استثمار الذكاء العاطفي في العمل.. كمن يقول للمستحيل كُن فيكون
نموذج مختلف من التفكير يستخدم أسمى القدرات على فهم المحيط ومن يعيش فيه استناداً على فهم الذات وضبط المشاعر
ماذا لو أخبرتُكَ أنّ التّنبؤ بالمستقبلِ، بل وحتّى التّأثير فيه وجعلهِ كما نُريدُ، يتوقف على ما يوجدُ داخلَ عقلِكَ، نمطُ تفكيرِكَ، نظرتكَ للحياة، قد تلجأُ أيضاً للتّهديد بالعقابِ، حسناً استرخي قليلاً، أنت فقط تحتاج أن تُدرِّبَ نفسك على مهارةِ الذكاء العاطفي، ولا بأس أن يشاركك بها طاقمُ العملِ، ثمّ لن تضطرّ للفصلِ في المشاكلِ، وعلى الأرجحِ ستختفي تلقائيّاً.
يُعرِّف خبراءُ التّنميةِ البشريّةِ -الذكاء العاطفي- بأنّه قدرتُنا على معرفةِ عواطِفنا وفهمها، كذلك عواطف الآخرين من حولنا، ليس هذا فحسب، فنحن نتدّرب هُنا على النّاحيةِ الأهمِّ، كيفيّة إدارةِ عواطفنا بالشّكلِ الأمثلِ، بما يؤثّر بشكلٍ مباشر ٍعلى علاقتنا مع زملاءِ العملِ أو حتّى المرؤوسين والمُدراء المُباشرين.
من هم الأذكياء عاطفياً؟
العاطفةُ هنا لا تعني الضّعفَ على الإطلاقِ، ولا ذرفَ بعض دموعِ التَّأثُّرِ، الأمرُ يذهبُ أبعدَ من ذلك بكثيرٍ، تعالَ أُخبرك سرّاً، الذكاء العاطفي سيفيدك مع زوجتك أو مع زوجكِ أيضاً، اضرب عصفورين بحجرٍ واحدٍ، وهيّا بنا.
الأذكياء عاطفياً، هم أولئك الأشخاصُ الذين يستطيعون أن يعبّروا عن أحاسيسهم بشكلٍ مباشرٍ وفعّالٍ، بالمقابلِ يمتلكون القدرةَ على الاستماعِ بشكلٍ فاعلٍ إلى آراءِ الآخرينََ، وفهمها، والتّأثير بها، حتّى لو لم يكونوا مُقتنعين بها.
حسناً ماذا أستفيد من التّعبير عن نفسي والاستماعِ لوجهاتِ نظرِ الآخرين؟، تسأل نفسك هذا السّؤال حالياً، دعني أمنحك الجواب إذاً.
الجوابُ يا صديقي بسيطٌ للغايةِ، حين تفعلُ ذلك، بكلِّ بساطةٍ سيخلق هذا الأمرُ بيئةَ عملٍ مريحةً، وسيساعد الجميع على التّواصل بشكلٍ إيجابيٍّ بعيداً عن السّلبيّةِ، وهذا كلُّه سيؤدّي في النّهايةِ إلى تحسينِ الإنتاجيّةِ نوعاً وكماً.
دعني أخبرك مثالاً بسيطاً للغاية، تخيّل أنك تعيش في بيئة صحراويةٌ، حارّةٌ للغايةِ، تضطّرُ للعملِ دونَ تشغيلِ المُكيّفِ بسببِ عطلٍ ما، فهل ستنتجُ بذات الطّريقة فيما لو كان المُكيّفُ يعمل بكاملِ طاقته، هذا بالضّبط الفرقُ بين بيئةِ العملِ ذات الأشخاص الأذكياء عاطفياً وبين بيئة العمل التي لا يفقه أفرادها شيئاً عن الذكاء العاطفي.
اقرأ أيضاً: كيفَ تستخدمُ الذكاءَ العاطفي لتهدئةِ الزبونِ الغاضب؟
القائد الناجح والذكاء العاطفي
هل تفضلُّ أن تكونَ مديراً ديكتاتوراً، يهابه الجميعُ، وتشيعُ جواً سلبياً، لدرجةِ أن مرؤوسيك ربّما يوزعون الحلوى بعد إقالتكَ، أم تفضلُّ أن تكون قائداً مُلهماً، تجعل الجميع يثورون ضدّ قرارِ إقالتك؟، إن كنت تؤيّد النّموذج الأوّل، توقّف عن القراءةِ، أمّا في حالِ أردت النّموذج الثٌاني، استمرّ معي قليلاً بعد.
القائدُ أو المديرُ الذي يمتلكُ مهارةَ الذكاء العاطفي، ينجحُ في إلهامِ فريقهِ وتحفيزِ الموظّفين، يستطيعُ إيجادَ الكلماتِ المُناسبةِ للتّحفيز، ليس هذا فحسب، إنما يستطيع إرضاءَ الجميعِ بالقدرِ ذاته، حتّى لو اختلفت وجهاتُ نظرهم حيالَ مسألةٍ ما.
