اكتشف كيف تصبح بطل قصتك: سر السّعادة والقوة الذهنيّة
تطبيق "رحلة البطل" وتغيير بسيط في سرد قصتك يمكن أن يجعلك أكثر سعادة ومرونة، ويعزز قدرتك على التغلب على التحديات اليومية
قد لا ندرك دائماً أنّ حياتنا تشبه في كثيرٍ من الأحيان حبكةَ فيلمٍ هوليووديٍّ شهير. الأفلامُ الناجحةُ تأسرنا؛ لأنّها تقدّم قصصاً تُجسّد الصراعَ، التّحدّيَ، والنّجاحَ. لكن الغريبَ أنّ حياتنا اليوميةَ تحتوي على نفس العناصر: التحدّياتِ، التحوّلاتِ، واللّحظاتِ التي تُحدّد مسارَنا.
عندما ندرك أنّ قصصَ الأفلامِ تستند إلى أُسُسٍ نفسيّةٍ عميقةٍ ترتبط بما نعيشه، ندرك أنّ لكلّ واحدٍ منا قصةً تُروى. في الواقع، البشرُ بطبيعتهم كائناتٌ تروي القصصَ؛ فنحن نستخدم السّردَ لفهمِ العالمِ، للتنبّؤِ بالمستقبلِ، وللتصالح مع الماضي. لكنّ السّردَ لا يقتصرُ على العالمِ من حولنا، بل يتعدّاهُ إلى حياتنا الشخصيةِ. سواءٌ كنّا ندرك ذلك أم لا، فإن لكلٍّ منا قصةً تدور في ذهنه، مع أحداثِها الخاصةِ: بدايةٍ، خصمٍ، لحظةِ أزمةٍ، وربما نهايةٍ مرضيةٍ أو غيرِ مرضيةٍ.
وفقاً لما توصّل إليه ثلاثةٌ من أساتذةِ الأعمالِ وعلم النّفسِ الذين نشروا بحثَهم مؤخّراً في مجلةِ "ساينتيفيك أمريكان" (Scientific American)، فإنّ الطريقةَ الّتي نروي بها قصصَنا الشّخصيةَ لها تأثيرٌ كبيرٌ على مدى شعورنا بالمعنى في حياتنا، وبالتالي على مستوى سعادتنا ورضانا اليومي.
يرى هؤلاء الباحثون أنّ أفضل طريقةٍ لبناءِ قصّةٍ حياتيّةٍ ممتعةٍ وواضحةٍ هي تبنّي بنيةِ "رحلةِ البطلِ"، وهي إطارٌ سرديٌّ طوّره عالمُ الأساطيرِ جوزيف كامبل، ويستخدمه كتّابُ السيناريو لصنعِ أفلامٍ شهيرةٍ. هذه الرّحلةُ لا تتعلّق فقط بأفلامٍ مثل "Star Wars" أو "Harry Potter"، بل أيضاً بالقصصِ الإنسانيةِ القديمةِ، مثل "الأوديسةِ".
ما هي رحلة البطل؟
"رحلة البطل" هي إطارٌ سرديٌّ كلاسيكيٌّ يصوّر تطوّر البطل عبر سلسلةٍ من المراحلِ، تبدأ عادةً بدعوةٍ للمغامرةِ، مروراً بتحدّياتٍ مختلفةٍ، وصولاً إلى تحقيق النصر النهائيّ. تطوّرت هذه البنيةُ على يد عالم الأساطيرِ جوزيف كامبل، الذي اكتشف أن هذا النموذجَ يظهر بشكلٍ متكرّرٍ في القصصِ والأساطيرِ عبر مختلفِ الثقافاتِ والتاريخِ.
الفكرةُ هنا أن تتعاملَ مع حياتك كرحلةٍ، حيث أنتَ البطلُ. هذا المفهومُ قد يبدو بسيطاً، لكنّه يحمل في طياتهِ قوّةً كبيرةً. عندما ترى نفسك كبطلٍ في رحلةٍ، تبدأ في تحويل تحدّياتِك إلى خطواتٍ نحو تحقيق هدفٍ أكبرَ.
كيف يمكنك أن تكون بطلَ قصّتك؟
الباحثون قاموا بتبسيط "رحلةِ البطلِ" إلى سبعة عناصرَ أساسيةٍ يمكن تطبيقُها على حياتك اليوميةِ:
- البطل (أنت): أنت الشخصُ المركزيُّ في قصتك. مهما كانت ظروفُك، فأنت من يقود الأحداثَ.
- تغيير في الظروف: هذا هو الحدثُ الذي يغيّر مسارَ حياتِك، ويضعك على الطريقِ نحو التغييرِ.
- الرحلة: تتضمن التحدّياتِ والصعوباتِ التي تواجهها وأنت تسعى لتحقيق هدفك.
- الحلفاء: الأشخاصُ الذين يساعدونك ويقفون بجانبك في رحلتك.
- التحديات: العقباتُ التي تقف في طريقك، والتي يجب عليك التغلبُ عليها.
- التحول: النقطةُ التي تتغير فيها، وتصبح أقوى أو أكثر وعياً.
- الإرث: ما تتركه وراءَك وما تنجزه بعد إتمامِ رحلتك.
تطبيق رحلة البطل في حياتك اليومية
في سلسلةٍ من الدّراساتِ، قام الباحثون بتعليم المشاركين كيفيةَ رؤيةِ حياتِهم من خلالِ هذا الإطار السرديّ. النّتائجُ كانت مذهلةً: المشاركون الذين تعلّموا أن يروا أنفسَهم كأبطالٍ في رحلتهم الخاصةِ شعروا بأنّ حياتَهم أصبحت أكثر معنى. كما أنّهم أصبحوا أكثر سعادةً وقوةً ذهنيّةً، وأكثرَ مرونةً في مواجهةِ التحدياتِ.
بمجرد أن تعيدَ تأطير حياتك بهذه الطريقة، ستبدأ في رؤيةِ التحدياتِ كجزءٍ من الرحلةِ، وستجد أن كل موقفٍ، سواءٌ كان إيجابياً أو سلبياً، يمكن أن يكون جزءاً من قصةِ نجاحِك. الأمر لا يتطلب سوى القليلِ من الجهدِ العقليّ لتطبيقِ هذا الإطار السرديّ على حياتك.
كيف تبدأ في سردِّ قصتك؟
وفقاً للباحثين، يمكنك البدءُ بخطواتٍ بسيطةٍ لتطبيقِ رحلةِ البطلِ على حياتِك:
- تحديد قيمك: اجعل قيمك واضحةً واحتفظ بها في ذهنك يومياً. هذا سيساعدك على توجيه حياتك واتخاذ قراراتٍ بناءً على ما هو مهم بالنسبةِ لك.
- الاستفادة من العلاقاتِ والتجاربِ الجديدةِ: لا تخشَ الانخراطَ في صداقاتٍ جديدةٍ أو تجاربَ لم تخضها من قبل. كل تجربةٍ جديدةٍ تضيف إلى قصّتك.
- وضع أهدافٍ تشبه تلك الموجودة في القصصِ الكلاسيكيةِ: حافظ على حافزِك من خلال تحديد أهدافٍ تجعلك تتحمّس لتحقيقها، وتحدّي نفسك لتحسين مهاراتِك.
- استخلاص الدروس: تأمّل في ما تعلّمته خلال رحلتك، وكيف يمكن أن تترك أثراً إيجابيًّا في مجتمعك أو لدى أحبائك.
قد لا تكون حياتك مليئةً بالأحداث الضّخمةِ مثل الأفلامِ الهوليوودية، ولكن حتى النّسخِ اليوميةِ المتواضعةِ من "رحلةِ البطلِ" يمكن أن تضيفَ المزيدَ من النّظامِ، والإنجازِ، والفرحِ إلى حياتِك. المهم هو كيفيّة رؤيتك لنفسك ولحياتك. فبدلاً من رؤيةِ التّحدياتِ كعقباتٍ غير مرغوبةٍ، يمكن أن تصبح تلك التحديّاتُ فرصاً للتطورِ والنموِّ. وفي النّهايةِ، ستكتشف أنّ قصتَك تستحق أن تُروى، وأنّك تستحقّ أن تكون البطلَ الذي تتمنّى أن تكونه.