الحديث عن السياسة في العمل: دليلك لإدارة الحوارات بذكاء
كيف تتعامل مع الخلافات وتحوّلها إلى فرصٍ لتعزيز التّعاون والاحترام؟
غالباً ما تكون المحادثات السّياسيّة معقّدةً، وقد تؤدّي إلى انقساماتٍ؛ لأنّها تتعلّق بتضارب القيم والمعتقدات، وعادةً ما تنبع الآراء حول القضايا الاجتماعيّة أو سياسات العمل من قناعاتٍ شخصيّةٍ وتجارب حياتيّةٍ عميقةٍ. وكقائدٍ في العمل، من الطّبيعيّ أن تواجه مثل هذه النّقاشات الّتي قد تكون مشحونةً سياسيّاً، ممّا يتطلّب منك، ومن فريقك التّحلّي بالاحترافيّة والقدرة على التّعامل مع المواقف بحكمةٍ.
لكن لا تقلق، في هذا المقال سنخبرك أنّ هناك استراتيجيّاتٍ تساعدك على التّعامل مع هذه المحادثات المثيرة للجدل، ممّا يمكّنك من بناء بيئة عملٍ أكثر شموليّةً وإيجابيّةً.
تحمّل المسؤوليّة
من الطّبيعيّ أن نتخلّى أحياناً عن نوايانا الحسنة عندما تتعرّض معتقداتنا الرّاسخة وقيمنا العميقة للتّحدّي، وغالباً ما يؤدّي ذلك إلى خلافاتٍ حادّةٍ تتّسم بتوتّرٍ عاطفيٍّ وتصاعد المشاعر، ممّا يخلق بيئةً غير مريحةٍ للجميع. ومثل هذه المواقف لا تؤثّر فقط على الأطراف المنخرطة في الجدال، بل تترك أثراً عميقاً على من يشهدونها، ممّا قد يولّد شعوراً بالقلق أو الغضب أو حتّى الخوف. بالنّسبة لبعض الأشخاص، قد يصبح الوضع غير محتملٍ لدرجةٍ تدفعهم إلى الاستقالة، بينما قد يختار آخرون البقاء على مضضٍ، رغم شعورهم بالقلق على سلامتهم النّفسيّة أو الشّخصيّة.
يؤدّي الصّراع في مكان العمل إلى تداعياتٍ خطيرةٍ، ولا يجب التّعامل معه باستخفافٍ، كما يتسبّب أحياناً في أضرارٍ حقيقيّةٍ مثل الصّدمات النّفسيّة، وفي أحيانٍ أخرى تترتّب عليه عواقب قانونيّةٌ خطيرةٌ تؤثّر على الأطراف المعنيّة، وعلى المؤسّسة بأكملها. لذا، يجب عليك كقائدٍ منع استمرار النّقاشات الحادّة وغير المحترمة؛ لأنّ هذا الأسلوب في التّواصل غير مقبولٍ في بيئة عملٍ مهنيّةٍ.
كما تقع على عاتقك كقائدٍ مسؤوليّة إدارة الحوارات الصّعبة الّتي تنشأ داخل فريقك، وقد تضطرّ أحياناً إلى بدء هذه النّقاشات بنفسك. لذلك، يصبح من الضّروريّ أن تتعلّم كيفيّة تهدئة المواقف المحتدمة وضمان بقاء النّقاشات محترمةً ومنتجةً، فقد يؤدّي عدم القيام بذلك إلى الإضرار بسمعتك، وإضعاف قدرة فريقك على العمل بكفاءةٍ، والتّأثير السّلبيّ على سمعة مؤسّستك.
وضع حدودٍ وقواعد واضحةٍ
لتعزيز بيئة عملٍ إيجابيّةٍ، يجب أن تضع معايير واضحةً توضّح كيف يجب أن يكون التّواصل بين أعضاء الفريق. وبعد تحديد هذه المعايير، قم بإبلاغ فريقك بها بشكلٍ واضحٍ، حتّى يفهم الجميع ما هو متوقّعٌ منهم، كما أنّ تطبيق هذه الإرشادات بجدّيّةٍ يضمن أن تظلّ بيئة العمل محترمةً ومنتجةً، ممّا يعزّز من التّعاون والانضباط داخل الفريق.
يعتمد وضع الإرشادات على احتياجات فريقك وطبيعة التّفاعل بينهم، فقرّر ما إذا كنت ستسمح بالمحادثات السّياسيّة أم لا، فإذا اخترت عدم السّماح بها، حدّد بوضوحٍ ما يعتبر سياسيّاً وما لا يعتبر كذلك، وإذا اخترت السّماح بها، عليك أن تحدّد بوضوحٍ كيف يجب أن تُدار هذه النّقاشات لضمان بقائها محترمةً ومهنيّةً. ويمكنك كقائدٍ أن تختار فرض حظرٍ أو طلب تقييد النّقاشات السّياسيّة في مكان العمل؛ لديك الحقّ الكامل في اتّخاذ هذا القرار، ولكنّه قد لا يكون دائماً واقعيّاً أو مفيداً.
ومن جهةٍ أخرى، قد يصبح تجنّب النّقاشات السّياسيّة أمراً صعباً، خاصّةً عندما يتأثّر أحد الموظّفين شخصيّاً، أو يكون مرتبطاً بشكلٍ عميقٍ بالأحداث الجارية. لذلك، خصّص وقتاً للتّفكير في الظّروف الّتي ستسمح بها لهذه النّقاشات، ومتى يمكن أن تتمّ، وكيفيّة إدارتها، واحرص على وضع الإرشادات بعنايةٍ وبدقّةٍ لضمان تحقيق بيئة عملٍ إيجابيّةٍ ومتوازنةٍ تحترم الجميع وتدعم الإنتاجيّة.
كُن قدوةً للسّلوك الذي تريد رؤيته
بعد تحديد الإرشادات بوضوحٍ، التزم بتقديم نموذجٍ للسّلوك الّذي تتوقّعه من فريقك، إذ يساعد تقديم هذا النّموذج فريقك على بناء علاقاتٍ أعمق والتّعاون بشكلٍ أفضل لتحقيق نتائج إيجابيّةٍ، فاجعل أفعالك تعكس القيم الّتي تريد غرسها؛ لأنّ الفريق يتعلّم من تصرّفات قائده، ويستوحي منها أسلوب العمل الّذي يجب اتّباعه. وإليك ثلاثة طرق لتقديم نموذجٍ للسّلوك الّذي ترغب في رؤيته من أعضاء الفريق:
عبّر عن وجهة نظرك بلطفٍ واستمع بصدقٍ
فكّر جيّداً في الهدف من المحادثة الّتي تبدأها أو الرّأي الّذي تشاركه، وتأمّل كيف قد يتلقّى الآخرون رسالتكَ، واحرص على التّحدّث بوضوحٍ وابدأ بتوضيح نواياك وتوقّعاتك منذ البداية، وركّز على ما يخدم الفريق والمؤسّسة بشكلٍ أفضل، فلا تجعل هدفك السّيطرة على النّقاش أو تغيير قناعات الآخرين أو إظهار تفوّقك، بل اعمل على بناء حوارٍ مثمرٍ ومفيدٍ للجميع.
بالإضافة إلى ذلك، قدّم وجهة نظرك بطريقةٍ محترمةٍ ولطيفةٍ، ووضّح رغبتك الحقيقيّة في فهم آراء زملائك والاستماع إليها، حيث يظهر هذا الأسلوب انفتاحك على الحوار، ممّا يخلق نقطة تواصلٍ قويّةٍ حتّى إذا لم يكن الطّرف الآخر مستعدّاً أو قادراً على التّفاعل.
على سبيل المثال: "أدرك أنّ هذا الموضوع قد يكون غير مريحٍ، ولكنّني أودّ مناقشة كيفيّة تحسين تواصلنا والسّعي لفهم وجهات نظر بعضنا البعض باحترامٍ، فكلّ فردٍ في فريقنا، وفي شركتنا، له قيمته، حتّى عندما نختلف في الآراء، فأنا أرحّب بالاختلاف في وجهات النّظر؛ لأنّ ما يهمّ هو الطّريقة الّتي نناقش بها الموضوعات. لذا، أرجو أن نراعي ذلك عند الحديث عن موضوعاتٍ قد تكون حساسةً، مثل السّياسة وغيرها. ولن أسمح بأيّ شكلٍ من الأشكال بالإهانة أو عدم الاحترام أو السّلوك العدوانيّ الّذي قد يجعل الآخرين يشعرون بعدم الأمان". وبهذا الأسلوب، تخلق بيئة عملٍ تركّز على الاحترام المتبادل، وتعزّز الشّعور بالأمان والانفتاح.
تعامل مع المواقف الصّعبة بحسن ظنٍّ
اجعل حسن الظّنّ أساساً لتعاملك مع المواقف الصّعبة، خصوصاً عند مناقشة موضوعاتٍ مثيرةٍ للجدل، وركّز على طريقة حديثك؛ لأنّ الطّريقة الّتي تتحدّث بها تؤثّر بشكلٍ كبيرٍ على شعور الآخرين. حيث يترك شعورهم بعد النّقاش انطباعاً دائماً عنك، لذا احرص على أن يكون إيجابيّاً. وحتّى أكثر الأعضاء تحفّظاً في فريقك لديه مشاعر، ويريد أن يستمع إليه ويعامل باحترامٍ. واستمع بانفتاحٍ، وأظهر الاحترام لما يقولونه، فهذا الأسلوب يعزّز الثّقة، ويترك أثراً إيجابيّاً دائماً.
لذا احرص على افتراض وجود نوايا إيجابيّةٍ لدى الآخرين، إلى جانب معاملتهم باحترامٍ ولطفٍ، واعتبر أنّ جميع المشاركين في النّقاش يسعون لتحقيق نتيجةٍ إيجابيّةٍ. حيث يؤثّر هذا الافتراض بشكلٍ كبيرٍ على طريقة تفكيرك تجاه التّفاعل، ويغيّر أسلوب تعاملك مع الآخرين، كما يساعد على تحسين الطّريقة الّتي يتلقّون بها رسائلك.
اعتمد هذا الإطار الإيجابيّ لتجعل المحادثات أكثر سهولةً وسلاسةً، ولتشجّع الآخرين على منحك حسن الظّنّ بدورهم. على سبيل المثال: "نحن جميعاً جزءٌ من مجتمع العمل، ولهذا أودّ أن نتعامل مع جميع المحادثات بمنطلق حسن الظّنّ، معتقدين أنّ الطّرف الآخر يسعى أيضاً لتحقيق نتيجةٍ إيجابيّةٍ، حيث يساعدنا هذا النّهج على أن نكون أكثر انفتاحاً على الاستماع، ويجعل الآخرين أكثر استعداداً لتلقّي رسائلنا بنوايا إيجابيّةٍ". وبهذه الطّريقة، تدعم ثقافة الاحترام والانفتاح، وتحقّق تواصلاً إيجابيّاً وبنّاءً.
تدخّل عند الحاجة بشكلٍ فوريٍّ
احرص على التّدخّل في أيّ خلافٍ بمجرّد ملاحظته؛ لأنّ التّدخّل المبكّر يعدّ أفضل وسيلةٍ لتهدئة الأمور، ويعتمد نجاح هذا التّدخّل على وعيك أنت أو الأطراف الأخرى بما يحدث في اللّحظة نفسها، فراقب الموقف بانتباهٍ، واتّخذ خطوةً حاسمةً عندما يتطلّب الأمر ذلك، لتوجيه النّقاش نحو مسارٍ أكثر احتراماً وإنتاجيّةً قبل أن يتفاقم، فكلّما بادرت بالتّدخّل مبكّراً، زادت فرصك في الحفاظ على بيئة عملٍ إيجابيّةٍ ومتوازنةٍ.
لاحظ المؤشّرات الأولى للتّوتّر، مثل تغيّر الأجواء، ارتفاع الأصوات، أو ظهور علامات الإزعاج أو الغضب على أحد الأطراف، وتدخّل على الفور. لا تنتظر حتّى يتحوّل النّقاش إلى جدالٍ حادٍّ، واقطع المحادثة بلطفٍ، وأشر إلى ملاحظتك بطريقةٍ محترمةٍ لإعادة توجيه الحوار.
خذ نفساً عميقاً، وقل شيئاً مثل: "أرى أنّ النّقاش بدأ يأخذ منحى ساخناً، فإذا كان هذا الموضوع مهمّاً بالنّسبة لكم، يمكننا تخصيص وقتٍ آخر لمناقشته، ولكن ليس هنا أو بهذه الطّريقة. كما يجب أن نتمهّل ونتحدّث مع بعضنا البعض بأسلوبٍ أكثر تفكيراً واحتراماً". إذ يساهم هذا التّدخّل المبكّر في تهدئة الموقف، وحماية أجواء النّقاش، والحفاظ على الاحترام بين الجميع.
الخلاصة، يتطلّب دورك كقائدٍ تحديد نبرة التّفاعل بوضوحٍ، وتقديم نموذجٍ للسّلوك الإيجابيّ، والتّعامل مع النّزاعات بطريقةٍ استباقيّةٍ، إذ يحمل هذا الدّور أهمّيّةً كبيرةً في الحفاظ على انسجام بيئة العمل وتحقيق توازنها.
وتعتبر الاستراتيجيّات المذكورة في هذا المقال أدواتٍ فعّالةً وأساسيّةً لبناء بيئة عملٍ متوازنةٍ ومنتجةٍ، فتحتاج النّقاشات السّياسيّة، على وجه الخصوص، إلى نهجٍ مدروسٍ ومتعمّدٍ لضمان التّواصل باحترامٍ وبشكلٍ إيجابيٍّ، فاجعل كلّ تفاعلٍ فرصةً لتعزيز التّعاون وبناء فريقٍ أقوى. وعندما تدار النّقاشات بحكمةٍ، وحتّى الموضوعات المثيرة للجدل يمكن أن تسهم في تقوية ديناميكيّات الفريق وترسيخ ثقافة الثّقة والاحترام المتبادل.