الذكاء الاصطناعي يغير ملامح البحث بحلول عام 2025!
صناعة الذّكاء الاصطناعيّ تستعد لإحداث تحولاتٍ كبيرةً ستعيد تشكيل الطّريقة التي نبحث بها عن المعلومات، وتؤثّر على مستقبل التّكنولوجيا
تستعدّ صناعة الذّكاء الاصطناعيّ لمواجهة عامٍ مليءٍ بالتّحدّيات في 2025. ويرجّح خبراء الصّناعة أنّ تساهم عدّة عواملٍ في هذه الفوضى، من بينها سياسات رئاسة ترمب الدّاعمة لشركات التّكنولوجيا الكبرى، والنّزاعات القانونيّة بين النّاشرين ومزوّدي خدمات الذّكاء الاصطناعيّ، إلى جانب التّغيّرات السّريعة في أسلوب الوصول إلى المعلومات عبر الإنترنت. كلّ ذلك ينذر بعامٍ مليءٍ بالمفاجآت للصّناعة.
في هذا السّياق، أوضح آندي ساك، المستشار السّابق لقائد شركة "مايكروسوفت" (Microsoft)، وساتيا ناديلا الشّريك المؤسّس والرّئيس التّنفيذيّ المشارك لشركة الاستشارات في الذّكاء الاصطناعيّ "فوروم 3" (Forum3) ومقرها سياتل، أنّ الذّكاء الاصطناعيّ سيحدث تأثيراً كبيراً على الأعمال بدءاً من عام 2025 وبصورةٍ أكبر في 2026.
أكّد ساك أنّ معظم المدراء التّنفيذيّين لا يدركون حتّى الآن مدى هذا التّأثير، الّذي سيغيّر ليس فقط عالم الأعمال، بل أيضاً حياتنا اليوميّة كمستهلكين. وأشار إلى أنّ التّغيّرات الّتي سيجلبها الذّكاء الاصطناعيّ ستكون أكثر تأثيراً في عام 2025 من الانتخابات الرّئاسيّة نفسها.
وإليكم ما يمكن أن يحمله المستقبل القريب.
أكّد آندي ساك أنّ الذّكاء الاصطناعيّ سيغيّر جذريّاً إحدى الرّكائز الأساسيّة للمجتمع في عام 2025، وهي عمليّات البحث عبر الإنترنت. ورأى أنّ "غوغل" (Google)، الّتي لطالما كانت المرجع الأوّل للمعلومات على الإنترنت، ستضطرّ لمواجهة منافسين قويّين يسعون للإطاحة بـ"عرش البحث".
وأوضح ساك أنّ نظام بيع الرّوابط وكلمات "أدووردز" (AdWords) الّذي أنشأته غوغل يعتبر من أنجح الأنظمة الاحتكاريّة وآلات جني الأموال في تاريخ البشريّة. ومع ذلك، شدّد على أنّ تقديم رابطٍ إلى صفحةٍ ذات صلةٍ لم يعد كافياً في عصر التّحوّل الرّقميّ السّريع.
الذّكاء الاصطناعي يعيد تشكيل تجربة البحث
شدّد آندي ساك على أنّ المستهلكين اليوم "يريدون إجاباتٍ وإجراءاتٍ مباشرةً"، وهو ما تتيحه تطبيقات مثل "بيربليكستي" (Perplexity) ووضع البحث في "شات جي بي تي" (ChatGPT)، الّتي تقدّم تجربةً أكثر سرعةً وتفاعلاً. وأوضح أنّ غوغل قد بدأت بالفعل دخول عالم البحث المعتمد على الذّكاء الاصطناعيّ عبر ميزة "نظراتٍ عامّةٍ بالذّكاء الاصطناعيّ" (AI Overviews)، لكنّ الأخطاء الّتي صاحبت إطلاقها الأوّليّ أضعفت ثقة الجمهور في هذه الأداة. كما فرض القضاء الفيدراليّ على غوغل تغييراتٍ جوهريّةً بحلول أغسطس 2025 بعد تصنيف أعمالها في مجال البحث كاحتكارٍ، ممّا وضع الشّركة في موقفٍ حرجٍ.
مع ذلك، أكّد ساك أنّ غوغل لم تفقد قوّتها بعد. فقد نجحت الشّركة مؤخّراً في إطلاق تطبيق "نوتبوك إل إم" (Notebook LM)، الّذي يمكّن المستخدمين من تحميل مستنداتٍ وإنشاء بودكاستٍ يضمّ "مضيفين" يعتمدون على الذّكاء الاصطناعيّ لتحليل المحتوى ومناقشته. ورغم هذه النّجاحات، أشار ساك إلى أنّ "سوق البحث سيشهد تغييراتٍ كبيرةً، وسيتحوّل سلوك المستهلكين بطرقٍ غير مسبقةٍ."
إعادة التّفكير في استراتيجيّات الظّهور الإلكترونيّ
دعا الخبراء أصحاب الأعمال المعتمدين على الإنترنت إلى إعادة تقييم استراتيجيّاتهم لتعزيز قابليّة اكتشاف منتجاتهم، مع تراجع هيمنة غوغل على سوق البحث. وقد بيّن نايجل ديلي، الشّريك المؤسّس والرّئيس التّنفيذيّ للعمليّات في منصّة اكتشاف التّجارة الإلكترونيّة "فانتج دسكفري" (Vantage Discovery)، إنّ على رواد الأعمال العمل على تطوير بياناتهم لتقديم وصفٍ شاملٍ يوضّح "ماهيّة المنتج، وأيضاً أسباب أهمّيّته وفوائده، وكيفيّة استخدامه".
