الرئيسية الابتكار من التّصميم إلى المسؤوليّة: ثورة الموضة الخضراء

من التّصميم إلى المسؤوليّة: ثورة الموضة الخضراء

الابتكار الرّقميّ يغيّر مفهوم الأزياء، من الطباعة ثلاثية الأبعاد إلى الملابس الذّكيّة، ليجعل الموضة أكثر ذكاءً واستدامةً

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

لم تعد الأزياء مجرّد ملابس، في عالمنا اليوم باتت وسيلةً للتّعبير عن الإبداع والابتكار والمسؤوليّة، ومع تطوّر التّكنولوجيا وتزايد الوعي البيئيّ، تشهد صناعة الموضة ثورةً غير مسبوقةٍ، تتّسم بالجرأة في التّصميم والالتزام بالاستدامة، من الطّباعة ثلاثيّة الأبعاد إلى الأقمشة القابلة للتّحلّل، ومن الملابس الذّكيّة إلى التّوجّه نحو الموضة الدّائريّة، تعيد العلامات التّجاريّة رسم ملامح هذا القطاع.

لكن كيف تؤثّر هذه التّحوّلات على المستهلكين والمصمّمين على حدٍّ سواءٍ؟ وهل يمكن للموضة أن تكون جميلةً ومستدامةً في الوقت ذاته؟

كيف غيّرت التّكنولوجيا ملامح التّسوّق في صناعة الأزياء؟

أحدث الابتكار الرّقميّ تحوّلاً جذريّاً في صناعة الأزياء، خصوصاً بعد تسارع تبنّي التّجارة الإلكترونيّة خلال جائحة كورونا، ووفقاً لبياناتٍ من "ستاتيستا" (Statista)، وصلت مبيعات الملابس والإكسسوارات والأحذية عبر الإنترنت إلى 180.5 مليار دولارٍ في عام 2021، ومن المتوقّع أن ترتفع إلى 295.7 مليار دولارٍ بحلول عام 2025، هذا النّموّ مدفوعٌ بتقنيّاتٍ جديدةٍ تجعل التّسوّق أكثر ذكاءً، واستدامةً، وتخصيصاً.

إليكم بعض الطّرق الّتي غيّرت بها الشّركات المشهد الرّقميّ للأزياء: [1] 

1. تجارب القياس الافتراضيّة

مع ازدياد الطّلب على شراء الملابس عبر الإنترنت، تزداد أيضاً معدّلات الإرجاع، ممّا يؤدّي إلى تحدّياتٍ بيئيّةٍ واقتصاديّةٍ. هنا يأتي دور شركة "ثري دي لوك" (3DLOOK)، الّتي أسّسها فريقٌ من كاليفورنيا في عام 2016، تقدّم الشّركة تقنيّة "القياس الافتراضيّ" المدعومة بالذّكاء الاصطناعيّ، حيث يمكن للمستخدمين إنشاء صورةٍ رمزيّةٍ (أفاتار) شخصيّةٍ من خلال تحميل صورٍ ثنائيّة الأبعاد، وبناءً على هذه الصّورة، يحصل المستخدمون على توصياتٍ دقيقةٍ تتعلّق بالحجم والتّصميم.

تقول ويتني كاثكارت، الشّريكة المؤسّسة للشّركة: "نحن نحسب أكثر من 86 نقطة قياسٍ على جسم الإنسان لنقدّم توصياتٍ دقيقةً تناسب احتياجات العملاء". تضمّ 3DLOOK الكثير من العملاء، بما فيها علاماتٌ تجاريّةٌ مثل "ديكيز" (Dickies) و"1822 دينم" (1822 Denim)، وتؤكّد كاثكارت أنّ السّنوات القادمة ستشهد ثورةً رقميّةً هائلةً في طرق التّسوّق.

2. تحسين تقدير الطّلب بفضل البيانات

التّحدّي الأكبر الّذي تواجهه العلامات التّجاريّة هو إنتاج كمّيّاتٍ دقيقةٍ من الملابس تلبّي طلب العملاء دون هدرٍ أو نقصٍ. وهنا يأتي دور تطبيق "فاش واير" (FashWire)، الّذي تمّ تأسيسه في سياتل عام 2018، يعمل التّطبيق على إضافة عنصر التّفاعل في تجربة التّسوّق، حيث يمكن للمستخدمين التّصويت على التّصميمات باستخدام واجهةٍ مشابهةٍ لتطبيقات المواعدة.

