الاستراتيجية الأنيقة: لماذا لا تكفي ثقافة السّعي الدؤوب؟
يكشف سيث جودين في كتابه الجديد أنّ النّجاح لا يأتي ببذل جهد مضاعف، بل بوضع استراتيجياتٍ أنيقة تحقق النّتائج المطلوبة بذكاءٍ وكفاءة
يعود سيث جودين، الخبير في التّسويق وصاحب العديد من الكتب الأكثر بيعاً، بما في ذلك "البقرة الأرجوانيّة: حوّل عملك بأن تكون مميّزاً" (Purple Cow: Transform Your Business by Being Remarkable)، و"الهبوط: كتابٌ صغيرٌ يعلّمك متى تنسحب (ومتى تلتزم)" (The Dip: A Little Book That Teaches You When to Quit (and When to Stick)، بكتابه الأحدث "هذه هي الاستراتيجيّة: اصنع خططاً أفضل" (This Is the Strategy: Make Better Plans) الّذي يطرح هذا الأسبوع. يقدّم هذا الكتاب لقادة الأعمال منظوراً جديداً حول العمل بذكاءٍ أكبر، ويناقش فيه جودين مفهوماً يسمّيه "الاستراتيجيّة الأنيقة"، مسلّطاً الضّوء على نقاطٍ عمليّةٍ يهديها لروّاد الأعمال وقادة الشّركات.
في بداية كتابه، يلفت جودين الانتباه إلى واقعٍ يعيشه الكثير من قادة الأعمال الصّغيرة: أنّ ثقافة السّعي الدّؤوب قد تكون سامّةً. يشير إلى أنّ الاستيقاظ في الخامسة صباحاً، والهوس بوسائل التّواصل الاجتماعيّ، والمكالمات البيعيّة المتواصلة، والاستماع إلى الكتب الصّوتيّة بسرعةٍ مضاعفةٍ، كلّها أمورٌ يمكن أن تصبح مرهقةً ومتعبةً. يسأل جودين: ماذا لو لم تكن المشكلة في أنّك لا تحاول بجدّيّةٍ كافيةٍ؟ ماذا لو كانت استراتيجيّتك هي الّتي تحتاج إلى إعادة نظرٍ؟
ويؤكّد هنا أنّ السّرعة لا تهمّ إذا كنت تتّجه في الاتّجاه الخاطئ. في كتابه الجديد، يدعو القادة ليكونوا أكثر تعمّداً ووضوحاً في أفعالهم. إذا كنت غير قادرٍ على التّعبير عن استراتيجيّتك بوضوحٍ، فقد وجدت مشكلتك الأولى بالفعل.
الاستراتيجيّة الأنيقة
يقدّم جودين "الاستراتيجيّة الأنيقة" باعتبارها الوسيلة الّتي يمكن من خلالها مضاعفة الجهود وتحقيق نتائج أفضل بأقلّ جهدٍ. ويقول إنّها تساعد على جعل العمل يبدو سهلاً ومريحاً، وتؤدّي إلى توجيه العملاء نحو الوجهة الّتي يرغبون في الوصول إليها. هذه الاستراتيجيّة ليست مجرّد تحقيق النّتائج، بل هي فنّ إيجاد الطّريق الأكثر وضوحاً والأقلّ تعقيداً نحو الأمام.
ويشرح جودين أنّ الاستراتيجيّة الأنيقة هي مزيجٌ من البساطة، الكفاءة، والفعاليّة، وتوفّر قوّة دفعٍ نحو التّغيير الّذي نسعى إليه في أعمالنا. يمكننا البدء في صياغة هذه الاستراتيجيّة عبر النّظر في أربعة مكوّناتٍ رئيسيّةٍ.
المكوّنات الأربعة للاستراتيجيّة الأنيقة
-
الوقت: يقول جودين إنّ النّجاح لا يتحقّق بين عشيّةٍ وضحاها. إنّ وظيفة اليوم الأوّل ليست النّجاح الفوريّ، بل تمهيد الطّريق لليوم التّالي. من المهمّ أن نتعلّم كيفيّة احتضان فكرة "ليس بعد"؛ فلا بأس أن تكون الأمور لم تصل بعد إلى هدفها النّهائيّ، لكنّ الأصول الّتي نبنيها اليوم ستكون أقوى في الغد.
-
الألعاب: يرى جودين أنّ على قادة الأعمال النّظر إلى عملهم كأنّه لعبةٌ، بحيث يشمل اللّاعبين، القواعد، والنّتائج المحتملة. عليهم أن يسألوا: ما الحركات الّتي يمكن القيام بها؟ وكيف يمكن للآخرين أن يستجيبوا؟ فالألعاب ليست فقط للأطفال، بل هي وسيلةٌ جادّةٌ لرؤية أنّ الآخرين لديهم أهدافٌ وخياراتٌ أيضاً، وأنّنا نستطيع التّحرّك في ضوء هذه المعرفة.
-
التّعاطف: يؤكّد جودين أهمّيّة التّفاعل الإنسانيّ مع العملاء، الشّركاء، وحتّى المنافسين، مع إدراك أنّهم يمتلكون معتقداتٍ ورغباتٍ مختلفةً. هل يمكننا خدمتهم رغم اختلافاتهم؟ فعندما نمنح الآخرين حرّيّة الاختيار بتواضعٍ، نجد منصّةً تخدم الأشخاص الّذين نودّ العمل معهم.
-
الأنظمة: الأنظمة هي القوى الخفيّة الّتي تدفعنا إلى اتّخاذ قراراتٍ معيّنةٍ. "أشخاصٌ مثلنا يفعلون أشياء كهذه". الأنظمة تدفع كلّ شيءٍ، من حفلات الزّفاف الباهظة إلى كيفيّة اختيار مؤسّس شركةٍ ناشئةٍ لتمويل شركته. عندما نستطيع رؤية الأنظمة في صناعتنا وتسميتها، يمكننا اتّخاذ قرارٍ حاسمٍ: هل نتبنّى هذا النّظام ونتكيّف معه، أم نمتلك الموارد الكافية والوقت الكافي لتغييره؟
الاستخدام الذّكيّ للأنظمة
لا تتصدّى الاستراتيجيّة الأنيقة، بحسب جودين، للنّظام بشكلٍ مباشرٍ، بل تستخدمه كأداةٍ للتّغيير. قد يبدو هذا النّهج غير مألوفٍ في البداية، لكنّه يساعد على تحويل البنى القائمة إلى أدواتٍ تعمل لصالحك، لا ضدّك.
مع مرور الوقت، يثمر هذا النّهج في انتشار سمعتك وتنمية الثّقة. كلّ تفاعلٍ يتحوّل إلى فرصة تفاعلٍ جديدةٍ. ويطرح جودين خيارين: إمّا السّباق إلى القاع، بحيث يكون شعارك "يمكنك اختيار أيّ شخصٍ، ونحن أيّ شخصٍ"، وهذا يعني الجهد المتواصل، والاستجابة لكلّ طلبات العروض، وخفض الأسعار، أو يمكنك اختيار السّباق إلى القمّة. السّباق إلى القمّة يعني تقديم قيمةٍ مميّزةٍ تستحقّ البحث عنها، بحيث تكون الخيار الأفضل الّذي يستحقّ العميل أن يدفع أكثر للحصول عليه، لكنّه في المقابل يحصل على ما هو أكثر ممّا دفع.
كقادةٍ للأعمال الصّغيرة، بدأنا مشاريعنا لنضيف قيمةً ونحدث فرقاً. كنّا نعلم أنّ لدينا شيئاً فريداً لنقدّمه. لكنّ إدراك أهمّيّة أن نكون استراتيجيّين في اختياراتنا هو جزءٌ أساسيٌّ من القيادة الفعّالة.
وفي النّهاية، لا يسعى راكبو الأمواج العظماء إلى بذل جهدٍ أكثر فقط؛ بل يبحثون عن الأمواج الأفضل الّتي ستقودهم إلى النّجاح.
فأين هي استراتيجيّتك الأنيقة؟
شاهد أيضاً: استراتيجيات مبتكرة لإدارة فريق من العباقرة