Hevolution تقود ثورة جديدة في مجال إطالة العمر الصحي
من رؤية 2030 إلى التّكنولوجيا الحيويّة والذكاء الاصطناعي، كيف تمهّد المملكة الطّريق لعصرٍ جديدٍ من الرّعاية الوقائيّة وإطالة العمر الصّحّيّ؟

هذا المقال متوفّرٌ باللّغة الإنجليزيّة من هنا.
يتغيّر النقاش حول الرّعاية الصّحيّة عالميّاً، ويؤكّد الخبراء أنّ ما ينبغي أن نركّز عليه هو مدّة العمر الصّحّيّ (Healthspan) – أي عدد السّنوات الّتي نقضيها بصحّة جيّدة – عوضاً عن العمر الافتراضيّ (Longevity) وحسب. وهذا تحديداً ما تسعى مؤسّسة هيڤولوشن (Hevolution Foundation) السّعوديّة إلى تحقيقه؛ إذ تتمتّع بميزانيّة سنويّة قد تصل إلى مليار دولار أمريكيّ لدعم أبحاث الشّيخوخة الصّحيّة وتمويلها، إضافةً إلى تحفيز الاستثمار في هذا المجال.
وتماشياً مع الاستراتيجيّة الوطنيّة للتّقنيّات الحيويّة في المملكة العربيّة السّعوديّة، والّتي تهدف إلى وضع المملكة في مصافّ المراكز الرّائدة عالميّاً في مجال التّقنيّات الحيويّة (Biotech)، أضحى هذا المجال أحد المحاور الرّئيسة للنّموّ، مع تركيز على إنتاج اللّقاحات والتّصنيع الحيويّ وعلم الجينوم. وفي هذا السّياق، عقدت نسخةٌ جديدةٌ من القمّة العالميّة لإطالة العمر الصّحّيّ (Global Healthspan Summit)، إحدى مبادرات هيڤولوشن، في الفترة من 4 إلى 5 فبراير 2025 في الرّياض، بحضور ما يربو على 2500 باحث وصانع للسّياسات وقادة أعمال وشركات الأدوية الكبرى وروّاد أعمال وشركات ناشئة في مجال التّقنيّات الحيويّة، وذلك لمناقشة تحدّيات الشّيخوخة.
وبالنّظر إلى الاهتمام الكبير الّذي توليه المملكة لهذا القطاع، وإلى توجّه هيڤولوشن نحو الاستثمار في علم إطالة الصّحّة، تضمّنت فعاليّات القمّة هذا العام تنظيم منافسة رياديّة باسم (Saudi Biotech Pitchfest)، وجّهت الدّعوة إلى 12 شركة ناشئة سعوديّة في مجال التّقنيّات الحيويّة لعرض ابتكاراتها أمام لجنة تحكيميّة تضمّ خبراء ومستثمرين في القطاع. وتألفت اللّجنة من كلّ من صاحب السّمو الملكيّ الأمير خالد بن الوليد بن طلال آل سعود (HRH Prince Khaled bin Alwaleed bin Talal Al Saud)، المؤسّس والرّئيس التّنفيذيٌّّ لشركة "كي بي دابليو فنشرز" (KBW Ventures)، وعبدالرّحمن العليان، الرّئيس التّنفيذيّ لشركة بيتالاب (BetaLab)، والدّكتور ويليام غرين، رئيس تنفيذيّ للاستثمار في هيڤولوشن، بالإضافة إلى الدّكتور كريستوف ويستفال، المؤسّس المشارك لـلونغوود فاند (Longwood Fund). وقد أعلنت اللّجنة اختيار شركتين فائزتين حظيت كلٌّ منهما بدعم ماليّ وإرشاديّ لتسريع نموّها؛ حيث نالت شركة بروتيينا (Protienea) المتخصّصة في تطوير الأدوية عبر التّقنيّات الحيويّة المركز الأوّل ومبلغ 100 ألف ريال سعوديّ، بينما فازت شركة توين هيلث (Twinn Health) – الّتي تستخدم الذّكاء الاصطناعيّ المسجّل ببراءات اختراع للكشف المبكّر عن الأمراض عبر التصوير بالرّنين المغناطيسيّ – بالمركز الثّاني ومبلغ 50 ألف ريال سعوديّ (نحو 13,300 دولار أمريكيّ).
