التطوير التنظيمي: طريق الشركات إلى النجاح وسط التحديات
اكتشف أهمّية التّنظيم في مواجهة العقبات العالمية والمحلية، مع ضمان تحسين الأداء والإنتاجية والمرونة لمواكبة التّغيرات المُتسارعة في الأسواق
التطوير التنظيمي قد يكون من أكثر الأمور المُهمَّة تعقيداً في حياة الكثير من الشَّركات والمنظَّمات، سواء النَّاشئة أو العريقة، فعندما تكون هناك فجواتٌ دائمةٌ في تنفيذ مهامٍ ضروريَّةٍ، أو تراجعٍ في المبيعات والأرباح، أو زيادةٍ في التَّكاليف، فإنَّ الأمر يتطلَّب بشدَّةٍ إجراء تغييرٍ فوريٍّ وشاملٍ في الهيكل الإداريّ، وهو الأمر الَّذي يكون أكثر عمقاً من مجرَّد تغيير قسم الموارد البشريَّة أو إعادة تنظيمه، على الرَّغم من أهميَّته الشَّديدة في تحقيق هذا التَّطوُّر.
فما هو التطوير التنظيمي؟ وما أهميَّته للشَّركات والمؤسَّسات؟ وكيف تكتشف بسهولةٍ مواطن الخلل في الهيكل الإداريّ الحاليّ وتغييرها بكفاءةٍ؟ وكيف تتغلَّب على عوائق وتحديَّات التطوير التنظيمي وتعديل الهيكل الإداريّ؟ وما أهمُّ المراحل والخطوات والاستراتيجيَّات؟ كلُّ هذا وأكثر سنتعرَّف عليه الآن.
ما هو التطوير التنظيمي؟
التطوير التنظيمي هو ممارسة التَّغيير المُخطّط والمنهجيّ في معتقدات الموظَّفين ومواقفهم وقيمهم من أجل تحقيق النُّموّ الفرديّ والتّجاريّ، فهو عمليَّةٌ تُبنى على الأدلَّة، وتكون شديدة التَّنظيم، فلا مجال هنا للتَّجربة والخطأ أو عدم توقُّع النَّتائج بدقَّةٍ شديدةٍ، فهي عمليَّةٌ تتعلَّق باستخدام النَّتائج العلميَّة الواضحة كمدخلاتٍ ثمَّ إنشاء عمليَّةٍ منظَّمةٍ وخاضعةٍ للرَّقابة تُختبر بها الافتراضات لتحقيق الفاعليَّة التَّنظيميَّة، والَّتي تختلف سماتها من شركةٍ لأُخرى، فقد تكون تحسين الأداء الماليّ وزيادة معدَّلات رضا العملاء، وقد تكون زيادة مشاركة أعضاء الشَّركة ورفع القدرة على التَّكيُّف وتجديد المنظَّمة، أو دعم ميزةٍ تنافسيَّةٍ وغيرها من مؤشّرات أداءٍ متنوّعةٍ. [1]
ما هو الهدف من التطوير التنظيمي؟
إذا كنّا سنختصر هدف التطوير التنظيمي في شيءٍ واحدٍ، فسيكون هو زيادة القدرة التَّنافسيَّة للمنظَّمة، سواء عبر منتجٍ مبتكرٍ مثل سبيس إكس أو خدمةٍ فائقةٍ مثل فنادق فورسيزونز أو ثقافةٍ جديدةٍ مثل زابوس الَّتي تُركّز على الرَّفاهية المطلقة للجميع، سواء عملاء أو موظَّفون أو مجتمعٌ ككلٍّ.
