الخطأ الذي منع Microsoft من السيطرة على سوق الهواتف الذكية
الخطأ الذي لا زالت مايكروسوفت تدفع ثمنه، وقال عنه رئيسها التنفيذي-ساتيا ناديلا- إنّه أكبر ندمٍ لديه.
كلّ فترةٍ، يحبّ أحد التّنفيذيين في مايكروسوفت أن يتحدّثَ عن مغامرةِ الشّركة الفاشلة في عالمِ الهواتفِ المحمولةِ. وحسب الشّخص الذي يتحدّثُ حينها، فقد كان إنهاء مشروع مايكروسوفت موبايل إمّا أفضل قرارٍ اتّخذته الشّركة، أو خطوةً خاطئةً كبيرةً. [1]
ومؤخّراً، كان هذا التّنفيذيُّ هو الرّئيس التّنفيذي ساتيا ناديلا، الذي أجرى مقابلةً مع بزنس إنسايدر، حيث تمّ سؤاله عن قرارٍ استراتيجيٍّ ندم عليه بعد رؤيته بوضوحٍ. وكردٍّ، أثار ناديلا مسألة استحواذ الشّركةِ على نوكيا، والخروج من مجال الهواتف الذّكية:
"القرار الذي يتحدّث عنه الكثيرون، وكان واحداً من أصعبِ القرارات التي اتّخذتها عندما تولّيت منصب الرّئيس التّنفيذي، كان خروجنا ممّا سأسميه الهاتف المحمول، كما تمّ تعريفه آنذاك. وعند النّظر إلى الوراء، أعتقدُ أنّه كانت هناك طرقٌ لجعلِ الأمور تنجحُ، ربّما من خلال ابتكارِ فئة الحوسبة بين أجهزة الكمبيوتر الشّخصيّةِ، والأجهزة اللّوحية، والهواتف".
أنا متأكدٌ أنّه كان قراراً صعباً، خاصّةً بالنّسبةِ لشخصٍ تسلّم دور الرّئيس التّنفيذيّ، وكانت هناك توقعاتٌ كبيرةٌ تنتظرهُ. ولكن، لا أعتقدُ أنّ المشكلةَ كانت في أنَّ مايكروسوفت أنهت مشروع الهاتف الذّكيّ، بل أعتقدُ أنّ المشكلةَ كانت في أنّه لم يكن لدى الشّركة فرصةٌ من البدايةِ.
الواقعُ أنّ مايكروسوفت لم تحقّق النّجاح في مجالِ الهواتفِ المحمولة بشكلٍ كبيرٍ، لأنهّا قلّلت من شأنِ الإمكاناتِ. والأهمّ من ذلك، كانت أعمالها وتركيزها منصبّين على الشّيء الذي كان يجلبُ لها الأموالَ: ويندوز.
إذا كانت مايكروسوفت ستبني هاتفاً ذكيّاً، فهي ستفعلُ ذلك مع اعتقادِ أنّ ويندوز على جهاز كمبيوترٍ محمولٍ أو سطحِ المكتبِ سيظلّ دائماً أهمّ جهاز كمبيوتر يمتلكه الشّخص. والمشكلة في مايكروسوفت هي أنّ هذا الافتراضَ كان خاطئاً تماماً.
المفارقةُ هي أنّ مايكروسوفت كانت ربما الشّركة الوحيدة القادرة على بناء الجهاز الأكثر منفعةً للكثيرِ من النّاس: هاتفٌ ذكيٌّ، يُمكنكَ حمله في جيبكَ، ويُمكنكَ توصيله كذلك بتجهيزٍ ما، يتيحُ لك العملَ كما لو كنت تعملُ على جهاز كمبيوترٍ.
يشيرُ ناديلا إلى هذه النّقطة تحديداً، عندما يتحدّثُ عن "ابتكار فئة الحوسبة بين أجهزة الكمبيوتر الشّخصية، والأجهزة اللّوحية، والهواتف"، وهذا نوعٌ من الحلمِ الأسمى لأيّ شخصٍ يتمنّى أن يحمل جهازاً واحداً معه فقط.
لقد حاولت شركاتٌ أخرى القيام بذلك تماماً، ولكن في معظم الحالاتِ، لم تكن محاولاتها ناجحةً. وكان على مايكروسوفت، من ناحيةٍ أخرى، أن تكونَ جيّدةً في هذا، ولكنّها لم تستطع أن تصبّ اهتمامها على شيءٍ غير الذي جلب لها أكبر الإيرادات، ولم تستطع أن ترى شيئاً أبعد من ويندوز على جهاز كمبيوترِ سطحِ المكتبِ.
شاهد أيضاً: لماذا يرى الرئيس التنفيذي لـ Microsoft أن Copilot سيغير طريقة عملنا؟
هذا واحدٌ من الأسبابِ التي تجعلُ مايكروسوفت تحاولُ بجدٍّ إثبات نفسها في عالمِ حوسبة الذكاء الاصطناعي. إذ تراهن الشّركة بشكلٍ كبيرٍ على أنّ الذكاء الاصطناعي التوليدي سيكون منصّةَ الحوسبة الرّئيسة في الخمس أو عشر سنواتٍ القادمةِ، وترغبُ في تعظيم حصّتها من ذلك ما استطاعت. إذ قال ناديلا:
"بالنّسبة لي، الذكاء الاصطناعي هو أعظمُ فرصةٍ أمامنا"، فكما قامت السّحابة بتحويل كل فئةٍ من البرمجيّات، نعتقدُ أنّ الذكاء الاصطناعي سيكونُ هو القوّة التّحويلية التي ستجلبُ هذا النّوع من التّغييرات".
من خلالِ الاستماعِ إلى ناديلا، يبدو واضحاً أنّ أكبر ندمٍ له لا ينحصر بحقيقةِ أنّه أخرج مايكروسوفت من عالم الهواتف الذّكية، بل أنّ الشّركة لم تفهم الهواتف الذّكية في البدايةِ على الإطلاق. ولنكن صادقين، كان ربّما إنهاء مايكروسوفت موبايل فكرةً جيّدةً. إذ كان من الواضح بالفعل أنّ نظامي iOS وAndroid قد فازا بالمعركةِ، وأصبحتا منصّاتِ الهواتف الذّكية.
بحلولِ الوقتِ الذي قامت فيه مايكروسوفت بخصمِ معظم قيمة استحواذها على نوكيا، كانت بيئةُ الهواتف الذّكية قد استقرّت تماماً تقريباً. وعند النّظر إلى الوراءِ، من السّهل فهمُ لماذا يرى ناديلا ومايكروسوفت أنّها كانت فرصةً ضائعةّ، فالهاتف الذّكي هو أهمّ جهاز حوسبةٍ في العالم، ومايكروسوفت لا تلعب دوراً كبيراً في ذلك، إن وجد لها دورٌ أصلاً. لكنّ هذا مختلفٌ تماماً عن وضعها في أجهزة كمبيوتر سطح المكتب والسّحابة.
الدّرسُ بسيطٌ جدّاً في الواقع: أصعبُ شيءٍ هو التّنبؤ بالمستقبل، والشّيء الثّاني الأصعب هو تصوّر أنّه قد يكون هناك شيءٌ في المستقبلِ أفضل من أيّ شيءٍ غير الذي تسبّب في نجاحكَ في البداية. هذا هو الخطأ الذي ارتكبته مايكروسوفت، وليس من الصّعب رؤية لماذا يُمكن أن يكونَ هذا أكبر ندمٍ لناديلا.
يبدو أنّ مايكروسوفت لم تكن تفهمُ القوّة المحوريّة للهواتف الذّكيّة في حياة النّاس، ولم تكن تعرف كيف يُمكن أن تجعلَ هواتفها الذّكية جذّابةً أو مفيدةً بما فيه الكفاية بالنّسبةِ للمستخدمين. وبالرّغم من أنّ مايكروسوفت كانت تملكُ كلّ الإمكانيّات لتكون رائدةً في هذا المجال، إلّا أنّ تركيزها المبالغ فيه على نظام ويندوز وتقييمها الخاطئ لأولويات السّوق تسبّبت بخسارتها لفرصةٍ ذهبيّةٍ.
والآن، مع محاولاتِ مايكروسوفت الجادّة في الدّخول إلى عالمالذكاء الاصطناعي، تأمل الشّركة في تعويض ما فاتها في سوق الهواتفِ الذّكية. إذ ترى الشّركة أنّ الذكاء الاصطناعي سيكون المنصّةَ الرّئيسة للحوسبة في العقدِ القادمِ، وترغبُ في أن يكونَ لها حضورٌ قويٌّ في هذا المجالِ.
وفي الختام، يظلّ الندمُ على فشلِ مشروع الهواتف الذّكية لدى مايكروسوفت درساً قيّماً لناديلا والشّركة بأسرها. فحواه أن تكون مستعدّاً للتكيّف مع التّغييرات في السّوق واستيعاب الفرص الجديدة عندما تظهر، وألّا تتمسّك بالنّجاحات السّابقة بشكلٍ أعمى، وهذا ما قد يحمي مايكروسوفت من تكرارِ أخطاءِ الماضي في المستقبلِ.