الاستثمارات الأجنبية تُحقّق تحوّلاً في صناعة الإعلام الرقمي
بهدف تعزيز الابتكار والإبداع في العالم عموماً، وفي دول الخليج خصوصاً
هذا المقالُ متوفّرٌ باللّغة الإنجليزيّة من هنا.
برزت الاستثماراتُ الأجنبيّةُ المباشرةُ (FDI) كعاملٍ محوريٍّ في دفع عجلة النّموّ داخل صناعة الإعلام الرّقميّ العالميّة، ومن خلال تقديم رأس مال كبيرٍ وخبراتٍ مُتقدّمةٍ وتقنياتٍ متطوّرةٍ، ساهمت هذه الاستثماراتُ في تحويل مشهد الاتّصالات والإعلام بشكلٍ ملحوظٍ في الدّول المُضيفة. وفقاً لتقارير fDi Intelligence، احتلّ قطّاع الاتّصالات والإعلام المرتبة الثّالثة في الاستثمارات الجديدة (greenfield investments) بين عامي 2019 و2023، ممّا يُؤكّد أهمّيته بين جميع قطّاعات الاستثمار الأجنبيّ المُباشر، كما لم تقتصر فوائدُ هذه الاستثمارات على تعزيز الابتكار فحسب، بل أسهمت أيضاً في دعم التّنمية الاقتصاديّة، وخلق فرصٍ جديدةٍ، مع زيادة القدرة التّنافسيّة لشركات الإعلام حول العالم.
يُمكن تفسير أهمّية الاستثمارات الأجنبيّة المباشرة في الإعلام الرّقميّ إلى حدٍّ كبيرٍ بسبب الجائحة العالميّة، ففي الوقت الذي شهدت فيه معظم القطّاعات انخفاضاً في الاستثمارات، شهدت صناعة الإعلام والاتّصالات ارتفاعاً ملحوظاً، فقد ساهمت الجائحةُ في تسريع التّحوّل نحو الاستهلاك الرّقميّ، ممّا أدّى إلى زيادة الطّلب على المحتوى الرّقميّ وخدمات البثّ ومنصّات التّواصل عبر الإنترنت. وفقاً لبيانات fDi Markets، كان قطّاع الاتّصالات من بين أعلى 6 قطّاعاتٍ من حيث النّفقات الرّأسماليّة (capex) للاستثمارات الأجنبيّة المباشرة في عام 2023، حيث بلغت النّفقات الرّأسماليّة 79.77 مليار دولارٍ، ووصل عدد المشاريع إلى 679 مشروعاً، فزادت استثمارات هذا القطّاع بنسبة 24%، ممّا يبرز مرونتهُ وإمكانات نموّه خلال فترة عدم اليقين العالميّ.
ومن المتوقّع أن يستمرَّ سوق الإعلام في التّوسّع، حيث ستتجاوزُ معظم القطّاعات الإعلاميّة الرّقميّة معدّل النّموّ العالميّ البالغ 3%، حسب ما أفاد به صندوق النّقد الدّوليّ (IMF)، وتشيرُ التّوقعات إلى أنّ القطّاعات الثّلاثة الأكثر نموّاً بين عامي 2022 و2026 هي:
-
النّشر الرّقميّ: أصبح الوصول إلى الكتب والمقالات والمجلات أكثر سهولةً من خلال الهواتف الذّكيّة والأجهزة اللّوحيّة، مع منصّاتٍ مثل Amazon Kindle والخدمات الاشتراكيّة، وتتوقّع Statista أن يصلَ حجمُ سوق الكتب الإلكترونيّة إلى 15.33 مليار دولارٍ بحلول عام 2027، ممّا يعكسُ تحوّلاً كبيراً في كيفيّة استهلاك القُرّاء للمحتوى.
-
الصّوت والموسيقى: خدمات البثّ مثل Spotify وApple Music ساهمت في إحياء صناعة الصّوت والموسيقى، ومع توفّر ملايين الأغاني والبودكاست على منصّاتٍ واحدةٍ، من المُتوقّع أن ينمو السّوق بمقدار 70.023.6 ملايين دولارٍ من عام 2023 إلى 2028، وفقاً لتقرير السّوق العالميّ للموسيقى 2024-2028.