وفي مقابلة مع "عربية .Inc"، تحدّث الأمير خالد – الّذي ضخّت شركته كي بي دابليو فنشرز استثمارات كبيرةً في التّقنيّات الحيويّة – عن دخول علمي إطالة العمر والعمر الصّحّيّ إلى صلب النّقاش العام حول الرّعاية الصّحيّة، وكيف يغيّر ذلك أولويّات المستثمرين. يقول الأمير خالد:
"على المستوى العالميّ، لا يهدف النّظام الصّحيّ القائم حاليّاً إلى إطالة العمر، بل صمّم لإدارة الأمراض. ينبغي على روّاد الأعمال التّخلّي عن هذا النّموذج المتقادم والتركيز على بناء مستقبل جديد لمجال إطالة العمر".
ويضيف:
"إنّ كي بي دابليو فنشرز ملتزمةٌ منذ وقت طويل بدعم الشّركات الّتي تسعى إلى تحسين الواقع القائم، وتعدّ التّقنيّات الحيويّة مكوّناً رئيساً في هذا المسار. وتحقيق العوائد إلى جانب إحداث أثر إيجابيّ هو ما قد نسمّيه استثماراً مسؤولاً".
ويلفت الأمير خالد الانتباه إلى جولة تمويل تاريخيّة بقيمة 200 مليار دولار أمريكيّ في المرحلة "ج" لشركة كولوسال بايوساينسز (Colossal Biosciences)، وهي إحدى الشّركات في محفظة كي بي دابليو فنشرز، حيث تركّز على إعادة إحياء الأنواع المنقرضة وإعادة توطينها في بيئاتها الأصليّة. ويشير إلى أنّ هذا الاستثمار يمثّل دليلاً واضحاً على حماس المستثمرين الّذين يبادرون بدعم الأفكار الثّوريّة في مجال البحث والتّطوير العلميّ. كما يضيف أنّه يتوقّع بروز علم إطالة العمر الصّحّيّ بوصفه "أكبر صناعة ناشئة خلال العقد القادم"،مع تحقيق أعلى العوائد الماليّة في قطاع التّقنيّات الحيويّة المدعوم بالذّكاء الاصطناعيّ.
لكن لتحقيق الابتكار الفعليّ في هذا القطاع، يشدّد الأمير خالد على ضرورة بناء منظومة رياديّة تحقّق النّموّ الاقتصاديّ بالتّوازي مع دعم مجتمعات صحّية. يقول:
"دعم الشّركات النّاشئة والرّيادة، وتعزيز البحث والتّطوير، وتوفير بيئة جاذبة للاستثمار – كلّ ذلك يؤدّي إلى نموّ اقتصاديّ إذا تحدّثنا بصفة عامّة. وهذه التّدابير ستقودنا إلى مجتمع أكثر صحّةً، لأنّها تضيف مزيداً من البنى التّحتيّة والدّعم الماليّ من القطاعين العامّ والخاصّ، وتتيح الانتقال من نهج التّدخّل بعد وقوع المرض إلى نهج الوقاية".
ويؤكّد الأمير خالد أنّ الذّكاء الاصطناعيّ يمثّل دافعاً كبيراً للابتكار في مجال التّقنيّات الحيويّة، قائلاً: "يُشبه الذكاء الاصطناعي اكتشاف النار، ونحن اليوم نشهد التّحوّل الجوهريّ الأعظم في تاريخ البشريّة". ويتابع:
"سيبدّل الذّكاء الاصطناعيّ كلّ جوانب مدّة العمر الصّحّيّ والرّعاية الصّحيّة الأساسيّة، ويمكن للمملكة العربيّة السّعوديّة أن تكون الأولى في تبنّي هذا التّوجّه، بهدف تمكين المجتمع من العيش برفاهيّة لفترة أطول، مع القدرة على التّنبّؤ بالأمراض والوقاية منها".
ويشير الأمير خالد أيضاً إلى الارتباط الوثيق بين صناعات إطالة العمر وإطالة العمر الصّحّيّ والاستدامة، لافتاً النّطر إلى أنّ التّقنيّات الحيويّة هي الرّابط المشترك في كلّ منها. ومع تزايد تدفّق الاستثمارات إلى تلك القطاعات، يشهد المستثمرون تحوّلاً في طريقة تفكيرهم؛ إذ يجدون أنّ بإمكانهم الاستثمار بمسؤوليّة وإحداث أثر إيجابيّ، بالتّزامن مع تحقيق العوائد. ويرى الأمير خالد أنّ هذا النّهج المسؤول في ضخّ الأموال هو العامل الأساسيّ لتحفيز الابتكار المستدام وترك بصمة طويلة الأمد.
ويعلّق قائلاً: "من منظور استثماريّ، يعدّ التّمويل المحرّك الأساسيّ لعجلة الابتكار. فبدون استثمارات جريئة تدعم الأفكار الرائدة، لا يمكننا تحقيق قفزات نوعيّة. نعم، قد نواجه إخفاقات في التّجارب السّريريّة الأولى أو الثّانية أو الثّالثة، لكنّنا سنواصل ضخّ الأموال حتّى نصل إلى إنجاز ملموس. الاستثمار هو القوّة الدّافعة للتّغيير المهمّ في مجالات العلوم، واكتشاف الأدوية، والوقاية من الأمراض، وجميعها تتقاطع مع قضيّة إطالة العمر الصّحّيّ".
شاهد أيضاً: Bazzar Gate تحصل على تمويل بقيمة مليون دولار
ومع استعداد قطاع الرّعاية الصّحّيّة لتبنّي تغيير جذريّ في النّهج السّائد، يؤكّد الأمير خالد بن الوليد بن طلال آل سعود، المؤسّس والرّئيس التّنفيذيّ لشركة كي بي دبليو فينتشرز (KBW Ventures)، أنّ المملكة العربيّة السّعوديّة بدأت بالفعل في تطوير سياساتها الصّحّيّة، منتقلةً من العلاج بعد وقوع المرض إلى الوقاية قبل حدوثه. يقول:
"يتلخّص تفكير القطاع في أنّ الانتقال من نهج 'عالجْ عند المرض' إلى 'تنبّأْ وامنعْ' أصبح ضرورةً ملحّةً. وقد تجلّى هذا التّوجّه بوضوح في السّعوديّة، سواءٌ عبر وجود مؤسّسة هيڤولوشن (Hevolution) أو غيرها من المؤسّسات الفاعلة في هذا المجال، مثل بيتالاب (BetaLab). كما أنّ استعداد المملكة للاستثمار والتّجريب، حتّى في حال الفشل، ثمّ المحاولة مجدّداً، بالإضافة إلى استقطاب المواهب لدعم علمائها ومؤسّساتها، يبرهن على أنّها في موقع يؤهّلها لتصدّر قطاع التّقنيّات الحيويّة وعلم الجينوم".
ويضيف الأمير خالدٌ أنّ التّحدّي الأكبر – الّذي تعدّ هيڤولوشن مبرّر وجوده الأساسيّ – هو تحويل هذه الحلول إلى منتجات قابلة للتّسويق والتّوطين والانتشار على نطاق واسع. فعلى الرّغم من أنّ المؤسّسات الحكوميّة أو الخيريّة قد تضخّ رؤوس أموال صبورة (Patient Capital) لإتاحة الفرصة أمام شركات رأس المال المغامر وقطاع الملكيّة الخاصّة للحاق بالرّكب، إلّا أنّ غياب بنية تحتيّة واضحة للخروج الاستثماريّ (Exit) يخلّف فجوات كبيرةً في النّتائج الّتي يحقّقها روّاد الأعمال على الأرض.
ويختم بالقول:
"نحن بحاجة إلى تشكيل فريق عمل لمعالجة هذه الثّغرة الملموسة. إنّ كي بي دبليو فينتشرز تعمل حاليّاً على ترسيخ وجودها في المملكة العربيّة السّعوديّة باعتبارها مركزاً ماليّاً، وتعزيز التّنفيذ على أرض الواقع. ونحن نرحّب بأيّ فرصة لنكون الشّريك الاستراتيجيّ القادر على دعم رسالة المملكة وتحقيق أهداف رؤية 2030 في مجال الابتكار في التّقنيّات الحيويّة".