الرحالة الرقميون: عمل شديدة الجاذبية فهل يتلاءم معك؟

مع تزايدِ عدد الأشخاص حول العالم الَّذين يعملون من المنزل سواءً مع شركاتٍ في نفس مدينتهم، أو في مدنٍ أُخرى لتصلَ النِّسبة إلى 34% تقريباً حول العالم، ظهرت بعض المُصطلحات -مثل الرحالة الرقميين- حيث قرَّرَ بعضهم أنَّه طالما هم قادرون على العمل بكفاءةٍ من المنزل، فإنَّهم سيتمكَّنون من العمل بالكفاءة نفسها من أيّ مكانٍ في العالمِ، فما المانع إذاً مع التَّحرُّر من أغلال العمل لمدَّة 9 ساعاتٍ كلّ يومٍ في الأسبوع والاستمتاع بتجارب حياتيَّةٍ متنوِّعةٍ؟

فمن هم الرحالة الرقميون؟ وهل كلُّ عمل عن بعد يعني أنَّ صاحبهُ رحَّالةٌ رقميٌّ؟ وكيف تُصبح رحَّالةً رقميّاً، وما مميزات وعيوب وطبيعة هذه الحياة؟ وهل هي ملائمةٌ لك، وقادرٌ على التَّكيف معها؟ كلُّ هذا وأكثر سنتعرَّف عليه الآن.

من هم الرحالة الرقميون؟

الرحالة الرقميون هم أشخاصٌ يعملون عبر الإنترنت من مواقعَ مختلفةٍ، ومن أيِّ مكانٍ في العالم؛ لذا يُمكن أن يكونَ مكتبهم يوماً على بحيرةٍ في وسط أفريقيا، وفي اليوم الثَّاني على قمَّة جبلٍ، أو في حديقةٍ وطنيَّةٍ، أو على مقهى، أو من مكتبةٍ عامَّةٍ وغيرها، وهم مختلفون إلى حدٍّ ما عمن يعمل عن بعد، إذ إنّ الكثيرَ من وظائف العمل عن بعدٍ تتطلَّب أوقاتاً ثابتةً إلى حدٍّ كبيرٍ وقدراً مُعيّناً من الإنجاز وبعضهم قد يتطلَّبُ تسجيل دخولٍ وانصرافٍ أو تحديد وقت الرَّاحة، بالإضافة إلى الاتّصال الآمن بالإنترنت. ^[1] 

لكن البدو أو الرحالة الرقميين يعملون في وظائف مُستقلّةٍ تماماً عن متطلَّبات الموقع، ويُغيِّرون أماكنهم باستمرارٍ لتجربة ثقافاتٍ جديدةٍ والشُّعور بالكثير من الحريَّة والانطلاق بعيداً عن قيود العمل، فصحيحٌ أنَّهم جزءٌ من العاملين عن بُعدٍ، لكن ليس كلُّ من يعمل من المنزل يصلحُ لأن يكون رحالةً رقميّاً.

فوائد عمل الرحالة الرقمي

قبلَ جائحة كوفيد 19 كان العمل عن بعد نادراً للغاية، ولكن مع الحظرِ الَّذي فُرض على العالم بأكملهِ لمدَّةٍ أكثر من 3 أعوامٍ انتشرت أكثر ساعات العمل الحرَّة، واجتذبت ملايين ممن كانوا يعانون من انعدام وقت الفراغ، وهدر الكثير من الطَّاقة في المواصلات اليوميَّة، ومع تجربة التَّنقُّل من مكانٍ لآخر -كما في حالة الرحالة الرقميين- فإنَّ هناك فوائد لا شكَّ لها ظهرت في الأفقِ، ومنها:

تجربة ثقافات مختلفة

وهذا هو جوهرُ الرحالة الرقميين، فهم ينتقلون من مدينة لأخرى، ويندمجون في المظاهر الثَّقافيَّة والاجتماعيَّة المختلفة مع تعلُّم لغاتٍ جديدةٍ وزيادة فرصة النُّموّ الشَّخصيّ.