-
وسائل التّواصل الاجتماعيّ: الابتكارات في تقديم المحتوى، والواقع المُعزّز (AR)، والواقع الافتراضيّ (VR)، تساهمُ في نموّ منصّات التّواصل الاجتماعيّ، ومن المتوقّع أن ينمو حجمُ سوق وسائل التواصل الاجتماعي بمعدّل نموٍّ سنويٍّ مُركّبٍ يبلغ 27.1% من 2023 إلى 2030، وفقاً لتقرير تحليل حجم السّوق والاتّجاهات.
تُشكّل دول مجلس التّعاون الخليجيّ (GCC) بفضل موقعها الجغرافيّ الّذي يربطُ بين الشرق والغرب، وبنيتها التّحتيّة عالميّة المستوى والّتي تشمل المدن الإعلاميّة المتطوّرة وشبكات الاتّصالات المُتقدّمة، بيئةً ديناميكيّةً تُشجّع الشّركات الإعلاميّة والمستثمرين. شهدت منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا، وخاصّةً في القطّاعات الرّقمية والبثّ، نموّاً ملحوظاً، حيث يتمتّع مستهلكو دول الخليج بأعلى معدّلٍ للخدمات حسب الطّلب (VOD) للفرد على مستوى العالم، وفقاً لمسحٍ عالميٍّ أجرته Oliver Wyman، بينما من المتوقّع أن تُشكّلَ تقنية 5G نسبة 73% من جميع اشتراكات الهواتف المحمولة في دول الخليج بحلول نهاية عام 2026، وفقاً لتقرير إريكسون.
شاهد أيضاً: قيادة هيئة تنظيم الإعلام في عصر التحول الرقمي
تعزّزت هيمنةُ المنطقة على عائدات البثّ الرّقميّ بنسبة 98.4% من السّوق، وفقاً لتقرير IFPI العالميّ للموسيقى، مدعومةً بشراكاتٍ، مثل التي أقامتها قطر مع شركاتٍ عالميّةٍ مثل Snap وAmazon Ads وTikTok. وضعت قطر والمملكة العربيّة السّعودية تطوير الثّقافة والإعلام في صلب رؤاهما لعام 2030، حيث تسعى رؤية السّعودية 2030 إلى جذب الاستثمارات الأجنبيّة المباشرة وتطوير قطّاعي الإعلام والترفيه، بهدف زيادة الإنفاق الأسريّ على التّرفيه من 2.9% إلى 6%. في المقابل، تهدف رؤية قطر الوطنيّة 2030 إلى بناء نظامٍ إعلاميٍّ مُستدامٍ من خلال الاستثمار في البنية التّحتيّة الإعلاميّة المتطوّرة وتطوير المواهب، كما وتُعتبرُ مدينة الإعلام في قطر عنصراً رئيسيّاً في تعزيز صناعة الإعلام في البلاد، حيث تعمل كحاضنةٍ للشّركات والمبتكرين والمواهب الإبداعيّة.
هذه المبادراتُ، إلى جانب البرامج التّعليميّة لتطوير القوى العاملة واستمرار نموّ مؤسّساتٍ إعلاميّةٍ مثل الجزيرة وBeIN Sports، يُتوقّع أن تُحقّق نموّاً في السّوق بنسبة 10.21% من 2024 إلى 2029، وفقاً لإحصاءات Statista.
تلعبُ الاستثماراتُ الأجنبيّة المباشرة دوراً حيويّاً في نموّ صناعة الإعلام الرّقميّ، ممّا يُعزّز الابتكار ويوسّع الفرص عبر مختلف القطّاعات. ومن خلال موقعها الاستراتيجيّ ورؤاها الطّموحة لتطوير الثّقافة والإعلام، تبرز دول الخليج كلاعبٍ رئيسيٍّ في هذا السّوق المتنامي، ومع استمرار التّطوّرات التّكنولوجيّة في تشكيل مستقبل الإعلام الرّقميّ، تتوفّر فرصٌ جديدةٌ للمستثمرين وشركات الإعلام؛ لتحقيق مزيدٍ من النّموّ في هذا القطّاع.