كما شدّد ديلي على أهمّيّة تعزيز بيانات كتالوج المنتجات بإضافة معانٍ دلاليّةٍ أعمق، مشيراً إلى أنّ استراتيجيّات تحسين محرّكات البحث (SEO) الحاليّة تركّز على وصف "ما هو" المنتج، لكنّها تهمل "لماذا" يحتاجه المستهلك و"كيف" يستخدم. ومع صعود البحث التّوليديّ المعتمد على الذّكاء الاصطناعيّ، توقّع ديلي أنّ تتغيّر استراتيجيّات تحسين محرّكات البحث لتبرز العوامل الّتي تميّز المنتجات عن منافسها. قد تمكّن هذه التّغييرات الشّركات من الحصول على ترتيبٍ أعلى في نتائج البحث عندما يبحث المستهلكون عبر مساعدات الذّكاء الاصطناعيّ عن توصياتٍ للمنتجات.
من يملك البيانات؟
يتوقّع أنّ يشهد عام 2025 انفجاراً في القوانين واللّوائح المنظّمة لإنشاء واستخدام تقنيات الذّكاء الاصطناعيّ، مع تزايد حالات استخدامه في مختلف المجالات. رفعت عدّة دور نشرٍ ومؤلّفين دعوى قضائيّةً ضدّ مطوّري نماذج الذّكاء الاصطناعيّ، مدّعين عليهم بتدريب نماذجهم على موادّ محميّةٍ بحقوق الطّبع والنّشر دون إذنٍ مسبقٍ. تظلّ عمليّة تدريب النّماذج على البيانات المتاحة للجمهور، مثل مقطّعات فيديو "يوتيوب" (YouTube) ومنشورات وسائل التّواصل الاجتماعيّ، غامضةً قانونيّاً وتصنّف ضمن منطقةٍ رماديّةٍ.
تبرز دعوى "نيويورك تايمز" (The New York Times) ضدّ "أوبن إيه آي" (OpenAI) كواحدةٍ من أبرز القضايا في هذا المجال، لكنّها ما زالت في مرحلة المراجعة القانونيّة، ولم يتمّ تحديد موعدٍ للمحاكمة بعد.
ومن جهةٍ أخرى، تضطرّ شركات الذّكاء الاصطناعيّ للتّعامل مع تحدّياتٍ قانونيّةً وتنظيميّةً ناتجةً عن اختلاف القوانين بين الدّول والولايات. حيث تبنّى الاتّحاد الأوروبّيّ نهجاً صارماً في تنظيم تقنيات الذّكاء الاصطناعيّ، ممّا أدّى إلى تأخير إطلاق العديد من التّطبيقات والميّزات المتطوّرة الّتي تستخدم حاليّاً في الولايات المتّحدة. وفي كاليفورنيا، أقر الحاكم غافن نيوسوم قانوناً يلزم شركات الذّكاء الاصطناعيّ بالإفصاح عن بيانات التّدريب المستخدمة، لكنّ القانون لن يطبّق حتّى عام 2026.
كما شدّد مارك كيسلين، الشّريك في شركة "لوينشتاين ساندلر" (Lowenstein Sandler) ورئيس قسم الملكيّة الفكريّة فيها، على ضرورة تركيز الشّركات العاملة في الذّكاء الاصطناعيّ على تثبيت حقوقها القانونيّة في البيانات الّتي تستخدم لتدريب نماذجها وتشغيلها. وأوصى الشّركات بطرح أسئلةٍ حاسمةٍ، مثل: كيف حصلت على البيانات؟ وما مصدرها؟ ولماذا تحتاج هذه البيانات بالتّحديد؟ وهل يمكن مشاركتها مع عملاء آخرين؟
إدارة البيانات محور اهتمامٍ للشّركات النّاشئة
عندما تبدأ الشّركات النّاشئة في مراحلها الأولى، قد لا تضع ممارسات إدارة البيانات في صدارة اهتماماتها. لكن مع انتقال المؤسّسين إلى جمع التّمويل في جولة الاستثمار الأولى (Series A)، يصبح المستثمرون أكثر تدقيقاً في كيفيّة تعامل الشّركة مع بياناتها. وقد كشف مارك كيسلين عن صفقة استحواذٍ أشرف عليها مؤخّراً كادت تنهار بسبب اكتشاف أنّ الشّركة المستهدفة جمعت جزءاً من بياناتها من الإنترنت دون تصريحٍ واضحٍ. وأوضح: "في النّهاية، شعرنا بالرّاحة لأنّ البيانات الّتي جمعوها كانت متاحةً للجمهور بشكلٍ كاملٍ".
وعلى الرّغم من ذلك، أكّد كيسلين أنّه لا يتوقّع أن تُصدر الحكومة الأمريكيّة أيّ تنظيماتٍ كبيرةٍ تخص الذّكاء الاصطناعيّ في عام 2025. وأرجع ذلك إلى موقف دونالد ترامب المعارض تقليديّاً لتنظيم الأعمال التّجاريّة، إضافةً إلى مصالح إيلون ماسك الّتي تدفع نحو تسريع تطوير الذّكاء الاصطناعيّ دون قيود. وقال كيسلين: "لا أعتقد أنّ ذلك سيحدث"، لكنّه أضاف أنّ قوانين خصوصيّة البيانات، الّتي تحظى بدعم الحزبين، قد يتمّ تقريرها في العام القادم.
شاهد أيضاً: تحديث Google يغيّر أولويات تحسين محركات البحث