الابتكار المدمر: كيف يمكن للأفكار المميزة أن تكون ثورةً؟
المراحل الأساسية والمهارات المطلوبة لخلق الأفكار الثورية القادرة على تغيير قواعد اللعبة في مختلف المجالات.
جاء الإبداع والابتكار على رأس المهارات المطلوبة للقادة التَّنفيذيين النَّاجحين وأصحاب الشَّركات في المستقبل خلال استطلاع رأيٍّ أجرته شركة آي بي إم، والذي شمل 1500 مديرٍ تنفيذيٍّ في شركاتٍ متنوِّعةٍ. ومع إجراء مقابلاتٍ متنوِّعةٍ مع رجال أعمالٍ نافذين حقَّقوا طفراتٍ في الصِّناعة، مثل: جيف بيزوس من أمازون، وبيير أوميديار من eBay، ومارك بينيوف من Salesforce.com، أكَّد أُستاذ إدارة الأعمال في جامعة هارفارد وصاحب نظرية الابتكار المدمِّر أو المزعزع كلايتون كريستنسن على أنَّه يُمكن إتقان مهارات الابتكار الثوري الذي يزعزع الأسواق الرَّاسخة ويغيُّرها، بل ويقلبها أحياناً رأساً على عقبٍ.
ما هو الابتكار المدمر Disruptive Innovation؟
الابتكار المدمر هي نظرية ريادة أعمالٍ ظهرت للمرَّة الأولى على يد الخبير الإداريّ الأمريكيّ كلايتون كريستنسن عام 1995، باعتبارها ستكون واحدةً من أكثر النَّظريَّات تأثيراً في القرن الواحد والعشرين، وقد كان.
ظهرت الكثير من التَّطوِّرات على هذه النَّظرية التي أصبحت في سياق 2023 تدلُّ على تحويل منتجٍ أو خدمةٍ باهظةٍ للغاية ومتاحةٍ فقط للمستهلكين ذوي الدَّخل المرتفع، لتكون متوفَّرةً بجودةٍ مرتفعةٍ وبأسعار معقولة، بحيث تتمكَّن قاعدةٌ كبيرةٌ من السُّكَّان من الاستفادة منها.
ويؤكِّد كريستنسن على أنَّه ليس كلُّ الابتكارات الثَّوريَّة مدمِّرةً أو مزعزعةً، فمثلاً اختراع السَّيَّارة في القرن الـ19 كان من أكثر الابتكارات الثَّوريَّة، لكنَّه لم يزعزع سوقاً قائماً بالفعل، وهناك عشرات الأمثلة على ابتكاراتٍ ثوريَّةٍ زعزعت سوقاً موجودةً بالفعل، ويأتي على رأسها غوغل تلك الشَّركة الرَّائدة في مجال التُّكنولوجيا والتي غيّرت الطَّريقة التي ينظر بها النَّاس للمعلومات، لتتمكَّن الآن من الحصول على كلِّ ما ترغب فيه بنقرةٍ بسيطةٍ حتَّى إنِّها أصبحت مرادفاً لكلمة إنترنت.
وهناك شركةُ روبنهود المتخصِّصة في التكنولوجيا المالية، إذ يُقدِّم تطبيقها تجربة تداولٍ شديدة البساطة دون رسومٍ ومع أسهم جزئيةٍ وميُّزاتٍ اجتماعيَّةٍ وتعليميَّةٍ لتُغيِّر تماماً الطَّريقة التي يستثمر بها الأشخاص في الأسهم، وهناك وولمارت Walmart التي أحدثت ثورةً كبيرةً في عالم البيع بالتَّجزئة لتكون السِّلع في متناول يد العملاء مهما كان موقعهم وبسعرٍ معقولٍ.
كما تعدُّ شركة فيزا من هذه النَّماذج الثَّوريَّة التي سهّلت المعاملات الرَّقميَّة، وبالطَّبع فيسبوك الذي أحدث ثورةً في الطَّريقة التي يتفاعل بها الأشخاص ليضرب الاتِّصالات الهاتفيَّة في مقتلٍ، كما أنَّ أمازون وآبل وغيرها من تلك النَّماذج الشَّهيرة، فكلُّ واحدةٍ من تلك الشَّركات زعزعت سوقاً قائمةً وحوّلت طريقة التَّعامل بها لتصبح رائدةً فيها، كما تعدُّ نتفلكس من أكثر النَّماذج وضوحاً على الابتكار المزعزع التي أنهت تماماً سوق الفيديو وفي طريقها لإنهاء التِّلفاز أيضاً. [1]
المراحل الأساسية للابتكار المدمر
لكي تنجح في تعلُّم الابتكار المدمر وتخترق سوقاً ناجحةً بالفعل وتُطلق منتجاً أو خدمةً تُحدث ثورةً، عليك التَّعرُّف على مراحل الابتكار المدمر، إذ يلخصُّها خبراء الأعمال في التَّالي: [2]
- تحديد فجوة السوُّق: تحدث الابتكارات الثَّوريَّة عندما يضع رجل الأعمال يده على احتياجٍ معيَّنٍ لا يُلبَّى بشكلٍ صحيحٍ في السُّوق، فمثلاً أدَّى الطَّلب المتزايد على خيارات النَّقل المستدامة إلى ظهور السَّيارات الكهربائيَّة، وأدَّى الطَّلب المتزايد للكمبيوتر المتنقِّل إلى انطلاقة آيفون وغيرها.
- تقديم منتجٍ أو تقنيةٍ جديدةٍ: يجب أن تعالجَ الابتكارات الثَّوريَّ الفجوة الموجودة في السوق، فحتَّى إذا كانت أقلَّ دقَّةً وكفاءةً من البدائل الموجودة، إلَّا أنَّها يجب أن توفِّر حلَّاً للاحتياجات غير الملباة.
- جذب العملاء: وهنا يبدأ المنتج في اكتساب قوّة بالمقارنة بالخدمة أو المنتج الموجود، حيث ينتقل العملاء إليه تدريجيَّاً مع التَّخلِّي عن المنافس التَّقليديّ، ممّا يزيد من شعبيَّة الابتكار الجديد وارتفاع معدَّل الاعتماد عليه.
- تعطيل أو تدمير السُّوق القائمة: بعد أن يتراجع الإقبال على الخدمات القائمة، فإنَّ أرباح شركاتها تتراجع، ممّا يؤدِّي إلى تعطيلها أو حتَّى تدميرها، وهنا يكون على اللَّاعبين الرَّئيسيَّة محاولة التَّكيُّف مع المنتج الجديد، ليتمكَّنوا من الاستمرار في المنافسة.
- خلق سوقٍ جديدةٍ: وهي المرحلة الأخيرة التي ينجح فيها الابتكار الجديد في أن يكون هو المعيار الذي يستخدمه كلُّ من في الصِّناعة لضمان التَّفوِّق والبقاء في السُّوق.
شاهد أيضاً: 4 كتب لتعزيز التفكير الابتكاري والنجاح الريادي
ما المهارات المطلوبة لتصل إلى الابتكار المدمر؟
على الَّرغم من أنَّ كريستنسن سلّط الضَّوء في كتابه على الرُّؤساء التَّنفيذيين النَّاجحين، إلّا أنَّ المهارات التي حدَّدها لإتقان الابتكار المدمِّر جاءت بعد عشرات الدِّراسات على أشخاصٍ متنوِّعين، وهو يؤكِّد أنَّ بعضهم يولد طبيعيَّاً بهذه المهارات، وبعضهم قد لا يصل لها على الإطلاق، إلّا أنَّ هناك نسبةٌ لا بأس بها يمكن أن تدركها بالتَّعلُّم والتَّدريب، ويُلخِّص هذه المهارات في: [3]
القدرة على الربط بين المجالات المختلفة
وهي من المهارات المعرفيَّة التي يمكن اكتسابها بالتَّدريب عبر تركيب مدخلاتٍ جديدةٍ وفهمها، فهذا يساعد المبتكرين على اكتشاف اتِّجاهاتٍ جديدةٍ، وتتمُّ عبر الأسئلة والاتِّصالات أو قبول أفكارٍ غير ذات صلةٍ، بعبارةٍ أُخرى فإنَّ المبتكرين لديهم قدرةٌ على ربط المجالات والمشكلات والأفكار التي يراها آخرون بعيدةً كلَّ البُعد عن بعضها بعضاً فيما يُعرف بالتَّفكير الارتباطيّ.
الشغف بالأسئلة والاستقصاء
وجدت الكثير من الدِّراسات -ومنها التي أجراها كريستنسن نفسه- أنَّ المبتكرين دائماً ما يكونوا كثيري الأسئلة مع شغفٍ كبيرٍ بالاستقصاء، وعادةً ما تتحدَّى استفساراتهم الوضع الرَّاهن، ومن أمثلته ما طرحه ستيف جوبز على نفسه بشأن سبب حاجة الكمبيوتر إلى مروحةٍ، وعندما جرَّب إزالتها وصل به الأمر لابتكار الآيفون؛ فأسئلة المبتكرين تُثير روابط وإمكانات واتَّجاهات جديدةٍ.
المراقبة المستمرة
المبتكر يراقب ما حوله باستمرارٍ، بما في ذلك أسلوب العملاء ونوعية الخدمات والمنتجات والشَّركات والتَّقنيَّات، فرحلة المراقبة التي نفَّذها جوبز في شركة Xerox PARC كانت بمثابة حافزٍ له لإطلاق أنظمة تشغيلٍ مبتكرةٍ مثل OSX الحاليّ من آبل.
التواصل واتساع شبكة المعارف
وهي المهارة التي يرى كريستنسن أنَّها الأهمُّ على الإطلاق، فالابتكار الحقيقيُّ يأتي من تقاطع مجالين لم يلتقيا معاً بتلك الطَّريقة من قبل، فعندما تجتمع الأفكار، فإنَّ تشبيكها بطريقةٍ جديدةٍ هو ما يخلق الابتكار، وهذا لن يتمَّ إلَّا مع شبكة تواصلٍ كبيرةٍ تطرح الأفكار من خلالها وتخضع للتَّجربة والآراء المختلفة.
عدم الخوف من التجارب الجديدة
حرص جوبز مثلاً على تجربة أشياءٍ جديدةٍ طوال حياته، مثل التَّأمُّل والحياة داخل مدينةٍ هنديَّةٍ لفترةٍ، ثمَّ الحصول على دروس خطٍّ في كليَّة ريد وغيرها، إذ إنّ التَّجارب المتنوِّعة تُطلق الأفكار المبتكرة وتزيد من تشابك المجالات المتنوِّعة، وبالتَّالي نموّ الذِّكاء مهما كان ما يقوله حمضك النَّوويّ.
شاهد أيضاً: أهم 7 استراتيجيات لاستمرار الأعمال في البيئات المتغيرة
في النِّهاية، قد حدث الكثير من التَّطوِّر على نظرية الابتكار المدمر، ولكن من الواضح أنَّها من النَّظريَّات التي ما تزال تُحقِّق نجاحاً كبيراً في عالم الأعمال؛ لذلك ابحث عن الفجوة واخترقها لتملك زمام الأمر، فهذا هو المفهوم الأساسيُّ لهذه النَّظريَّة، التي على الرَّغم من أنَّها لم تنجح في بعض الأحيان، إلَّا أنَّها عندما تتمُّ بطريقةٍ صحيحةٍ، يمكِّنها تحويل شركتك الناشئة إلى كيانٍ عملاقٍ في فترةٍ وجيزةٍ.
لمزيدٍ من النصائح في عالم المال والأعمال، تابع قناتنا على واتساب.