الرئيسية التنمية التفكير الزائد

التفكير الزائد

يمكننا القول بأن العقل بصفته أداة التفكير البشرية ليس بالضرورة أن يعمل دوماً لمصلحة صاحبه

M bronze بواسطة: Mohsen
images header

العقل آلة إنسانية تتخصص بإنشاء الأفكار والتخطيط واتخاذ القرارات، وطبعا إطلاق مصطلح آلة ليس عبثياً، لأن العقل يمتهن التفكير مثل القلب الذي يمتهن ضخ الدم. كلاهما يعمل دون توقف، ومن المعروف أن القلب في بعض الحالات المرضية قد يتسرع ويعمل أكثر من اللازم، ويدخل الجسم في مشاكل. ولكن هل من الممكن للعقل أن يفرط في التفكير؟ هل عمل العقل المفرط مفيد؟ أم أنه سيئ؟ هل من الممكن أن يصبح عقل الإنسان عدوًا له في حياته؟

صديقي القارئ، إذا كنت من المهتمين بالإجابة على هذه الأسئلة، تعال معي لنتعرف على التفكير الزائد كمشكلة حقيقية يعاني منها الكثيرون، ولن نخرج طبعًا قبل أن نتحدث عن حلول هذه المشكلة.

ما هو التفكير الزائد؟

التفكير الزائد (أو ما يُعرف بالـ”Overthinking”) هو نمط من التفكير الذي يتضمن التمحيص المفرط والتأمل الطويل في الأفكار أو المشاعر. قد يبدأ التفكير الزائد كوسيلة لتحليل موقف أو قرار، لكنه سرعان ما يتحول إلى حلقة مفرغة من الأفكار التي يصعب التخلص منها. قد يظهر هذا التفكير في صورة تقييم دائم للقرارات أو التركيز على احتمالات ومخاوف غير مؤكدة، ما يؤدي إلى حالة من الانشغال الذهني المستمر. يتمادى التفكير الزائد إلى الانغماس في تفاصيل سلوكيات أو كلمات الآخرين، ويستنتج أن القصد كان سلبيًا، ويتحول إلى نمط من أنماط “قراءة العقول” ظنًا من الشخص أنه يستطيع التكهن بما يدور في عقل الآخرين، ويبني استنتاجاته تبعًا لهذه التكهنات.

كيف يتظاهر التفكير الزائد؟

يمكن أن يتجلى التفكير الزائد في:

1. القلق الذي ينتقل من موضوع إلى آخر.

2. التفكير في أسوأ سيناريو.

3. النضال في اتخاذ القرارات، بما في ذلك التخمين.

4. صعوبة التركيز.

5. الشعور بالتوتر.

6. البحث عن الطمأنينة المتكررة من الآخرين.

يمكن أن يتظاهر التفكير الزائد أيضًا في التركيز على شكل “ماذا لو” للمواقف بدلاً من التواجد في الحاضر، أو قد يأخذ شكل التأمل والقلق واليقظة المفرطة، أو التنبؤات الكارثية، والتساؤل عن متى سيحدث الشيء السيئ التالي. يبقينا التفكير المفرط في دوامة من الأفكار السلبية حيث يبدو حل المشكلات مستحيلًا.

آثار التفكير الزائد على الصحة النفسية:

يؤثر التفكير الزائد بشكل سلبي على الصحة النفسية للفرد بعدة طرق:

1. زيادة القلق والتوتر: يُعد التفكير الزائد من أبرز مسببات القلق. فكلما زادت الأفكار السلبية أو المتشائمة حول موقف معين، زادت مستويات القلق لدى الشخص. هذه الحلقة من التفكير المستمر قد تُفقد الشخص القدرة على اتخاذ قرارات واضحة.

2. الاكتئاب: في بعض الحالات، يمكن أن يؤدي التفكير الزائد إلى الاكتئاب. عندما يستمر الشخص في التفكير في الماضي أو القلق بشأن المستقبل، قد يشعر بالإحباط والعجز، بالإضافة إلى الحزن والوحدة والشعور بالفراغ.

3. صعوبة التركيز: بما أن الشخص يكون مشتتًا في عدد هائل من الأفكار، فإنه يواجه صعوبة في التركيز على المهام اليومية أو العمل بشكل فعال. هذا يضعف من إنتاجيته وقدرته على إنجاز الأعمال.

4. الإرهاق العقلي والجسدي: التفكير الزائد لا يقتصر فقط على التأثير النفسي، بل يمتد إلى الجانب الجسدي أيضًا. الإرهاق العقلي الناتج عن التفكير المستمر قد يؤدي إلى صداع، ومشاكل في النوم، واضطرابات في الشهية.

5. من الممكن أن يسبب التفكير الزائد ارتفاع ضغط الدم وضعف صحة القلب والأوعية الدموية، والإصابة بالنوبات القلبية التي يزيد من خطرها الاكتئاب.

التفكير الزائد

ما هي أسباب التفكير الزائد؟

هناك العديد من العوامل التي قد تدفع الشخص إلى التفكير الزائد، وأبرزها:

1. الخوف من الفشل: الأشخاص الذين يخافون من اتخاذ قرارات خاطئة أو الفشل يميلون إلى التفكير المفرط في جميع الخيارات والاحتمالات قبل اتخاذ أي خطوة. هذا يُسبب لهم حالة من الشك المستمر.

2. القلق العام: بعض الأشخاص لديهم ميل طبيعي إلى القلق الزائد حول المستقبل أو الأحداث غير المتوقعة. هذه العقلية يمكن أن تدفعهم إلى التفكير الزائد كمحاولة للسيطرة على المواقف.

