الرئيسية الريادة الإنسان محور الابتكار: إعادة النّظر في دور التّكنولوجيا

الإنسان محور الابتكار: إعادة النّظر في دور التّكنولوجيا

إن لم يكن الإنسان في صميم الابتكار، يفقد التقدّم غايته وعمقه، لأنّ الهدف الأسمى للتطوّر هو خدمة البشريّة

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

هذا المقال متوفر أيضاً باللغة الإنجليزية هنا

دعونا نترك الإعجاب بالتّكنولوجيا جانبا للحظةٍ، ونفكّر بواقعيّةٍ. في عالمنا المندفع والمتّصل دائماً، تغرينا الإنجازات التّقنيّة – كالذّكاء الاصطناعيّ (AI)، وتقنيّات البلوك شين (Blockchain)، والأتمتة – وكأنّها معجزاتٌ أهديت إلينا من قوى التّقدّم الخارقة. لكن، أين الإنسان في كلّ هذا؟ هل سألنا أنفسنا: لمن تصنع هذه الابتكارات حقّاً؟ 

في مايند فالي (Mindvalley)، الإجابة واضحةٌ وصريحةٌ: التّكنولوجيا يجب أن تخدم الإنسان، لا العكس. إنّه فرقٌ دقيقٌ لكنّه جوهريٌّ. ليست غاية التّكنولوجيا إبهارنا بقدرات الآلات، بل الغاية أن تضيف إلى حياتنا غنىً ومعنىً. 

لكن دعونا نتوقّف أمام واقعٍ مخيفٍ عرضه المنتدى الاقتصاديّ العالميّ: ستزيح الأتمتة 85 مليون وظيفةٍ بحلول عام 2025. هذا ليس مشهداً من فيلم خيالٍ علميٍّ بائسٍ؛ إنّه حقيقةٌ تطرق أبوابنا. وبينما تبهرنا قوّة الرّوبوتات والذّكاء الاصطناعيّ، تخترقنا مخاوف بدائيّةٌ: هل سنصبح غير ذوي صلةٍ في عالمنا الخاصّ؟ هل ستظلّ مهاراتنا ذات قيمةٍ، أم أنّ التّقنيّة ستقصينا من أدوارنا؟ هذه ليست مجرّد أزمة عملٍ؛ إنّها أزمةٌ نفسيّةٌ تمتدّ آثارها إلى المجتمعات، فتصيب رفاهها في الصّميم. 

ومع ذلك، لا ينبغي أن يكون القلق هو الثّمن الّذي ندفعه مقابل التّقدّم؛ فالابتكار قادرٌ على تمكين الإنسان لا إقصائه، إذا وجّهت التّكنولوجيا لتلبية احتياجاتنا الحقيقيّة. السّؤال ليس عن قدرة التّقنيّة، بل عن كيفيّة استخدامها. لا تعني الأتمتة، على سبيل المثال، بالضّرورة خسارة الوظائف؛ بل يمكنها تحرير الإنسان من المهامّ الرّتيبة، ليتفرّغ للإبداع والتّفكير الاستراتيجيّ وبناء الرّوابط الإنسانيّة. 

لكن للأسف، يقود السّباق التّكنولوجيّ اليوم هوسٌ بالكفاءة والرّبح والجدّة. وعندما تسيطر هذه الأهداف، يهمّش الإنسان. غير أنّ دراسةً أجرتها "ديلويت" (Deloitte) أثبتت العكس: فالشّركات الّتي تولي اهتماماً لتفاعل موظّفيها، بدلاً من التّركيز الأعمى على الكفاءة، تحقّق أرباحاً تزيد بنسبة 147% على منافسيها. تلك الشّركات تحتفظ بموظّفيها لفتراتٍ أطول وتزدهر بالإبداع. لماذا؟ لأنّ التّكنولوجيا الّتي تعزّز الجهود البشريّة تحقّق فوزاً مشتركاً للجميع. 

ولا يمكننا التّغاضي عن الأزمة الكبرى: أزمة الصّحّة النّفسيّة العالميّة. إذ تظهر بيانات منظّمة الصّحّة العالميّة أنّ الاكتئاب والقلق يكلّفان الاقتصاد العالميّ ترليون دولارٍ سنويّاً من الإنتاجيّة المهدورة. والتّطبيقات الّتي تروّج لدعم الصّحّة النّفسيّة ليست كافيةً. فالحلول الحقيقيّة تعالج الجذور، لا الأعراض: التّوتّر، العزلة، وغياب الهدف. لا تستطيع التّكنولوجيا وحدها إصلاح هذا الوضع، لكن حين تصمّم لدعم رفاه الإنسان وتعزيز الرّوابط الاجتماعيّة، فإنّها تصبح أداة شفاءٍ حقيقيّةً. 

إذاً، كيف نبدع تكنولوجيا تخدم الإنسان؟ الإجابة تبدأ بسؤالٍ بسيطٍ: كيف ستجعل هذه التّقنيّة حياة النّاس أفضل؟ التّكنولوجيا ليست الوجهة النّهائيّة، بل هي الجسر الّذي يعبر بنا إلى حلولٍ حقيقيّةٍ. سواءً في الصّحّة، أو التّعليم، أو الأعمال، يزدهر الابتكار حين يركّز على احتياجات النّاس الجسديّة والعاطفيّة والعقليّة. 

خذ الرّعاية الصّحّيّة مثالاً. عندما تصمّم التّكنولوجيا برؤيةٍ إنسانيّةٍ، لا تبسّط العمليّات الإداريّة فحسب؛ بل تتيح للأطبّاء والممرّضين التّركيز على رعاية المرضى. والنّتيجة؟ نتائج صحّيّةٌ أفضل، عاملون أكثر رضاً، ونظامٌ صحّيٌّ يخدم الجميع بكفاءةٍ. 

في "مايند فالي" (Mindvalley)، نؤمن أنّ الإبداع ينبع من تمكين الإنسان. حين يتمّ تمكين الأفراد، فإنّهم سيبدعون تقنيّاتٍ تخدم المجتمع بعمقٍ واستدامةٍ. 

الخلاصة بسيطةٌ: أعظم ابتكارٍ على وجه الأرض هو العقل البشريّ. والتّكنولوجيا ما هي إلّا انعكاسٌ لرؤيةٍ وقيمٍ وأولويّات مبتكريها. وعندما نجعل الإنسان محور الابتكار، فإنّنا نضمن أنّ التّقدّم لا يتحقّق لذاته فقط، بل لصالح الجميع.  لأنّه، في النّهاية، إذا لم يكن الإنسان في المركز، فإنّ التّقدّم يفقد معناه. 

نبذةٌ عن المؤلّف 

فيشن لاكياني، المؤسّس والمدير التّنفيذيّ لشركة "مايند فالي" (Mindvalley)، المنصّة العالميّة الرّائدة في التّحوّل الشّخصيّ. 

نُشرت هذه المقالة لأول مرة في عدد نوفمبر من مجلة "عربية .Inc". لقراءة العدد كاملاً عبر الإنترنت، يُرجى النقر هنا.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
آخر تحديث:
تاريخ النشر: