الرئيسية التنمية استراتيجيات النجاح تبدأ بأعظم استثماراتك: أنت

استراتيجيات النجاح تبدأ بأعظم استثماراتك: أنت

حين أقول "استثمر في ذاتك"، لا أعني المال، بل الوقت الذي تمنحه، والجهد الذي تبذله، والرّعاية التي تغمر بها عقلك وروحك

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

هذا المقال متوفّر بلغته الأصليّة الإنجليزية، بقلم مها أبو العينين هنا

لطالما كان اكتساب المهارات الجديدة موضع تقديرٍ وأداةً للنّجاح، إلّا أنّ هذا المسعى لم يكن يوماً أكثر إلحاحاً ممّا هو عليه الآن، في عالمٍ يمضي بسرعةٍ تكاد تذهل العقول. فوتيرة الحياة اليوم مذهلةٌ حقّاً، وتجبرنا على مواكبتها عبر إتقان معارفٍ ومهاراتٍ جديدةٍ لم تكن ضمن متطلّبات الماضي. ومع هذا التّسارع في مجالاتٍ كالذّكاء الاصطناعيّ التّوليديّ، والحوسبة السّحابيّة، والواقع المعزّز، بات الاستثمار في الذّات الخيار الوحيد لضمان البقاء في طليعة مسيرة التّطوّر. 

لقد كان المجتمع في الماضي يقيس نجاح الإنسان بمكانة المؤسّسات الّتي تخرّج منها، وبعدد الشّهادات الّتي جمعها في مسيرته التّعليميّة. وكان ينظر إلى التّعليم العالي كالسّلّم الّذي يحدّد ارتفاع مصير الإنسان المهنيّ. أمّا اليوم، فقد تبدّلت المقاييس، ولم يعد التّعلّم يختزل بشهادةٍ يحصل عليها المرء؛ بل الحقيقة هي أنّ تلك الشّهادة ليست إلّا نقطة انطلاقٍ، واللّحظة الّتي تبدأ فيها الرّحلة الحقيقيّة للتّعلّم. 

ولم تعد الصّناعات الحديثة تعير اهتماماً كبيراً لمكان دراستك أو لنوع شهادتك. بل أصبح ما يهمّها هو نوع المهارات الّتي اكتسبتها، وعمق المعرفة الّتي طوّرتها، وحتّى الإخفاقات الّتي واجهتها واتّخذت منها دروساً. ولم تعد قيمتك تقاس بما لديك من ألقابٍ أكّاديميّةٍ، بل بما تحمله من قدرةٍ على التّعاون مع الآخرين، ومرونةٍ تـمكّنك من التّكيّف مع التّغيير، وشغفٍ مستمرٍّ يدفعك نحو التّطوّر. اليوم، ما يقدّر في الإنسان هو استعداده لتبنّي الجديد، وقدرته على تقديم قيمةٍ مضافةٍ تثري كلّ ما يحيط به. 

وفي هذا العصر، حيث باتت التّكنولوجيا تحكم قبضتها على الكثير من المهامّ، أصبح صقل المهارات الذّاتيّة ضرورةً لا غنًى عنها. قد يتطلّب هذا المسعى منك جهداً ووقتاً وأحياناً مالاً، لكنّ العائد الّذي ستحصده سيكون أعظم استثمارٍ تقوم به في حياتك؛ فأنت بحاجةٍ إلى بناء مخزونٍ معرفيٍّ خاصٍّ بك، مخزونٍ متفرّدٍ لا يمكن للآلات أن تستنسخه. 

"ابتكر أو اندثر"؛ كلماتٌ نطقها بيتر دراكر، المفكّر الإداريّ البارز، منذ أكثر من أربعين عاماً، ولا تزال أصداؤها تتردّد في عصرنا الحاضر، بل تزداد أهمّيّةً وإلحاحاً مع كلّ خطوةٍ نحو المستقبل. وجاء بوب إيغر، الرّئيس التّنفيذيّ لشركة والت ديزني، ليعزّز هذا المفهوم بقوله: "لن يتحقّق الابتكار إذا كنّا نرزح تحت وطأة الخوف من كلّ جديدٍ أو غير مجرّبٍ". تختزل هذه العبارات جوهر النّجاح في عالمنا اليوم؛ فالتّفوّق لا يبلغ إلّا بشجاعةٍ تزيح رهبة المجهول، وبعقلٍ منفتح يحتضن التّجارب الجديدة، دون أن تعيقه مخاوف أو قيود التّردّد. 

حين أقول "استثمر في ذاتك"، لا أعني المال، بل الوقت الذي تمنحه، والجهد الذي تبذله، والرّعاية التي تغمر بها عقلك وروحك. هذا الاستثمار يعني أن تسعى لتطوير نفسك، لتغدو النّسخة الأفضل من ذاتك، تلك الّتي تستطيع أن تواجه العالم بثقةٍ وإبداعٍ. 

الاستثمار في الذّات ليس استنزافاً للموارد، بل هو بناءٌ متواصلٌ لقدراتك، لبنةً فوق لبنةٍ، تؤسّس بها حياتك الشّخصيّة ومسيرتك المهنيّة. إنّه رحلةٌ مستمرّةٌ، حيث كلّ خطوةٍ تقرّبك من اكتشاف ذاتك الحقيقيّة، تلك الذّات الّتي تؤمن بأنّها قادرةٌ على تحقيق ما تطمح إليه. 

فكّر في التّعلّم كرحلةٍ لا تنتهي، لبنةً تضاف فوق لبنةٍ، تبني بها أساساً لمسيرتك المهنيّة وحياتك الشّخصيّة. بدأت مسيرتي في عالم التّسويق الرّياضيّ والعلامات التّجاريّة، ثمّ خضت غمار الاتّصالات والسّياسات العامّة. لكنّني أدركت مبكّراً أنّ الاتّصالات ليست مجرّد مجالٍ واحدٍ؛ بل بحرٌ زاخرٌ بالتّخصّصات. لذا، تعمّقت في فهم الاتّصالات المؤسّسيّة، ثمّ استكشفت الاتّصالات الدّاخليّة. ومع مرور الوقت، واصلت تطوير معرفتي، فركّزت على بناء العلامات التّجاريّة للرّؤساء التّنفيذيّين والشّخصيّات المؤثّرة، فيما يعرف اليوم بفنّ "العلامة التّجاريّة الشّخصيّة". 

استمرّ في رفع مستوى مهاراتك، وفكّر دائماً في كيفيّة إثراء شبكة معارفك، عبر الاستثمار في التّعلّم وتعميق معرفتك. ابن على ما يضيف قيمةً حقيقيّةً لك، وواصل السّعي لتحسين ذاتك باستمرارٍ. 

أنا أتعلّم باستمرارٍ، لا لأنّني أجبر على ذلك، بل لأنّني أسعى لأن أعيش حياةً غنيّةً بالنّجاح والسّعادة. أرفض أن أجد نفسي متخلّفةً عن ركب الحياة المتسارع، وأعلم أنّك تشاركني ذات الطّموح. لهذا أستثمر في نفسي، لأنّني أطمح لأن أكون فاعلةً، مشاركةً في صناعة مستقبلي، لا مجرّد متفرّجةٍ على مجريات الأمور. 

أمّا التّعلّم مدى الحياة، فهو ليس مجرّد شعارٍ أتغنّى به، بل هو مبدأٌ راسخٌ في ثقافة شركتي. كلّ موظّفٍ جديدٍ يتلقّى دليلاً في يومه الأوّل، يحثّه على أن يبقى متعطّشاً للمعرفة، أن يبحث ويسأل، وأن يغني ذاته بما يتجاوز حدود دوره الوظيفيّ. 

على سبيل المثال، حين اكتسحت الأخبار عن ChatGPT العالم، طلبت من أفراد فريقي أن يخصّصوا 15 دقيقةً يوميّاً لاستكشاف هذا المفهوم الجديد. بعد ذلك، عقدنا اجتماعاً شارك فيه كلّ واحدٍ منهم ما تعلّمه. تلك التّجربة لم تفتح لهم باب المعرفة فحسب، بل منحتهم الثّقة للتّعامل مع أيّ تكنولوجيا جديدةٍ، وأزالت عنهم الخوف من المجهول. لقد أردت لهم أن يشعروا بأنّهم قادرون على استيعاب أيّ شيءٍ، مهما بدا معقّداً. لماذا؟ لأنّهم يستطيعون، وأنت كذلك تستطيع. 

لا يتوقّف التّعلّم عند نيل الشّهادات، بل هو مسيرةٌ تستمرّ مدى الحياة، تنير لك الطّريق نحو مستقبلٍ مليءٍ بالفرص. حين تستثمر في نفسك، تفتح أبواباً لم تكن تراها من قبل، وتبني لك مكانةً راسخةً في عالمٍ لا يرحم المتردّدين، ولا ينتظر المتخاذلين. 

هذا المقال هو مقتطفٌ من كتاب "7 قواعد للاعتماد على نفسك" (7 Rules to Rely on Yourself) لمها أبو العينين، الّذي صدر في 8 أكتوبر 2024، وسرعان ما اعتلى قائمة الكتب الأكثر مبيعاً على منصّتي أمازون (Amazon) ويو إس إي توداي (USA TODAY). لمزيدٍ من التّفاصيل، يمكنك زيارة: mahaabouelenein.com. 

نبذةٌ عن المؤلّفة 

مها أبو العينين، خبيرةٌ بارزةٌ في فنّ العلامة التّجاريّة الشّخصيّة، ومؤسّسةٌ ومديرةٌ تنفيذيّةٌ لشركة "ديجيتال آند سافي" (Digital & Savvy) المتخصّصة في الاستشارات العالميّة بمجال الاتّصالات. مؤلّفة الكتاب الأكثر مبيعاً "7 Rules to Rely on Yourself"، تمتلك خبرةً تتجاوز ثلاثة عقودٍ، صاغت خلالها استراتيجيّاتٍ لشركاتٍ كبرى، ومؤسّساتٍ ناشئةٍ، وفرقٍ رياضيّةٍ، وحكوماتٍ، إلى جانب رؤساء تنفيذيّين وأفرادٍ ذوي ثرواتٍ عاليةٍ. 

نُشرت هذه المقالة لأول مرة في عدد نوفمبر من مجلة "عربية .Inc". لقراءة العدد كاملاً عبر الإنترنت، يُرجى النقر هنا.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
آخر تحديث:
تاريخ النشر: