الأخطار الخفية للسرية
الأخطار بعيدة المدى التي ترافقها هائلة، لذا تأكد من انتشار المعرفة في كل الشركة
بقلم ديفيد فينكل David Finkel، مؤلف مشارك لكتاب ’الميزان: سبعة مبادئ مثبتة لتنمية عملك واستعادة حياتك’
كنت أتحدّثُ مؤخراً مع عميلٍ في تدريبِ الأعمالِ خسرَ أحدَ أعضاءِ فريقه الرئيسيين بسبب انتقاله عبر البلادِ. حتى تلك المرحلةِ، كان عميلي مستمتعاً جداً بالعمل مع عضو الفريق ذاك، وكان يعتقد أن عملهما معاً رائع، لكن بعد مغادرته بفترةٍ قصيرةً، بدأت أمورٌ إشكاليةٌ تطفو على السّطحِ. إذ تبيّن أن عضو الفريق الرئيسي ذاك كان يتعاطى السِّرّية، وهي ممارسةُ احتكارِ المعرفةِ، والاحتفاظِ بالمعلوماتِ لنفسه، والحدِّ من انتشارها. لا يقتصر إيذاءُ هذه الأفعال على مسارِ نموِ الشركة بشكلٍ عامٍّ، بل إنه يتسبب بتراجع الشركة إنمائياً في المدى القريب أيضاً. [1]
لهذا أريد أن أتعمّق اليوم في مفهومِ السّرية وسبب عدم ملاحظتها في مكان العمل.
لِمَ يجب علينا تجنب السرية؟
قد تعطي السّرية للقادة حسّاً مؤقتاً بالسّيطرة، لكن المخاطر بعيدة المدى المرتبطة بها هائلةٌ. وفيما يلي لمحةٌ لما يمكن أن يحدث عندما لا يتم تشارك المعرفة، ولا يحصل أعضاء الفريق على تدريبٍ متبادلٍ:
- صوامع المعرفة: عندما تقتصر معرفة المعلومات الأساسية على مجموعةٍ مختارةٍ، يتسبب هذا بإنشاء صوامعَ للمعرفة داخل المؤسسة، مما يؤدّي إلى عدم الكفاءة، بسبب اضطرار أعضاء الفريق للاعتماد على مجموعةٍ محدودةٍ من الفريق من أجل البيانات الهامّة.
- الاعتمادُ على أفرادِ: تصبح المؤسسات معتمدةً كليّاً على أفرادٍ معينين يمتلكون المعرفة المبتغاة. وهذا الاعتماد يسبّب هشاشةً للمؤسسة، إذا ما غادرها هؤلاء الأفراد أو لم يكونوا متواجدين.
- كبح النّمو: بدون مشاركة المعلومات، يُفَوِّتُ أعضاء الفريق فرصاً للنّمو والتّطور. وهذا الرّكود يمكن أن يؤدي إلى التفكك ويعيق تقدم المؤسسة.
- عوائق في طريق الابتكار: يزدهر الابتكار بتشارك الأفكار والمعلومات، بينما تخنق السريةُ الإبداعَ ويمكنها أن تَحُولَ دون تحقيق إنجازاتٍ كبيرةٍ تحفّز التنافسيّة لدى الفريق.
- فقدان الذاكرة المؤسسية: عندما لا تتم مشاركة المعلومة أو توثيقها، فإنّ المؤسسة تفقد ذاكرتها المؤسسية. وبهذا تصبح البصيرة والفهم الذين اكْتُسِبَا في الفترة الماضية والدروس المُتَعَلَّمة في طيّ النسيان، مما يؤدي إلى تكرارِ الأخطاءِ.
كيف تتفادى السرية؟
إن تعزيزَ ثقافةِ مشاركةِ المعلوماتِ بشكلٍ فعّالٍ مهمٌّ، لنستطيع مواجهة أخطار السرية. وفيما يلي بعض الاستراتيجياتِ لتشجيع الانفتاحِ والشفافيةِ في عملك:
- اجعل قيادتك عن طريق القدوة: ينبغي أن يُحدّد القادة أسلوبَ التّعامل، وذلك بمشاركة معلوماتهم علناً وبتشجيع الآخرين ليقوموا بالمثلِ.
- أسّس قنوات تواصلٍ واضحةٍ: أنشئ منصّاتٍ وأنظمةً تُسهّل مشاركة المعرفة والمعلومات بين فِرَق العمل.
- التقدير والمكافآت: قم بتقدير ومكافأة الموظفين الذين يسهمون بصورةٍ نشطةٍ في مشاركة المعلومات، فهذا يُحفّز السلوك.
- التّوثيق: شجع على توثيق العملياتِ، والممارساتِ الفضلى، والدٌروس المتَعَلَّمة، واجعل هذه المعلومات متاحةً لجميع أعضاءِ الفريقِ.
- التّدريب المُتبادل: طوِّر برامج للتّدريب المتبادلِ تضمنُ ألا يحتفظَ بالمعلوماتِ مجموعةً قليلةً مختارةً، وهذا ما ينشر الخبرة عبر المؤسسة.
قد يكون عضوّ الفريقِ الرّئيسيّ المقصودَ، لا يحملُ أيّة نوايا سيئةٍ بتلك الأفعال. فربما تصرّف بطريقةٍ اعتقد أنّها ملائمةٍ للتّحكمِ بتدفّق المعلوماتِ، ولضمان تنفيذِ الأعمالِ في الوقت المناسب. قد تقدّم السرية مظهراً من مظاهر التحكم، لكن أخطارها الخفية قد تحمل عواقب بعيدةَ المدى بالنسبة للمؤسسة. وكي نَحُدَّ من المخاطر بعيدة المدى، بما فيها صوامع المعرفة، والاعتماد على الأفراد، وكبح النمو، وعوائق الابتكار، وفقدان الذاكرة المؤسسية، سيكون لزاماً على القادة أن يعززوا ثقافةَ مشاركةِ المعلومات والشفافية بصورةٍ فعّالةٍ. لا يقتصر إعطاء الأولوية لمشاركة المعلومات على ضمان النجاح بعيد المدى، بل يمَكِّن فِرق العمل من النجاح والازدهار في بيئة مفعمةٍ بالتعاون والابتكار. تذَكَّرْ دائماً أن القوّة الحقيقيةَ تكمنُ فيما نتشاركه وليس فيما نحتكره.