Warren Buffett يؤكّد: الاحتيال أكثر المهن نموّاً عبر العصور!
تحذيرات وارن بافيت من تنامي صناعة الاحتيال في ظلّ تطوّر التّكنولوجيا، وسط دعواتٍ لتعزيز التّشريعات والممارسات الأخلاقيّة لمواجهة التّحديات المستقبليّة
كشف Warren Buffett، الّذي يُعدّ أحد أبرز المستثمرين في العالم، عن رؤيةٍ مثيرةٍ للجدل مؤخّراً عندما صرّح بأنّ "الاحتيال والنّصب سيصبحان أكبر الصّناعات نموّاً على الإطلاق". يعتبر هذا التّصريح جريئاً للغاية، خاصّةً من شخصٍ اشتهر بقدرته الفائقة على تحديد الفرص الاستثماريّة النّاشئة والاستفادة منها. ومع ذلك، وعلى الرّغم من توقّعه لنموّ هذه الصّناعة غير المرغوب فيها، فإنّ بافيت أكّد أنّه لن يستثمرَ فيها بأيّ شكلٍ من الأشكال.
الاحتيال ليس ظاهرةً جديدةً
الاحتيال ليس ظاهرةً جديدةً على المجتمع البشريّ، بل هو موجودٌ منذ قرون، فمع كلّ تطوّرٍ تكنولوجيٍّ جديدٍ، تظهر أشكالٌ جديدةٌ من الاحتيال تستغلّ هذه الابتكارات، فمثلاً في القرن الثّامن عشر ومع ظهور البريد، انتشرت عمليّات الاحتيال البريديّة، وعندما ظهر الهاتف، بدأت عمليّات الاحتيال عبر التّسويق الهاتفيّ بالانتشار، ثم جاء عصر الإنترنت، الّذي شهد تزايداً في عمليّات الاحتيال وسرقة الهويّة. مؤخّراً، زادت خطورة الاحتيال مع ظهور تقنيات الذكاء الاصطناعي، الّتي أنشأت التّزييف العميق (Deepfakes).
هذا التّاريخ الطّويل من الاحتيال يُؤكّد حقيقةً مقلقةً: أنّه مع تقدّم التّكنولوجيا، تتطوّر أيضاً أساليب الاحتيال، فالتّقنيات الّتي تهدفُ إلى تحسين حياتنا يُمكن أن تُستخدَمَ بشكلٍ معاكسٍ، ممّا يخلُق دورةً مستمرّةً من الابتكار يقابلها في كل مرّةٍ شكلٌ جديدٌ من الخداع، لهذا السّبب، يعتقدُ بافيت أنّ العالمَ لم يُقررّ بعد ما إذا كان الذكاء الاصطناعي سيُستخدَم في الخير أم الشّرّ.
معركةٌ مستمرّةٌ ضد الاحتيال
ولكن رغم هذه النّظرة المتشائمة، هناك جوانبٌ إيجابيّةٌ في هذه المعركة، فالمنظّمات والحكومات لا تقف مكتوفة الأيدي، بل تعملُ على تطوير تقنياتٍ جديدةٍ لمكافحة الاحتيال، حيثُ تعمل شركات الأمن السيبراني على ابتكار أدواتٍ مُتقدّمةٍ، مثل تقنيات التّشفير وأنظمة الكشف عن الاحتيال المُعتمدة على الذّكاء الاصطناعيّ، للتّصدّي لمحاولات الاحتيال. كذلك، تُسهم الحكومات في هذا الجهد من خلال سنّ القوانين للتّصدي في وجه الاحتيال الإلكترونيّ.
هذا النّزاع يشبهُ سباقاً متواصلاً لا ينتهي، حيث تتحسّن وسائل الدّفاع مع مرور الوقت، وكذلك تتقدّم أساليب الهجوم، وهذا التّنافس يُثير أسئلةً مهمّةً: هل يُمكننا القضاء على الاحتيال بشكلٍ كاملٍ؟ أم أنّ العالمَ سيظلّ في موقفٍ دفاعيٍّ دائمٍ، يُحاول باستمرارٍ مواكبة أحدث أساليب الاحتيال؟
المعضلة الأخلاقيّة
ما يزيدُ من تعقيد مشكلة الاحتيال هو البعد النّفسيّ والأخلاقيّ لها، إذ تُشيرُ الدّراسات في الأخلاقيّات السّلوكيّة إلى أنّ معظمَ الأشخاص الّذين ينخرطون في سلوكيّاتٍ غير أخلاقيّةٍ لا يكونون خبيثين بطبيعتهم، بل يجدون أنفسهم في مواقف تُغريهم بالغشّ، خاصّةً إذا شعروا بأنّ المخاطر منخفضةٌ، ومع صعود الذكاء الاصطناعي، تصبح هذه المواقف أكثر شيوعاً، حيث تُتيح هذه التّقنية فرصاً جديدة لارتكاب الاحتيال بشكلٍ أسهل وأقلّ مخاطرةٍ.
بفضل قدرة الذكاء الاصطناعي على أتمتة المهامّ المُعقّدة وإخفاء المساءلة، يُفتح الباب أمام النّاس العاديين، الّذين لم يكونوا يُفكرون سابقاً في ارتكاب الاحتيال، للانخراط في مثل هذه السّلوكيات؛ بسبب السّهولة التي تُوفّرها لهم هذه التّقنية، وهذا يُعزّز الحاجة الملحّة إلى وضع قواعد تنظيميّةٍ قويّةٍ، وإلى تطوير الذكاء الاصطناعي الأخلاقيّ، لضمان عدم تحوّل هذه التّكنولوجيا إلى أداةٍ فعّالةٍ للخداع على نطاقٍ واسعٍ.
خلاصة رؤية Warren Buffett تتجاوز مجرّد التّعرّف على الاتّجاهات الاقتصاديّة الجديدة، فهي تمتدّ إلى فهم التّأثيرات الاجتماعيّة والأخلاقيّة لهذه الاتّجاهات، ورغم أنّه يبتعدُ عن الاستثمار في مجالات الاحتيال، إلّا أنّ تحذيراته تُؤكّد على أهمّية اليقظة وضرورة ابتكار حلولٍ أخلاقيةٍ للتّصدّي للتّحديات القادمة، فالاستثمار الحقيقيُّ يكمن في حماية مستقبلنا من الخداع، وليس في استغلاله.