اتفاقيّة عدم الإفصاح: أهميّتها، بنودها، وكيفيّة تنفيذها
الاتفاقية حماية لأسرار شركتك، لكنها تفرض التزامات قانونية قد لا يتحملها الجميع، حيث يصبح كل حرفٍ فيها قيدًا ملزمًا، وكل انتهاكٍ عواقبه وخيمة
يتردّد العديد من المستثمرين وأصحاب الشّركات وحتّى الموظّفين في التّوقيع على اتّفاقيّة عدم الإفصاح. فرغم المزايا المتعدّدة الّتي توفّرها هذه الاتّفاقيّة في الحفاظ على المصالح المتبادلة بين طرفين شريكين في مجالٍ ما، أو بينهما أيّ تعاملاتٍ ماليّةٍ أو فنّيّةٍ، إلّا أنّها تفرض التزاماتٍ قانونيّةً قد لا يتمكّن الجميع من تحمّل تبعاتها.
فكيف تحمي أسرار شركتك من خلال اتّفاقيّة عدم الإفصاح؟ وكيف يمكن أن تكون ملزمةً للجميع؟ وما أهمّيّتها وأساليب تنفيذ العقوبات المتعلّقة بها؟ وما العناصر الأساسيّة الّتي يجب أن تتضمّنها لحماية الحقوق المتبادلة؟ كلّ هذا وأكثر سنتعرّف عليه في السّطور القادمة.
ما هي اتّفاقيّة عدم الإفصاح؟
تعدّ اتّفاقيّة السّرّيّة وعدم الإفصاح عقداً ملزماً قانونيّاً ينشئ علاقةً سرّيّةً بين طرفين: أحدهما يحمل معلوماتٍ حسّاسةً أو سرّيّةً، والآخر يتعامل مع هذه المعلومات بحكم طبيعة العمل بينهما. يوافق الأخير على أنّ تلك المعلومات لن تكون متاحةً مطلقاً للآخرين عن طريقه. ويمكن أن تكون الاتّفاقيّة أحاديّةً أو متبادلةً.
تستخدم هذه الاتّفاقيّة عادةً في التّبادلات الماليّة الكبيرة بين شركتين أو أكثر، أو بين الشّركة والموظّفين، أو بين صاحب عملٍ وعميلٍ أو مقاولٍ جديدٍ. وتركّز بشكلٍ أساسيٍّ على خصوصيّة معلومات الفرد والمؤسّسة. وتختلف كلّيّاً عن العقود التّجاريّة الأخرى مثل اتّفاقيّات الخدمة أو المبيعات الّتي تركّز على شروط وأحكام الخدمة والمعاملات. ويترتّب على انتهاكها عواقب قانونيّةٌ متنوّعةٌ، بدءاً من فقدان الوظيفة والمستحقّات الماليّة إلى الغرامات والإنذارات والسّمعة السّيّئة، وأحياناً السّجن، وفقاً لما هو منصوصٌ عليه في بنود الاتّفاقيّة.
الهدف من بند السّرّيّة في العقد
تهدف اتّفاقيّة عدم الإفصاح في العقد إلى الحفاظ على السّرّيّة والحماية. قد تتضمّن المعلومات المحميّة بموجب بند السّرّيّة كلّ شيءٍ، بدءاً من مواصفات منتجٍ معيّنٍ إلى قوائم العملاء وحتّى مراجعات المنتجات واختبارات السّلامة. تنشئ اتّفاقيّة عدم الإفصاح الإطار القانونيّ لحماية الأفكار والمعلومات من السّرقة أو مشاركتها مع المنافسين أو مع أيّ أطرافٍ ثالثةٍ. ويؤدّي انتهاك الاتّفاقيّة إلى دعاوى قضائيّةٍ وعقوباتٍ ماليّةٍ، وقد تصل إلى التّهم الجنائيّة في بعض القوانين. فهي تقوم بثلاث وظائف أساسيّةٍ:
- تحديد المعلومات الّتي ترغب الشّركة أو الطّرف في حمايتها.
- حماية هذه المعلومات الحسّاسة من خلال إطارٍ قانونيٍّ رادعٍ لمنع تسريبها.
- الحفاظ على حقوق براءات الاختراع، وبالتّالي السّماح بتطوير المنتجات أو الابتكارات أو خطط العمل.
متى يكون نموذج سرّيّة المعلومات مطلوباً؟
تستخدم اتّفاقيّة عدم الإفصاح في مجموعةٍ متنوّعةٍ من المواقف، ونجدها مطلوبةً عموماً في:
-
الصّفقات التّجاريّة بين الشّركات: عندما تدخل شركتان معاً في صفقاتٍ تجاريّةٍ، وترغبان في حفاظ مصالحهما وعدم الكشف عن أيّ تفاصيل محتملةٍ داخل الصّفقة نفسها.
-
عند توظيف موظّفين جددٍ: تطلب بعض الشّركات من الموظّفين عموماً، أو من في المناصب الإداريّة خصوصاً، التّوقيع على اتّفاقيّات عدم الإفصاح إذا كان لديهم إمكانيّة الوصول إلى معلوماتٍ حسّاسةٍ تخصّ الشّركة.
-
عند الحصول على تمويلٍ من المستثمرين: يعدّ التّمويل جزءاً أساسيّاً من العمليّات التّجاريّة في الكثير من الشّركات. فإذا كانت للشّركة معلوماتٌ حسّاسةٌ لا ترغب في الإفشاء عنها، فقد تطلب من المستثمرين التّوقيع على وثيقة عدم الإفصاح.
-
عند إطلاق منتجاتٍ جديدةٍ: عندما تحتاج المؤسّسة إلى بيع أو ترخيص منتجٍ أو تقنيّةٍ جديدةٍ، تسعى للتّأكّد من أنّ جميع البيانات الّتي تكشف عنها، سواءٌ كانت تقنيّةً أو ماليّةً أو غيرها من موادّ مملوكةٍ لها، لا يمكن مشاركتها مع طرفٍ ثالثٍ.
-
عند التّعامل مع عملاء جددٍ: عند بدء التّعامل مع عميلٍ جديدٍ، قد تصبح المؤسّسة مطّلعةً تماماً على الكثير من المعلومات الحسّاسة لتلك الشّركة. تساهم اتّفاقيّة عدم الإفصاح في حماية المؤسّسة والعميل من خلال تحديد المعلومات الّتي لا ينبغي الكشف عنها، حتّى لا تتعرّض الشّركة بطريقةٍ غير مقصودةٍ للمسؤوليّة القانونيّة.
-
عند إجراء عمليّات استحواذٍ واندماجٍ: عند بيع شركةٍ ما أو دمجها في أخرى، لا تكون معلوماتها الماليّة والتّقنيّة الحسّاسة فقط في يد الكيان الأمّ، بل قد يطّلع عليها مجموعةٌ من الوسطاء أيضاً. لذا، يضمن وجود وثيقة عدم الإفصاح حماية البيانات.
أنواع اتّفاقيّة عدم الإفصاح عن المعلومات
تنقسم اتّفاقيّات عدم الإفصاح عادةً إلى فئتين رئيسيّتين: أحاديّةٍ ومتبادلةٍ، وأحياناً قد تكون الاتّفاقيّة متعدّدة الأطراف، ولكنّ هذا ليس شائعاً لصعوبة إثبات المخالف لبنود العقد في تلك الحالة. وفقاً لنوع العمل ومقدار الحماية المتبادلة، وحجم الصّفقات والمصلحة بين الأطراف، يتحدّد نوع الاتّفاق السّرّيّ هل سيكون أحاديّاً أم متبادلاً:
اتّفاقيّةٌ سرّيّةٌ متبادلةٌ
في هذا النّوع، تتناقش شركتان في إمكانيّات الشّراكة معاً، سواءٌ في تطوير منتجٍ أو وضع خططٍ تسويقيّةٍ أو غيرها. يمكن لكلّ شركةٍ الكشف عن معلوماتٍ بشأن عمليّاتها الّتي تتعلّق بالخطط الاستراتيجيّة، ويتّفق الطّرفان على عدم الكشف مطلقاً عن تلك المعلومات. تعتبر عمليّات الدّمج والشّراكة والاستحواذ من الأمثلة القويّة على هذا النّوع.
اتّفاقيّةٌ سرّيّةٌ غير متبادلةٍ
وهي اتّفاقيّة عدم الإفصاح الأحاديّة الجانب، وعادةً ما تنطبق على الموظّفين الجدد الّذين يتمتّعون بإمكانيّة الوصول إلى معلوماتٍ حسّاسةٍ حول الشّركة. يكون هناك طرفٌ واحدٌ ملزمٌ بالسّرّيّة، لأنّه الطّرف الّذي يتلقّى المعلومات الحسّاسة، ويكون أميناً عليها.
مميّزات وعيوب بند السّرّيّة في العقد
هناك مجموعةٌ من المميّزات الّتي تتعلّق باتّفاقيّة عدم الإفصاح عند التّعاملات المختلفة مع العملاء والشّركاء، إلّا أنّ هناك عيوباً يجب الانتباه إليها قبل طلب توقيع مثل هذه الاتّفاقيّات.
مميّزات اتّفاقيّة عدم الإفصاح
-
ضمان سرّيّة المعلومات الحسّاسة: تضمن بقاء المعلومات الحسّاسة داخل الشّركة، بدءاً من البحث والتّطوير وحتّى براءات الاختراع ومصادر التّمويل والمفاوضات المستقبليّة وغيرها، فلا تكون تلك المعلومات متاحةً للعامّة.
-
الوضوح والدّقّة: تحديد ما يمكن وما لا يمكن الكشف عنه بدقّةٍ، لتجنّب أيّ لبسٍ أو خطأٍ في التّعامل مع المعلومات.
-
تكلفةٌ منخفضةٌ: لا تتطلّب تكلفةً عاليةً، فهي عقدٌ يوقّع دون الاحتياج إلى تسجيلٍ قانونيٍّ معقّدٍ.
-
التحذير المسبق: تكشف عواقب الإفشاء عن المعلومات المحميّة مبكّراً، ممّا يقلّل الاحتمالات المستقبليّة لالانتهاك.
عيوب اتّفاقيّة عدم الإفصاح
-
انعدام الثّقة المحتمل: قد يوحي اطلاب التّوقيع على بند السّرّيّة بعدم الثّقة بين الطّرفين، ممّا قد يؤثّر على بناء العلاقات المهنيّة.
-
تقييد الفرص المستقبليّة: قد تمنع تلك الاتّفاقيّة الموظّفين من الانضمام إلى شركاتٍ جديدةٍ إذا كانت الشّروط تحظر تعاملهم مع المنافسين في المستقبل.
-
التعقيدات القانونيّة: قد تنشأ مشكلاتٌ قانونيّةٌ إذا تسرّبت معلومات الاتّفاقيّة لسببٍ غير متعمّدٍ، ومن الصّعب إثبات الانتهاك.
التّحدّيات أمام تنفيذ اتّفاقيّة عدم الإفصاح
تواجه بنود السّرّيّة في العقود بعض المعوّقات الّتي قد تعيق انتشار استخدامها، ومن أهمّ تلك المعوّقات:
-
تحدّيات التّنفيذ: يصعب تعويض الضّرر في حالة إفشاء معلوماتٍ حسّاسةٍ تتعلّق بطريقة تركيب منتجٍ أو خططٍ مستقبليّةٍ أو فكرةٍ مبتكرةٍ. كما قد يكون من الصّعب إثبات الضّرر بشكلٍ دقيقٍ، خصوصاً إذا تمّ التّسريب بطريقةٍ غير مباشرةٍ.
