الاحتراق الوظيفي يصلُ إلى ذروته: أزمةٌ جديدةٌ تُهدد الموظفين
بعدَ سنواتٍ مضطربةٍ في سوقِ العملِ، يشعرُ الموظفونَ بأنهم مُنهكونَ إلى أقصى حدٍّ، وفقًا لتقريرٍ جديدٍ. واللومُ يُلقى على مدرائهم
وصلَ الاحتراق الوظيفيُّ أو الإرهاق الوظيفي إلى مستوياتٍ غيرِ مسبوقةٍ، وبعضُهم يُحملُ قادةَ الأعمالِ المسؤوليةَ. فوفقاً لتقريرٍ جديدٍ صادرٍ عن Glassdoor، ارتفعت مراجعاتُ الأداءِ التي تذكرُ الإرهاقَ إلى أعلى مستوىً لها منذُ بدءِ تتبعِ البياناتِ في عامِ 2016، مسجلةً زيادةً بنسبةِ 44% مقارنةً بشهرِ فبراير 2020.
بدأت موجةُ الإرهاقِ هذه في عامِ 2021، بالتزامنِ مع "الاستقالةِ الكبرى"، وهي فترةٌ تميّزت بسوقِ عملٍ ضيّقٍ ومعدلاتِ استقالةٍ عاليةٍ منحتِ العمالَ قوةً تفاوضيةً غيرَ مسبوقةٍ.
لكن على الجانبِ الآخرِ من هذا السّوقِ المتوترِ، "تحمّلَ العمالُ المنهكونَ عبءَ نقصِ الموظفينِ"، وفقاً لتقريرِ Glassdoor.
ومعَ انتهاءِ فترةِ الاستقالةِ الكبرى وعودةِ معدلاتِ الاستقالةِ إلى مستوياتِ ما قبلَ الجائحةِ، واجهَ العمالُ "تسريحَ الموظّفينِ والتّوظيفَ البطيءَ في عامي 2023 و2024"، بحسبِ التقريرِ.
كانَ هذا الاتّجاهُ واضحاً في تقريرِ الوظائفِ لشهرِ يوليو الأخيرِ، الذي أظهرَ تباطؤاً غيرَ متوقّعٍ في التّوظيفِ في الولاياتِ المتّحدةِ وارتفاعَ معدلِ البطالةِ إلى أعلى مستوىً منذُ أكتوبر 2021، وفقاً لمكتبِ إحصاءاتِ العملِ.
تضعُ كلُّ هذه التّغيراتِ ضغوطاً هائلةً على العمّالِ، كما يقولُ دانييل زاو، الاقتصاديُّ الرئيسيُّ في Glassdoor: "يبدو أنَّ الموظفينَ لم يحصلوا على فرصةٍ لالتقاطِ أنفاسهم خلالَ السنواتِ القليلةِ الماضيةِ، حيثُ تنقّلنا من أزمةٍ إلى أخرى".
الإرهاقُ ليسَ مشكلةً تقتصرُ على الولاياتِ المتحدةِ فحسب، بل باتت ظاهرةً عالميةً. فقد أظهرت دراسةٌ حديثةٌ أجرتها مجموعةُ بوسطن الاستشاريةِ أنَّ حوالي نصفِ الموظفينَ في ثماني دولٍ أفادوا بأنهم يعانونَ من الإرهاقِ.
عواقبُ هذا الإرهاقِ المتزايدِ خطيرةٌ. فالعمّالُ المنهكونَ أقلُّ قدرةً على تجاوزِ التوقّعاتِ في العملِ، وفقاً لاستطلاعٍ من جمعيةِ إدارةِ المواردِ البشريةِ (SHRM) في وقتٍ سابقٍ من هذا العامِ. كما أنّهم أكثرُ عرضةً بثلاثِ مراتٍ للبحثِ عن وظائف جديدةٍ، حسبما أوردت SHRM.
هؤلاءِ الموظفونَ أيضاً أكثرُ عرضةً لفقدانِ الثّقةِ في شركاتِهم بشكلٍ عامٍّ، وفقاً لتقريرِ Glassdoor: فقد أظهرت 34% فقط من المراجعاتِ الّتي تذكرُ الاحتراق الوظيفي توقّعاتٍ إيجابيةً للأعمالِ، مقارنةً بـ 54% من المراجعاتِ الّتي لا تذكرُ الإرهاقَ.
يرى زاو أنَّ هذهِ البياناتِ تشيرُ إلى أنَّ الموظفينَ يرونَ أنَّ قراراتِ القادةِ لها دورٌ كبيرٌ في مستوياتِ الاحتراق الوظيفي التي يعانونَ منها. "إذا شعرَ الموظفونَ بأنَّ قادتهم لا يوفرونَ لهم المواردَ اللازمةَ للنجاحِ، فسوف يلقونَ باللومِ على هؤلاءِ القادةِ في شعورِهم بالإرهاقِ"، كما يقولُ.
قد تكونُ هناكَ خطواتٌ يمكنُ لقادةِ الأعمالِ اتخاذُها لمعالجةِ هذهِ المشكلةِ، بما في ذلك إعادةُ تخصيصِ مواردِ الشّركةِ وتكييفُ نموذجِ التّوظيفِ خلالَ فتراتِ الانشغالِ، بحسبِ زاو. لكن على القادةِ أولاً فهمُ طبيعةِ الاحتراق الوظيفي في مؤسّساتِهم وأسبابِهِ.
"قد يكونُ السببُ ببساطةٍ أنَّ العملَ مكثفٌ جداً في الوقتِ الحالي، أو ربما تكونُ الشركةُ قد مرّت بتسريحاتٍ مؤخراً"، يقولُ زاو. "فهمُ سببِ شعورِ الموظفينَ بالإرهاقِ هو خطوةٌ حاسمةٌ، لأنها تساعدُ في تحديدِ الطريقةِ الأمثلِ لمعالجتِهِ".
في الختامِ، يظهرُ الاستطلاعُ أنَّ المستقبلَ قد يكونُ للذّكاءِ الاصطناعيِّ الذي يعزّزُ أداءَ البشرِ، دونَ أن يحلَّ محلهم بالكاملِ، معَ الحفاظِ على العنصرِ البشريِّ الذي يُعتبرُ جوهرياً لتجربةِ العملاءِ الفعالةِ والمُرضيةِ.