العالم بأكمله مكتبك الخاص

إذا لم تكن طبيعةُ العمل تتطلَّبُ موقعاً مُحدّداً، فإنَّه يُمكنكَ اختيار أيّ منظرٍ يروق لك ليكون مكتبكَ، طالما تملك الإمكانات الماديَّة لهذا، وقد يكون هذا المكان داخل مدينتك أو خارجها، فليس عليك السَّفر للخارج لكي تكون رحالةً رقميّاً مثاليّاً.

توفير المزيد من الوقت للتجارب الحياتية

العمل من أساسيَّات الحياة، ولكن لا يجب أن يكونَ هو الأمر الوحيد المهمُّ، ومع تجربة حياة الرحالة الرقميين سوف يكون لديك المزيد من الوقت للدُّخول في مغامراتٍ متنوِّعةٍ كنت تتوق إليها، خصوصاً إذا كانت ساعات عملكَ مرنةً.

زيادة القدرات الإبداعية

السَّفر يزيدُ من المدخلات اليوميَّة إلى عقلكَ، والَّتي يُسمِّيها علماء الأعصاب "اللُّعبة التَّشابكيَّة"، فكلَّما كانت المدخلات اليوميَّة إلى عقلك متنوِّعةً وغير متطابقةٍ، فإنَّ هذا يزيد من الرَّوابط الإبداعيَّة.

زيادة القدرة على التكيف

الخروج من منطقة الرَّاحة والتَّعامل مع مشكلاتٍ وثقافاتٍ وأشخاصٍ مختلفين باستمرارٍ، يزيد من قدرة الفرد على التَّكيُّف؛ ليكون أكثر انفتاحاً وقدرةً على التَّعامل مع المواقف الصَّعبة في المستقبل.

شاهد أيضاً: هل تؤثر طريقة العمل عن بعد على فرص الترقية في العمل؟

فئات الرحالة الرقميين

مع تنوُّع الوظائف التي يُمكن للرحالة الرقميين ممارستها من الكتابة والتَّرجمة والبرمجة والمحاسبة وخدمة العملاء وإدارة المشروعات وتصميم الجرافيك وغيرها، فإنَّ هناك دراساتٌ قسَّمت الرحالة الرقميين إلى 5 فئات وهم: ^[2] 

• الرحالة الرقميون المستقلِّون: وهم أساس فكرة الرحالة الرقميين، ويكونوا كُتّاباً أو مبرمجين أو مدِّربين، ويعملون عن بُعدٍ خلال السَّفر، ولكن غالباً ما يكونون مستقرِّين في مكانٍ واحدٍ لفترةٍ معقولةٍ، ولكن قد يتنقلون مرّةً أو مرَّتين خلال العام.
• الرحالة الرقميون من رجال الأعمال: على الرَّغم من أنَّ مهام رجل الأعمال قد تكون أكثر تعقيداً من العامل المستقلِّ، خصوصاً إذا كان يحتاجُ إلى متابعة خطوط إنتاجٍ وعملاءَ وموظَّفين، ولكنَّ هذه الفئة في زيادةٍ مستمرَّةٍ، خصوصاً أصحاب العلامات التجارية النَّاشئة الَّذين يرغبون في نشر فكرتهم في مناطقَ متنوِّعةٍ.
• الرحالة الرقميون بدوامٍ ثابتٍ: وقد ارتفع عددهم بنسبة 42% عام 2021، فهم لديهم ساعات عملٍ محدَّدةٌ وراتبٌ ثابتٌ، وعلى الرَّغم من ذلك قد يتنقَّلون 3 أو 4 مرَّاتٍ خلال العام.
• الرحالة الرقميون التَّجريبيون: وهم أشخاصٌ بدؤوا في السَّفر والعمل معاً، ولكن لم يحقّقوا بعد الدَّخل الَّذي يسمح لهم بالانخراط الكامل في حياة البدو الرقميّين، وعادةً ما تزال تواجههم مشكلات الاجتماعات والتَّواصل مع الفريق.
• الرحالة الرقميون الحالمون: وهم فئةٌ تجلسُ على المقاعد في منازلها، ويكسبون المال ويحلمون بالسَّفر، ولكن لم يصلوا بعد للطَّريق، والكثير منهم يتحوَّل في النّهاية إلى رحَّالةٍ حقيقيين بعد الكثير من الأبحاث على الإنترنت وتسرُّب الفكرة إلى وعيهم.

