الرئيسية التنمية الخوف كدافع: كيف تحول قلقك إلى قوة تحفيزية؟

الخوف كدافع: كيف تحول قلقك إلى قوة تحفيزية؟

كلّ خطوةٍ نحو القمّة تبدأ بالخوف. واجهه، واستخدمه كوقودٍ يدفعك لتحقيق أحلامك، بدلًا من أن يعيق طريقك

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

عندما صعد أسطورة الغناء إلفيس بريسلي لأوّل مرّةٍ على خشبة مسرح غراند أول أوبري، كان شابّاً مليئاً بالطّموح والخوف في آنٍ واحدٍ، لكن بدلاً من أن يكون ذٰلك الأداء نقطة انطلاقٍ نحو المجد، واجه تعليقاً كان كفيلاً بإخماد شعلته إلى الأبد: "لن تذهب إلى أيّ مكانٍ يا بنيّ، يجب أن تعود إلى قيادة الشّاحنة".

كثيرون في مكانه كانوا سيشعرون بالانهيار، وربّما يستسلمون، ولكنّ بريسلي لم يفعل، بدلاً من أن يدع الخوف والتّشكيك في ذاته يسحقانه، حوّل تلك المشاعر إلى وقودٍ حقيقيٍّ، وانطلق ليصبح أسطورةً موسيقيّةً خلّدها التّاريخ.

وهنا يكمن الدّرس: الأشخاص الّذين يحقّقون أعظم النّجاحات في حياتهم ليسوا من لا يخافون، بل هم من يعرفون كيف يحوّلون الخوف إلى دافعٍ.

إذا كنت مثل معظم النّاس، فالخوف ربّما هو ما يمنعك من الوصول إلى أحلامك، الخوف من الفشل، الخوف من أنّك لن تكون جيّداً بما يكفي، أو الخوف من أنّك قد تبدأ الطّريق، ولا تعرف كيف تكمله، ولكنّ الحقيقة؟ هؤلاء الّذين تراهم الآن على القمم شعروا بالخوف ذاته، واختاروا أن يمضوا قدماً رغم ذٰلك.

الخوف ليس مجرّد شعورٍ عابرٍ، بل هو رسالةٌ يبعثها لك عقلك ليقول: "هٰذا مهمٌّ!"، إنّه كجرس إنذارٍ داخليٍّ يوقظ فيك طاقاتٍ ربّما لم تكن تعرف بوجودها، دعنا نحاول استكشاف كيف يمكننا أن نعيد برمجة رؤيتنا للخوف من عدوٍّ نخشاه إلى حليفٍ يدفعنا لتحقيق الإنجازات، سنتحدّث عن استراتيجيّاتٍ عمليّةٍ لتحويل تلك اللّحظات المليئة بالتّوتّر إلى خطواتٍ تقودك نحو النّجاح، سواءٌ كنت تواجه قراراً مصيريّاً في العمل أو حلماً كبيراً يراودك منذ سنواتٍ.

الخوف: الشّعور البشريّ الّذي يحمينا

في كثيرٍ من الأحيان، يكون الخوف هو الرّفيق الّذي يحمينا من المخاطر، ويمنعنا من الوقوع في المشكلات، يقول الدّكتور طومسن ديفيس، أخصّائيّ الفوبيا ورئيس قسم علم النّفس في جامعة ألاباما: "الخوف صحّيٌّ وقابلٌ للتّكيّف، لو لم نشعر بالخوف من الموت أو الإصابة، لما كنّا ننظر يميناً ويساراً قبل عبور الطّريق".

ذٰلك أنّ الخوف يدفعنا إلى الحذر واتّخاذ التّدابير اللازمة لحماية أنفسنا، وبحسب الدّكتور ديفيس إنّ الخوف من كلبٍ شرسٍ يزمجر ويعوي هو ردّ فعلٍ منطقيٌّ ومفهومٌ، ولكنّ الخوف المبالغ فيه من الكلاب، الّذي يدفع شخصاً ما إلى تجنّب الحدائق أو المساحات المفتوحة خوفاً من رؤية كلبٍ هناك، هو مثالٌ على خوفٍ غير متناسبٍ قد يتطلّب تدخّلاً متخصّصاً.

المشكلة تكمن عندما يبدأ الخوف بالتّأثير السّلبيّ على حياتنا اليوميّة أو صحّتنا النّفسيّة، وفقاً لدراسةٍ نشرت في "سْتات بيرلز" (Stat Pearls)، يمكن أن يؤدّي الخوف إلى زيادة نشاط الجهاز العصبيّ بطرقٍ قد تكون ضارّةً على المدى الطّويل، كما أنّ الخوف يرتبط ارتباطاً وثيقاً باضطرابات المزاج مثل القلق والاكتئاب، ويمكن في بعض الحالات أن يعزّز هٰذه الحالات أو حتّى يسبّبها، بحسب ما يوضّحه الدّكتور ديفيس.