البيانات الّتي يتمّ جمعها من تصويتات المستخدمين تساعد المصمّمين على فهم اتّجاهات السّوق وتحسين تصميماتهم بناءً على أذواق العملاء. ووفقاً لكيمبرلي كارني، المؤسّسة والرّئيسة التّنفيذيّة للتّطبيق، فإنّ تقنيّات الذّكاء الاصطناعيّ المستخدمة تجعل تجربة التّسوّق أكثر تخصيصاً، كما أنّها تحسّن من أدوات البحث على المنصّة.

3. تجربة تسوّقٍ شخصيّةٌ بالكامل

الإرهاق من كثرة الخيارات كان دافعاً لجولي بورنستين لتأسيس تطبيق "ذا يَس" (The Yes) في عام 2018، يعتمد التّطبيق على استبيانٍ شخصيٍّ للمستخدمين في البداية، ومن ثمّ يستخدم التّعلّم الآليّ لتقديم اقتراحاتٍ تناسب أسلوب كلّ فردٍ. المميّز في التّطبيق أنّه يعرض فقط القطع الّتي تناسب مقاسات المستخدم وتفضيلاته.

تقول بورنستين: "نضيف ما يقرب من 500 خاصّيّةٍ لكلّ منتجٍ لتصنيفه بدقّةٍ بناءً على احتياجات العملاء، ثمّ نستعين بالذّكاء الاصطناعيّ لفهم العميل بشكلٍ أفضل". التّطبيق لا يفرض رسوم اشتراكٍ على العلامات التّجاريّة، بل يقتطع نسبة 25% من كلّ عمليّة بيعٍ تتمّ عبر المنصّة.

4. دعم الاستدامة عبر نظامٍ أكثر دائريّةً

تملك الغالبيّة العظمى من النّاس الكثير من الملابس الّتي لا تستخدم بشكلٍ منتظمٍ، وهنا يأتي دور تطبيق "ستورِي" (Storey)، الّذي أطلقته نيكول كوبيلانسكي في عام 2021، يهدف التّطبيق إلى تشجيع المستخدمين على إعادة اكتشاف ملابسهم أو بيع القطع الّتي لم يعودوا بحاجةٍ إليها.

يمكن للمستخدمين إنشاء نسخٍ رقميّةٍ من خزائن ملابسهم باستخدام صورهم الشّخصيّة أو عبر ميزةٍ تعتمد على الذّكاء الاصطناعيّ لمسح إيصالات الشّراء عبر البريد الإلكترونيّ، كما يوفّر التّطبيق أدواتٍ لإنشاء إطلالاتٍ من الملابس الموجودة أو إعادة بيع القطع بسهولةٍ. تقول كوبيلانسكي: "هدفنا هو تشجيع النّاس على الشّراء من الأسواق المستعملة كلّما أمكن ذلك".

التّكنولوجيا في أيدي المصمّمين: أمثلةٌ ملهمةٌ

بجانب هذه التّطبيقات، نجح عددٌ من المصمّمين العالميّين في تبنّي التّكنولوجيا لتغيير قواعد اللّعبة في صناعة الأزياء. على سبيل المثال:

  • إيريس فان هيربن (Iris van Herpen): المصمّمة الهولنديّة الشّهيرة الّتي أذهلت العالم باستخدام الطّباعة ثلاثيّة الأبعاد لإنشاء تصميماتٍ خياليّةٍ. تعدّ مجموعاتها مثالاً رائداً على دمج التّكنولوجيا مع الفنّ، حيث قامت بإنتاج فساتينٍ تبدو وكأنّها منحوتاتٌ حيّةٌ.

  • ألكساندر ماكوين (Alexander McQueen): على الرّغم من رحيله، فإنّ إرثه في الابتكار لا يزال حيّاً، حيث استخدمت علامته روبوتاتٍ على مدرجات العرض لطلاء الفساتين مباشرةً أمام الجمهور.

  • بالينسياغا (Balenciaga): تعدّ واحدةً من العلامات التّجاريّة الّتي استثمرت في تجارب الواقع الافتراضيّ والمعزّز، حيث أطلقت مجموعاتٍ رقميّةً بالكامل يمكن ارتداؤها في العالم الافتراضيّ.

