استعدوا لدفع ضريبة الذكاء الاصطناعي في عام 2025!
مع تصاعد الإنفاق على الذّكاء الاصطناعيّ، تواجه الشّركات تساؤلاً حاسماً: هل تبرّر النّتائج الاستثمار الكبير، أم أنّ الفوائد لا توازي التّكاليف؟
مع اقتراب عام 2025، تجد الشّركات الصّغيرة والمتوسّطة نفسها أمام خيارٍ حاسمٍ: تبنّي الذّكاء الاصطناعيّ أو التّنافس معه. بينما تستحوذ شركات التّكنولوجيا الكبرى على العناوين الإخباريّة، يواجه المدراء التّنفيذيّون والعاملون في مجالات المعرفة تحدّياً كبيراً في التّعامل مع الكمّ الهائل من الأدوات المعتمدة على الذّكاء الاصطناعيّ. ولكنّ عام 2025 لن يقتصر على مواكبة هذه التّطوّرات، بل سيشهد إعادة صياغة نماذج الأعمال بهدف استغلال إمكانيّات الذّكاء الاصطناعيّ وتحقيق التّفوّق التّنافسيّ.
زيادة الإنفاق على التّكنولوجيا في 2024
توقّع تقريرٌ صادرٌ عن شركة "جارتنر" (Gartner) أن يرتفع الإنفاق على تكنولوجيا المعلومات بنسبة 7.5% خلال عام 2024، مدفوعاً بما يعرف بـ"ضريبة الذّكاء الاصطناعيّ". وتعود هذه الزّيادة إلى ثلاثة عوامل رئيسيّةٍ:
- اعتماد حلولٍ سحابيّةٍ متخصّصةٍ للصّناعات: تبنّت الشّركات منصّاتٍ سحابيّةً مخصّصةً لتلبية الاحتياجات الفريدة لكلّ صناعةٍ. وبحلول عام 2025، من المتوقّع أن يتمّ تصميم أكثر من 50% من منصّات السّحابة المؤسّسيّة، خصوصاً لتلبية متطلّبات صناعاتٍ محدّدةٍ.
- تكامل أنظمة التّوليد المعزّزة بالاسترجاع (RAGs): دمجت هذه الأنظمة المتقدّمة بين استرجاع البيانات الحيّة ونماذج اللّغة، ممّا جعلها مثاليّةً لتطبيقاتٍ دقيقةٍ وحسّاسةٍ مثل التّنبّؤ الماليّ أو الامتثال القانونيّ. وقد أكّد التّقرير أنّ 85% من الشّركات التي تستخدم الذّكاء الاصطناعيّ تعتمد على هذه الأنظمة لاتّخاذ قراراتٍ حيويّةٍ.
- إعادة هيكلة البنية التّحتيّة للبيانات: يعتمد نجاح تكامل الذّكاء الاصطناعيّ على وجود بياناتٍ نظيفةٍ ومنظّمةٍ وسهلة الوصول. تسعى الشّركات إلى معالجة هذه المشكلة، حيث تكلّف جودة البيانات الرّديئة المؤسّسات ما يصل إلى 12.9 مليون دولارٍ سنويّاً.
وضّحت هذه التّطوّرات أنّ تبنّي الذّكاء الاصطناعيّ لا يقتصر على تحسين العمليّات، بل يتطلّب استثماراتٍ استراتيجيّةً في البنية التّحتيّة والبيانات، ممّا يجعل "ضريبة الذّكاء الاصطناعيّ" جزءاً أساسيّاً من المنافسة المستقبليّة.
الجانب المشرق
شهد عام 2025 تحوّلاً جذريّاً في استخدام نماذج اللّغة الكبيرة مع صعود نماذج "جي بي تي" (GPT) المخصّصة. أتاحت هذه النّماذج الّتي تُقدّم عبر "متجر تطبيقات الذّكاء الاصطناعيّ" (AI App Store)، للمستخدمين فرصة تنزيلها، تدريبها، وتطبيقها لمعالجة احتياجات أعمالٍ محدّدةٍ. ووفقاً لتقريرٍ صادرٍ عن "فورستر" (Forrester) يُتوقّع أن تعتمد 60% من الشّركات الصّغيرة والمتوسّطة نموذجاً مخصّصاً واحداً على الأقلّ هذا العام.
بالإضافة إلى ذلك، غيّر الذّكاء الاصطناعيّ في 2025 مفهوم العمل من خلال تحوّله إلى "وكيل مهامٍّ شاملٍ"، قادرٍ على تنفيذ العمليّات بالكامل من البداية إلى النّهاية. كما أكّد تقرير "ديلويت" (Deloitte) أنّ دمج وكلاء الذّكاء الاصطناعيّ في سير العمل يمكن أن يعزّز الكفاءة التّشغيليّة بنسبةٍ تتراوح بين 20-30%، ممّا يتيح للفرق التّركيز على الأولويّات الاستراتيجيّة.
وقد ساهمت التّطوّرات في نماذج "جي بي تي" المخصّصة ووكلاء الذّكاء الاصطناعيّ في تحسين سير العمل عبر مختلف الصّناعات والوظائف:
- في قطاع البناء: ساعد الذّكاء الاصطناعيّ في أتمتة جداول المشاريع، إدارة تقارير الامتثال، وتتبّع مخزون المواد. بيّنت الدّراسات أنّ نماذج "جي بي تي" المخصّصة يمكن أن تقلّل من تأخيرات المشاريع بنسبةٍ تصل إلى 25%.
