التقمص العاطفي - المهارة #1
لا يوجد أحد لم يسمع بمقولة “المشي بحذاء العميل” لكن لا يعي الكثيرون ماذا يعني ذلك بالضبط وما الهدف من ذلك.
تمهيد
لا يوجد أحد لم يسمع بمقولة “المشي بحذاء العميل” لكن لا يعي الكثيرون ماذا يعني ذلك بالضبط وما الهدف من ذلك. مقالتي لهذا اليوم ستكون عن المهارة أو السمة الشخصية ((الأهم)) للارتقاء بتجربة الإنسان، عميلا كان أم موظفا أم مرضيا أم طالبا أو مستفيدا من أي خدمة يقدمها القطاع العام أو الخاص.
ما هو التقمص العاطفي؟
يعرفها قاموس كامبردج على أنها القدرة على مشاركة مشاعر أو تجارب شخص آخر من خلال تخيل كيف سيكون الوضع/الحال لو كنت مكانه. ويعرفها قاموس (merriam-webster) تعريفا أكثر شمولية بـ: فهم وإدراك ، والحساسية تجاه ، والشعور بأفكار ومشاعر شخص آخر (غائب أو مجهول) سواء في الماضي أو الحاضر دون أن يتم تبليغك بشكل مباشر وصريح من هذا الشخص بمشاعره وأفكاره وتجربته. – التعاريف مترجمة بتصرف-
ما هو الفرق بين التقمص العاطفي وبين التعاطف؟
مغالطة الخلط بين التقمص العاطفي والتعاطف شائعة جدا، التقمص العاطفي يعني فهم موقف الشخص وفهم مشاعره (كما لو كنت أنت من يعيش الموقف) أم التعاطف فهو مجرد الشعور بالشفقة أو الأسى تجاه الموقف الذي يمر به الشخص، لكن دونما شعور بمشاعره أو احتياجه. وغالبا التعاطف لا يؤدي لأي تغيير أما التقمص العاطفي والمشاركة الوجدانية التي يخلقها، تدفع المتقمص عاطفيا إلى أن يتبنى قضية الشخص ويحامي عنه كما لو كان هو المعني بها
لنأخذ مثالا: ٻۧــمَۘـــْـْْـْــٰانْــ ᵛˢ ٻۧــڛَۣــْـْْـْــٰار (شخصيات افتراضية)
يمان يتمتع بمهارة تقمص عاطفي عالية على عكس يسار، كلاهما واجها زميلا (خريج جديد) تلطمه أمواج الواقع في الحياة العملية ويكاد ينهار في أول وظيفة له، يسار سينظر له بعين الشفقة وربما يلقي عليه بجملة عابرة: “كل مر سيمر … احمد ربك عندك وظيفة، غيرك عاطل” … ويمضي. إلا أن يمان سيأخذ بيده ويقول “له لقد كنت يوما ما مكانك وأعرف كم هي صعبة الحياة العملية خصوصا في بداياتها”، ثم سيجلس معه بشكل دوري يناقشه بالتحديات التي يواجهها (دونما استخفاف أو إطلاق أحكام) بأي شيء يسمعه بل هو أسرع دائما لالتماس الأعذار. يمان يمارس دور الموجه فيطرح الأسئلة دون أن يعطي حلولا مباشرة، يريده أن يصل للحل بنفسه حتى يسترد ثقته ويرفع لياقته العملية. وشتان بين ما قدمه يمان وبين ما قدمه يسار. يمان سيجعل من هذا الخريج الجديد مشروعا شخصيا وسيجعله يشعر بأنه يؤمن به وبقدراته أكثر مما يؤمن الخريج الجديد بها حتى يصبح ذلك واقعا، حينها يكون يمان راضيا. يمان قد يسمع قصة ذكرها له سابقا الخريج الجديد لكن يتظاهر بأنه يسمعها لأول مرة ويبدي له نفس ردات الفعل، أما يسار سيقاطعه ويقول له بأنه قد سبق له أن شارك نفس القصة سابقا. يمان لن يسأم من مشاعر الخريج السلبية (فهو بالنهاية بشر -كتلة من المشاعر-) أما يسار سيكتفي بتصنيفه وتجنبه.
