الحوسبة الكمومية: تحدّياتٌ جديدةٌ تواجه أمن المعلومات
تقنيات التّشفير التّقليديّة تواجه مخاطر تُهدّد الأمان الرّقميّ، ممّا يستدعي ابتكار حلولٍ جديدةٍ لحماية البيانات في العالم التّقنيّ
أصبحت الحوسبة الكمومية موضوعاً مهمّاً يشغلُ بال الباحثين والمُتخصّصين في أمن المعلومات، حيث تطرح تحديّاتٌ جديدةٌ تتعلّق بحماية البيانات في العصر الرّقميّ، فتعتمد الكثير من الخوارزميّات المُستخدمة اليوم في التّشفير على تقنياتٍ طُوّرت قبل عقودٍ طويلةٍ، ومع أنّها كانت فعالةً للغاية حتّى الآن، إلّا أنّ التّقدم في مجال الحوسبة الكمومية يُهدّد بقلب موازين هذا الأمان.
ما هو التشفير وكيف يعمل؟
التشفير هو العمليّةُ التي تضمن سريّة المعلومات أثناء نقلها عبر الإنترنت، وهو ما يحافظ على خصوصية البيانات، ويمنع المُتسلِّلين من الوصول إليها، حيث تعتمدُ تطبيقاتٌ، مثل iMessage من شركة Apple، على تقنيات التّشفير لحماية محتويات الرّسائل والبيانات الّتي يتمّ تبادلها بين المستخدمين، وهذا النّوع من الحماية يعتمدُ على خوارزمياتٍ معقّدةٍ تجعل من الصّعب على أيّ طرفٍ غير مخولٍ لفكّ تشفير البيانات من الوصول إلى محتواها.
شاهد أيضاً: حافظ على عملك في زمن الغموض بفهم الأمن السيبراني
ما التحدي الذي تمثله الحوسبة الكمومية؟
تَستخدمُ معظم أنظمة التّشفير الحاليّة ما يُعرفُ بتشفير المفتاح العامّ، وهو شكلٌ من أشكال التّشفير يعتمدُ على مفاتيح رقميّةٍ يتمّ إنشاؤها عبر عمليّة ضرب عددين أوليّين كبيرين للغاية. ولفكّ هذا التّشفير، يتعيّنُ على المهاجم أن يحسبَ العوامل الأوليّة التي تُنتج هذا الرّقم الكبير، ومع كون الأرقام المُستخدمة في هذه العمليّات ضخمةً جداً، فإنّها تجعل عمليّة فكّ التّشفير مستحيلةً عمليّاً باستخدام الحواسيب التّقليديّة.
لكن هنا تكمن المشكلةُ مع ظهور الحوسبة الكمومية، إذ تتميّز أجهزة الكمبيوتر الكموميّة بقدرتها على معالجة المعلومات بطريقةٍ تختلف جذريّاً عن الحواسيب التّقليديّة، فهي تستخدمُ مبادئ فيزيائيّة من عالم الكمّ، مثل التّراكب والتّشابُك الكمّي، ممّا يجعلها قادرةً على إجراء عمليّاتٍ حسابيّةٍ معقدةٍ بشكلٍ أسرعٍ بكثيرٍ، وأحدُّ هذه العمليّات هو تحليل الأعداد الأوليّة الكبيرة، والّتي هي جوهر تشفير المفتاح العامّ.
بحسب راي هاريشانكار، رئيس مُبادرة "Quantum Safe" في شركة IBM، فإنّ الرّقمَ الّذي يُحلّل باستخدام حاسوبٍ كلاسيكيٍّ سيحتاجُ إلى ملايين السّنين، فحين يُمكن أن يُحلّلَ بواسطة حاسوبٍ كميٍّ في غضون ساعاتٍ قليلةٍ فقط، وهذا التّطوّر قد يُعرّض البيانات المُشفّرة حاليّاً لخطرٍ حقيقيٍّ، إذا لم يتم تحديث تقنيات التّشفير لمواجهة قدرات الحوسبة الكمومية.
كيف يمكن حماية البيانات في عصر الحوسبة الكمومية؟
لحماية البيانات من هذا الخطر المُحتمل، يعملُ الباحثون والشّركات المُتخصّصة في أمن المعلومات على تطوير خوارزميّات تشفيرٍ جديدةٍ مقاومةٍ للحوسبة الكمومية، تُعرف باسم التّشفير الآمن كمّياً (Quantum-Safe Encryption)، وهذه الخوارزميّات مُصمّمةٌ بحيث تكون غير قابلةٍ للكسر حتّى باستخدام أقوى الحواسيب الكمومية المُستقبليّة.
بالتّوازي مع ذلك، يجب على المؤسّسات البدء في التّفكير بالانتقال إلى تقنيّات التّشفير الكمّية قبل أن تُصبحَ الحوسبة الكمومية قادرةً على كسر التّشفير الحاليّ، ويتضمّنُ هذا التّحديث الفوريّ للبنية التّحتيّة الأمنية، بالإضافة إلى التّأكّد من أنّ جميعَ أنظمة الحماية المُستخدمة قادرةٌ على التّصدي للتّحديّات التي قد تطرأ في المستقبل القريب.
وفي النّهاية، يبقى الوعي بالتّحديّات الأمنية الجديدة التي تفرضها الحوسبة الكمومية خطوةً أولى وأساسيّةً نحو تأمين البيانات والمعلومات في عالمٍ يتّجه بسرعةٍ نحو تبنّي هذه التّقنية المُتقدّمة.