الوجه المشرق للتسويف: أداة غير متوقّعة لتحقيق النّجاح
حين نعرف متى وكيف نؤجّل بعض المهامّ، نتمكّن من الاستفادة منه لتحقيق توازنٍ نفسيٍّ ومهنيٍّ، ونخلق لأنفسنا مساحةً للتّنفّس والتّفكير في الأولويّات
يعتبر الكثيرون أنّ التّسويف عادةٌ سلبيّةٌ تعوق عن الإنجاز وتبدّد الوقت، ولكنّ الخبير "بيتر إيكونومي" من موقع "بيز رايتر" (BIZZWRITER)، يطرح رؤيةً جديدةً قد تغيّر هذه الفكرة الشّائعة؛ فهو يرى أنّ التّسويف، حين يستخدم بوعيٍ وذكاءٍ، قد يصبح أداةً فعّالةً لاكتشاف الذّات وتطوير العلاقات وتحقيق الإنجازات. إليكم نظرةً مفصّلةً على هذه الرّؤية غير التّقليديّة لفوائد التّسويف، وكيف يمكن أن يدعم حياتنا المهنيّة والشّخصيّة بطرقٍ غير متوقّعةٍ.
هل التّسويف سيّءٌ كما يشاع؟
عندما يذكر أحدٌ كلمة "تسويفٍ"، تتبادر إلى الأذهان الصّورة النّمطيّة لشخصٍ يهرب من مسؤوليّاته، ويؤجّل أعماله حتّى اللّحظة الأخيرة، ممّا يسبّب له ضغوطاتٍ ومشاكل لا حصر لها. ولكنّ، وفقاً لإيكونومي، فإنّ التّسويف الواعي، عندما نمارسه بحكمةٍ، ونعرف متى نستخدمه، قد يكون ذا فوائد كبيرةٍ. فقد أظهر له تحليله الشّخصيّ وتجربته العمليّة أنّ التّسويف قد يكشف عن جوانب إيجابيّةٍ غير متوقّعةٍ، نوضّحها فيما يلي:
1. اكتشاف الشّغف المخفيّ والمهارات غير المستغلّة
في كثيرٍ من الأحيان، حين نؤجّل مهمّةً ما، نجد أنفسنا نقضي الوقت في نشاطاتٍ نحبّها ونستمتع بها. وهذا التّفاعل العفويّ مع الأمور الّتي نحبّها قد يكشف لنا شغفاً خفيّاً أو مهارةً جديدةً لم نكن على درايةٍ بأنّنا نمتلكها. فيروي إيكونومي تجربته الشّخصيّة؛ بدلاً من التّسرّع في التّرقّي في مناصب إداريّةٍ أعلى في شركته، قرّر التّريّث، وخلال هذا التّأجيل بدأ بتجربة الكتابة، الّتي سرعان ما تحوّلت إلى شغفٍ ومهنةٍ كاملةٍ. حيث اكتشف إيكونومي في نفسه موهبةً لم يكن يعرفها، وبدأ في تأليف الكتب، حتّى أصبحت الكتابة هي مساره المهنيّ الأبرز. فالتّسويف هنا، وبدلاً من كونه عائقاً، كان محفّزاً لمستقبلٍ جديدٍ لم يكن ليتخيّله.
2. تعزيز العلاقات الشّخصيّة والمهنيّة
لا يعني التّسويف دائماً إضاعة الوقت بلا فائدةٍ؛ فعندما نؤجّل بعض المهامّ، قد نجد أنفسنا نتواصل أكثر مع من حولنا من العائلة، والأصدقاء، وزملاء العمل. وقد نكتشف، من دون قصدٍ، أنّ هذا الوقت المخصّص للعلاقات يمكن أن يصبح جزءاً مهمّاً من حياتنا. فالعلاقات الشّخصيّة هي واحدةٌ من أعمدة النّجاح والسّعادة في الحياة، والتّسويف أحياناً يساعدنا على تخصيص وقتٍ للجلوس مع من نحبّ، ممّا يعمّق روابطنا، ويقوّي شبكاتنا الاجتماعيّة. وهكذا، قد يكون للتّسويف فائدةٌ مباشرةٌ في خلق بيئةٍ داعمةٍ من الأشخاص الّذين يمكن أن نستفيد من دعمهم لاحقاً، سواءٌ في الحياة الشّخصيّة أو المهنيّة.
3. توسيع الآفاق المعرفيّة والانفتاح على اهتماماتٍ جديدةٍ
عندما نؤجّل مهمّةً معيّنةً، قد نجد أنفسنا نقضي الوقت في استكشاف موضوعاتٍ جديدةٍ، أو نقرأ عن مجالاتٍ مختلفةٍ، ممّا يضيف لرصيدنا المعرفيّ. فبدلاً من الاقتصار على مجالٍ واحدٍ، مثل التّركيز على تطوير البرمجيّات فقط أو التّسويق، يتيح لنا التّسويف فرصة التّعرّف على مجموعةٍ متنوّعةٍ من الموضوعات. وقد ننخرط في القراءة حول الاقتصاد، أو علم النّفس، أو حتّى ثقافات الشّعوب، ممّا يساعد على بناء فهمٍ شاملٍ ومتوازنٍ. وهكذا، يصبح لدينا مخزونٌ متنوّعٌ من المعلومات يمكننا الاستفادة منه في اتّخاذ قراراتٍ ذكيّةٍ وشموليّةٍ في حياتنا.
4. إعادة ترتيب الأولويّات والتّركيز على المهامّ الأساسيّة
وقد يساعدنا التّسويف أيضاً في تحديد الأولويّات؛ فعندما تؤجّل بعض المهامّ، تجد نفسك مضطرّاً في النّهاية للتّركيز على الأهمّ. فالمواعيد النّهائيّة تضطرّنا للتّركيز على المهامّ الحاسمة الّتي لا يمكن تأجيلها، ممّا يدفعنا لتخصيص الجهد المناسب للمشروعات الّتي تستحقّ الأولويّة. وعلى سبيل المثال، إذا كان لديك مشروعٌ كبيرٌ ذو موعدٍ نهائيٍّ قريبٍ، فقد تدرك أهمّيّة تأجيل المهامّ الثّانويّة، حتّى تركّز على المشروع الأهمّ. حيث يساعد هذا الأسلوب على تجنّب التّشتّت، ويعزّز من كفاءة العمل.
5. تحقيق الكفاءة العالية تحت ضغط الوقت
من المعروف أنّ الكثيرين يقدّمون أفضل أدائهم عندما يكونون تحت ضغط المواعيد النّهائيّة. فحين يصل التّسويف إلى مرحلته النّهائيّة، يدفع الأفراد للعمل بكثافةٍ وكفاءةٍ كبيرتين، حيث ينجزون المهامّ بسرعةٍ وتركيزٍ. لأن التّحفيز النّاتج عن اقتراب الوقت المتاح للعمل يعزّز من مستوى الإنتاجيّة، ويعطي حافزاً لإنجاز العمل بشكلٍ مثاليٍّ. إذ يصف إيكونومي هذا الأمر بكونه محفّزاً طبيعيّاً يحوّل العمل المتراكم إلى دافعٍ للإبداع والتّنفيذ الفعّال.
يرى إيكونومي أنّ التّسويف يمكن أن يكون أداةً فعّالةً متى ما تمّ التّحكّم فيه بحكمةٍ، مع وضع فوائده المحتملة نصب أعيننا. فحين نعرف متى وكيف نؤجّل بعض المهامّ، نتمكّن من الاستفادة منه لتحقيق توازنٍ نفسيٍّ ومهنيٍّ، ونخلق لأنفسنا مساحةً للتّنفّس والتّفكير في الأولويّات. ويؤكّد أنّ على الأشخاص عدم التّفكير في التّسويف باعتباره عدوّاً ينبغي التّخلّص منه، بل على العكس، يمكننا التّكيّف معه بطرقٍ إيجابيّةٍ، فيصبح جزءاً من استراتيجيّتنا لإدارة الوقت وتحقيق الإنجازات بفعّاليّةٍ.