شاهد أيضاً: كيفَ تستخدم الذكاء العاطفي لتهدئة الزبون الغاضب؟
ماذا يعني أن تكون ممتعا بمهارات تقمص عاطفي عالية؟
تقمص عاطفي مرتفع يعني امتلاك قدرة عالية على معرفة وفهم عواطف الآخرين وتخيل العالم من منظورهم الشخصي. فهمك لعواطفهم لا يعني بالضرورة إظهار الشفقة بل فهم الاحتياجات، وكذلك يعني إنصات أكبر (رغبة في فهم دوافع الطرف الآخر) إنصات ليس فقط للكلمات المنطوقة بل وإلى لغة الجسد ونبرة الصوت وملامح الوجه. وفهم وجهات النظر واحترامها رغم الاختلاف معها، يتمتع المتقمص عاطفيا على قدرة على التعبير عن مشاعر الآخرين أكبر من قدرتهم أنفسهم على التعبير عنها… وذلك يعني انجذاب الآخرين للحديث معه لأنه يساعدهم على توصيف مشاعرهم بدقة أكبر، هذه الميزات مهمة جدا في عالم تجربة العميل لأنه تعطي من يمتلكها قدرة على تكوين روابط عاطفية مع من حوله، وهذا يجعله يكتسب الثقة أسرع من غيره وبالتالي يخترق الصوامع المؤسسية بعلاقاته ويصنع التغيير المنشود.
المتقمصون عاطفيا متجردون من الأحكام المسبقة بعيدون عن الافتراضات والاستنتاجات السريعة، يبحثون عن دوافع من حولهم ليخلقوها لهم ويسألون عشرات الأسئلة ويتواصلوا من خلال قنوات متعددة (أهمها وجها لوجه) ليفهموا فيصنعوا مع من حولهم انسجام أكبر ومساحات مشتركة أوسع، المتقمصون عاطفيا يرون في الاختلاف نعمة وتوازن
هل يمكن تطوير مهارة التقمص العاطفي؟
تشير بعض الأطروحات أن السجانين ومجرمي الحرب وكل من يسيء للإنسانية تكاد تنعدم لديهم مهارة التقمص العاطفي، بل أن انتقائهم يكون على هذا الأساس (أبعدهم الله عن دربكم), وتشير أبحاث أخرى بأن التقمص العاطفي مهارة يكتسبها الأطفال في صغرهم … السؤال الذي يطرح نفسه، هل يمكن تطوير هذه المهارة؟ الإجابة نعم لكن فرصة تطويرها لمن يتمتعون بها جزئيا أعلى بكثير من فرصة تطويرها لدى من يفتقدونها. وكذلك فرصة تطويرها بالأطفال أكبر بكثير من تطويرها لدى البالغين
كيف يمكن تطوير مهارة التقمص العاطفي؟
“لن تستطيع المشي في حذاء عميلك ما لم تخلع حذاءك” ــ هاني مختار
قد يكون الحذاء ضيقا فيزعجك وقد يكون كعبه عاليا فتسقط على وجهك وأنت تسير فيه لكن كما يوحي الاقتباس، هناك فعل يجب أن تقوم به لكي تتعلم، وأقصد بذلك الممارسة. الممارسة أسهل بكثير مما تتوقع، لديك موقع إلكتروني أو تطبيق للهواتف الذكية، اجمع موظفيك واطلب منهم القيام بمهام معينة (التسجيل) على سبيل المثال وستنصدم من حجم الملاحظات المتعلقة بتجربة المستخدم وصعوبة تصفح الموقع أو استخدام التطبيق … أنت لم تفعل شيء أكثر من المشي في حذاء العميل. دعك من النصوص المنثورة في إجراءات العمل وسياسات الشركة، بالنهاية لا تتعدى أن تكون حبرا على ورق ما لم تنزل إلى الميدان وتعيش بنفسك التجربة التي يعيشها عميلك
إذا باختصار شديد للإجابة على سؤال كيف يمكن تطوير مهارة التقمص العاطفي
- الممارسة هي أفضل تكتيك، اطلب من موظفيك أن يعيشوا تجربة العميل/الموظف بأنفسهم.
- بالملاحظة، اطلب من موظفيك أن ينزلوا للميدان ويراقبوا ما يحدث، كثير من الشركات تجعل موظفي إدارتها يمضون بضعة أيام في الخطوط الأمامية مكان التفاعل مع العميل أو يستمعون ويتحدثون للعملاء في مركز خدمة العملاء قبل أن يباشروا مهامهم في الإدارة العامة.
- بمشاركة القصص، فأثر القصة على نفوس البشر أكبر بكثير من المواعظ النظرية والتقارير الإحصائية، كمثال: سرد خريطة رحلة العميل كقصة بحلوها ومرها.
- بالتطوع، حثهم على الانخراط في برامج تطوعية مجتمعية.
- بتثقيفهم، عن أهمية هذه المهارة وأثرها على العميل والزميل والمجتمع ككل.
Management by walking around (MBWA)
لن يستطيع أي شخص الوصول إلى حلول ما لم تتبلور المشكلة في رأسه، تمارين المشي في حذاء العميل بكل أنواعها مفيدة جدا لمساعدة أصحاب العلاقة على بلورة المشاكل في عقولهم وبالتالي الوصول إلى الحلول الفعالية
الفلسفة التي يعتقد أن رائدها كان والت ديزني والتي بدأها بها عام 1950، ومفادها باختصار: لا تجلس خلف مكتبتك وتتوقع التميز، عليك أن تخرج للميدان أنت والموظفين ستتشعرون المسؤولية التي على عاتقكم، وقد أصدر سياسة توجه الموظفين لتناول غدائهم في مدينة ديزني ليحتكوا مع العملاء ويلاحظوا ما يجري بأعينهم فيسجلوا ملاحظات عما أعجبهم ولم يعجبهم، عما يرون بأنهم يعمل بحسب ما هو متوقع وما لا يعمل بشكل مأمول … المصدر: ص 248 من كتاب
The Experience: The 5 Principles of Disney Service and Relationship Excellencez
في كثير من الأحيان لا يقتنع قادة المنظمة بأن هناك مشكلة قائمة إلا عندما يرونها بأم أعينهم، وتمرينات الخروج من المكتب وعيش تجربة العميل هدفها الرئيسي هو أن تكون القناعة نابعة من أعماقهم، فعندما يمرون بالمشاكل التي يمر بها العملاء سيتعاطفون معهم وسيعترفون بوجود مشاكل تحتاج إلى حل
البعض الآخر من القادة على علم بالمشاكل ولكنهم كالنعام يدسون رأسهم بالتراب أو يدسون بالمشاكل تحت السجادة حتى يبدوا المشهد نظيفا للمساهمين، في نهاية المطاف يتشكل ضغط عندما يبدأ الجميع يتحدث بلسان العميل ويلعب دور محامي الدفاع وتضطر هذه الفئة إما للتغيير أو لمغادرة المشهد بالكامل
GENBA | 現場
من تمارين المشي في حذاء العميل الأخرى المشهورة هي (جنبا | GENBA) وتعرف أيضا بـ جمبا وهو من مدرسة الإدارية اليابانية، وكانت تويوتا أحد أكبر المتبنين لهذا التمرين، وتدور فكرته باختصار على أهمية نزول قادة الشركات إلى الميدان ليلاحظوا بأعينهم ويسمعوا بآذانهم ما يجري على أرض الواقع، بدلا من التنظير من بعيد (من مكاتبهم). يساعد النزول إلى الميدان على التعاطف مع كل من العملاء / الموظفين والحصول على رؤى حولهم ومعرفة ما يفكرون فيه ويشعرون به. الممارسون لهذه الممارسة يؤمنون بأن جميع المشاكل مرئية، وستأتي أفضل أفكار ومبادرات تحسين تجربة العميل من النزول للميدان.
إجراء الاستبيانات وأبحاث التسويق لا يكفي، فأنت مهما اجتهدت وأنفقت لن تستطيع الوصول إلى عينة تمثل المجتمع الكلي تمثيلا حقيقيا وواقعيا لعدة أسباب لا يسعني الخوض بها، وكذلك إدارة الشكاوى مهما كانت فعالة ومتعددة القنوات فأنت لن تحصل إلا 5 % من واقع المشاكل في أفضل الأحوال لأنه واحد من كل عشرين شخصاً يشتكون والبقية لا يفضلون التعبير عن امتعاضهم لك وإنما لأقرانهم ولأقاربهم وأصدقائهم أو لربما يكتفون بالذهاب إلى منافسيك دون إعطائك أي فرصة ولهذا يجب أن تذهب للميدان بينهم لممارسة التقمص العاطفي … أظهر اهتمامك وستكتشف الكثير من الرؤى والإلهام
في الختام
إذا أردت أن تمتلك شركتك ثقافة التمحور حول الإنسان، فأنت بحاجة إلى توظيف أشخاص يمتلكون مهارات تقمص عاطفي عالية، لأن هؤلاء هم من سيحولون الجانب النظري من هذه الثقافة إلى واقع عملي ملموس. المتقمصون عاطفي لا يكتفون بترديد “ضع نفسك في حذاء عميلك (مكان العميل)” بل يخلعون حذاءهم ويرتدون حذاء العميل، ليؤلمهم إذا كان ضيقا أو يجعلهم يهوون على وجوههم إن كان كبيراً -تشبيه مجازياً- … أثرهم يمتد لزملائهم فتكون بيئة العمل صحية وقائمة على التعاون والمشاركة وروح الفريق الواحد.
أحد الطرق التي أعرفها لتحديد مستوى التقمص العاطفي هو اختبار Strength finder من منظمة جالوب والذي يرتب نقاط القوة في نتيجة الاختبار فإن كان التقمص العاطفي ضمن أعلى خمس نقاط قوة فلا تتردد بتعيين الشخص خصوصا في الأماكن التي يتم مواجهة العملاء بها أو في إدارة تجربة العميل، كمصدر آخر لمن أراد الاستزادة في موضوع الاختبارات، الاطلاع على هذا الكنز.