-
التّعارض مع المصلحة العامّة: في بعض الحالات، يصبح الكشف عن المعلومات الحسّاسة ضروريّاً للامتثال للقانون، مثل في الأنشطة المخالفة للقانون أو في القضايا المتعلّقة بالأمن والسّلامة العامّة.
-
حمايةٌ محدودةٌ: إذا لم يكن الطّرف الموقّع دقيقاً في تحديد المعلومات المحميّة، قد يتمّ اتّساع نطاق المعلومات المسرّبة بشكلٍ غير مباشرٍ، وهذا يوفّر حمايةً محدودةً للشّركة.
-
الاختصاص القضائيّ المحدود: إذا لم يكن الطّرفان تحت ولايةٍ قانونيّةٍ واحدةٍ، فقد يكون التّطبيق القضائيّ للعقوبات المفروضة في الاتّفاقيّة صعباً. لذا، يجب أن تتضمّن الاتّفاقيّة بنوداً تحدّد الاختصاص القانونيّ الّذي يحكم العلاقة بين الطّرفين.
أهمّ بنود اتّفاقيّة السّرّيّة وعدم الإفصاح
لكي تكون اتّفاقيّة عدم الإفصاح قانونيّةً وملزمةً وفعّالةً، يجب أن تحتوي على البنود التّالية:
-
أطراف الاتّفاقيّة: تحديد هويّة الأشخاص أو الكيانات المشاركة في الاتّفاقيّة، مع الإشارة بوضوحٍ إلى الطّرف المفصّح عن المعلومات والطّرف المتلقّي لها.
-
نطاق المعلومات: لا يجب الاكتفاء بعباراتٍ عامّةٍ مثل "معلومات الملكيّة"، بل يجب تحديد ما يشمل تحت التّصنيف "المحمي" بدقّةٍ.
-
الإطار الزّمنيّ: يجب تحديد مدّة الاتّفاقيّة، فالكثير من الاتّفاقيّات لا تكون دائمةً، وقد تكون المدّة ٥ أو ١٠ سنواتٍ أو أكثر، حسب الاحتياج.
-
إعادة المعلومات: تضمن الاتّفاقيّة إزالة أو تدمير كلّ المعلومات السّرّيّة بعد انتهاء العقد بين الطّرفين.
-
الاستثناءات: يجب تحديد الأطراف الّتي يمكن الإفصاح لديها عن المعلومات، مثل الجهات الحكوميّة أو الشّركاء القانونيّين.
-
العقوبات: يجب توضيح العقوبات المترتّبة على الانتهاك، مع توضيح طرق حماية براءات الاختراع وحقوق الملكيّة الفكريّة.
لماذا يرفض البعض التّوقيع على اتّفاقيّة سرّيّة المعلومات؟
رغم الأهمّيّة الكبيرة الّتي توفّرها اتّفاقيّة السّرّيّة للشّركات ورجال الأعمال، يتردّد الكثيرون في قبولها. قد يؤدّي ذلك إلى منعهم من قبول صفقاتٍ مستقبليّةٍ مع شركاتٍ أخرى إذا تعارض ذلك مع بند السّرّيّة.
كذلك، يصعب أحياناً إثبات الانتهاك، فلا يمكن دائماً التّأكّد من أنّ تسريب المعلومات جاء من هذا الطّرف تحديداً.
في بعض الحالات، قد تفرض الاتّفاقيّة التزاماتٍ قانونيّةً مشدّدةً، ممّا يجعل الطّرف الموقّع معرّضاً للمقاضاة، وتكبيده غراماتٍ ماليّةٍ ضخمةٍ، وفي البعض قد تصل العقوبات إلى السّجن.
لكنّ هذا الأمر لا يشكّل عائقاً في الصّفقات التّجاريّة الكبرى، حيث يكون كلا الطّرفين ملتزمين بالحماية المتبادلة، ويصبح الاتّفاق مقبولاً في حال كان واضحاً ومحدّداً وملزماً لكلا الطّرفين بالعقوبات نفسها.