التّغيير مرهقٌ، لكنّ الرّكود مهلكٌ
إنّ للتّمسّك الأعمى بنهج "هذا ما اعتدنا عليه دائماً" كلفةً فادحةً، قد لا تدركها إلّا حين يفوت الأوان

في أحد الأيّام، كنت متّجهاً إلى حفل ميلادٍ لصديقةٍ لي، وقد غفلت عن شراء هديّتها حتّى اللّحظة الأخيرة، ولكنّني شعرت بالارتياح حين وجدت عبر أحد أبرز تطبيقات التّسوّق الفاخرة في الإمارات هديّةً بدت لي مناسبةً تماماً. كان الأمر يسيراً للغاية؛ فبعد ساعتين فقط من تقديم الطّلب عبر هاتفي، كان الطّرد ينتظرني على عتبة داري.
بيد أنّ فرحتي لم تدم طويلاً؛ إذ لاحظت في الهديّة ما ظننته عيباً خفيّاً. لم أكن واثقاً تماماً؛ إذ كانت القطعة عملاً فنّيّاً، وقد يكون ما لاح لي نقصاً، جزءاً من روح التّصميم. لم أرغب في تقديم شيءٍ قد يكون متلفاً، لذا سارعت إلى التّواصل مع خدمة العملاء، راجياً منهم التّحقّق من النّسخ الأخرى للمنتج في مخازنهم، ليحسموا الأمر: هل هو خللٌ حقيقيٌّ أم مجرّد وهمٍ؟
كان الموظّف في خدمة العملاء متعاوناً ومتفهّماً، ولكنّه أوضح أنّ الإجراءات المعتادة تستغرق 24 إلى 48 ساعةً للتّحقّق. فأخبرته أنّني لا أملك ترف الانتظار، وأنّني في حاجةٍ إلى الهديّة مساء اليوم نفسه. ثمّ تساءلت: "إذا كان باستطاعتكم توصيل المنتج في غضون ساعتين، أفلا يمكنكم التّحقّق من المخزون واستبدال المنتج بنفس السّرعة؟"
أيّدني الموظّف في منطقي، ولكنّه عاجلني قائلاً: "عذراً، ولكنّ هذا ليس من ضمن إجراءاتنا".
فأجبته: "لكنّ الإجراء لا يجدي في هذه الحالة!".
فردّ بنبرةٍ محبطةٍ: "أدرك هذا، ولكنّنا لا نستطيع الخروج عن الإجراء".
ما إن سمعت تلك العبارة حتّى أيقنت أنّني لن أحصل على حلٍّ لمشكلتي. قد أكون أنا المخطئ في تقديري للمنتج، ولكن لا ريب في أنّ الخطأ الحقيقيّ يكمن في العقليّة الّتي تدير الموقف.
كم من مرّةٍ ننفّذ نهجاً أو أسلوباً قديماً، ليس لأنّه الأفضل، ولكن فقط لأنّه "ما اعتدنا عليه دائماً"؟ وكم من مرّةٍ تعرّضنا لمواقف مشابهةٍ حيث يكون الحلّ واضحاً ومتاحاً، ولكنّ الإجراءات العقيمة والممارسات الرّوتينيّة تعيق تطبيقه؟
في مثل هذه الحالات، يُلام القادة قبل الموظّفين؛ فحين لا يمكّنون فرق عملهم من التّفكير الخلّاق أو اتّخاذ قراراتٍ مرنةٍ، تخسر الشّركة إمّا خسارةً مباشرةً (كما فعلت عندما أرجعت المنتج)، أو على نحوٍ غير مباشرٍ، حين تنتقل التّجربة السّلبيّة إلى الآخرين عبر الكلمة المتداولة.
لكنّ الأمر لا يقتصر على المؤسّسات وحدها؛ فنحن أيضاً في حياتنا اليوميّة نكرّر أفعالاً لمجرّد أنّها مألوفةٌ، ونهمل اقتراحاتٍ أكثر كفاءةً فقط لأنّها تخالف ما اعتدناه. نخشى التّغيير لا لعيبٍ فيه، بل لأنّه مرهقٌ أو غير مألوفٍ.
غير أنّ الرّكون إلى المألوف لا يقود إلّا إلى الرّكود. فالشّركات النّاجحة، تماماً كالأفراد الطّموحين، هم الّذين يختبرون الأعراف إذا لم تؤدّ غايتها، والّذين لا يخشون تجربة الطّرق المختلفة. إنّ التّقدّم الحقيقيّ لا يأتي من اتّباع النّهج السّائد بلا تمحيصٍ، بل من جرأة مواجهة الواقع والاعتراف بنقائصه، ثمّ العمل على تحسينه بلا تردّدٍ أو خشيةٍ.
فالسّؤال إذن: هل تملك الجرأة على تجاوز العاديّ والمعتاد، لتكتب فصلاً جديداً في قصّة حياتك؟
نُشرت هذه المقالة لأول مرة في عدد مارس من مجلة "عربية .Inc". لقراءة العدد كاملاً عبر الإنترنت، يُرجى النقر هنا.