وقد يكون الهدف هو زيادة قدرة الشَّركة على الاستجابة السَّريعة لمتطلَّبات السُّوق شديدة التَّغيُّر، فإذا كنت أوَّل من يستفيد من الفرص المتاحة، فإنَّ هذا يُعزّز من الأرباح والإيرادات على مدى سنواتٍ طويلةٍ قبل أن يدخل غيرك في المنافسة من الأصل. فالهدف من التطوير التنظيمي يجب أن يكون زيادة القدرة على التَّكيُّف، ممَّا يُعزّز من فرص الشَّركات في المنافسة الفعَّالة في السُّوق شديدة التَّغيُّر والتَّطلُّب.
فوائد تطبيق التطوير التنظيمي
إنَّ زيادة الإنتاجيَّة والكفاءة مع استمرار القدرة على التَّنافسيَّة تأتي مع مجموعةٍ متنوِّعةٍ للغاية من فوائد التطوير التنظيمي، والَّتي من أهمِّها: [2]
ضمان التّطوير المستمرّ
إذا لم تتطوَّر ستقف مكانك وبالتَّالي يسبقك الآخرون، هذه قاعدةٌ ثابتةٌ ومعروفةٌ سواء للأفراد أو الشَّركات، فالكيانات الَّتي تشارك في التطوير التنظيمي تضمن نمطاً ثابتاً من التَّحسُّن في الاستراتيجيَّات مع تقييمها وتنفيذها بكفاءة وتقييم النَّتائج ومستوى الجودة، فالتطوير التنظيمي يبني بيئةً مواتيةً للشَّركة يمكن من خلالها أن تحتضنَ التَّغيير، سواء داخليّاً أو خارجيّاً مع زيادة فرص التّجديد الدَّوريّ.
زيادة جودة التّواصل سواء أفقيّاً أو رأسيّاً
من أهمّ مميزات التَّنظيم التَّطويريّ هو زيادة فاعليَّة وجودة التَّواصل وردود الأفعال على جميع المهام والمواقف في المؤسَّسة، فيضمن التَّواصل المستمرَّ أن تتواكبَ طموحات الموظَّفين وعملهم مع أهداف الشَّركة وقيمها واستراتيجيَّتها، فيساعد نظام الاتّصال المفتوح على فهم الموظَّفين لأهميَّة التَّغيير في الشَّركة بطريقةٍ أسهل وأفضل وأكثر ضماناً لتحقيق أهداف التَّغيير، وتساعد التَّغذية الرَّاجعة وردود الفعل، سواء بين الزُّملاء بعضهم بعضاً أو بين الموظَّفين والإدارة على تشجيع عمليَّة التَّحسُّن المستمرَّة.
نموّ الموظفين
تتطلَّب الكثير من برامج التطوير التنظيمي تنسيق دوراتٍ تدريبيَّةٍ للموظَّفين، ممّا يضمن تحسيناً فائقاً للمهارات، بهدف مواكبة الموظَّفين لمتطلَّبات السُّوق باستمرارٍ، وبالتَّالي تحسين النُّموّ الوظيفيّ وتحقيق الرِّضا عموماً عن الشَّركة وبذل جهدٍ أكبر بها، خصوصاً عندما يتواكب التطوير التنظيمي مع حوافز متنوّعةٍ تضمن بقاء الموظَّفين وخفض معدَّل دورانهم.
تحسين المنتجات والخدمات
عندما يحدث نموّ للموظَّفين مع التَّواصل الفعَّال، فإنَّ معدَّل الابتكار والإنتاجيَّة يرتفع بشدَّةٍ نتيجة التَّحليل التَّنافسيّ وارتفاع مستوى توقُّع متطلَّبات المستهلكين وزيادة القدرة على قراءة أبحاث السُّوق، فيعمل التطوير التنظيمي على تعزيز التَّغيير الإيجابيّ في المنتجات والخدمات، ممّا يضمن فاعليَّتها في المنافسة.
زيادة الأرباح
مع انخفاض تكلفة التَّشغيل وزيادة الإبداعيَّة والإنتاج، فإنَّ الأرباحَ تتزايد بأكثر من طريقةٍ نتيجة التطوير التنظيمي، فالمؤسَّسة هنا تتمكَّن من إدارة دوران الموظَّفين أو غيابهم بطريقةٍ أفضل بكثيرٍ لضمان عدم وجود أيّ فجواتٍ في الإنتاج، ممَّا يُعزِّز من التَّركيز على الجودة وتطوير المنتج أو الخدمة، وبالتَّالي ارتفاع معدَّلات رضا العملاء بدلاً من إهدار الطَّاقة في المحاولات الدَّائمة لسدّ عجز الموظَّفين أو توزيع المهام.
شاهد أيضاً: المهارات الإدارية: مفتاحُ النّجاحِ التنظيميِّ
أهم مراحل التطوير التنظيمي
عمليَّة التطوير التنظيمي قد تكون معقَّدةً للغاية، فهي تشمل الكثير من الجوانب في الشَّركة، سواء على مستوى الأفراد أو التَّقنيَّات أو الجماعات، بالإضافة إلى تصميم العمل وإدارة الأداء الجماعيّ وتطوير المواهب والتَّغيُّرات الاستراتيجيَّة، سواء عبر الاندماجات أو الاستحواذات ومواكبة التَّغيُّر في اهتمامات المستهلكين وغيرها، ويمكن تقسيم مراحل التَّطوير الاستراتيجيّ عادةً إلى 7، ويمكن في بعض الأحيان جمعها في 5 مراحل فقط، وتتمثَّل هذه المراحل في:
تحديد المشكلة
يبدأ التطوير التنظيمي عند اكتشاف المدير وجود مشكلةٍ ما، مثل صراعاتٍ داخليَّةٍ أو عملاء متذمِّرين أو تراجع الأرباح أو ارتفاع حالات غياب الموظَّفين أو غيرها، وهي هنا المرحلة الأكثر رسميّةً، فإذا أخذنا مثالاً على شركةٍ مسؤولةٍ عن اختيار موظَّفي قسم الأشعة السّينيَّة في أكثر من مستشفى، ولكن تتكرَّر حالات غياب الموظَّفين في المستشفيات دون وجود بدائل جاهزةٍ، ممَّا يؤدِّي إلى تذمُّر العملاء وزيادة تكلفة استدعاء موظَّفين لوقتٍ إضافيٍّ، فهنا على مستشار التطوير التنظيمي فهم أعماق تلك المشكلة.
تشخيص المشكلة
وهي المرحلة الثَّانية من عمليَّة التطوير التنظيمي، ونحاول فيها فهم الأداء الحاليّ للنِّظام القائم مع جمع المعلومات لتفسير المشكلة بدقَّةٍ، ويجب بها إعادة النَّظر في سجلَّات الموارد البشريَّة والماليَّة، ممَّا يُوفّر بياناتٍ دقيقةً حول معدَّلات غياب الموظَّفين وتكلفة الاستعانة ببدلاء.
جمع البيانات وتحليلها
وهي مرحلةٌ تأخذ بعض الوقت، وتتضمَّن جمع البيانات المتوفّرة في أنظمة العمل والمقابلات والملاحظات والاستبيانات وغيرها، فقد يسعى المسؤول عن التَّطوير إلى إجراء مقابلاتٍ مع الموظَّفين للتّعرُّف على سبب حصولهم على إجازةٍ مرضيَّةٍ، وهل هناك أيُّ جانبٍ من جوانب العمل تُسهِم في هذا السُّلوك أم لا، ومن الضَّروريّ لنجاح هذه المرحلة التزام السّريَّة خلال جمع المعلومات وإخفاء الهويَّة والتَّخلُّص من التَّحيُّز للوصول إلى معلوماتٍ دقيقةٍ تُسهم في التطوير التنظيمي بالفعل.
تقديم الملاحظات
وفي هذه المرحلة يجب تقديم الملاحظات بطريقةٍ مفهومةٍ وواضحةٍ وعبر شرائح سهلة القراءة مع أوصاف قابلةٍ للتَّحقُّق منها، مثل أنَّ معدَّل الغياب وصل إلى نسبةٍ محدَّدةٍ، أو تكلفة الحصول على بدائل وصلت إلى رقمٍ محدَّدٍ، فالوضوح هنا ضروريٌّ قبل تحديد التَّغييرات الَّتي يجب تنفيذها في المستشفيات لضمان توفُّر الموظَّفين طوال الوقت.
تصميم التّدخلات الضّرورية للتّطوير
وهنا يجب اقتراح تغييراتٍ تتلاءم أوّلاً مع احتياجات المؤسَّسة، وثانياً تكون لدى الشَّركة القدرة على استيعاب تلك التَّغيُّرات بكفاءةٍ، مع ضرورة تحديد معايير النَّجاح، والَّتي تعدُّ جزءاً كبيراً من عمليَّة التَّغيير، فإذا لم تُحدد المعايير بدقَّة، فلن يمكن قياس مستويات التَّقدُّم. فيمكن في مشكلة المستشفيات أن يكون التَّدخُّل بمحاولة تدريب جميع الموظَّفين على العمل في كلّ المستشفيات، أو تكون بزيادة عدد الموظَّفين، ويكون معيار النَّجاح هو تقليل الاستعانة بموظَّفين خارجيين، أو ارتفاع معدَّلات رضا العملاء أو انخفاض معدَّلات الشَّكاوى.
قيادة وإدارة التّغيير
التَّغيير صعب للغاية، وتُشير التَّقديرات إلى أنَّ فشلَ التطوير التنظيمي يُمكن أن يتراوحَ بين 50-70%، ولكنَّ هذا في الواقع ليس صحيحاً تماماً، وإن كانت النّسبة كبيرةً بالفعل، ولكن لا يعني هذا على الإطلاق التّوقُّف عن إحداث التَّغيير المطلوب للتَّوصّل لحلٍّ جذريٍّ للمشكلات، ولكن يجب تحفيز التَّغيير وخلق رؤية والحفاظ على الانسجام، ففي مثال المستشفيات قد يرفض بعض الموظَّفين العمل في أكثر من موقعٍ بدلاً من موقعٍ واحدٍ، سواء بسبب بُعد المكان أو نتيجة أيّ ظروفٍ أُخرى؛ لذا قد يضطر أصحاب العمل لزيادة المكافآت أو توفير بدائل للنَّقل إذا كانت تكلفتها أقلّ من تكلفة الاستعانة بموظَّفين خارجيين؛ لذا يجب إدارة التَّغيير بفاعليَّةٍ لضمان التَّنفيذ الدّقيق وتحقيق الأهداف.
تقييم التّغيير
بمجرَّد تطبيق التَّغيير لعدَّة أشهرٍ على سبيل المثال يجب الحصول على ردود الفعل المتنوّعة، سواء من العملاء أو الموظَّفين والتَّقييم الدَّائم لمدى فاعليَّة التَّغيير في تحقيق النَّتائج الإيجابيَّة مع الانتقال إلى قضايا جديدةٍ تحتاج إلى التَّطوير.
أمثلة على تطبيق التطوير التنظيمي في مختلف جوانب الشركة
يجب أن تُركِّز كلُّ مبادرة تطوير تنظيمي على وظيفةٍ أساسيَّةٍ في الشَّركة، والَّتي بدورها تكون شديدة التَّأثير على جوانب متنوَّعةٍ بها، فقد يمكن الاكتفاء بتغييرٍ جانب أو أكثر دون هيكلةٍ شاملةٍ لسهولة التَّنفيذ، ومن المهام الرَّئيسيَّة الَّتي يمكن أن تُحدثَ فارقاً كبيراً عند إخضاعها للتَّغيير الهيكليّ: [3]
- الموارد البشريَّة: وهو يتضمَّن تغييراتٍ في الوظائف وعلاج قضايا متعلّقةٍ بالتَّنوُّع والإنصاف والإدماج مع الاهتمام بتطوير وتقييم الموظَّفين باستمرارٍ، وإدارة الأداء وتطوير المواهب والتَّأكيد على التَّوجُّهات القيميَّة.
