هل حان وقت التخلص من القوانين القديمة؟
تتطلّب القيادة الذّكيّة إعادة النّظر في القواعد الجامدة، لصنع بيئةٍ متوازنةٍ تجمع بين حريّة الإبداع ووضوح التّنظيم دون تقييد الفريق

من المؤلم أن ترى موظّفاً مخلصاً يلتزم بقانونٍ واضح السّخف، لا لشيءٍ سوى أنّه موجودٌ. قد يضطرّ موظّف خدمة عملاء إلى قول "لا يمكننا فعل ذلك" بسبب سياسةٍ قديمةٍ لا معنى لها، أو زميلٌ ينهي المهامّ عبر سلسلةٍ من المناقصات الّتي يعلم الجميع أنّها لا ضرورة لها. في مثل هذه اللّحظات، ما نحتاجه ليس التزاماً أعمى بالقواعد، بل قليلاً من المنطق والحسّ السّليم.
كقائدٍ، عليك أحياناً أن تواجه حقيقةً غير مريحةٍ: إذا كانت القاعدة تبطّئ العمل، أو تضعف الإنتاجيّة، أو تغضب العملاء في ظروفٍ معيّنةٍ، فقد حان وقت إعادة النّظر فيها.
وُضعت القواعد في الأساس لتوفير الوضوح، والحفاظ على الأمان، وضمان التّناسق. لكن عندما تتحوّل إلى عوائق تعيق الموظّفين والعملاء بإجراءاتٍ لا طائل منها، فإنّك لا تطبّق نظاماً، بل تفرض الإحباط. والنّتيجة؟ يفقد الموظّفون الحماس، وكما يفقد العملاء الصّبر ويغادرون. وإليك 3 علاماتٍ تدلّ على أنّ القاعدة أصبحت بلا قيمةٍ:
- يلتزم النّاس بها بدافع الخوف، لا من باب الفهم: عندما يقول الموظّفون: "هكذا اعتدنا أن نفعل دائماً"، فهذه ليست علامةً على الانضباط، بل استسلامٌ للبيروقراطيّة والتّحكّم المفرط.
- يبدأ الموظّفون بالتّحايل على القاعدة: إمّا بتجاهلها بطرقٍ ذكيّةٍ، أو بتنفيذها على مضضٍ مع التّذمّر. في الحالتين، هذا يعني أنّ القاعدة فقدت احترام الفريق.
- تبطّئ وتيرة العمل، أو تمنع الحلول المنطقيّة: إذا كانت القاعدة تمنع التّقدّم، أو تعيق اتّخاذ قراراتٍ عقلانيّةٍ، فهي ليست سياسةً مفيدةً، بل عائقٌ يجب التّخلّص منه.
غالباً ما نحاول بناء شيءٍ جديدٍ، ونحمل على أكتافنا عبء قواعد قديمةٍ وأنظمةٍ صارمةٍ. نطلب من النّاس الإبداع والابتكار، ثمّ نكبّلهم بقيودٍ لا تنتهي من المناقصات والسّياسات. إذا أصبحت "الطّرق القديمة" عبئاً، فلا بأس من التّخلّي عنها.
لقد تغيّر عالم العمل بشكلٍ جذريٍّ؛ فالموظّفون اليوم أكثر مرونةً ووعياً واستعداداً لاتّخاذ قراراتٍ مهمّةٍ بأنفسهم، أمّا الهرميّات القديمة والبيروقراطيّة الثّقيلة؟ قد باتت من الماضي، وما يحتاجه فريقك اليوم هو: الحرّيّة، والوضوح، والثّقة، والقدرة على التّأثير في طبيعة عملهم. وإليك كيفيّة الانتقال من ثقافةٍ قائمةٍ على القواعد، إلى ثقافةٍ تبنى على الثّقة والمسؤوليّة، كما يفعل القادة الأذكياء عاطفيّاً:
1. دع الناس يفكرون ويتصرفون كأصحاب العمل
لا يوزّع القادة الّذين يتمتّعون بالذكاء العاطفي المهامّ فقط، بل يزرعون الثّقة. يفهمون الحالة النّفسيّة لفريقهم، ويعرفون متى يتدخّلون ومتى يفسحون المجال، ويمنحون الموظّفين مساحةً كافيةً ليتصرّفوا كأنّهم يملكون المشروع. يبدأ هذا التّغيير غالباً بتبسيط طريقة اتّخاذ القرار، وتدريب النّاس على تحمّل المسؤوليّة الجديدة. ويدرك هؤلاء القادة أنّ خوض مجالاتٍ جديدةٍ قد يبدو مخيفاً للبعض؛ لذلك يقدّمون الدّعم والتّشجيع، دون أن يخنقوا استقلاليّة الموظّف.
2. خفّف من القواعد
غالباً ما تعني كثرة القواعد قلّة الثّقة. يعرف القادة الأذكياء عاطفيّاً متى تصبح القوانين عبئاً على النّاس؛ فبدلاً من التّمسّك بالسّيطرة، يسألون: "ما الّذي يعطل العمل فعلاً؟" يصغون للموظّفين، ويشركونهم في الحلول، ويتحدّون الوضع القائم عندما يشعرون أنّه يعطّل الإنجاز.
كذلك يفهمون أنّ بعض الموظّفين قد يشعرون بالقلق من غياب الهياكل الصّلبة؛ لذلك لا يلغون القواعد ببساطةٍ، بل يشرحون السّبب، ويعيدون تصميم أساليب العمل الجديدة معهم، بحيث يشعر الجميع بالأمان والتّمكين.
3. اجعل التواصل مباشراً وسريعاً
عندما يضطرّ الموظّف إلى الصّعود في سلّم الإدارة لأخذ مواقفه، فكلّ شيءٍ يتباطأ، إذ يتوقّف الابتكار، ويضيع الوضوح، ويتحوّل التّأخير إلى إحباطٍ؛ هذا هو المسار الأسرع لفقدان الشّغف.
هنا يظهر دور الذكاء العاطفي: اجعل المعلومات تتدفّق بسهولةٍ بين كلّ المستويات، ولا تهتمّ كثيراً بالرّتب والمناصب؛ فالهدف هو السّرعة والوضوح. وإذا احتاج موظّفٌ من الخطّ الأماميّ أن يتحدّث مباشرةً مع مديرٍ رفيعٍ لحلّ مشكلةٍ عاجلةٍ، فليكن. لا يفترض أن ينظر لهذا السّلوك على أنّه تجاوزٌ أو خروجٌ عن البروتوكول، بل على أنّه استخدامٌ فعّالٌ للعقل والمنطق لإنجاز المهمّة.
يدعم القادة الأذكياء عاطفيّاً هذا النّوع من التّفاعل؛ لأنّهم يثقون في فريقهم لاتّخاذ قراراتٍ ذكيّةٍ وفعّالةٍ. وعندما يصبح التّواصل مباشراً وواضحاً، يتحرّك الفريق بسرعةٍ، ويصبح القادة أكثر كفاءةً. وهنا تبدأ الثقافة الريادية في الازدهار.
خلاصة القول: ما تحتاجه ليس المزيد من السّيطرة، بل المزيد من الثّقة والتّواصل. يخلق القادة الأذكياء عاطفيّاً بيئةً تسمح للنّاس بالتّفكير، والعمل، والتّعبير بحرّيّةٍ؛ فيقودون من خلال الثّقة، ويقدّمون ما يكفي من الهيكل الدّاعم، دون أن يخنقوا الإبداع. فهل تريد الابتكار؟ ابدأ بمنح النّاس المساحة ليتنفّسوا.