تحويل التحديات إلى فرص: استراتيجيات لإدارة شكاوى العملاء
من التعامل مع الشكاوى بحرفية إلى تحسين تجربة العميل، تعلم الأساليب التي تضمن رضا العملاء وتحفيزهم على العودة.
خدمة العملاء قد تصعد بمشروعكَ إلى عنان السَّماء وقد تخسف به إلى أعماق الأرض، وفي فترةٍ من الفترات كانت عبارة "العميل دائماً على حقٍّ" هي المسيطرة على مجال الأعمال والقائمين على تقديم الخدمات والمنتجات، وفي عصرٍ يتوفَّر فيه للمستهلكين الكثير من الخيارات في جميع الخدمات والمنتجات تقريباً، فإنَّه كان من المفترض أن تتزايدَ أهميَّة خدمة العملاء وأن تتحسَّن طريقة التَّعامل مع الشَّكاوى، ولكنَّ هذا لا يحدث في الكثير من الأحيان أو لا يتمُّ بالشَّكل الاحترافيّ المدروس خصوصاً في عالمٍ شديد التَّنافسيَّة.
فلا يُدرك الكثير من رجال الأعمال أنَّ التَّعاملَ مع شكاوى العملاء واستفساراتهم بطريقةٍ صحيحةٍ -ليصبحوا ليسوا فقط راضيين عمَّا يقدِّمه ولكن سعداء أيضاً- يوفِّر عليه الكثير من الوقت والمجهود في تنميَّة شركته ليحقِّق قفزاتٍ مميزةٍ في وقتٍ قليلٍ، فكيف تتمكّن من إرضاء عملائك باستراتيجيَّاتٍ بسيطةٍ؟
انتقاء موظفي خدمة العملاء بكفاءة
إذا لم تتعامل شخصيَّاً مع شكاوى عملائك، فيجب عليك انتقاء موظِّفي خدمة العملاء بكفاءةٍ مع الحرص على تدريبهم على الكثير من تفاصيل عمل الشَّركة والهدف منها، مع ضرورة تمتُّعهم بقدرٍ كبيرٍ من التَّعاطف والقدرة على التَّواصل العميق مع من أمامهم، فهؤلاء الموظَّفون هم واجهةُ شركتك أو نشاطك التِّجاريّ، فيجب أن تتأكَّدَ تماماً من تعاملهم بكفاءةٍ مع العملاء؛ لأنَّ تجربةً واحدةً سيئةً لن تجعلك تخسر عميلاً فحسب، بل قد يمتدُّ الأمر إلى شبكة معارفه بأكملها أو العملاء المتواجدين خلال طرح المشكلة والَّذين قد لا تريحهم على الإطلاق طريقة تعامُلِ خدمة العملاء، وقد يمتدُّ الأمر إلى شكاوى رسميَّةٍ أو عبر الإنترنت وغيرها من تبعاتٍ سيئةٍ بالتَّأكيد.
الاستماع باهتمام ومنح شكوى العميل المصداقيَّة
يقع بعض موظَّفي خدمة العملاء في خطأ وضعِ افتراضاتٍ مسبقةٍ بناءً على مستوى تعليم العميل أو جنسيَّته أو حتَّى ما يرتديه من ملابس، لكن يجب التَّدريب لفترةٍ طويلةٍ على طريقة الاستماع الجيَّدة للعملاء دون وضع افتراضاتٍ مسبقةٍ بأنَّهم كاذبون أو صادقون أو يبالغون أو لديهم فقط شعورٌ بالفراغ! فغالباً ما تدلُّ شكاوى العملاء على وجود فجوةٍ بين ما يتوقَّعونه من الخدمة المُقدَّمة وما حصلوا عليه بالفعل.
وقد يكون لدى العميل تصوُّراتٌ غير منطقيَّةٍ أو واقعيَّةٍ، ولكن قد يكون الخطأ من أحد أفراد شركتك أو في النُّسخة الدّعائيَّة التي أقنعت المستهلك بوجود شيءٍ غير حقيقيٍّ، كما قد يكون الخطأ من طرفٍ ثالثٍ مثل شركة الشَّحن مثلاً، والطَّريقة الوحيدة لتحديد نوع المشكلة وطريقة حلِّها هي بالاستماع التَّامّ للعميل دون تحيُّزاتٍ مسبقةٍ ودون دفاعٍ ودون ردٍّ أيضاً حتَّى الانتهاء التَّامّ من تقديم الشَّكوى. [1]
تكرار وصف المشكلة مرَّةً أُخرى للتّأكد من فهمها بوضوحٍ
لا بدَّ أن يحرص موظَّف خدمة العملاء على تكرار المشكلة مرَّة أُخرى وفقاً لما وصل له منها للتَّأكُّد التَّامّ من أنَّه تفهَّم المشكلة بطريقةٍ صحيحةٍ حقَّقت رضاء العميل، وأن يُعيد تكرار وصف المشكلة حتَّى يوافق العميل على أنَّ هذا ما يقصده بالفعل.
يساعد طرح الأسئلة -بشدَّةٍ في هذه المرحلة- في الوصول إلى جذر المشكلة وحلّها تماماً دون الاضطرار لإعادة الأمر نفسه مع عملاء آخرين، فاطلب من العميل طرح أمثلةٍ أو شرح نقطٍ أكثر أو اسأله عن معلوماتٍ تحتاج لمعرفتها لتحديد موضع الخطأ بالتَّحديد.
شاهد أيضاً: كيف تكون خدمة العملاء استثنائية؟ تعلَّم من متجر Best Buy
التعاطف الفوري مهما كان نوع الخطأ
سواءً كان الخطأ من العميل نفسه نتيجة سوء الاستخدام مثلاً أو خطأ من أحد موظِّفي الشَّركة أو نتيجة مشكلةٍ خارجةٍ تماماً عن إرادة الجميع، فيجب أن يُظهرَ موظَّف خدمة العملاء التَّعاطف فوراً والتَّأكيد على أنَّه يتفهَّم أسباب انزعاج العميل، ممّا يساعد على إنشاء رابطةٍ قويّةٍ بين الشَّركة والعميل حتَّى يتأكَّد من أهميَّة شكواه وأنَّ الشَّركة تتعامل معها بجديَّةٍ.
كما ويجب الامتناع التَّامّ عن وصف المشكلة بأنَّها قليلة الأهميَّة أو لا تدعو إلى كلِّ هذا الاستياء، فهذا لن يزيدَ الأمور إلا اشتعالاً، إذ سيزداد غضب العميل أكثر. [2]
البحث عن حلول سريعة والاهتمام بمتابعة المشكلة
بعد إبداء التَّعاطُف التامّ مع مشكلة العميل مهما كان نوعها، يجب التَّركيز على ما تستطيع تقديمه بالفعل، وليس على ما لا يمكنك القيام به، فهناك دائماً حلولٌ مُرضيةٌ حتَّى إذا لم تكن تماماً ما يرغب به العميل، فإذا ركَّزت على الحلول التي لديك، فإنِّها ستكون أفضل بكثيرٍ من حرمان عميلك من أيّ حلٍّ على الإطلاق، وغالباً يؤدِّي تقديم خياراتٍ أُخرى إلى حلِّ المشكلة، فإذا لم يكن لديك أيُّ حلولٍ، فيجب البحث عن مسؤولٍ آخر لتقديم أيِّ نوعٍ من الحلول التي تُطمئِن العميل إلى أنَّ صوته مسموعٌ وإلى أنَّه ليس مجرَّد رقمٍ.
وبمجرّد تقديم الحلِّ إلى العميل سواءً في اليوم ذاته أو بعد هذا بعدَّة أيَّامٍ لا بدَّ من الحرص على متابعة المشكلة والاتِّصال بالعميل للتَّأكُّد من أنَّ الأمور على ما يُرام، وإذا كان الخطأ بالفعل من أحد موظَّفيك أو من منتجٍ سيئٍ، فيمكن لهديةٍ بسيطةٍ أو خصمٍ أن تعزِّز من ثقة عملائك وتمنحهم شعوراً كبيراً بالرِّضاء والولاء لك. [3]
الانتباه التام إلى شكاوى العملاء على الإنترنت
التَّعامل مع شكاوى العملاء عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ المختلفة قد يشكِّل تحدِّياً كبيراً لك، ففي هذا العالم الرَّقمي يمكن لشكوى واحدةٍ أن تنتشر كالنَّار في الهشيم، والنَّصيحة الأولى هنا هو عدم حذف أيّ تعليقاتٍ سلبيَّةٍ عنك على الإطلاق إلَّا إذا كانت تحتوي على إهانةٍ واضحةٍ أو ألفاظٍ نابيَّةٍ، ولكن بدلاً من حذفها احرص على تدريب موظَّفيك على الرَّدّ بكفاءةٍ وتعاطُفٍ وصبرٍ عليها وتحديد نوعها.
وتدلُّ الإحصاءات على أنَّ متوسط معدَّل استجابة العلامات التجارية لشكاوى الإنترنت هو 5 ساعاتٍ، في حين يؤكِّد 40% من الأشخاص أنَّهم يتوقَّعون الرَّدَّ على شكواهم في خلال ساعةٍ واحدةٍ، وهي فجوةُ كبيرةٌ في الواقع من الضَّروري الحرص على سدّها لتحسين تجربة العملاء، ويمكن هنا الاستفادة من برامج الذكاء الاصطناعي قدر الإمكان ولكن بمهارةٍ، فالعملاء يتوقَّعون أشخاصاً يتحدَّثون إليهم وليس روبوتات.
ومن الضَّروري تقديم الاعتذار والتَّفهُّم والتَّعاطف مع الشَّكاوى عبر الإنترنت، وعدم الهجوم على العميل أو تجاهله أو الدِّفاع فقط عن الشَّركة أو الفريق، فهذا يزيد من الأمور سوءاً ويشجّع المزيد من العملاء على عدم التَّعامل معك من الأساس مع احتمالاتٍ قويَّةٍ لانتشار أنباء هذه المعاملة السَّلبيَّة على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، في حين أنَّ كلَّ ما كان يتطلَّبه الأمر هو اعتذارٌ وردٌّ هادئٌ ومحاولة تقديم حلٍّ سريعٍ. [4]
اعتبار كل شكوى بمثابة هدية إلى شركتك
شكاوى العملاء دليلٌ على رغبتهم في الاستمرار بالتَّعامل معك، فهناك نوعيَّةٌ من العملاء لا يقدِّمون شكاوى ولكنَّهم يرحلون ببساطةٍ إلى الخدمات والمنتجات المنافسة، وهذا بالتَّأكيد شيءٌ لا ترغب فيه؛ لذا تعامل مع شكاوى العملاء في المقام الأوَّل على أنَّها وسائلٌ دائمةٌ لتصحيح المسار وتلافي الأخطاء المتكرِّرة.
صحيح أنَّه لا أحد على الإطلاق يُحب الشَّكاوى، ولكن لا أحد على الإطلاق مثاليٌّ أيضاً أو خارج الخطأ، وعادة ما يتفهَّم العملاء قابليَّة وقوعك في الخطأ، ولكنَّهم يرغبون في الإصلاح وفي التَّرضيَّة الملائمة ليكونوا عملاء دائمين مع فرصٍ أكيدةٍ لنُّموٍ واسعٍ في شركتك. [5]
شاهد أيضاً: خدمة العملاء.. استراتيجيات مبتكرة لتحسين تجربة العميل وتعزيز ولائه
مهما كانت سمعة شركتك أو قيمة منتجك فبالتَّأكيد هناك بدائل ومنافسون في السُّوق، وحرصُك على حلِّ شكاوى العملاء دليلٌ أكيدٌ على القوَّة، ومن الأمور التي تؤُخذ دائماً في عين الاعتبار عند تقييم أيِّ خدماتٍ أو منتجاتٍ، فهذا يدلُّ أوّلاً على ثقتك فيما تقدِّمه، وثانياً في رغبتك الصَّادقة بالتَّطوُّر مهما كانت المرحلة التي وصلت إليها من النَّجاح.
لمزيدٍ من النصائح في عالم المال والأعمال، تابع قناتنا على واتساب.