  • رالف لورين (Ralph Lauren): أطلق تصميماتٍ ذكيّةً مثل السّترات المزوّدة بمستشعراتٍ تكنولوجيّةٍ لقياس معدّل ضربات القلب ودرجة حرارة الجسم.

بالتّأكيد، من الواضح أنّ عالم الأزياء يتّجه إلى مستقبلٍ يتّسم بالذّكاء والاستدامة والابتكار. ومع تطوّر الأدوات الرّقميّة، يبدو أنّ الطّريقة الّتي نشتري بها الملابس ستتغيّر بالكامل خلال العقد القادم، ممّا يمنّحنا تجربة تسوّقٍ أكثر تخصيصاً، وكفاءةً، ومسؤوليّةً بيئيّةً.

الاتّجاهات المستقبليّة في صناعة الأزياء: أكثر استدامةً وابتكاراً

يرى مصمّم الأزياء المقيم في الفلّبّين، جان بونجكاراس، أنّ الاستدامة البيئيّة ممارسةٌ حتميّةٌ، ستجبر مستهلكي الموضة قريباً على التّكيّف معها، وخاصّةً في ظلّ هذه البيئة والمناخ المتدهور، وينظر إليها على أنّها المستقبل، وهي الحلّ الوحيد لكي تصبح الموضة جزءاً من النّضال من أجل العدالة المناخيّة بدلاً من المساهمة في المشكلة.

يقول بونجكاراس:

"الاستدامة البيئيّة في الموضة بالنّسبة لي تعني إنشاء نظام تصميمٍ وإنتاجٍ وتوزيعٍ للأزياء يخلق تأثيراً إيجابيّاً تجاه البيئة والنّاس" [2] .

في الحقيقة، الاتّجاهات المستقبليّة في صناعة الأزياء الّتي ينظر إليها اليوم، لا تختلف كثيراً عن وجهة نظر مصمّم الأزياء الفلّبّينيّ [3] :

الاستدامة: التّوجّه الرّئيسيّ في صناعة الأزياء بحلول 2025

تستمرّ الاستدامة في تشكيل معالم صناعة الأزياء، حيث تركّز العلامات التّجاريّة على أنظمة الموضة الدّائريّة، مثل إعادة التّدوير، وإعادة الاستخدام، واستخدام الموادّ القابلة للتّحلّل. ابتكاراتٌ مثل الأقمشة المزروعة في المعامل والأصباغ الصّديقة للبيئة أصبحت شائعةً، ممّا يساهم في تقليل البصمة الكربونيّة للصّناعة. على سبيل المثال، تعدّ علامة "ستيلا مكارتني" (Stella McCartney) واحدةً من العلامات التّجاريّة الرّائدة الّتي تدمج الاستدامة في قلب عمليّاتها.

التّكنولوجيا: الملابس الذّكيّة وتأثيرها المستقبليّ

تعمل التّكنولوجيا على إعادة تعريف الأزياء من خلال الملابس الذّكيّة المزوّدة بأجهزةٍ استشعاريّةٍ وأليافٍ موصّلةٍ. هذه الملابس، الّتي تستخدم في اللّياقة البدنيّة والصّحّة، توسّعت لتشمل تقنيّاتٍ مثل الأقمشة الّتي تنظّم درجة الحرارة والواقع المعزّز (AR). على سبيل المثال، تعاونت "ليفايز" (Levi’s) مع غوغل لإنتاج سترٍ ذكيّةٍ، وتعمل العديد من العلامات على استكشاف تصميماتٍ تفاعليّةٍ تدمج التّكنولوجيا بسلاسةٍ مع الأزياء.

البساطة: نهجٌ جديدٌ في مواجهة الموضة السّريعة

في مواجهة الاستهلاك المفرط للموضة السّريعة، أصبح المستهلكون يميلون إلى التّصميمات البسيطة والعالية الجودة الّتي تتميّز بطابعها العمليّ والأناقة الدّائمة. تتصدّر علاماتٌ مثل Everlane وCOS هذا الاتّجاه، مع مجموعاتٍ تركز على الخطوط النّظيفة، والألوان الحياديّة، والموادّ المستدامة.

الموضة الشّاملة: الاحتفال بالتّنوّع والاندماج

تشهد الصّناعة تحوّلاً كبيراً نحو الموضة الشّاملة الّتي تحتفى بالتّنوّع، وتكسر الحدود التّقليديّة بين الجنسين. تصميمات الأزياء المحايدة جنسيّاً والموجّهة لذوي الاحتياجات الخاصّة أصبحت أكثر انتشاراً. على سبيل المثال، يعدّ تقرير Fashion United الّذي يتوقّع أن تصل قيمة سوق الموضة المحايدة إلى 1.6 مليار دولارٍ بحلول عام 2025 مؤشّراً على التّغيّرات القادمة.

أسواق الملابس المستعملة والتّأجير: دعم الأزياء المستدامة

مع تزايد الوعي البيئيّ، أصبح سوق الملابس المستعملة والتّأجير يشهد نموّاً سريعاً. المستهلكون الآن أكثر انفتاحاً على القطع المعاد تدويرها، ممّا يعزّز ثقافة الموضة الدّائريّة، ويقلّل من النّفايات.

لأزياء المستدامة: نحو مستقبلٍ أخضر لصناعة الموضة

تتبنّى العديد من العلامات التّجاريّة العالميّة اليوم مبادراتٍ مبتكرةً تسعى لتقليل البصمة الكربونيّة، وإعادة تدوير الموارد، وتحويل الإنتاج إلى عمليّاتٍ أكثر مسؤوليّةً تجاه البيئة. من استخدام الأقمشة المعاد تدويرها إلى اعتماد أنظمة إنتاجٍ دائريّةٍ، تتصدّر هذه الشّركات مسار التّغيير، وتلهم الآخرين لإعادة التّفكير في علاقتهم مع الموضة.

  • ستيلا مكارتني: أبرز العلامات التّجاريّة الملتزمة بالاستدامة، تعتمد على الموادّ الصّديقة للبيئة، مثل الأقمشة العضويّة والألياف النّباتيّة، وتعمل على تجنّب استخدام الجلود والفراء، كما تستثمر في الأقمشة المبتكرة مثل الجلد المصنوع في المعامل (Lab-Grown Leather).

  • باتاغونيا (Patagonia): علامةٌ أمريكيّةٌ تركّز على إنتاج ملابس خارجيّةٍ مستدامةٍ، تعتمد باتاغونيا بشكلٍ كبيرٍ على الموادّ المعاد تدويرها، وتشجّع العملاء على إصلاح ملابسهم بدلاً من التّخلّص منها، كما تخصّص جزءاً من أرباحها لدعم مبادراتٍ بيئيّةٍ.

  • ليفايز: تظهر الشّركة التزاماً واضحاً بالاستدامة من خلال استخدام تقنيّاتٍ تقلّل من استهلاك المياه في تصنيع الجينز، بالإضافة إلى استخدام القطن العضويّ والموادّ المعاد تدويرها في منتجاتها.

  • "أديداس" (Adidas): تعدّ من الشّركات الرّائدة في الاستدامة، حيث طوّرت مبادراتٍ مثل الأحذية المصنوعة من البلاستيك المعاد تدويره بالتّعاون مع منظّمة "بارلي فور ذي أوشِنز" (Parley for the Oceans). كما تعمل على تطوير منتجاتٍ قابلةٍ لإعادة التّدوير بالكامل.

  • "إتش آند إم" (H&M): أنشأت "إتش آند إم" مجموعةً خاصّةً تسمّى (كونشِس كولِكشِن)، تركّز على استخدام الأقمشة المستدامة مثل القطن العضويّ والبوليستر المعاد تدويره، كما تدير مبادراتٍ لإعادة تدوير الملابس القديمة من خلال برنامجها العالميّ لجمع الملابس.

إذاً، يمكن القول إنّ الابتكار مستمرٌّ في تغيير قواعد اللّعبة، بحيث ينظر للأزياء كمنصّةٍ للتّعبير عن قيم المستقبل. التّصميمات الجريئة والتّقنيّات المستدامة تمهّد الطّريق لعالمٍ يمكن فيه أن تتكامل الموضة مع مسؤوليّاتنا تجاه البيئة والمجتمع. إذا استمرّت هذه الجهود، فإنّ المستقبل يبدو واعداً، حيث تصبح الأزياء وسيلةً للإبداع والوعي في آنٍ واحدٍ، ملهمةً للأجيال القادمة لتبنّي أسلوب حياةٍ أكثر خضرةً وأناقةً.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
آخر تحديث:
تاريخ النشر: