الأرباح المحتجزة: لماذا هي ضرورية لنمو الشركات؟

تعتمدُ الكثير من الشَّركاتِ الكُبرى وأيضاً النَّاشئة على الأرباح المحتجزة، لتنمية أعمالها وتطويرها واقتحام أسواقٍ متنوِّعةٍ أو الاستحواذ على شركاتٍ أُخرى، فإذا كنتَ في مجال العمل الحرِّ، يجب فهم قيمة هذه الأرباح وطريقة احتسابها وكيفيَّة استخدامها بكفاءةٍ، فما هي الأرباح المحتجزة، وكيف تختلف عن الأرباح العاديَّة، وما هي أهميَّتها ومزاياها وعيوبها بالنِّسبة للشَّركات، وما العوامل التي تؤثِّر عليها؟ وكيف يُمكنكَ حسابها؟ كلُّ هذا وأكثر سنتعرَّف عليه الآن.

تعريف الأرباح المحتجزة

الأرباح المحتجزة هي الأموالُ الَّتي تكسبها الشَّركةُ، ولكن لا تمنحها للمساهمين، ولا تُطلقُ بها أسهماً جديدةً، ولكن تحتفظُ بها، فهي جزءٌ من صافي دخل الشَّركة الَّذي تحتفظ به للعمليَّات الدَّاخليَّة، بدلاً من دفعه للمساهمين في شكل أرباحٍ، إذ تحتفظُ الشَّركة بهذه الأموال كاحتياطيٍّ لإعادة الاستثمار مرَّةً أُخرى في الشَّركة، سواء لسداد ديونٍ أو شراء أصولٍ أو تطوير منتجاتٍ وخدماتٍ.

وقد تختارُ الشَّركات استخدام جزءٍ من الأرباح في زيادة الطَّاقة الإنتاجيَّة أو توظيف المزيد من مندوبي المبيعات أو إطلاق حملاتٍ تسويقيَّةٍ ضخمةٍ أو غيرها، والأرباح المحتجزة هي الأكثر أهميَّةً بالنِّسبة للشَّركات الَّتي تسعى للنُّموِّ المستمرِّ، فلا تدفع أرباحاً للمساهمين أو تُخرج أرباحاً ضئيلةً للغاية، وقد يعترضُ المساهمون على احتجاز الأرباح، ولكنَّ القرار النّهائيَّ يكون في يد إدارة الشَّركة، إلَّا إذا صوَّتت أغلبيَّة المساهمين على العكس. ^[1]  

ويمكن للإدارة ببساطةٍ إقناع المساهمين بخططها الاستراتيجيَّة الَّتي تُضاعف من الأرباح طويلة الأمد، وبالتَّالي يوافقون على عدم توزيع كلِّ الأرباح سنويّاً.

مزايا وعيوب الأرباح المحتجزة

هناك مجموعةٌ ضخمةٌ من مزايا الأرباح المحتجزة، والَّتي تجعلها ضرورةً قصوى للشَّركات من جميع الأحجام، ولكن أيضاً هناك بعض العيوب الَّتي يجب الانتباه إليها عند حساب الأرباح المحتجزة. ^[4]   

مزايا الأرباح المحتجزة

• الأمان الماليُّ: فالأرباح المحتجزة تكون بمثابة دعمٍ حاسمٍ للشَّركة، وخصوصاً في أوقات الرُّكود الاقتصاديّ أو عند ظهور نفقاتٍ غير متوقَّعةٍ.
• التَّركيز على النُّموِّ: من خلال الأرباح المحتجزة يُمكن للشَّركة العمل بكفاءةٍ على إطلاق منتجاتٍ جديدةٍ، والاهتمام بالابتكار، وتوسيع نطاق العمليَّات دون ضغوط البحث عن تمويلٍ خارجيٍّ للبقاء في المنافسة السُّوقيَّة الشَّرسة.
• تعزيز العائد الماديّ للشَّركة: إعادة استثمار الأرباح في الشَّركة من جديدٍ يجذب المستثمرين المهتمين بالشَّركات عموماً وبتخصُّصاتٍ محدَّدةٍ، ممَّا يزيد من معدَّلات النُّموِّ.
• المرونة النَّقديَّة: توفّر الأرباح المحتجزة مرونةً مؤكَّدةً في الأموال عكس تمويل الدُّيون، ممَّا يسمح للشَّركات بتخصيص الموارد، سواءً للبحث أو التَّسويق أو غيرها من إجراءاتٍ استراتيجيَّةٍ، ولكنَّ تمويل الدُّيون يكون محدَّداً بإجراءٍ محدَّدٍ وفقاً للمَدين.
• إدارةٌ فعَّالةٌ للأموال: كلَّما زادت الأرباح المحتجزة، ستظهر قدرة الشَّركة على تحقيق عائدٍ ثابتٍ، ممَّا يُحسِّن من شروط الاقتراض، أو يحقِّق انخفاضاً في سعر الفائدة.

عيوب الأرباح المحتجزة

• التَّمويل المحدود للأعمال: سحب الأرباح المحتجزة، قد يقلِّل من رأس المال المتاح لدى الشَّركة.
• فرصُ تعلُّمٍ ضائعةٌ: الاعتماد فقط على الأرباح المحتجزة، قد يقلِّل من الاحتكاك بالعالم الخارجيِّ والحصول على تجاربَ ثريَّةٍ تزيد من تطوير الشَّركة.
• تأخُّر الابتكار: يُساعد المستثمرون الخارجيُّون في تسريع بعض العمليَّات الحيويَّة، مثل حلول الأتمتة الَّتي تتطلَّب أموالاً ضخمةً في البداية، ولكنَّ الاعتماد فقط على الأرباح المحتجزة قد يعني تأخير بعض الخطوات الضَّروريَّة.
• توتُّر العلاقات مع المستثمرين: إنَّ احتجاز المزيد من الأرباح يعني عدم توزيعها على المستثمرين والمساهمين، ممَّا قد يزيد من التَّوتُّر معهم، وبالتَّالي يجب توفير خطَّةٍ واضحةٍ للتَّصرُّف في الأرباح المحتجزة لمنع هذا التَّوتُّر.

شاهد أيضاً: تقاسم الأرباح مع الموظفين منفعة للجميع

عوامل تؤثر على الأرباح المحتجزة

قبل أن تحتسبَ الشَّركة الأرباح المحتجزة عليها أن تضعَ بعض العوامل في الاعتبار، ومن أهمّها: ^[2]  

الإيرادات

وهي المبلغ الإجماليُّ للدَّخل الَّذي تُحقِّقه الشَّركة، ويكون ناجماً عن بيع السِّلع والخدمات المتعلِّقة بالعمليَّات الأساسيَّة للشَّركة، كما وُيحسبُ قبل خصم أيِّ نفقاتٍ.

وتؤثِّر الإيرادات -الَّتي يُشار إليها عادةً بإجمالي المبيعات- على الأرباح المُحتجزة، فأيُّ زيادةٍ في المبيعات سوف تُعزِّز من الأرباح أو صافي الدَّخل، والعكس صحيحٌ.

تكلفة البضائع والخدمات المُباعة

وهي التَّكاليف المباشرة المنسوبة إلى إنتاج البضائع أو توفير الشَّركة للخدمة، وتشملُ تكاليف المواد المُستخدمة والعمالة والآلات وغيرها.

مصروفات التّشغيل

وهي التَّكاليف الَّتي تتحمُّلها الشَّركة من العمليَّات التِّجاريَّة العادية، مثل الإيجار والمعدَّات والتَّسويق وتكلفة التَّخزين والرَّواتب والأموال المخصَّصة للبحث والتَّطوير.

الاستهلاك

وهي تكلفة استهلاك الأصل الثَّابت للآلات والمعدَّات، وتكون موزَّعةً على العمر الافتراضيّ لتلك الأصول.