- العمليَّات البشريَّة: وهي تهدف إلى تحسين طرق الاتّصالات والدّيناميكيَّة الشَّخصيَّة، وطريقة تسجيل الشَّكاوى وإدارة الصّراعات وطرق بناء الفريق وتحديد الأولويَّات وأهداف التَّحسين وغيرها.
- البنية التُّكنولوجيَّة: وتشمل التّقنيَّات الَّتي تدخل لتغيير طريقة إنجاز العمل وإدارة الجودة الشَّاملة وأنسب الطُّرق لتحقيق رضا العملاء، وإثراء الوظيفة.
- التَّغييرات الاستراتيجيَّة: والَّتي تشمل عمليَّات الدَّمج والتَّحالف والاستحواذ، وطريقة التَّعلُّم من الأخطاء ونُظم العقاب أو المكافأة، وطريقة مواكبة تغيُّر اهتمامات المستهلكين بكفاءةٍ وغيرها.
التحديّات أمام تغيير الهيكل الإداري والتطوير التنظيمي في الشركات
مع الأهميَّة الشَّديدة الَّتي يُحقّقها التطوير التنظيمي لكلٍّ من الأفراد والمؤسَّسات، إلَّا أنَّه عادةً ما يُقابل بمجموعةٍ من التَّحديّات الَّتي قد تُقلِّل من فاعليَّته أو أيضاً من رغبة أصحاب الشَّركات في تنفيذه، ومن أهمّ التَّحديّات أمام التطوير التنظيمي:
المقاومة
على الرَّغم من أنَّ الهدفَ الأساسيَّ من التطوير التنظيمي هو نقل الشَّركة إلى مستوى أعلى من الإنتاجيَّة وتعزيز المهارات، إلَّا أنَّك ستجد دوماً موظَّفين يُحبُّون مناطق الرَّاحة، ويقاومون هذا التَّغيير، سواء علناً أو بنشر المشاعر السَّلبيَّة بين زملائهم، ممَّا قد يؤدّي إلى صراعٍ داخليٍّ يتطلَّب المشاركة الوثيقة من الإدارة لحلّ تلك المشكلات، فقد يخضع الموظَّف إلى 10 تغييراتٍ مخطَّطٍ لها في الشَّركة عام 2022 مقارنةً بتغيريين فقط عام 2016 وفقاً لدراسةٍ حديثةٍ، ممَّا يُقلّل من التَّأييد العام للتَّغيير؛ بسبب عدم قدرة الجميع على مواكبته، ممَّا يوجب على الشَّركة شرح أسباب التَّغيير لزيادة معدَّلات ثقة الموظَّفين في جدواه، وبالتَّالي سهولة الاستجابة له.
عدم القدرة على الاستمراريّة
فقد يحدث التطوير التنظيمي عند وجود أزمةٍ خطيرةٍ يتطلَّب إصلاحها فوراً، ولكن إذا تمَّت العمليَّة بطريقةٍ سيئةٍ، فإنَّ هذا قد يؤدّي إلى اضطرابٍ في جدول العمل، وإهدار جهود الموظَّفين في مهامٍ بعيدةٍ عن الإنتاجيَّة، وبالتَّالي يحدث عجزٌ جماعيٌّ عن التَّحوُّل، فعندما يتعب الموظَّفون من التَّغييرات المستمرَّة، فإنَّهم يُفكّرون دائماً في الانتقال إلى مكانٍ آخر بنسبة 54% على الأقلّ، في حين يشعر البقيَّة بالتَّعب والتَّوتُّر.
ولعلاج هذا التَّحدّي يجب على الشَّركة اتّخاذ إجراءاتٍ استباقيَّةٍ لضمان استمرار خطَّة التَّغيير بكفاءةٍ وترتيب مبادراتٍ متنوّعةٍ لراحة الموظَّفين، مثل أيَّامٍ من دون أيّ اجتماعاتٍ، أو ضمان ساعات عملٍ ثابتةٍ، أو فترة راحةٍ مؤقَّتةٍ من المشروعات المكثَّفة، أو منح الفرصة لاستيعاب التَّغيير قبل تقييم نتائجه، بالإضافة إلى محاولة مراعاة الاحتياجات الفرديَّة.
عدم ضمان الفاعليّة
يبدأ التطوير التنظيمي عادةً من القمَّة، ولكنَّ هذا لا يضمن للأسف وصول رسالة التَّغيير والهدف منه إلى جميع المستويات في الشَّركة؛ لذا من الضَّروريّ مراقبة عمليَّة التطوير التنظيمي باستمرارٍ للتَّأكُّد من فاعليَّتها، وأنَّها تُحقِّق المقصود منها، ويقع العبء الأكبر هنا على عاتق المدير المباشر أو المُشرف، فإذا كان المسؤول التَّنفيذيُّ هو من يضع الخطَّة الرَّئيسيَّة، إلَّا أنَّ المُشرف أو المدير المباشر هو الَّذي يُناقش مبادرات التَّطوير مع الموظَّفين، ويكون أكثر قدرةً على توزيع المهام نتيجة معرفته بالمهارات الفرديَّة للأشخاص؛ لذا يجب منح المديرين حريَّةً أكبر في اتِّخاذ القرارات؛ لأنَّهم عادةً يشعرون بالضَّغط أيضاً خلال التَّغيير، ولكنَّ المدير الَّذي ينجح في مساعدة الموظَّفين على التَّعامل مع التطوير التنظيمي يمكنه رفع معدَّل الأداء بنسبة 29%.
شاهد أيضاً: كيف تحوّل الهيكل التنظيمي لمؤسستك إلى أكثر الأدوات قيمةً؟
نصائح أساسية لتطوير تنظيمي سريعٍ وفعّالٍ
لتغلُّب على عوائق التطوير التنظيمي قد تحتاج إلى الاهتمام ببعض الأمور عند تطبيق مراحل التَّغيير المختلفة، ومن أهمّ ما يجب الانتباه إليه عند تغيير الهيكل الإداريّ: [4]
-
تقديم حوافز متنوّعةٍ، سواء ماديَّة أو معنويَّة، لتشجيع الموظَّفين على قبول التَّغييرات، فهم في النّهاية سيتَّبعون ما يُحقِّق لهم المصلحة الذَّاتيَّة.
- التَّأكيد على أهميَّة التَّغيير كقيمةٍ ثقافيَّةٍ في الشَّركة يجعل الموظَّفين أكثر قبولاً لها؛ لأنَّهم يتوقَّعونها باستمرارٍ.
- ممارسة السُّلطة والضّغط على الموظَّفين لضمان الالتزام، ممَّا قد يؤدِّي إليه من اعتراضاتٍ، ولكنَّه قد يكون مطلوباً في بعض الاتّجاهات.
- الاستعانة بموظَّفين لدعم التَّغيير، فلا يجب أن يكون نابعاً فقط من الإدارة، ولكن عندما تستعين الشَّركة بموظَّفٍ أو أكثر لنشر معلومات التَّغيير، فإنَّ المقاومة تكون أقلّ.
- الشَّفافيَّة قدر الإمكان مع الموظَّفين حتَّى في حالة عدم القدرة على منحهم كلّ التَّفاصيل، ولكن كلَّما كنت واضحاً في أسباب التَّغيير كلّما ارتفعت نسبة قبول الموظَّفين له.
- الصَّراحة وعدم تجميل الأمور أو وضع توقُّعاتٍ غير حقيقيَّةٍ أو صعبة التَّنفيذ عن نتائج التَّغيير.
