تأثير الذكاء الاصطناعي على الوظائف: جدال بين السلب والإيجاب!
تجاربٌ عمليّةٌ تُؤكّد أنّ ثورة التكنولوجيا الجديدة تكسر خرافة الاستبدال بفتح آفاقٍ وظيفيّةٍ جديدةٍ في مختلف مجالات العمل
يشهدُ العالم تطوّراً هائلاً في مجال الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence)، الّذي أصبح عنصراً رئيسيّاً في تحويل مختلف الصّناعات والأعمال، وبينما يزدادُ القلق من أنَّ الذّكاء الاصطناعيّ قد يُؤدّي إلى تقليص الوظائف البشريّة، تشيرُ تجاربٌ حديثةٌ إلى أنَّ هذا الخوف قد يكون مُبالغاً فيه، إذ يُمكنُ للذكاء الاصطناعي أن يُعزّز من كفاءة العُمّال، ويُحسّن إنتاجيّتهم بدلاً من أن يحلَّ محلّهم. وفي هذا السياق، سنستعرض مثال شركة ألوريكا (Alorica) وتجربتَها مع الذكاء الاصطناعي.
تجربة شركة Alorica
أطلقت شركة ألوريكا، الّتي تُديرُ مراكز خدمة العملاء حول العالم، أداةَ ترجمةٍ تعتمدُ على الذكاء الاصطناعي، تُمكّن ممثّلي خدمة العملاء من التّواصل مع العملاء بلغاتٍ متعدّدةٍ تصل إلى 200 لغةٍ و75 لهجةً؛ هذه الأداةُ لا تهدفُ إلى تقليص عدد الموظفين، بل تسعى إلى تحسين كفاءة العمل وتوسيع نطاق خدمة العملاء. على سبيل المثال، يمكنُ لمُمثّل خدمة عملاء في ألوريكا يتّحدثُ الإسبانيّة فقط أن يتعاملَ مع شكوى مُقدّمةٍ من عميلٍ يتحدّثُ الكانتونيّة في هونغ كونغ، دون الحاجة إلى تعيين موظّفٍ يتّحدثُ الكانتونيّة، وهذا يعكس قدرة الذكاء الاصطناعيّ على تسهيل التفاعل بين الموظفين والعملاء، ممّا يرفعُ من كفاءة الخدمة دون التّأثير السلبيّ على الوظائف.
ليسَ بالضّرورة أنّ الافتراضَ السّائدُ بأنَّ الذكاء الاصطناعي سيحلُّ محلَّ العمّال بشكلٍ كبيرٍ أن يتحقّقَ، وفقاً لتجارب شركاتٍ، مثل: ألوريكا وإيكيا. بدلاً من إلغاء الوظائف، يُحتملُ أن يؤدّي الذكاء الاصطناعي إلى تغييراتٍ مشابهةٍ لتلك الّتي حدثت في الماضي مع ظهور التّكنولوجيا الحديثة، مثل: المحرّكات البخاريّة والكهرباء والإنترنت. قد تختفي بعض الوظائف بالفعل، لكن في المقابل ستُخلقُ وظائفٌ جديدةٌ، وسترتفعُ الإنتاجيّة العامّة للعاملين.
الخبيرُ الاقتصاديُّ نيك بانكر من موقع إنديد (Indeed) يُؤكّد أنَّ الذكاء الاصطناعي سيؤثّرُ على كلّ الوظائف بطريقةٍ أو بأُخرى، لكنّه لا يعتقدُ أنَّ هذا التّأثير سيُؤدّي إلى بطالةٍ جماعّيةٍ، فالتّكنولوجيا تخلقُ فُرصَ عملٍ جديدةً تماماً كما تقضي على وظائف قديمةٍ، وهذا ما حدث عبر التاريخ.
إدخالُ أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل ChatGPT، أثار مخاوفاً من أنَّ التّكنولوجيا قد تحلُّ محلَّ المُبرمجين والكتّاب وغيرهم. لكن، تُشير دراسةٌ أجراها مجلس المستشارين الاقتصاديّين في البيت الأبيض إلى أنَّ هناك أدلةً قليلةً على أنَّ الذكاء الاصطناعي سيُؤثّرُ سلباً على العمالةِ بشكلٍ عامٍ. بدلاً من ذلك، يسهمُ الذكاء الاصطناعي في تحسين إنتاجيّة الشّركات، ممّا يُؤدّي إلى تسريع النّموّ الاقتصاديّ وخلق وظائف جديدةٍ.
شاهد أيضاً: 3 نصائح للحصول على أفضل النتائج من ChatGPT
تحديّاتٌ وتوقّعاتٌ مستقبليّةٌ
على الرّغم من الفوائد العديدة، هناك تحديّاتٌ تُواجه بعض الصّناعات. على سبيل المثال، قرّر رجل الأعمال الهنديُّ سوميت شاه تقليص 90% من موظّفي خدمة العملاء في شركته دكان (Dukaan) واستبدالهم ببرنامج دردشةٍ آليٍّ يُدعى لينا، ممّا أدّى إلى تحسين كفاءة العمل وخفض التّكلفة بنسبة 85%. ولكن، هذا لا يعكسُ الواقع العامّ، ففي شركة إيكيا تم إدخال روبوت محادثةٍ لخدمة العملاء للتّعامل مع الاستفسارات البسيطة، بينما تمَّ إعادةُ تدريب 8500 عاملٍ لتقديم استشاراتٍ أكثر تعقيداً، مثل تصميم الدّيكورات الدّاخليّة، بدلاً من تسريحهم.
تحسين الكفاءة دون الاستغناء عن العمّال
تُشيرُ دراساتٌ حديثةٌ إلى أنَّ الذكاء الاصطناعي يُمكن أن يجعلَ العُمّال أكثر كفاءةً، ففي إحدى شركات فورتشن 500، أظهرت دراسةٌ أنَّ استخدامَ الذكاء الاصطناعي في مراكز خدمة العملاء زادَ من إنتاجيّة العاملين بنسبة 14%، فتلك الأدواتُ ساعدت العُمّال على إنجاز المزيد من المكالمات وحلّ المشكلات بسرعةٍ أكبر، لا سيما لدى العُمّال الجدد الذينَ حقّقوا مكاسب أكثر في الإنتاجيّة.
الذكاء الاصطناعيّ ليس بالضّرورة تهديداً للعمالة كما يُعتَقد، فالتّجارب الحديثة -مثل تلك الّتي شهدتها ألوريكا وإيكيا- تُؤكّدُ أنَّ الذّكاء الاصطناعيّ يُمكن أن يُعزّز من كفاءة العاملين، ويُسهم في خلق فُرص عملٍ جديدةٍ بدلاً من إلغائها، وفي ظلِّ هذه التّطوّرات يتعيّنُ على الشّركات والعاملين التّكيّفُ مع التّكنولوجيا الحديثة لتحقيق أقصى استفادةٍ منها دون القلق المفرط بشأن البطالة.