كيف تحوّل الشّركات النّاشئة الأمن السّيبراني إلى ميزة؟
تجاهل الأمان قد يكلف الشركات الناشئة غالياً، بينما يعزز الاستثمار المبكر فيه ثقة العملاء، ويفتح المجال لنموٍّ مستدامٍ في عالمٍ مليءٍ بالتهديدات
في عالم الشّركات النّاشئة، حيث السّعي المستمرّ نحو النّموّ السّريع والابتكار الجريء، قد يبدو الأمن السّيبرانيّ مسألةً ثانويّةً مقارنةً بالتّحدّيات الكبرى مثل جذب الاستثمارات وزيادة الإيرادات. ولكنّ تجاهل هذه الجزئيّة يمكن أن يكون مكلّفاً جدّاً، كما يُظهر حادث اختراق شركة"فيركادا" (Verkada) بعد الجائحة، والّتي كانت تعدّ من الشّركات النّاشئة الواعدة. ففي عام 2021، اخترق المتسلّلون شبكتها، وتمكّنوا من الوصول إلى أكثر من 150 ألف كاميرا في مدارس ومستشفياتٍ وسجونٍ، ممّا تسبّب في أزمةٍ كبرى. وعلى الرّغم من أنّ الشّركة استمرّت في النّموّ بعد هذا الحادث، إلّا أنّها اضطرّت إلى تعزيز أنظمتها الأمنيّة تحت رقابة لجنة التّجارة الفيدراليّة.
غالباً ما يواجه روّاد الأعمال ضغطاً كبيراً لتحقيق نتائج سريعةٍ بأقلّ تكلفةٍ ممكنةٍ، وهو ما يدفعهم إلى التّركيز على النّموّ على حساب الأمان. لكنّ هذا التّوجّه يظهر مخاطره الواضحة. فقد أظهر استطلاعٌ أجرته "فاست كومباني" (Fast Company) و"إنك" (.Inc) أنّ 59% من مؤسّسي الشّركات يرون أنّ اختيار التّكنولوجيا الخاطئة يشكّل تهديداً وجوديّاً لأعمالهم، في حين أنّ 33% فقط يعتبرون الهجمات السّيبرانيّة خطراً كبيراً. وعلى الرّغم من ذلك، فإنّ 66% من المؤسّسين يدركون أنّ الهجمات السّيبرانيّة قد تكون أكثر ضرراً للشّركات النّاشئة مقارنةً بالشّركات الكبرى؛ بسبب ضعف البنية التّحتيّة لهذه الشّركات النّاشئة.
وفي هذا السّياق، يقول أوليفر سبنس، رئيس شركة "سيبافيرس" (Cybaverse) لاستشارات الأمن السّيبرانيّ، إنّ الشّركات النّاشئة غالباً ما تضع الأمن السّيبرانيّ في مرتبةٍ متأخّرةٍ بعد النّموّ والإيرادات. ومع ذلك، في ظلّ تزايد قلق العملاء بشأن أمان بياناتهم، يمكن للشّركات النّاشئة أن تحوّل هذا التّحدّي إلى ميزةٍ تنافسيّةٍ. فمن خلال التّركيز على بناء أنظمة أمانٍ قويّةٍ منذ اليوم الأوّل، تستطيع الشّركات الصّغيرة الاستفادة من بنيتها البسيطة الّتي تسهّل عليها تطبيق معايير أمانٍ متقدّمةٍ. هذا الأمر يتيح لها التّفوّق على الشّركات الكبرى الّتي تعاني من تعقيد أنظمتها وتعدّد أدواتها القديمة وصعوبة تأمينها.
في حين تعاني الشّركات الكبرى من هذه التّعقيدات، تتمتّع الشّركات النّاشئة بميزة المرونة والحداثة. والّتي غالباً ما تبدأ من الصّفر، ممّا يتيح لها بناء أنظمة أمانٍ متكاملةٍ منذ البداية دون الحاجة للتّعامل مع إرثٍ تكنولوجيٍّ معقّدٍ. وهنا يشير سبنس إلى أنّ الشّركات النّاشئة تتمتّع بميزة عدم وجود "ديونٍ تقنيّةٍ"، أي أنّها غير مثقلةٍ بأنظمةٍ قديمةٍ تحتاج إلى التّحديث، ممّا يسهّل عليها حماية أنظمتها من الهجمات.
الذّكاء الاصطناعيّ: سلاح الشّركات النّاشئة في مواجهة التّهديدات
ومن جانبٍ أخر، ومع ظهور تقنيّات الذّكاء الاصطناعيّ، حصلت الشّركات النّاشئة على أدواتٍ جديدةٍ تساعدها في مراقبة أنظمتها واكتشاف التّهديدات بشكلٍ أسرع وأكثر فعاليّةً. حيث توفّر شّركاتٌ مثل "أوبن إيه آي" (OpenAI)، أدوات ذكاء الاصطناعيّ التّوليديّ الّتي يمكنها مراقبة الأنظمة باستمرارٍ واكتشاف أيّ سلوكٍ غير طبيعيٍّ، ممّا يساعد الشّركات على التّصدّي للتّهديدات في مهدها. كما أنّ الاعتماد على الأنظمة الآليّة يقلّل من حاجة الشّركات إلى فرقٍ تقنيّةٍ كبيرةٍ، ممّا يزيد من كفاءة الشّركات النّاشئة في إدارة أمنها السّيبرانيّ.
وبالإضافة إلى ذلك، لا ينبغي الشّركات النّاشئة أن تنظر إلى الأمن السّيبرانيّ كتكلفةٍ إضافيّةٍ فقط، بل كفرصةٍ لتعزيز ثقة العملاء والفوز بعقودٍ جديدةٍ. ومثالٌ على ذلك، تطبيق "لونا" (Luna) الّذي يقدّم خدمات الصّحّة والعافية للفتيات المراهقات. حيث اعتمدت الشّركة نهجاً صارماً في تأمين بيانات مستخدميها الحساسة، ممّا عزّز ثقة العملاء وجعل الأمان جزءاً أساسيّاً من عرضها التّجاريّ. وهذا التّركيز على الأمان منذ البداية لم يكن فقط لحماية البيانات، بل أصبح عاملاً أساسيّاً يميّز الشّركة عن منافسيها.