5 دقائق يوميّة ترفع مستوى تفاؤلك وتغيّر حياتك
قصص النّجاح تثبت أنّ الإيمان بالممكن هو أولى خطوات تحقيق المستحيل
تحدّثت قبل سنواتٍ مع الممثّلة كاثرين وينيك، ودار الحديث حول لوحات التّخيّل. حيث تعدّ هذه اللّوحات أداةً بسيطةً، لكنّها قويّةٌ لتحقيق الأهداف والطّموحات. تعتمد فكرتها على جمع الكلمات والصّور الّتي تعبّر عن أحلامك وتطلّعاتك، وترتيبها في مكانٍ يمكنك رؤيته باستمرارٍ. إذ يؤمن الكثير من النّاس بفعاليّتها، حيث تساعد هذه اللّوحات على تحويل الأحلام من مجرّد أفكارٍ عابرةٍ إلى أهدافٍ ملموسةٍ.
قد تبدو الفكرة بسيطةً أو حتّى تقليديّةً، لكنّها تحمل تأثيراً عميقاً. فمجرّد تخصيص وقتٍ لترتيب صورٍ وكلماتٍ تعبّر عمّا تريد تحقيقه، لا يذكّرك فقط بأهدافك، بل يعزّز إيمانك بقدرتك على تحقيقها، ممّا يجعل الحلم يبدو أقرب للواقع.
ووفقاً لدراسةٍ نشرت في مجلّة "العلاج السّلوكيّ وعلم النّفس التّجريبيّ" (Behavior Therapy and Experimental Psychology)، فإنّ تخصيص خمس دقائقٍ لتخيّل "أفضل نسخةٍ ممكنةٍ من نفسك" - سواءً في حياتك الشّخصيّة أو المهنيّة أو علاقاتك - يزيد بشكلٍ ملحوظٍ من مستوى التّفاؤل. والمثير للدّهشة، لم يتراجع هذا التّأثير مع التّكرار. وبعد أسبوعين من ممارسة جلساتٍ يوميّةٍ مدّتها خمس دقائقٍ للتّصوّر الذّهنيّ، حافظ مستوى التّفاؤل على استقراره وفعاليّته.
لا تنفرد وينيك باتّخاذ التّفاؤل منهجاً فعّالاً في حياتها. كذلك أظهر وارن بافيت مثالاً قويّاً على تأثير التّفاؤل. إذ طغت الإيجابيّة على رسائل بافيت الموجّهة للمساهمين، ممّا عكس رؤيته المتفائلة. وكما قالت ميليندا غيتس عنه: "لم يكن نجاحك ما صنع تفاؤلك؛ بل تفاؤلك هو ما قادك إلى النّجاح". وتظهر أوبرا وينفري إيمانها العميق بقوّة الرّؤية. فرغم أنّها قد لا تنشئ لوحات تخيّل، إلّا أنّها تدعو قائلةً: "تخيّل أعلى وأجمل رؤيةٍ يمكن أن تكون عليها حياتك، لأنّك في النّهاية تصبح ما تؤمن بأنّه ممكنٌ".
وأكّدت الدّراسات العلميّة صحّة هذه الفكرة. فأثبتت دراسةٌ استمرّت 30 عاماً، نشرت في "وقائع الأكاديميّة الوطنيّة للعلوم" (Proceedings of the National Academy of Sciences)، أنّ "التّفاؤل العاليّ" يرتبط بـ"العمر الطّويل"، حتّى مع مراعاة عوامل مثل الصّحّة والوضع الاجتماعيّ والاقتصاديّ. ولم يتوقّف تأثير التّفاؤل عند حدود طول العمر. كما كتب الباحثون: "ساهم التّفاؤل في تحسين العمليّات البيولوجيّة والسّلوكيّة، ممّا أدّى إلى إطالة العمر، لأنّه يلعب دوراً رئيسيّاً في تحويل الأهداف إلى سلوكيّاتٍ ملموسةٍ".
بالتّأكيد، عاش المتفائلون حياةً أطول، لكنّ الأهمّ أنّهم تصرّفوا بطرقٍ ميّزتهم عن غيرهم. أثبتت الدّراسات أنّ التّفاؤل ليس مجرّد شعورٍ إيجابيٍّ، بل هو محرّكٌ أساسيٌّ للمرونة والنّجاح. ببساطةٍ، تجاوز المتفائلون التّحدّيات، وحقّقوا أهدافهم بمعدّلاتٍ أعلى من غيرهم.
في الواقع، هذا منطقيٌّ. لدى الجميع أحلامٌ وأهدافٌ، لكنّ من يفتقرون إلى التّفاؤل غالباً ما يتردّدون في السّعي نحو تحقيقها؛ فمن الصّعب أن تباشر في تحقيق أمرٍ تعتقد مسبقاً أنّه مستحيلٌ. وعلى النّقيض، جعل التّفاؤل المتفائلين أكثر جرأةً، حيث دفعهم للإيمان بأنّ المستحيل ممكنٌ، وحفّزهم على المحاولة، وعلى ابتكار خطواتٍ عمليّةٍ لتحويل أحلامهم إلى واقعٍ.
إذاً، لا شكّ أنّ التّفاؤل ليس رفاهيّةً، بل قوّةٌ تدفعنا نحو الأفضل. ولكن، ماذا لو شعرت بأنّك أقرب إلى التّشاؤم من التّفاؤل؟
ارفع مستوى تفاؤلك
أظهرت الدّراسات، ومنها واحدةٌ منشورةٌ في "أبحاث المؤشّرات الاجتماعيّة" (Social Indicators Research)، أنّ نصف مستوى سعادتك، أو ما يعرف بـ"نقطة ضبط السّعادة"، تحدده عوامل وراثيّةٌ مرتبطةٌ بشخصيّتك، حيث تلعب الطّبيعة دوراً أكبر من التّربية في تشكيلها.
ورغم أنّ هذا قد يبدو محبطاً، إلّا أنّه يفتح لك المجال لتشكيل النّصف الآخر بنفسك. إذ يبقى 50% من مستوى رفاهيتك الشّخصيّة، وهو مصطلحٌ يفضّله علماء النّفس أكثر من "السّعادة"، ضمن دائرة سيطرتك.
أمّا عندما نتحدّث عن التّفاؤل، فالفرصة تصبح أكبر. أوضحت الدّراسات أنّ 25% فقط من التّفاؤل مرتبطةٌ بالعوامل الوراثيّة، بينما 75% منها يمكن تشكيله وتطويره من خلال أفعالك وخياراتك اليوميّة.
خصّص خمس دقائق يوميّاً لتخيّل "أفضل نسخةٍ من ذاتك". استحضر نجاحاتك المهنيّة، تطوّرك الشّخصيّ، وتحسّن علاقاتك. تخيّل بناء روابط أعمق مع الآخرين، وأن تصبح شريكاً أو والداً أفضل. كيف ستبدو حياتك إذا حقّقت هذه الأهداف؟ قد لا تدرك أهمّيّة هذه الإنجازات بهذه الطّريقة، ولكنّها تغييراتٌ جوهريّةٌ تترك أثراً عظيماً في حياتك.
التّفاؤل وعقليّة النّموّ
إذا لم تناسبك فكرة التّخيّل الذّهنيّ، وأنا كذلك لا أفضّلها، جرّب طريقةً أخرى. وكما قال جيم رون: "نصبح متوسّط الأشخاص الخمسة الّذين نقضي معهم معظم وقتنا". اقض المزيد من الوقت مع أشخاصٍ متفائلين، سيترك هذا التّفاؤل أثراً إيجابيّاً عليك، حيث يقدّم هؤلاء الأشخاص دعمهم الطّبيعيّ وتشجيعهم المستمرّ، ممّا ينقل إليك حماسهم وتفاؤلهم بشكلٍ ملموسٍ.
أمّا إذا كنت لا تفضّل قضاء الوقت مع المجموعات، ففكّر في طريقة تفكيرك. وهنا ينقسم النّاس إلى نوعين:
- أصحاب العقليّة الثّابتة يعتقدون أنّ الذّكاء والمهارات قدراتٌ فطريّةٌ وثابتةٌ لا يمكن تطويرها. قد يقول أحدهم: "أنا لست شخصاً مناسباً للقيادة".
- أصحاب عقليّة النّموّ، فآمنوا أنّ الذّكاء والمهارات يمكن تحسينها وتطويرها من خلال الجهد والعمل المستمرّ. قد يقول أحدهم: "لم أتعامل مع هذا الموقف بشكلٍ جيّدٍ، لكن في المرّة القادمة سأكون مستعدّاً بشكلٍ أفضل".
حيث رأى أصحاب عقليّة النّموّ أنّ النّجاح يعتمد على الجهد والمثابرة أكثر من اعتماده على الموهبة الفطريّة. وأثبتت الدّراسات صحّة هذا الاعتقاد. ورغم أنّ الموهبة قد تعطي بعض الأشخاص بدايةً قويّةً، فإنّ الجهد المتواصل والممارسة ساعدا الكثيرين على تجاوز أصحاب المواهب الطّبيعيّة. كما غياب القليل من التّفاؤل يجعل البداية أمراً صعباً على أيّ شخصٍ.