رأس المال الإضافيّ المدفوع

وهو النَّاجم عن أرباح الأسهم، فمثلاً إذا طرحت الشَّركة السَّهم بدولارٍ واحدٍ، ووصل سعرهُ إلى 30 دولاراً، فإنَّ هناك رأس مالٍ إضافيّاً مدفوعاً يصلُ إلى 29 دولاراً لكلِّ سهمٍ، وهو يؤثِّر أيضاً في الأرباح المحتجزة وطريقة تحديدها وفقاً لأرباح المساهمين.

النّفقات غير العادية أو لمرّةٍ واحدةٍ

مثل مبيعات الأصول أو الرُّسوم القانونيَّة لأيّ عمليَّاتٍ استراتيجيَّةٍ جديدةٍ، والَّتي قد تُؤثِّرُ على الحساب الكليّ للأرباح عموماً والمحتجزة خصوصاً، إذ يجبُ إجراء التَّعديلات للتَّأكُّد من أنَّ الأرباحَ المحتجزة تعكس بدقَّةٍ العمليَّات التّجاريَّة الجاريَّة.

الآثار الضريبيّة للأرباح المحتجزة

يجب فهم الطَّريقة الَّتي سوف تُؤثِّر بها الأرباح المحتجزة على الضَّرائب وفقاً لقانون البلد الَّذي تعملُ به، فالأرباح المحتجزة ما تزال جزءاً من دخلكَ الخاضع للضَّريبة، ويجب أن تعرفَ النِّسبة تحديداً؛ لتتمكَّن من التَّخطيط لفتراتٍ طويلةٍ مع الامتثال الضَّريبيّ في الوقتِ ذاتهِ.

سياسة توزيع الأرباح المُتَّفَق عليها

إذا كانت هناك عقودٌ واضحةٌ بسياسة توزيع الأرباح على المساهمين، فيجب وضعها في الاعتبار قبل احتساب الأرباح المحتجزة أو نسبتها، والتَّخطيط وفقاً لها وموازنتها بطريقةٍ فعَّالةٍ لا تُؤثِّر على علاقتك بالمساهمين، ولا تؤجِّل خططك المستقبليَّة في الوقت ذاته.

تكلفة الاقتراض

فإذا كانت تكلفة الاقتراض أقلَّ من تكلفة احتجاز الأرباح، فهنا يكون الاقتراض أكثر حكمةً لنموِّ الشَّركة سريعاً دون انتظار تحقيق أرباحٍ واختصامِ جزءٍ منها.

شاهد أيضاً: ما هو العامل الأكثر تأثيراً على الأرباح؟

متى تحتجز الشركات أرباحها؟ وكيف تستفيد منها؟

توضِّح الأرباح المحتجزة قدرة الشَّركة على توليد الأرباح والاحتفاظ بها على مدى فتراتٍ طويلةٍ، ممَّا يزيدُ من الثِّقة بها، سواء من العملاء أو المستثمرين، وبالتَّالي ترتفع قوَّة الشَّركة وزيادة قيمة الأسهم، فتشيرُ المستويات المرتفعة من الأرباح المحتجزة إلى إمكانات الشَّركة القويَّة في النُّموِّ والاستدامة. ^[3]  

وعادةً ما يُترك قرار الاحتفاظ بالأرباح أو توزيعها على المساهمين لإدارة الشَّركة، وإن كان يُمكن الطَّعن في القرارِ من قبل المساهمين عبر تصويت الأغلبيَّة، باعتبار أنَّهم المالكون الحقيقيُّون للشَّركة. وقد ترغبُ الإدارةُ في الاحتفاظ بأرباح الشَّركة لعدَّة أسبابٍ، فهي تكون أكثر علماً باتِّجاهات السُّوق وأعمال الشَّركة، وترغبُ في تحقيق عائدٍ أكبر في المستقبل، وعلى المدى الطَّويل، ممَّا يُوفِّر أرباحاً أفضل للمساهمين مقارنةً بتوزيعها فوراً، ويُمكن للشَّركة الاستفادة من الأرباح المحتجزة بعدَّة طرقٍ:

نمو الأعمال

قد أظهر استطلاع جارتنر أنَّ الشَّركاتِ تستثمرُ بكثافةٍ في نموَّ الأعمال، ويُمكن أن تضعَ ربع إيراداتها السَّنويَّة لاقتناص فرص النُّموِّ السَّريع، سواءً في الاستثمارات الرَّقميَّة أو استراتيجيَّات الموارد البشريَّة وغيرها.

الاستقلال الماديّ وتجنّب الاستثمار تحت الضغط

الأرباح المحتجزة بمثابة استثمارٍ في حدِّ ذاتها، إذ تُوفِّر أساساً متيناً للعمليَّات التِّجاريَّة المستقبليَّة، سواء كان بهدف التَّوسُّع أو اكتساب مواهبَ جديدةٍ أو تدريب الفريق البشريّ، فعلى العكس من صافي الدَّخل الَّذي يختفي عند دفع الفواتير أو إجماليّ الرِّبح الَّذي يُوفِّر رؤيةً محدودةً عن نجاح الشَّركة بعد النَّفقات، فإنَّ الأرباحَ المحتجزة تُوفِّر حاجزاً يُمكّنك من مواجهة التَّحدّيات السُّوقيَّة الصَّعبة.

السّيطرة الكاملة على قرارات الشركة

سواء كنت ترغبُ في إجراء تحسيناتٍ على موقع الويب للبيع الإلكترونيِّ أو بناء احتياطيَّاتٍ لمواجهة التَّحدِّيات غير المتوقَّعة أو الاستثمار في تقنيَّاتٍ متطوِّرةٍ تزيد من سرعة الأداء، فإنَّ الأرباحَ المحتجزة تُمكِّن صاحب الشَّركة من السَّيطرة التَّامَّة على قراراته المستقبليَّة.

التّميز في عالم الأعمال

إنَّ إعطاء الأولويَّة للأرباح المحتجزة يُميِّز صاحب الأعمال بشدَّةٍ، ويُبرهن للمستثمرين والشُّركاء القدرة على الالتزام على المدى الطَّويل، وليس فقط الاهتمام بالأرباح المؤقَّتة على المدى القصير، ويُؤكِّد قدرة رجل الأعمال على بناء شيءٍ عظيمٍ يدوم طويلاً.

طريقة احتساب الأرباح المحتجزة

تتمثَّل طريقة احتساب الأرباح المحتجزة بشكلٍ صحيحٍ في احتساب أصل رأس المال المتوفِّر في العمليَّات الأولى، بالإضافة إلى صافي الدَّخل مطروحاً منه توزيعات الأرباح، ويُحسب بالمعادلة التَّالية:

الرّبح المحتجز= الرّبح المحتجز المقدّم + صافي الدَّخل – توزيعات الأرباح.

عندما تحصل الشركة على أرباح يكون لديها 3 خيارات أساسيّة:

• إمَّا إنفاق الرِّبح كدخلٍ شخصيٍّ لصاحب الشَّركة.
• أو دفع الرّبح إلى المساهمين سواءً في شكل نقدٍ أو أسهمٍ.
• أو احتجاز الأرباح لإعادة استثمارها في العمل من جديدٍ.

ويمكن للشَّركة ترحيلُ أرباحها المحتجزة من فترةٍ لأُخرى، أو من سنةٍ ماليَّةٍ إلى أخرى، فمثلاً إذا كسبت شركة 3000 دولارٍ من الأرباح المحتجزة لمدَّة عامين متتالين، فإنَّ الأرباح المحتجزة المُرحَّلة للسَّنة الثَّالثة ستكون 6000 دولارٍ.

في النِّهاية، فإنَّ الأرباح المحتجزة من وسائل الرّبح المُؤكِّدة للشَّركات، ولكنَّها قد لا تكون دائماً الخيار الأكثر كفاءةٍ، خصوصاً في حالة الاعتراض القويّ للمساهمين أو الحاجة لتطويراتٍ سريعةٍ في الشَّركة لمواجهة المنافسين، إذ يجبُ موازنة القرار بحكمةٍ وفقاً لمتطلَّبات السُّوق والخطط المستقبليَّة.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال

انضم الآن