3. التجارب السابقة: الأفراد الذين مروا بتجارب صادمة أو محورية قد يعانون من التفكير الزائد كآلية للتعامل مع الذكريات المؤلمة أو المخاوف المستقبلية.

4. الحاجة إلى السيطرة: في بعض الأحيان، يُفرط الأشخاص في التفكير؛ لأن لديهم رغبة شديدة في التحكم بكل شيء في حياتهم. هذا يمكن أن يؤدي إلى إعاقة اتخاذ القرارات بشكل طبيعي.

كيف تعرف أنك تفكر كثيرًا؟

تتضمن العلامات التي قد تشير إلى أنك تفكر كثيرًا:

1. التأمل في الأحداث أو المواقف الماضية.

2. التخمين الثاني للقرارات التي اتخذتها.

3. إعادة تشغيل أخطائك في ذهنك.

4. إعادة صياغة المحادثات الصعبة أو غير المريحة.

5. التركيز على الأشياء التي لا يمكنك التحكم فيها أو تغييرها أو تحسينها.

6. تخيل أسوأ سيناريو أو نتيجة.

7. متابعة مخاوفك من اللحظة الحالية إلى ماضٍ غير قابل للتغيير أو مستقبل غير متوقع.

8. التساؤل ولكن عدم اتخاذ قرار أو إجراء أبدًا.

كيف نتعامل مع التفكير الزائد؟

عندما تقع في فخ التفكير المفرط، فقد يكون من الصعب إخراج نفسك منه. ومع ذلك، هناك استراتيجيات يمكن أن تساعدك على التوقف عن التفكير الزائد، مثل:

1. الاعتراف بالمشكلة: أول خطوة للتعامل مع التفكير الزائد هي الاعتراف به. بمجرد أن تدرك أنك في دائرة من الأفكار المتكررة وغير المثمرة، يمكنك اتخاذ خطوة لتغيير هذا النمط.

2. الوعي: ستحتاج أولاً إلى أن تكون على دراية بتفكيرك المفرط. إذا بدأت في إعادة تشغيل حدث بشكل متكرر، فتوقف وقل لنفسك، “أنا أفكر في هذا الأمر”. لا يمكننا التوقف عن التفكير المفرط إذا لم يكن لدينا وعي به.

3. تسمية مشاعرك: خذ وقتك في تسمية ما تشعر به. هذا يمكن أن يجعل الموقف أقل إثارة للخوف. من خلال قول “أشعر بالقلق بشأن ما سيحدث غدًا. أعلم أن هذا الشعور سوف يمر”، فإنك تمنح نفسك فرصة للشعور بمشاعرك وتذكير نفسك بأن المشاعر لا تدوم إلى الأبد.

4. جدولة وقت للقلق: امنح نفسك فترة قصيرة من الوقت للجلوس مع أفكارك. اضبط مؤقتًا ولكن لا تمنح نفسك أكثر من 15 أو 20 دقيقة. استخدم هذا الوقت للتفكير فيما يقلقك، وانظر ما يمكنك تعلمه من هذه الأفكار. بمجرد انتهاء الوقت المحدد، اذهب وافعل شيئًا آخر مثل عمل روتيني أو مهمة جديدة أو اتصل بصديق أو قم بنزهة سريعة. ذكّر نفسك بأنك ستحظى بوقت آخر للتفكير في هذه الأفكار إذا كانت لا تزال موجودة.

5. تحديد الأولويات: بدلاً من محاولة التفكير في كل شيء دفعة واحدة، حدد الأولويات. ركز على القرارات المهمة واتخذها دون الانشغال بالتفاصيل الصغيرة التي لا تُحدث فارقًا.

6. ممارسة الرياضة: يعد النشاط البدني من أفضل الطرق لتخفيف التوتر والقلق.

7. كن رحيماً بنفسك: إن معاملة نفسك بلطف ورحمة يمكن أن تهدئ نظام التهديد الداخلي في جسمك، وستؤدي إلى عقل أكثر وضوحاً لحل المشكلات. حاول أن تسأل نفسك، “ما الذي أحتاجه الآن؟” عندما نظهر الرحمة لأنفسنا، فإننا نبني قيمتنا الذاتية.

8. مارس الامتنان: يمكن أن يساعدنا التعبير عن الامتنان في تركيز أفكارنا على شيء إيجابي أو جيد أو مفيد. كن محدداً وتحدث عن الأشياء التي تشعر بالامتنان لها. يمكنك حتى أن تشعر بالامتنان للأشياء داخل الموقف الذي تفكر فيه كثيرًا.

9. استشارة مختص: إذا كان التفكير الزائد يؤثر بشكل كبير على حياتك اليومية، قد يكون من المفيد التحدث مع مختص نفسي. العلاج السلوكي المعرفي (CBT) هو أحد الأساليب الفعالة التي تساعد في تغيير الأنماط الفكرية السلبية.

الخلاصة:

من بعد هذا السرد المطول في موضوع التفكير الزائد، يمكننا القول بأن العقل بصفته أداة التفكير البشرية ليس بالضرورة أن يعمل دوماً لمصلحة صاحبه، كما رأينا في هذه المشكلة التي يخيل فيها للعقل أنه يحاول حماية صاحبه واستباق الأحداث وإيجاد الحلول، ولكنه يفعل العكس تماماً، حيث يقود صاحبه إلى مستنقع من المشاكل، يجد نفسه في حيرة للخروج منها. لكن لا يجب أن ننسى أن لكل مشكلة حل، وبمجرد امتلاك الإرادة يمكن تجاوز أصعب العقبات.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
آخر تحديث:
تاريخ النشر: