التفويض الفعال: مفتاح للقيادة المُلهمة والنمو السريع
كيف يعزز التفويض النجاح الجماعي ويبني قادة المستقبل؟
بصفتنا قادةٌ، نحن معتادون على إحكام سيطرتنا على كلّ ما يدورُ حولنا، لكن دَعني أخبرك بشيءٍ؛ النُّموُّ لا يتحقَّق عندما نتمسَّك بزمام الأُمور كما لو كانت خطَّ النَّجاة، وإنَّما يحدث فقط عندما نتعلَّم كيفيَّة إرخاء قبضتنا، ويتعلَّق الأمر بتمكين فرقنا والأخذ بيدها نحو التَّقدُّم وتحمُّل المسؤوليَّة، ودفع مسيرة العمل قدماً كما لو كانوا هم أصحابه؛ لأنَّهم في الحقيقة كذلك. [1]
نحن نتحدَّث هنا عن تحوُّلٍ جذريٍّ في العقليَّة، من التَّحكُّم المفرط إلى الثّقة، من التَّقييد إلى تحرير الإمكانات، لقد حان الوقت لنتخلَّى عن الأساليب القديمة ونرحِّب بعصرٍ جديدٍ من القيادة، عصرٌ نُعدُّ فيه الآخرين ونمكِّنهم ليتسلَّموا مهامهم، وقراراتهم، وفي النِّهاية نحقِّق نجاح الشَّركة، ويعدُّ التَّخلّي عن فكرة أنَّ علينا كقادةٍ أن نقومَ بكلِّ شيءٍ هو السِّرُّ لامتلاك وظيفةٍ تحبُّها، وتنمية عملك، وجذب مواهبَ استثنائيَّةً، ومع ذلك لا يأبه أحدٌ بذلك ويُساءُ فهم هذا المفهوم بشدَّةٍ.
أعرف العديد من القادة الذين يتردَّدون في التَّخلّي عن القيام بجميع المهام والتَّفويض؛ لأنَّهم لا يدركون حقَّاً ما هم بصدَّده، في الواقع هم غالباً ما يعتقدون أنَّهم يكونون قادةٌ أفضل عندما يكون الأمر عكس ذلك تماماً، لكنَّ القادة العُظماء يدركون قوَّة التَّخلّي وأهميَّة تمكين أفرادهم.
شاهد أيضاً: أتريد تعزيز الثقة في فريقك الافتراضي؟ مكّن العمل عن بعد وسياسة التفويض
تفنيد الأساطير لتسريع نموّ شركتك
استعد، فرحلتُنا نحو النَّجاح ستتسارع بينما ندحض هذه الأساطير ونضع أنفسنا وجهاً لوجهٍ مع رحلة النُّمو:
الخرافة الأولى: التّخلّي عن المهام التي لا أحبُّها يعني أنَّني مديرٌ سيئٌ
قد يبدو تسليم المهام التي لا تستهويك أو التي تجدها مُرهقةٌ وكأنَّك تُحمِّل فريقك الأعباء، وهذا قد يثير مخاوف حول نوع القائد الذي أنت عليه أو كيف ينظر إليك الآخرون، من الطَّبيعيّ أن تفكِّر بهذه الطَّريقة، لكنَّها ليست صحيحةً.
مجرُّد كرهك لشيءٍ لا يعني أنَّ الجميع يكرهه، لطالما كرهتُ إنشاء العروض التَّقديميَّة، لسنواتٍ كنت أتجنَّب هذه المهمَّة حتى اللَّحظة الأخيرة، ولم أطلب قط من مساعدتي الافتراضيَّة المساعدة، لكن بعدها اتَّضح لي أنهَّا متميَّزةٌ في إعداد العروض التَّقديميَّة، حتَّى إنَّها تستمتع بالعمليَّة، ممَّا جعل عروضها أكثر شمولاً وإبداعاً مقارنةً بما ستكون عليه عروضي، وهنا يكمن السِّرُّ: ما قد يستنزف طاقتك ربَّما يُنشِّط شخصاً آخر في فريقك، والعكسُ صحيحٌ.
وتعمل شركاتُنا بأفضل شكلٍ عندما يعمل الجميع في المجالات التي يبدعون بها، ابتداءً من القمَّة؛ لذا توقَّف عن إضاعة الوقت في المهام المُستنزِفة، وابحث عن شخصٍ في فريقك من الممكن أن تستهويه هذه المهامُّ.
شاهد أيضاً: رحلة صقل القيادة: من التفويض إلى الاستقلالية وبناء فريق أقرانٍ متمكّنٍ
الخرافة الثانية: من الأسرع أن أقوم بالمهمة بنفسي
هذه واحدةٌ من أكثر الاعتراضات شيوعاً ضدَّ تفويض المهام للآخرين، إذا كانَ الهدف هو توفير الوقت، فلماذا تطلب من شخصٍ آخر القيام بالمهمَّة إذا كان شرحها سيستغرق ضعف الوقت المطلوب لإنجازها بنفسك؟ إليكَ الأمر: لست مخطئاً في ذلك، إذا كنت تفكِّر في ذلك على المدى القصير، ولكنَّ القادة العظماء ينظرون إلى الأمور على المدى الطَّويل.
نعم، قد تحتاج إلى جولة أو جولتين من الشَّرح، والمراجعة، وإعطاء الملاحظات، لكنَّ ذلك لا يُعدُّ وقتاً مهدوراً، بل هو استثمارٌ في مستقبلك وفي الشَّخص الَّذي تمكِّنه من أداء تلك المهام، بينما قد يكلِّفك التَّخلِّي عن مهمَّةٍ متكرِّرةٍ بعض الوقت في البداية، فكِّر في الوقت الذي سيتمُّ توفيره على المدى الطَّويل، بالإضافة إلى الطَّاقة والقدرة العقليَّة التي ستسترجعها عند إزالة هذه المهمَّة من قائمتك نهائيَّاً.
لكنَّ تلك المهمَّة التي استغرق تفويضها وقتاً أطول؟ لقد وفَّرت لك دقائقَ، أو ساعاتٍ، أو حتَّى أيَّاماً، والآن احسب الوقت الذي توفِّره من كلِّ مهمَّةٍ تفوضها، وهذا هو التَّأثير المضاعف والمتسارِع لتهيئة الآخرين وتمكينهم، وهكذا تتغيَّر في أذهاننا فكرة بأنَّنا نمرِّر التزاماً إلى غيرنا نحو تقديم فرصةٍ لهم، بالإضافة إلى ذلك، إسناد مسؤوليَّاتٍ إضافيَّةٍ لموظَّفيك، وتقديم فرصةٍ لتعلُّم مهارةٍ جديدةٍ يمكن أن يزيد من رضاهم الوظيفيّ، ومشاركتهم، وفرص نموّهم، ونحن نتحدَّث عن قادة المستقبل الذين يتخفَّون بيننا.
شاهد أيضاً: كيف تدير تنوع أساليب القيادة في فريقك؟
الخرافة الثالثة: يمكنني القيام بها بشكل أفضل
بدايةً من قال ذلك؟ فقط لأنَّك أنجزت المهمَّة أولاً لا يعني أنَّ أداءك كان الأفضل، فاحتكار المسؤوليَّة يعني حرمانك من الاستفادة من القدرات العقليَّة الجماعيَّة للقادة الذين قمت بتعيينهم، وألّا تسعى للحصول على أفضل الأفكار والابتكارات لشركتك، حتَّى لو كانت تأتي من شخصٍ آخر؟ إذاً التفويض هو المفتاح.
علاوةً على ذلك، لقد تطرَّقنا بالفعل إلى كيفيَّة أنَّ التفويض يمثِّل فرصةً للقادة المستقبليين للتَّعلُّم والنُّموِّ؛ لذا بينما قد لا يؤدِّون المهمَّة بشكلٍ جيِّدٍ كما تفعل أنت في البداية، فهذا لا يعني أنَّهم لن يصلوا إلى هذا المستوى في النّهاية، أعمل وفقاً لقاعدة الـ70%، فإذا كان بإمكان شخصٍ ما أداء المهمَّة بنسبة 70%، فهو مرشَّحٌ جيّدٌ لتوليها.
وعندما أواجه الشُّكوك، أقوم بتقييم مهامي وفقاً لما يلي:
- المهام الَّتي يجب تفويضها: كُلُّ الأشياء التي أستمتع بفعلها ولكن يمكن لشخصٍ آخر أن يقوم بها نيابةً عنِّي، أو الأشياء التي يجب عليَّ الإشراف عليها، وتعليمها للآخرين، وتدريبهم عليها، وتطويرهم للقيام بها.
- المهام الَّتي لا أحبُّ القيام بها بشكلٍ دوريٍّ (يوميَّاً، أو شهريَّاً، أو سنويَّاً): هذه المهام الَّتي يتوجَّب عليَّ إنجازها ولكنِّي أماطل دوماً في إكمالها.
- المهام التي لا أحبُّ القيام بها حقّاً وأعلم أنَّ شخصاً آخر يمكنه القيام بها عنّي وبشكلٍ أفضل: الاستمرار في أداء أيّ شيءٍ من هذه الفئة يضمن إهدار الوقت، حيث إنَّ تعلُّم أشياءَ جديدةً يستغرق وقتاً؛ لذا لا يمكننا توقُّع الكمال 100% منذ البداية، ومع ذلك يبقى الإنجاز أفضل من الكمال، وبعض الأمور -بنسبةٍ تبلغ حوالي 30%- تتعلَّق بالتَّفضيلات الشَّخصيَّة لا الرَّأي الموضوعيَّ.
شاهد أيضاً: أخطر 7 خرافات عن القيادة تُهدّد الأعمال
التفويض للارتقاء
القادة العظماء هم مفوّضون بارعون، ليس لأنَّهم لا يرغبون في القيام ببعض الأمور أو يرون أنفسهم "فوق" أيِّ مهمةٍ، بل لأنَّهم يدركون أهميَّة تمكين الآخرين من خلال تحمُّل المسؤوليَّات، ممَّا يرتقي بالجميع، ويمكنك التَّفويض من الارتقاء بفريقك من خلال تمكينهم للنُّموّ في مسيرتهم المهنيَّة واكتساب مهاراتٍ جديدةٍ، والارتقاء كذلك بشركتك عن طريق استغلال القدرات الفريدة لكلّ فردٍ في الفريق ودفع أفضل الأفكار إلى الصَّدارة.
وفي النّهاية يمكن للتَّفويض الارتقاء بك أيضاً بصفتك قائداً تملك وقتاً ثميناً، وإنفاقه في مهامّ مستنزفةٍ أو مشاريعَ لا تستغلُّ مهاراتك وموقعك بالشَّكل الأمثل، سيكون باهظَ التَّكلفة، وللتَّفويض القدرة على تحرير قيادتك، وتمكين موظَّفيك، وتعزيز نموّ شركتك؛ إنَّها فرصةٌ لا تُقدَّر بثمنٍ وتستحقُّ الاستثمار!