التلمذة الصناعية الجيدة تجذب دول العالم بحثاً عن تنمية مستدامة
ماذا يعني مفهوم التلمذة الصناعية الجيدة، ولماذا هذا التوجه العالي والتركيز عليه اليوم؟
عاد مفهوم التلمذة الصناعية إلى الواجهة، بوصفه أحد أهم أركان التنمية المستدامة، الذي من خلاله يتم ضمان استمرار المعامل والمنشآت الحِرفيّة، التّي برزت المخاوف بخصوصها نتيجة قلّة عدد العاملين فيها.
يقوم مبدأ التلمذة الصناعية على تدريب المهن والحرف لفئة الشّباب، مرفقاً بدراسة صفّية نظريّة كما جرت العادة، ضمن معاهد رسميّة حكوميّة أو خاصّة تتراوح مدة الدّراسة فيها بين عامين و4 أعوام كحدٍّ أقصى.
وتقول منظمة العمل الدولية إنّ الشّباب في بلدان متعدّدة يتطلعون إلى اكتساب المهارات، من خلال التلمذة الصناعية، لكنّهم لا يتمكّنون من استيفاء شروط تلك المعاهد والمؤسسات التّعليميّة، فيلجؤون غالباً إلى ممارسة المهنة عبر تعلّم المهنة في منشآت صغيرة وبالغة الصغر في الاقتصاد غير المُنّظم على يد معلّمٍ حرفيٍّ.
تطور مفهوم التلمذة الصناعية
يعود مفهوم التلمذة الصناعية لعصور قديمة، لكنّه أخذ في التّطور عبر السّنين ليشمل الدّراسة داخل معاهدٓ ومؤسساتٍ تعليميّة تحتوي تعليماً نظريّاً أكاديميّاً إلى جانب التّدريب العلميّ لإخراج الطّالب الدّارس فيها، كمتعلّم متكامل الأركان للمهنة، بوصفه خرّيجاً لـ"التلمذة الصناعية". [1]
في سويسرا، يختار أكثر من ثلثي الطّلاب التلمذة الصناعية مقابل ثلثٍ يختار الالتحاق بالثّانوية الأكاديميّة، ومدارس الثقافة العامة، لكنّ النّظام السويسري يتمتّع بميزة السّماح للتلميذ المتدرّب للجمع بين الدّراسة بدوام جزئيّ في معهده المهنيّ، وبين الدّوام في شركة مضيفة أو لدى صاحب عمل توافق عليه السّلطات للتّدرب على المهنة، ما يتيح للطّالب فرصة الحصول على شهادة تدريب مهنيٍّ بعد عامين، وشهادة كفاءة فيدراليّة بعد 3 أو 4 سنوات، ما يمهّد له الطّريق للانخراط في سوق العمل، ويحافظ على انخفاض معدّلات البطالة في البلاد.
وتمنح برامج التلمذة الصناعية للمتدربين فرصة الدخول في الحياة العمليّة من خلال تعريف المستفيدين منها بالصناعات والأساسيات المرتبطة بها عبر التّعليم التّخصصي، وتجربة العمل بالصّناعة المقصودة، وتكوين العلاقات مع أصحاب العمل.
قوة التلمذة الصناعية في العمل
في المقابل، فإن الشّركات وأصحاب العمل يستفيدون من التلمذة الصناعية بالحصول على قوّة عملٍ مؤهلّةٓ بشكلٍ عالٍ، وتتمتع بالخبرة والجودة المطلوبة لأعمالهم.
وقد أوصت منظّمة العمل الدوليّة بتعزيز التّعاون الإقليميّ، والدّولي، والوطنيّ لتبادل المعلومات بشأن الممارسات الجيّدة في كافّة الجوانب المتعلّقة بالتلمذة الصناعية الجيدة، والتّعاون على تقديم فرص تَعلّمٍ موسّعة إلى المتتلمذين، والاعتراف بالكفاءات المكتسبة من برامج التلمذة الصناعية.
كما دعت المنظّمة الدّول الأعضاء إلى وضع وتنفيذ استراتيجياتٍ، ورسم أهدافٍ وطنيّةٍ للتلمذة الصّناعيّة الجيدة، وإدراجها ضمن استراتيجيات التّنمية الوطنيّة المستدامة، وفي سياسات التّعليم والتّعلم المتواصل، وإنشاء هيئات المهارات القطّاعيّة أو المهنيّة، لتسهيل تنفيذ التلمذة الصناعية الجيدة، فضلاً عن تطوير وإنتاج آليات متينة، مثل: نظم معلومات سوق العمل، ومواصلة المشاورات مع الهيئات الممثّلة لأصحاب العمل والعمال، لتقييم الطّلب الحاليّ والمستقبليّ على المهارات، بغية تصميم برامج التلمذة الصناعية أو تكييفها وفقاً لنتائج تلك المشاورات.
هل يحصل الطلاب على رواتب؟
في حال الدّراسة الفعليّة، قد لا يحصل الطّلاب على أي رواتب مقابل أعمالهم خلال عملية التّعلم، لكن مؤخراً باتت بعض المعامل تلجأ إلى تعليم من يرغب مقابل دخلٍ ماديٍّ رمزيّٓ نوعاً ما، مع شرط إبرام عقد محدّدٍ بسنوات معيّنة مع المعمل صاحب التّدريب.
زيادة الوعي بحقوق الطلاب
تعتبر زيادة الوعي بحقوق المتتلمذين أساسياً في توصيات منظّمة العمل الدّولية، مع الدّعوة لإنشاء برامج ما قبل التلمذة الصناعية المستندة إلى الاحتياجات، مع وضع كل التّسهيلات المُمكنة لتتيح للمتدرّبين الوصول إلى فرص العمل المهنيّ.
وتتجه دول العالم إلى تعزيز ودعم التلمذة الصناعية الجيدة مع تراجع معدّلات العاملين الحرفييّن، والميل نحو التّعليم الأكاديميّ عالي المستوى، ما أثّر على الصّناعات العالميّة وأدّى إلى لجوء العديد من الشّركات العالميّة إلى نقل مقرّاتها ومصانعها إلى دولٍ تتوفّر فيها يد عاملة متقنة وبأجورٍ أرخص من بلدانها الأصليّة.