- في الموارد البشريّة (HR): يستطيع وكلاء الذّكاء الاصطناعيّ إدارة عمليّة التّوظيف من البداية إلى النّهاية، بما يشمل جمع مستندات التّوظيف، إعداد المزايا، وجدولة جلسات التّدريب الأوّليّة. حيث تجعل هذه الأتمتة العمليّة أكثر سلاسةً لكلٍّ من قسم الموارد البشريّة والموظّف الجديد. تظهر التّقديرات أنّ أتمتة هذه المهامّ يمكن أن توفّر للشّركات ما يصل إلى 35% من تكاليف الموارد البشريّة.
إمكانات الذّكاء الاصطناعيّ وحدوده
يمتلك الذّكاء الاصطناعيّ إمكاناتٍ غير محدودةٍ، ولكنّه ليس حلّاً شاملاً لكلّ التّحدّيات. تحتاج الشّركات إلى معرفة الوقت الّذي يتطلّب تدخّلاً بشريّاً لضمان النّجاح. ويُظهر الذّكاء الاصطناعيّ فعاليّةً كبيرةً في المهامّ الّتي تعتمد على البيانات، مثل تحليل الاتّجاهات، مراقبة الامتثال، وأتمتة سير العمل. ومع ذلك، تظهر حدوده بوضوحٍ في المجالات الّتي تتطلّب أحكاماً دقيقةً أو إبداعاً معقّداً. حيث أظهرت دراسةٌ من جامعة "ستانفورد" (Stanford) أنّ 70% من المحتوى الّذي ينتجه الذّكاء الاصطناعيّ يحتاج إلى مراجعةٍ بشريّةٍ.
على الرّغم من تمكين الذّكاء الاصطناعيّ في إدارة علاقات العملاء، إلّا أنّه جلب معه مخاطر أيضاً. فقد أظهرت الإحصائيّات أنّ الشّركات الّتي تجمع بين روبوتات الدّردشة المدعومة بالذّكاء الاصطناعيّ مع إمكانيّة انتقالٍ سلسٍ للدّعم البشريّ نجحت في زيادة فرص الاحتفاظ بعملائها بنسبةٍ تصل إلى 33%.
إذاً، يتفوّق الذّكاء الاصطناعيّ في أداء المهامّ الرّوتينيّة والمكثّفة بالبيانات، ولكنّه لا يمكن أن يحلّ محلّ العنصر البشريّ في المهامّ الّتي تتطلّب الإبداع أو الأحكام الدّقيقة. يعدّ التّكامل بين الذّكاء الاصطناعيّ والبشر أمراً ضروريّاً لتحقيق أقصى فائدةٍ.
خمس خطواتٍ أساسيّةٍ للشّركات الصّغيرة والمتوسّطة
للتّأقلم مع عصر الذّكاء الاصطناعيّ والأتمتة، تحتاج الشّركات الصّغيرة والمتوسّطة إلى اتّباع هذه الخطوات العمليّة:
1. نظّم بياناتك بدقّةٍ
ابدأ بتنظيف البيانات، تنظيمها، وتخزينها بشكلٍ آمنٍ. تعدّ البيانات الرّديئة عقبةً كبيرةً، حيث تشبه الذّهاب إلى المتجر بقائمة تسوّقٍ خاطئةٍ. إذا لم تكن البيانات جاهزةً، ستفشل حتّى أكثر أدوات الذّكاء الاصطناعيّ تقدّماً. إذ أظهر تقريرٌ لشركة "آي دي سي" (IDC) أنّ 80% من مبادرات الذّكاء الاصطناعيّ تفشل بسبب ضعف جودة البيانات.
2. عزّز البنية التّحتيّة لتكنولوجيا المعلومات
خصّص زيادةٍ تتراوح بين 7-10% في ميزانيّة تكنولوجيا المعلومات لتحديث الأنظمة السّحابيّة، تحسين خطوط البيانات، وتعزيز بروتوكولات الأمان.
3. ابدأ بنماذج GPT المخصّصة بشكلٍ تدريجيٍّ
ركّز على حالة استخدامٍ واحدةٍ، مثل تحسين خدمة العملاء أو إدارة المشاريع. واستخدم هذه التّجربة لتطوير تكامل الذّكاء الاصطناعيّ بشكلٍ تدريجيٍّ ومحكمٍ.
4. درّب فريق العمل على استخدام أدوات الذّكاء الاصطناعيّ
وفّر التّدريب اللّازم للموظّفين لتعزيز التّعاون مع أدوات الذّكاء الاصطناعيّ، مع التّركيز على دورهم التّكميليّ بدلاً من المنافسة. حيث أظهرت بيانات شركة "بي دبليو سي" (PwC) أنّ الشّركات الّتي تستثمر في تدريب موظّفيها على الذّكاء الاصطناعيّ تحقّق زياداتٍ في الإنتاجيّة تصل إلى 20%.
5. ركّز على ما يجيده الذّكاء الاصطناعيّ، واحترم حدوده
اعتمد الذّكاء الاصطناعيّ للمهامّ الّتي تتطلّب معالجة كمّيّاتٍ ضخمةٍ من البيانات، ولكن احتفظ بالإشراف البشريّ في الجوانب الّتي تتطلّب الإبداع، القرارات الأخلاقيّة، أو بناء العلاقات الإنسانيّة.
الخلاصة: بالنّسبة للشّركات الصّغيرة والمتوسّطة الّتي تستعدّ لتبنّي الذّكاء الاصطناعيّ والأتمتة، فإنّ الوقت الحاليّ هو الأنسب للتحرّك. ابدأ بخطواتٍ صغيرةٍ، اختبر استراتيجيّاتك بشكلٍ مدروسٍ، واستمرّ في التّطوير مع الوقت. لأن الشّركات الّتي تتبنّى التّغيير اليوم ستكون هي الّتي تزدهر في المستقبل. فلا يكمن النّجاح فقط في مواكبة التّطوّرات، بل في التّقدّم بخطواتٍ نحو الصّدارة.