ومن هنا يبدأ الحديث عن الخوف كدافعٍ، فهو دافعٌ أجسادنا لتجنيبنا المخاطر المحتملة، كما أنّه يمكن أن يكون دافعنا الشّخصيّ للنّجاح أيضاً [1] .

ماذا لو قرّرت أن تسعى خلف أحلامك؟

تخيّل حياتك إذا قرّرت أن تأخذ الخطوة الأولى نحو أحلامك، حسناً الآن، تخيّل العكس: كيف ستكون حياتك إذا اخترت البقاء في مكانك؟ تلك الأفكار، بين الأمل والخوف، يمكن أن تغيّر كلّ شيءٍ.

دعني أشاركك قصّتي، أكتب هٰذا المقال اليوم، بينما تعيش بلادي حالةً من عدم الاستقرار، تراودني فيها الكثير من المخاوف، ماذا سيحدث بعد قليلٍ؟ ماذا عن أمن عائلتي؟ لكنّي وضعت كلّ تلك المخاوف جانباً، وانطلقت من دافعٍ واحدٍ "دافع الخوف من عدم امتلاك الموارد الماليّة الكافية لشراء الاحتياجات الأساسيّة"، تجاوزت كلّ مخاوفي الأخرى، وبدأت العمل، أرى في هٰذا نجاحاً كبيراً، على الأقلّ تمكّنت من تحويل الخوف إلى دافعٍ!

الحقيقة كان بإمكاني الانسياق مع المخاوف والعيش بانتظار المجهول، ولكنّي اخترت العكس، لا أستطيع تغيير الواقع كلّه، ولكنّني أحاول تغيير واقعي على الأقلّ، وهنا يمكن أن نجد بعض الأمل بإمكانيّة تحويل الخوف إلى محرّكٍ لا إلى ذٰلك الشّيء الّذي يوقعنا بحالة ركودٍ بانتظار مخاوف أكبر قد تتحقّق!

الخوف، رغم سمعته السّيّئة، يمكن أن يكون قوّةً إيجابيّةً تدفع الإنسان نحو تحقيق الإنجازات الكبيرة، بعيداً عن قصّتي المتواضعة، وعبر التّاريخ، هناك أمثلةٌ ملهمةٌ لأشخاصٍ حوّلوا خوفهم إلى دافعٍ يقودهم نحو النّجاح.

على سبيل المثال، الرّياضيّون العالميّون غالباً ما يعترفون بأنّهم يشعرون بالخوف قبل خوض المنافسات الكبرى، ولكن بدلاً من أن يسمحوا لهٰذا الشّعور بشلّ حركتهم، يستخدمونه كأداةٍ لتحفيزهم، أسطورة السّباحة مايكل فيلبس، الّذي فاز بـ28 ميداليّةً أولمبيّةً، كان يعترف بشعوره بالخوف قبل كلّ سباقٍ، ولكنّه كان يرى في هٰذا الخوف علامةً على مدى أهمّيّة اللّحظة، ممّا جعله يركّز طاقته على التّدريب المكثّف والاستعداد الذّهنيّ.

والأمر لا يقتصر على الرّياضة، رائدة الأعمال سارة بلاكلي، مؤسّسة شركة "سبانكس" (Spanx)، كانت تخشى الفشل بشدّةٍ عندما بدأت مشروعها، ولكنّها استخدمت هٰذا الخوف كدافعٍ للإبداع والابتكار، معتبرةً أنّه دليلٌ على أنّها تخوض تحدّياً يستحقّ العناء.

الآن، دعنا نحاول استكشاف بعض النّصائح الّتي تساعد في تحويل مخاوفنا إلى دافعٍ لتحقيق النّجاح [2] :

ابدأ بالخوف الّذي يمكنك التّحكّم فيه

عندما تواجه مخاوفك، ابدأ بالأمور البسيطة الّتي تشعر بأنّها أقلّ تهديداً وأيسر في التّعامل معها، على سبيل المثال، إذا كنت تخشى أن يصبح تقدّمك في العمر عائقاً لممارسة هواياتك، فبدلاً من التّوقّف عنها تماماً، حاول تعديل أسلوب ممارستها بما يتناسب مع قدراتك.

يمكن أن يعزّز التّعامل النّاجح مع هٰذه المخاوف الصّغيرة ثقتك بنفسك، ويجهّزك لمواجهة التّحدّيات الأكبر.

اسأل نفسك: ما الّذي يقف خلف هٰذا الخوف؟

حاول أن تفهم أصل خوفك، ما الّذي يجعلك تشعر بعدم الارتياح؟ وما المعنى الحقيقيّ الّذي يحمله هٰذا الخوف بالنّسبة لك؟

على سبيل المثال، إذا كنت تخشى التّباطؤ مع التّقدّم في العمر، فقد يعني ذٰلك أنّك تخشى فقدان قدرتك على مشاركة الأنشطة مع أطفالك أو أحفادك، وبالنّسبة لشخصٍ آخر، قد يكون الخوف نابعاً من الاضطرار إلى التّخلّي عن رياضةٍ أو هوايةٍ يحبّها.

هٰذا هو "الخوف المحفّز" الخاصّ بك ذٰلك الخوف الّذي يمكن أن يدفعك لتحسين صحّتك ورفاهيتك والاستعداد للمستقبل.

تحمّل المسؤوليّة وشارك مخاوفك

حمّل نفسك مسؤوليّة مواجهة خوفك من خلال مشاركته مع أصدقائك أو أفراد عائلتك، الحديث عن نواياك لتحسين حياتك سيزيد من التزامك بتحقيق تلك الأهداف، إذا كنت تفضّل الاحتفاظ بها لنفسك، فإنّ تدوينها في دفتر يوميّاتك قد يكون كافياً لجعلها ملموسةً.

اصنع خطّةً واضحةً

ضع خطّةً واقعيّةً لتستخدم الخوف كحافزٍ لتغيير العادات غير الصّحّيّة، مثلاً، ابدأ بتحديد الجوانب الّتي ترغب في تحسينها، سواءً كانت لياقتك البدنيّة أو صحّتك النّفسيّة. إذا كنت تريد أن تصبح أكثر نشاطاً، فابدأ بخطواتٍ صغيرةٍ وسهلةٍ، مثل المشي لمدّة 10 دقائق يوميّاً.

نصائح لتطوير خطّةٍ فعّالةٍ:

  • فكّر في الهدف النّهائيّ: كيف ستبدو حياتك إذا حقّقت هٰذا الهدف؟
  • قسّم الهدف إلى أجزاءٍ صغيرةٍ قابلةٍ للتّحقيق.
  • طبّق مبدأ S.M.A.R.T:
    • Specific: حدّد هدفاً واضحاً.
    • Measurable: ضع طريقةً لقياس تقدّمك.
    • Agreeable: اجعل الأهداف واقعيّةً، وتتناسب مع طاقتك.
    • Realistic: لا تقسُ على نفسك، أو تتخلّى عن كلّ شيءٍ دفعةً واحدةً.
    • Time-bound: حدّد مواعيد زمنيّةً، وابدأ اليوم.

تخلّص من العقبات

لتحقيق الهدف المطلوب بشكل فعّال، يجب البدء بتحديد الهدف بوضوح والعمل على إزالة أي عقبات محتملة.  كذٰلك، اكتب قائمةً بـ"الإيجابيّات والسّلبيّات" لتحقيق هدفك، ركّز على السّلبيّات وفكّر في مدى احتمال حدوثها، وما يمكنك فعله لتجنّبها أو معالجتها بشكلٍ استباقيٍّ.

شارك خططك مع الآخرين

سواءً كان مع صديقٍ، أحد أفراد العائلة، أو عبر مجتمعٍ إلكترونيٍّ، يمكن أن تساعد مشاركة أهدافك وخطوات تحقيقها على الالتزام بها، كما أنّ استخدام دفتر يوميّاتٍ لمتابعة تقدّمك يمكن أن يكون أداةً رائعةً للتّفكير في تجربتك والتّعلّم منها.

اخلق إحساساً بالإلحاح، ولكن اعمل بوتيرتك الخاصّة

لا تؤجّل العمل على أهدافك، ابدأ الآن بخطوةٍ بسيطةٍ، حتّى لو كانت صغيرةً، فهي أفضل من التّوقّف تماماً. إذا كنت تخشى أنّك لن تكون قادراً على تحقيق الهدف الكبير، تذكّر أنّ الخطوات الصّغيرة تراكميّةٌ، على سبيل المثال، حتّى لو كنت تسير ببطءٍ، فأنت تفوق الشّخص الّذي لا يزال جالساً على الأريكة.

ابدأ الآن:

تصوّر نفسك بعد 5 أو 10 سنواتٍ من الآن، هل ستكون راضياً إذا بقيت في مكانك الحاليّ؟ أم أنّك تريد أن تكون النّسخة الأفضل من نفسك، تلك الّتي قرّرت مواجهة الخوف وتحقيق الأحلام؟

تذكّر أنّ النّموّ يحدث خارج منطقة الرّاحة، والخوف ليس عدوّك إنّه دافعك، والطّريق نحو أحلامك مليءٌ بالمخاطر، ربّما، ولكن لا تنس أنّه أيضاً مليءٌ بالإمكانيّات، والمنطقة المريحة ليست سوى مقبرةٍ لأفكارك وأحلامك، فماذا تنتظر؟

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
آخر تحديث:
تاريخ النشر: