كيف تتعامل مع الأفكار غير المألوفة في بيئات العمل؟
يساعد تقبّل الأفكارالجديدة والاستماع الجيّد للآراء على تعزيز الإنتاجيّة وتحفيز الابتكار، ممّا يضمن تواصلاً فعّالاً بين أعضاء الفريق لتحقيق النّموّ والنّجاح

منذ عدّة سنواتٍ، شرعت شركة "غوغل" (Google) في مشروعٍ بحثيٍّ لاستكشاف العوامل الّتي تساهم في نجاح الفرق الفعّالة، وقد حملت الدّراسة اسم "مشروع أرسطو" تكريماً للاقتباس الشّهير للفيلسوف الّذي يقول: "الكلّ أكبر من مجموع أجزائه".
ومن خلال مئات المقابلات وتحليل كمّيّاتٍ كبيرةٍ من البيانات، توصّل الباحثون إلى أنّ أهمّ عاملٍ يؤثّر في فعاليّة الفريق هو ما يعرف بـ"الأمان النفسي". وفي سياق توضيح المفهوم، أفاد الباحثون: "في فريقٍ يتمتّع بمستوى عالٍ من الأمان النفسي، يشعر أعضاؤه بالأمان لتجربة المخاطرة أمام بعضهم البعض، فهم واثقون بأنّه لن يتّخذ ضدّهم أيّ اتّهامٍ أو عقوبةٍ عند ارتكاب خطأ، أو عند طرح سؤالٍ، أو عند تقديم فكرةٍ جديدةٍ".
الغاية هنا هي خلق بيئةٍ شاملةٍ يشعر فيها الجميع بالأمان والاحترام، ولكن هذا يثير تساؤلاً: ماذا لو طرح أحدهم فكرةً، وكانت الفكرة فعلاً غير قابلةٍ للتّطبيق أو خاطئةً؟ تتطلّب الإجابة هنا توفّر الذكاء العاطفي، أي القدرة على فهم وإدارة المشاعر بشكلٍ فعّالٍ. لذلك، سنتناول بالتّفصيل الأسباب الّتي تدعو إلى الاستماع بعنايةٍ لآراء زملائك بدلاً من رفضها فوراً، وسنستعرض كيف يمكنك التّعبير عن معارضتك الشّديدة دون الإضرار بحماس الآخرين:
أهمية الاستماع لآراء زملائك
بعيداً عن أهميّة الأمان النفسي، توجد أسبابٌ قويّةٌ تمنعنا من رفض أفكار الآخرين بشكلٍ متسرّعٍ. فكلّ فردٍ منّا يحمل في طيّاته تحيّزاتٍ معرفيّةً وأحكاماً مسبقةً قد تؤثّر على رؤيته لأيّ فكرةٍ، وهذا يعني أنّه إذا كُنت تتجاهل أفكار الآخرين بسهولةٍ، فقد يكون هناك مشكلةٌ في طريقة تفكيرك.
كذلك ينبغي على الفريق تجنّب تبنّي منهج "حكم الأغلبية" عند رفض الأفكار. فإذا تمّ رفض الأفكار الجديدة فوراً لمجرّد أنّ غالبيّة الأعضاء لا يفضّلونها، فإنّ الفريق سيخسر فرصاً ثمينةً للابتكار والتّطوّر. ومع ذلك، قد تصادف أحياناً فكرةً تعتبرها أنت حقّاً غير صائبةٍ.
كيف تعبّر عن رفض فكرة تراها غير ملائمة؟
يعتمد أسلوب الرّدّ المناسب على الظّروف والسّياق المحيط بالفكرة، فقد يكون سبب رفضك هو سوء فهم الفكرة أو الدّوافع الكامنة وراءها. ومع بعض التّعديلات، قد تتحوّل فكرةٌ سيّئةٌ إلى فكرةٍ جيّدةٍ. وبما أنّ الفكرة بنفسها ليست ضارّةً للآخرين، فمن الضّروريّ ألّا نحبّط الشّخص الّذي طرحها.
وللحفاظ على توازن الحوار، يمكنك استخدام أحد العبارات التّالية:
- "حسناً، دعنا نفترض أنّنا نتبنّى هذه الفكرة، ماذا يحدث إذا...؟" (اذكر مخاوفك)
- "قد لا يعجبك هذا، لكنّي أشعر أنّ هذه الفكرة لن تنجح، وإليك السّبب..."
- "لم أفكر في الأمر من هذا المنطق من قبل، هل يمكنك توضيح المزيد؟"
- "أرى الأمر بصورةٍ مختلفةٍ، ولكنّي مهتمٌّ بمعرفة وجهة نظرك".
- "فكرةٌ مثيرةٌ للاهتمام، هل تستطيع شرح منهج تفكيرك وراءها؟"
- "ساعدني على فهم وجهة نظرك".
- "هل يمكنني التّفكير في هذا الموضوع قليلاً؟ دعنا نناقشه مرّةً أخرى غداً".
وبالطّبع، إذا كان فريقكم معروفاً بمستوىً عالٍ من الأمان النفسي، يمكنك أن تكون أكثر صراحةً ووضوحاً في ردّك، وربّما تعبّر مباشرةً عن أنّ الفكرة غير مناسبةٍ وتشرح أسبابك.
بناء الثقة داخل الفريق
بغضّ النّظر عن مدّة عملكم معاً، وسواءً كُنت تميل إلى أسلوب التّواصل المباشر والصّريح أو الأسلوب الأكثر تحفّظاً، ينبغي عليك دوماً أن تسعى إلى أن تكون لطيفاً ومحترماً. فطريقة التّعبير ليست مجرّد كلماتٍ تُقال، بل النّبرة والطّريقة الّتي تُقال بها تلعب دوراً أساسيّاً.
وأهمّ ما يجب تذكّره هو أنّ أساس بناء الأمان النفسي والثّقة في الفريق يكمن في الاعتراف بأنّ لكلّ فردٍ رؤى فريدةً، مع تقدير تلك الرّؤى بعقليّة البحث والاستكشاف بدلاً من التّقليل من شنها، فالجميع يطرح أحياناً أفكاراً قد تبدو سخيفةً أو غير مناسبةٍ. وكلّما عاملنا الآخرين بالاحترام والتّقدير، زاد احترامهم لنا حين يحين دورنا لطرح أفكارنا، وهذا الاحترام المتبادل هو حجر الأساس لفريقٍ قادرٍ على العمل المشترك بفعّاليّةٍ على المدى الطّويل.