قيادة التّحول الرّقميّ تبدأ بفهم الجانب الإنسانيّ
وتمكين الفرق من التّكيّف مع التّغيير، عبر تعزيز الثّقة، والاستماع الفعّال، وخلق بيئةٍ تُقدّر الجهد، وتحتفي بالإنسان في كلّ خطوة
في عالمٍ سريع الخطى في تبنّي التّكنولوجيّا والتّحول الرّقميّ، يتجاهل كثيرون جانباً حاسماً في كثيرٍ من الأحيان: العنّصر البشري في عمليّة التّغيير. إنّ السعي إلى تحقيق الكفاءة والأتمتة والابتكار لا يتوقف فقط على التّكنولوجيّا، بل وعلى الأشخاص الذين سيستخدمونها ويديرونها ويحصدون فوائدها.
ولكي يتسنّى لنا النّجاح في اجتياز هذه المرحلة الانتقاليّة المعقدة، يتعين على القادة أن يتبنوا التّكنولوجيّا، وأن يلتزموا بالذّكاء العاطفيّ. وفي هذه البيئة الّتي تحركها التّكنولوجيّا، تبرز القدرة على القيادة بالتّعاطف والذّكاء العاطفيّ والتّواصل الفعال باعتبارها عاملاً مميّزاً حيويّاً للقادة النّاجحين.
ما أهميّة الذّكاء العاطفيّ في التّحول الرّقميّ؟
لدى التّحول الرّقميّ القدرة على تبسيط العمليّات، وتحسين تجارب العملاء، وتوليد مصادر دخلٍ جديدةٍ، ولكنّه يقدّم أيضاً تغييراتٍ كبيرةً. قد يشعر الموظفون بمشاعرٍ سلبيةٍ بشأن تطوّر دورهم في هذا المشهد الجديد. وقد يقلقون بشأن أمن وظائفهم بسبب الأتمتة. ربما يكونون غير متأكّدين من التّقنيات الجديدة. وهم متردّدون في تبنّي التّغيير، وكلّ هذا من شأنه أن يولّد عقباتٍ تعيق جهود التّحول الرّقميّ.
وهنا يظهر دور القيادة المستندة إلى الذّكاء العاطفيّ. فالقادة الّذين يمتلكون القدرة على فهم الفروق العاطفيّة الدّقيقة للتّغيير، ويتعاملون بفعّاليّةٍ مع مخاوف فرقهم، يكونون أكثر قدرةً على خلق بيئةٍ يشعر فيها الموظفون بالتّقدير والمشاركة.
5 طرقٍ للقيادة بالذّكاء العاطفيّ
وفيما يلي خمس استراتيجيّاتٍ فعّالةٍ لتسخير الذّكاء العاطفيّ وتوجيه الفرق خلال التّحول الرّقميّ:
1. إعطاء الأولوية للفهم لمعالجة مشاكل الموظفين
غالباً ما يثير التّحول الرّقمي مشاعر الخوف وعدم اليقين، وخاصةً بين الموظفين الذين يشعرون بالقلق بشأن أمنهم الوظيفي أو قدرتهم على تبنّي التّقنيات الجديدة. فيجب على القادة إعطاء الأولوية للاستماع الفعّال وإظهار التّعاطف الحقيقي تجاه مخاوفهم. وهذا يتجاوز مجرد الاعتراف بمخاوفهم؛ فهو يتضمّن استيعاب وجهات نظرهم واكتشاف الحلول لتخفيف مخاوفهم.
فعندما يخشى الموظفون من أن تتولّى الأتمتة وظائفهم، يمكن للقادة توضيح كيف يمكن لهذه الأدوات المبتكرة أن ترتقي بعملهم بدلاً من استبداله. ويجب على القادة التّأكيد على إمكانية اكتساب الموظفين لمهاراتٍ جديدةٍ، وتوضيح كيف يمكن للأدوات الرّقمية أن تدفع تقدّمهم الوظيفي.
2. تهيئة بيئةٍ من الحوار الشّفاف
عندما يَشعر الموظفون بالتّهميش في رحلة التّحول الرقميّ، تزداد احتماليّة فشل المبادرة. لذا يدرك القادة النّاجحون أن تنمية التّواصل المفتوح أمرٌ بالغ الأهمية لتحقيق النّجاح. حيث يمكن للاجتماعات المنتظمة، والمؤتمرات العامّة، وحلقات التّغذية الرّاجعة أن تخلق بيئةً يشعر فيها الموظّفون بالتّقدير، ويشاركون بنشاطٍ في عمليّة صنع القرار.
وعندما يعمل القادة على تعزيز بيئة عملٍ منفتحةٍ تدعو الموظّفين إلى مشاركة مخاوفهم وأفكارهم، فإنّ ذلك يعزّز المشاركة، ويخفّف من التّوتر والقلق. كما أنّ التّواصل الشّفاف يبقي القادة على اطّلاعٍ بأيّ عقباتٍ أو صعوباتٍ قد يواجهها الفريق.
3. تطوير المرونة من خلال تبنّي القدرة على التّكيف
قد يفرض التّغيير تحديّاتٍ، وخاصّةً عندما يتعلّق الأمر باكتساب الموظّفين لمهاراتٍ جديدةٍ أو تغيير سير العمل الرّاسخ. فيعمل القادة الذين يتمتّعون بالذّكاء العاطفيّ على تمكين فرقهم من خلال تعزيز المرونة والقدرة على التّكيّف. فكّروا في توفير جداول زمنيةٍ مرنةٍ لإتقان التّقنيات الجديدة، أو تسهيل فرص الإرشاد، أو ضمان التّعليم والتّدريب المستمرّ.
كما يجب على القادة التّأكيد على أن ارتكاب الأخطاء يشكّل جزءاً طبيعياً من الرّحلة. وقد يكون الضّغط المباشر لتحقيق الكمال أمراً شاقاً بالنّسبة للموظفين. ومع ذلك، عندما يصنع القادة بيئةً تقدّر التّعلم والتّجريب، فإنّ هذا يمهّد الطّريق للنّموّ والنّجاح المستدام.
4. الاعتراف بالمساهمات وتقديرها
في مثل هذه المواقف، يغامر الموظفون غالباً بالخروج عن مناطق الرّاحة الخاصة بهم لتبنّي ممارساتٍ وتقنياتٍ جديدةٍ. وإنّ الاعتراف بمساهماتهم، سواءً كانت كبيرةً أو صغيرةً، يمكن أن يعزز الرّوح المعنويّة والمشاركة بشكلٍ كبيرٍ.
فيعبّر القادة الذين يتمتّعون بالذّكاء العاطفي عن الامتنان، سواءً من خلال الاعتراف اللّفظي، أو تقديم الجوائز، أو توفير فرص نموٍّ جديدةٍ. لأنّ تشجيع الموظفين من خلال التّعزيز الإيجابيّ يساعدهم على التّرحيب بالتّغيير بدلاً من مواجهته. وهذا أيضاً يبيّن أنّ مساهماتهم موضع تقديرٍ.
5. تنمية ذكائك العاطفي كقائدٍ
يبدأ تبنيّ الذكاء العاطفي بفهم الذّات. ويتعين على القادة أن يأخذوا في الاعتبار ردود أفعالهم العاطفيّة تجاه التّغيير والتّأثير الذي تخلّفه هذه الاستجابات على فريقهم. هل تشعر بالارتباك من فكرة دمج التّقنيات الجديدة؟ أم هل تشعر بالثّقة والهدوء، أم أنّك، دون قصد، تساهم في زيادة مخاوف فريقك؟
إنّ القادة الذين يعززون وعيهم بالمحفّزات العاطفيّة قادرون على إدارة استجاباتهم بفعّاليّةٍ، ممّا يضمن لهم قيادة فرقهم بوضوحٍ وثقةٍ وهدوءٍ. ويمكن للقادة تعزيز ذكائهم العاطفيّ من خلال الانخراط في التّأمل الذّاتيّ النّشط، وتبنّي ممارسات اليقظة، والسّعي إلى التّدريب القيادي.
إيجاد التّناغم بين الابتكار والتّفاعل الشّخصي
مع تبنّي المؤسّسات للتّكنولوجيّا، من الضّروري أن نُدرك أهميّة اللمسة الإنّسانيّة في هذا السياق. حيث يحتاج القادة إلى إيجاد التّوازن المثاليّ بين مزايا التّكنولوجيّا وأهميّة الرّوابط الإنّسانيّة الحقيقيّة داخل فرقهم. لا يعني التّحول الرّقمي استبدال التّفاعل البشري؛ بل يعني رفع مستوى الطريقة الّتي تعمل بها الفرق معاً.
كما يجب على القادة إعطاء الأولويّة للتّكامل السّلس للأدوات الرّقميّة للحفاظ على روابط قويةٍ بين الموظفين. وفي عالم تقوده التّكنولوجيّا، يُعدّ تعزيز التّفاعلات الشّخصيّة، سواءً كانت افتراضيّةً أو مباشرةً، أمراً بالغ الأهميّة. فهو يلعب دوراً حاسماً في بناء المجتمع وتعزيز الثّقة، ممّا يشكل أساساً مهمّاً لنجاح الفرق عالية الأداء.
في النّهاية، إن التّحول الرّقمي أمرٌ لا مفر منه، ولكنّ الطريقة الّتي يتمّ بها تنفيذه يمكن أن تؤدّي إلى نجاحٍ أو فشلٍ في أيّ منظمةٍ. وإنّ القادة الذين يقدّرون أهميّة الذّكاء العاطفيّ في إدارة التّغيير يكونون أكثر قدرةً على توجيه فرقهم عبر التّحديات الّتي تطرأ في عالمٍ يتسارع فيه التّحول الرقميّ. ومن خلال القيادة بالتّعاطف وتعزيز التّواصل والاعتراف بالرّحلة العاطفية للموظفين، يمكن للقادة ضمان أن التّحول الرّقمي لا يحسن نتائج الأعمال فحسب، بل ويعزّز أيضاً فرقهم.
وفي نهاية المطاف، فإنّ المعيار الحقيقي للتّحوّل الرّقمي الفعّال يتجاوز كفاءة التّكنولوجيّا الجديدة؛ فهو يكمن في الازدهار النّهائي للأفراد داخل الشركة.