كيف تكون رحالة رقمي؟

إذا كنت تجد أنَّ حياة البدو الرقميين جذَّابةٌ لك، فيمكنك اتّباع الخطوات الآتية في البداية: ^[3]

تحديد هل حياة الرحالة الرقمي ملائمة لك؟

بمعنى هل تتمكَّن من التَّخلِّي عن أصدقائكَ وأطفالكَ وعائلتكَ معظم أيَّام العام أم يُمكنهم التَّنقُّل معك من مكانٍ لآخر، وهل لديك عائدٌ ماديٌّ غير عملكَ الخاصّ لتعتمد عليه قليلاً في الأوقات الَّتي لا تحصلُ فيها على دخلٍ أم لا.

تقييم مهاراتك وخبراتك

العمل عن بعد يختلفُ إلى حدٍّ كبيرٍ عن الرحالة الرقميين، فهل لديك دائماً مواعيد نهائيَّةٌ سيكون عليك الالتزام بها، وهل ستتمكَّن من التَّواصل مع فريق العمل مهما كان اختلاف المنطقة الزَّمنيَّة، وهل ستتمكَّن من التَّكيُّف مع نظام العمل اللَّامركزيّ.

تقسيم الموارد المالية

يتطلَّب الانتقال لحياة الرحالة الرقمي خطَّةً ماليةً دقيقةً تشمل تكاليف السَّفر وأماكن الإقامة المتنوِّعة، فهل ستحتفظ بسكنكَ في بلدك الأساسيِّ مع تحمُّل تكاليف الوجبات وغيرها، فالموارد الماليَّة للرحالة الرقمي غير مستقرَّةٍ، وقد تزيدُ وتتناقصُ؛ لذا يجب وضع خطَّةٍ ماليَّةٍ دقيقةٍ.

تحديد الوجهة

صحيحٌ أنَّ فكرةَ أن يكونَ العالم بأكمله مكتبك جذَّابةٌ للغاية، ولكن لا يصلح كلُّ مكانٍ للإنتاجيَّة، ولا يتوفَّر الواي فاي مثلاً في كلِّ منطقةٍ، أو قد تكون تكلفتهُ أعلى بكثيرٍ من المتوقَّع؛ لذا وازن بين سلبيَّات مدينةٍ مزدحمةٍ، لكن تتوفَّر بها الخدمات، وبين إيجابيَّات شاطئٍ هادئٍ، ولكن لا تتمكَّن فيه من الاتّصال بالشَّبكة.

البحث عن الشركات والتقدم للوظائف

إذا كان لديك الرَّغبة الحقيقيَّة في هذا النَّمط من الحياة، فابحث عن الشَّركات الَّتي تدعمُ بشدَّةٍ العمل عن بُعدٍ، وتتمتَّع بمزيجٍ قويٍّ من الثَّقافات الَّتي تجعل التواصل عن بُعدٍ أكثر سهولةً مع احترام فروق التَّوقيت.

التحديات التي يواجهها الرحالة الرقميون

إنَّ حياة الرحالة الرقمي تبدو جذَّابةً للكثيرين، فهو شخصٌ يعمل لساعاتٍ أقلَّ من أيّ مكانٍ في العالم، ولا يُعاني من مشكلات المكتب أو ساعات عملٍ رتيبةٍ، ولكن هناك تحديّاتٌ أساسيَّةٌ أمام من يرغبُ في هذه الحياة، وهي:

• عوائق اللُّغة: قد ينتهي بك الحال تدور في الأماكن نفسها؛ لتجنُّب مشكلات التَّواصل واللُّغة من بلدٍ لآخر.
• مشكلات الاتّصال بالإنترنت: النِّقاط السَّاخنة واتِّصالات الواي فاي في المقاهي والأماكن العامَّة ليست دائماً آمنةً، ممَّا قد يهدِّد عملكَ.
• التَّأثير على العائلة: الانتقال المستمرُّ ليس ملائماً على الإطلاق لمن لديه التزاماتٌ عائليَّةٌ سواءً أطفالٌ أو آباءٌ كبارٌ في العُمر، ويحتاجون إلى رعايته الدَّائمة.
• الضَّرائب وتكاليف السُّحب الخارجيِّ: فالكثير من ماكينات الصَّرَّاف الآليّ في المطارات تفرض رسوماً باهظةً، كما سيكون عليك الالتزام بقوانين كلِّ بلدٍ تنتقلُ إليه.
• تصاريح العمل: ليس كلُّ بلدٍ تسمحُ لأيِّ شخصٍ بالعمل بها دون تصاريح، حتَّى إذا كان عمله عن بُعدٍ.

أهم النصائح للنجاح كرحالة رقمي

إذا قرَّرتَ بالفعل أن تكونَ رحالة رقمي، وليس هناك ما يمنعُ من خوض هذا التَّجربة ولديك وظيفةٌ ملائمةٌ ومواردُ ماليَّةٌ، فإنَّ هناك بعض النَّصائح الَّتي تجعل حياتكَ أكثر سهولةً:

• الانضمام لمجتمع الرحالة الرقميين: فهناك ملايين من الرحالة الرقميين حول العالم والَّذين يشاركون تجاربهم وخبراتهم، ومن خلال الانضمام إلى مواقعَ متنوِّعةٍ، مثل Couchsurfing وNomadlist، ستعرِّف المشكلات الِّتي قد تواجهكَ وطريقة حلِّها.
• ضع خطط احتياطيّةً دائماً: يجب أن تُخطِّطَ دائماً للأسوأ، ويكون لديك خططُ طوارئ متنوِّعةٌ سواءً عند مشكلات العمل أو النَّفقات أو غيرها.
• اشترك في تأمينٍ صحيٍّ للسَّفر: يُمكن لهذا التَّأمين أن يُنقذَ حياتك خصوصاً في حالة الحوادث أو الطَّوارئ وغيرها، فإنَّ الأمرَ لن يخلو على الإطلاق من المرض في السَّفر؛ لذا يجب أن تستعدَّ تماماً لمثل هذا الأمر.
• فتح الخطّ الدُّولي: لا يجب أن تفوِّت اجتماعاً مثلاً؛ لأنه ليس لديك خطٌّ دوليٌّ، إذاً اطلب من شركة الهاتف الَّتي تَّتبعها فتح الخطّ الدُّوليِّ لتتمكَّن من استخدامه في أيّ مكانٍ.

شاهد أيضاً: لماذا يجب أن يكون العمل عن بُعد هدفاً لشركتك؟

مزايا وعيوب الرحالة الرقميين.. هل هو ملائم لك؟

إنَّ مزايا وعيوب الرحالة الرقميين تتوقَّفُ على إذا ما كان أسلوب هذه الحياة يتناسبُ معك، فالحريَّة وساعات العمل غير المُقيّدة وخوض تجارب جديدةٍ دون نهايةٍ يبدو جذَّاباً للغاية، ولكن في المقابل، فإنَّ الدَّخلَ قد يتراجعُ بنسبٍ متفاوتةٍ بالإضافة للشُّعور بالوحدة، فضلاً عن عدم ملائمة الأمر في حالة وجود أطفال أو مدارس أو التزاماتٍ عائليَّةٍ.

ولكن مع اعتبار أنَّ السَّفرَ يُمكن أن يكونَ لبعض الوقت فقط، وليس كلُّ الوقت، وإذا لم تتأثَّر التزاماتكَ الأُخرى بهذا النَّوع من الحياة، فهو بالتَّأكيد سيكون به الكثير من المميزات، أمَّا إذا كانت العيوب أكثر من حيث اللُّغة ونفقات السَّفر والتَّأثير على العائلة، فهنا سيكونُ عليك الاكتفاء بالإجازات السَّنويَّة والموسميَّة لخوض تجارب جديدةٍ.