسلّطةً الضّوء على مجموعتها الخاصّة بالشّهر الفضيل، الّتي حملت اسم (Nojum)، وتعني "النّجوم" باللّغة العربيّة. أمّا العلامة الفرنسيّة "لويس فيتون" (Louis Vuitton)، فقد قدّمت تجربةً فريدةً من نوعها بالتّعاون مع منتجع "أتلانتس ذا رويال" (Atlantis The Royal) في دبي، حيث نصبت تماثيل ضخمةً بارتفاع ثلاثة أمتارٍ تمثّل تميمة الدّار الشّهيرة "فيفيان"، وُزّعت في أنحاء المنتجع لتبهج الجمهور وتثير فضولهم.
على صعيدٍ آخر، أصبح التّخصيص في تجربة الفخامة عنصراً لا غنى عنه. وتقول شلهوب: "إنّ التّخصيص أصبح قلب تجربة الفخامة، فهو يتمثّل في تصميم رحلةٍ فريدةٍ لكلّ عميلٍ تعكس تفرّده. بدءاً من المنتجات المصمّمة حسب الطّلب، وصولاً إلى تجارب التّسوّق الشّخصيّة، يعزّز هذا النّهج الرّوابط بين العلامات التّجاريّة وعملائها". ويشير البازرجان إلى أنّ التّحليلات التّنبّؤيّة، الّتي تعتمد على بيانات العملاء، تمكّن العلامات من التّنبّؤ باحتياجاتهم وتقديم توصياتٍ تلبّي أذواقهم وتستبق توقّعاتهم.
وفي هذا الإطار، برزت الاستدامة كعنصرٍ أساسيٍّ في هذا القطاع، إذ تسعى العلامات التّجاريّة إلى تعزيز ممارساتها الأخلاقيّة واعتماد سلاسل إمدادٍ شفّافةٍ، فضلاً عن إنتاج منتجاتٍ صديقةٍ للبيئة، استجابةً لاهتمامات الجيل الجديد من المستهلكين. وتؤكّد شلهوب أنّ "الجيل زد يتميّز بميله إلى القيم الأصيلة، حيث ينجذب إلى العلامات الّتي تعكس استدامةً في ممارساتها، وشموليّةً في رؤيتها، ومسؤوليّةً اجتماعيّةً حقيقيّةً". ويضيف البازرجان: "بات المستهلكون الأصغر سنّاً أكثر حرصاً على التّدقيق في ممارسات العلامات التّجاريّة، حيث أصبحت الشّفافيّة في التّوريد والتّعبئة المستدامة معياراً أساسيّاً لهم، وهم يحرصون على أن تكون مشترياتهم متوافقةً مع اهتماماتهم البيئيّة".
وفي إطار تبنّي ممارساتٍ مستدامةٍ، لجأت بعض العلامات الفاخرة إلى نماذج أعمالٍ مبتكرةٍ، مثل تأجير الأزياء، لتعزيز الخيارات الدّائريّة في الصّناعة. ويشير تقريرٌ صادرٌ عن مجموعة شلهوب لعام 2023 إلى أنّ هذه النّماذج تتيح للعملاء فرصة استئجار قطعٍ فاخرةٍ لفترةٍ محدّدةٍ، ممّا يسمح لهم باستكشاف علاماتٍ تجاريّةٍ متعدّدةٍ وتجربة قطعٍ خاصّةٍ لمناسباتٍ بعينها، مع إطالة دورة حياة المنتجات. وتقول كيلي باور: "يبحث المستهلكون عن بدائل مسؤولةٍ بيئيّاً واجتماعيّاً، تتيح لهم الوصول إلى الفخامة دون الحاجة إلى شراء قطعٍ جديدةٍ باستمرارٍ، ممّا يقلّل من الأثر البيئيّ لهذا القطاع".
الطريق المُنتظر
وفيما يخصّ المستقبل، يعتقد سانجييف أنّ دول مجلس التّعاون الخليجيّ على أعتاب لعب دورٍ رياديٍّ في تشكيل معالم تجارة التّجزئة الفاخرة عالميّاً. ويقول: "إنّ مستهلكي هذه المنطقة، بما يمتلكونه من خبرةٍ في التّكنولوجيا، وتفضيلاتهم الواضحة نحو العلامات الفاخرة، لديهم القدرة على تغيير مفهوم الفخامة عالميّاً". ويضيف: "في المستقبل، يمكننا أن نتوقّع تكاملاً تامّاً بين التّجارب الرّقميّة والماديّة، مع تحوّل الاستدامة إلى مطلبٍ رئيسيٍّ، وظهور ابتكاراتٍ جديدةٍ في مجالاتٍ مثل الواقع المعزّز وتجارب المحاكاة الافتراضيّة".
ويضيف ليث البازرجان أنّ المنطقة، بفضل قاعدة عملائها المميّزة ونهجها المتقدّم في تجارة التّجزئة، مؤهّلةٌ لتكون في طليعة تجربة التّسوّق الفاخرة المعزّزة بالتّكنولوجيا. ويقول: "إنّ المستقبل يبدو واعداً، إذ يحمل في طيّاته مزيداً من التّجارب الفاخرة الّتي تمتاز بالغمر والاستدامة، والتّكامل العميق مع التّكنولوجيا، ما سيسهم في إعادة تشكيل مشهد التّجزئة في هذه المنطقة".
أمّا إنجي شلهوب، فتؤكّد بثقةٍ أنّ دول مجلس التّعاون الخليجيّ ستظلّ لاعباً أساسيّاً في سوق الفخامة العالميّ، مشيرةً إلى الخصوصيّة الّتي تتميّز بها المنطقة في المزج بين التّطوّر واحترام التّقاليد. وتختم قائلةً: "إنّ هذه منطقةٌ تحتضن التّغيير بجرأةٍ، دون أن تتخلّى عن تقاليدها الرّاسخة. وأنا على يقينٍ بأنّها ستقود الطّريق في صياغة مستقبل تجارة التّجزئة الفاخرة".
نُشرت هذه المقالة لأول مرة في عدد نوفمبر من مجلة "عربية .Inc". لقراءة العدد كاملاً عبر الإنترنت، يُرجى النقر هنا.