- توفير التَّدريب للموظَّفين للتَّأكيد على أنَّهم جزءٌ من التَّغيير، فلا يشعرون بالقلق من استبدالهم، وبالتَّالي يقاومون التَّغيير خوفاً من التَّسريح.
- التَّمسُّك بمهارات القيادة القويَّة، والَّتي تتطلَّب المرونة والإلهام والرُّؤية الواضحة والقدرة على توزيع المهام والتَّخطيط وغيرها.
نماذج التطوير التنظيمي
إنَّ التطوير التنظيمي يجب أن يكون على المسار الصَّحيح حتَّى لا يؤدِّي إلى الفوضى؛ لذا طوَّر خبراء الإدارة عدَّة نماذج لمساعدة المؤسَّسات على تطبيقه بكفاءةٍ وفقاً لنوع وشكل العمليَّات بها، ومن أشهر النَّماذج المستخدمة:
- تسلسلات غرينر: والَّتي تصف التطوير التنظيمي كنوعٍ من الاستجابة لمحفِّزاتٍ خارجيَّةٍ، فلا تحدث إلَّا عند وجود ضغطٍ خارجيٍّ على المنظَّمة، وليس بهدف التَّغيير المستمرِّ.
- المراحل الثَّلاث للوين: يقترح النَّموذج إجراء تغييرٍ على عمليَّةٍ واحدةٍ، وتُحلّلها بدقَّةٍ ثمَّ تطبقها على بقيَّة العمليَّات الدَّاخليَّة.
- نموذج Leavitt’s Interactive: والَّذي يهتمُّ بأربعة أنظمةٍ رئيسيَّةٍ وهي الأفراد والتُّكنولوجيا والمهام والبنية، ويُؤكّد أنَّ جميعها تتغيَّر بمجرَّد تغيُّر عنصرٍ واحدٍ.
اتجاهات التطوير التنظيمي
تتطوَّر طبيعة العمل باستمرارٍ، وبالتَّالي فإنَّ أساليب التطوير التنظيمي يجب أن تتواكبَ معها، ومن أهمّ الاتّجاهات الحديثة في التطوير التنظيمي:
- الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات: يُمكن لمدير الموارد البشريَّة استخدام تحليلات الشَّخصيَّات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي؛ لدعم الموظَّفين وسهولة توطينهم في الوظائف الملائمة لهم.
- العمل عن بعد: فقد ارتفع معدَّل العمل عن بعد في الكثير من الشَّركات، وهذا يُمثّل تحديّاً تنظيميّاً كبيراً، ويتطلَّب الكثير من إجراءات التَّغيير والمراقبة وتحفيز الضَّبط الذَّاتيّ وغيرها.
- زيادة الاعتماد على منهجيات Agile: الَّتي تُعزّز ثقافة التَّحسين المستمرّ مع التَّركيز على العملاء وتضخيم قيم التَّعلُّم وبناء النَّزاهة ووضع تصوراتٍ للمشروع بأكمله وغيرها من منهجيَّاتٍ تتطلَّب قدراً كبيراً من التّغيير التّنظيميّ.
وأخيراً، فإنَّ التطوير التنظيمي أصبح أكثر أهميَّةً بكثيرٍ بمرور الوقت، فالعالم اليوم يتَّسم بالتَّقلُّب الشَّديد وعدم اليقين مع قدرٍ كبيرٍ من الغموض والتَّعقيد، ممَّا يتطلَّب الكثير من المرونة لدى الشَّركات، والَّتي يساعد التطوير التنظيمي في الوصول السَّريع إليها لمواكبة التّهديدات العالميَّة والتَّطوُّر التُّكنولوجيّ السَّريع وكثرة المنافسين، سواء المحلّيين أو العالميين وغيرها من تحديَّاتٍ؛ لذا كلَّما حرصت على تجديد الهيكل الإداريّ وتطويره، فإنَّ فرصك ستكون أكبر بكثيرٍ في الاستمرار بالمنافسة وتحقيق التَّنمية المستدامة.