المديرُ الذي يمتاز بالذكاء العاطفي، يمتلكُ القدرةَ على ضبطِ انفعالاته، بمعنى أنّه لن يتصرّف بردةِ الفعلِ أبداً، فهو يأخذُ كاملَ وقتهِ في التّفكير للوصولِ إلى القرار النّهائيّ بكلِّّ عقلانيّةٍ، كما أنّه بالتّأكيدِ محاورٌ ناجحٌ يمتلكُ مهاراتِ التّواصل الاجتماعيّ، إضافةًّ إلى كونه قادراً على التقاطِ أصغرِ التّفاصيلِ التي تساعده على حلِّ المُشكلاتِ مهما كانت كبيرةً.
ما هي عناصر الذكاء العاطفي؟
يتألّف الذكاء العاطفي من 5 عناصر رئيسيّةً، لكلٍّ منها دورٌ حاسمٌ في نجاحه سواءً بالحياةِ المهنيّةِ أو الاجتماعيّةِ وحتّى العاطفيّةِ.
- الوعيُّ الذّاتيُّ:
تستطيعُ تمييزَ أصحابِ الوعيّ الذّاتيّ بكلِّ سهولةٍ، فهم واثقون جداً بأنفسهم، يمتلكون قدرةّ عاليةً على تقييمِ الذّات بشكلٍ واقعيٍّ.
عموماً يعتمدُ الوعيُّّ الذّاتيُّ، على معرفةِ شُعورنا ومزاجِنا الشّخصيّ ودوافعنا أيضاً، ثم امتلاكِ القدرةِ على توجيهها للتّأثير في الآخرين.
- الضّبطُ الذّاتيُّ:
يتّصفُ أصحابُ الضّبطِ الذّاتيّ، بأنّهم أشخاصٌ نزيهون، يستحقّون ثقتنا المُطلقةِ، كما أنّ لديهم قدرةً كبيرةً على التّغيير والتّأقلم.
ويعني الضّبط الذّاتيٌُ، امتلاكَ القدرةِ الكافيةِ على ضبطِ مزاجنا وإعادةِ توجيهه، بمعنى أن نأخذَ وقتنا بالتّفكير قبل اتّخاذِ القراراتِ أو إطلاقِ الأحكامِ.
- المهاراتُ الاجتماعيّةُ:
نستطيعُ تمييزَ من يمتلكون المهاراتِ الاجتماعيّة، من خلال قُدرتهم على قيادةِ التّغيير بفعاليةٍ، كذلك نجاحهم بالإقناع، وببناء وقيادة فريقِ العمل.
المقصودُ بالمهاراتِ الاجتماعيّةِ، واضحٌ للغايةِ، فهي بناء العلاقات الاجتماعيّة وسهولة إدارتها بكفاءةٍ عاليةٍ، بعيداً عن المشاكلِ والتِوترات، من خلال العمل على تقريب وجهات النظر بين المرؤوسين أي الموظّفين، عوضاً عن تطبيقِ مبدأ "فرق تسد".
- التّعاطف:
صاحبُ هذه الملّكة، يتميّز بقدرته اللّامتناهية ليس على بناءِ العلاقاتِ فقط، بل وضمانِ استمراريّتها بذات النّجاح، رغم الاختلافاتِ الثّقافيّةِ أو المذهبيّة أو العرقيّة بين أفرادِ الفريقِ.
عموماً، التّعاطف هنا يأتي بمعنى فهمِ صفاتِ من حَولنا، والتّعامل معهم بما يتناسبُ وأفكارهم، واحترام انفعالاتهم العاطفيّةِ، والعملُ على تهدئتها عوضاً عن تأجيجها.
- التّحفيز:
أحد أهم عناصر الذكاء العاطفي، ونستطيعُ معرفةَ أصحابَ هذه الصّفة، من خلال اكتشافِ الرّغبة القويّة في إشاعةِ جوٍّ من التّفاؤل في العملِ، والابتعادِ عن السّلبيّة بشكلٍ كاملٍ.
والتّحفيز يعني، ترغيبُ الموظّفين في العملِ، بعيداً عن مناصبهم وأجورهم، وتحفيزهم بشكلٍ دائمٍ للاستمرارِ والنٌجاحِ، عبر إثارةِ شغفهم وبثّ روحِ الحماسِ داخلَهم.
في ختام هذه المقالة، أودّ أن أشكرَ مديري المُباشرَ على السّماح لي بكتابتها، فقد منحتني جرعةَ تحفيزٍ قويّة للاستمرارِ، حسناً ربّما تكون كلماتي هذه مجرّد ذكاء عاطفي لإثارةِ إعجابَ مديري، ربّما أفشيّت السّر، لكن لا بأس، علّكم تُدركون أهميَّة امتلاكِ هذه المهارةِ والانطلاقِ لتعلّمها.