الريبو.. قروض البنوك المركزية وتأثير الفيدرالي الأمريكي
كيف يؤدّي الريبو إلى كبح التضخم وزيادة سيطرة البنوك المركزية على الأسواق مع استيفاء التزاماتها المالية اليومية دون قروض بفوائد مرتفعة ومخاطر عالية؟
يُعدُّ الريبو من الأدوات الاقتصاديَّة الأساسيَّة الَّتي تُؤثِّر على مجموعةٍ ضخمةٍ من البلدان، ويعتمدُ عليها الكثير من البنوك المركزيَّة في تقليل نسبة التَّضخُّم أو زيادة السُّيولة النَّقديَّة كما هو الحال في الريبو العكسيّ، فهو من العناصر الأساسيَّة في النّظام الماليّ العالميّ الحاليّ، ويُمكِّن من إقراضِ واقتراضِ الأموال بسهولةٍ للبنوك المركزيَّة تحديداً، ممَّا يدعمُ عمليَّات السَّوق المتنوِّعة، ويحفظُ التَّوازن إلى حدٍّ كبيرٍ، ويُقلِّل من الاعتماد على القروض العاديَّة بفوائد ضخمةٍ ومُتغيِّرةٍ.
فما هو الريبو، وما خطوات إجرائهِ، وما فوائدهُ، وما علاقة الفائدة الأمريكيَّة بالأمر، وكيف يتحكَّم الفيدراليُّ المركزيُّ في سعر اتفاقيَّات الشّراء في الكثير من البلدان، وما تأثيرهُ على الاقتصادات المتنوِّعة؟ كلُّ هذا وأكثر سنتعرَّفُ عليه في الأسطر المُقبلة.
ما هو الريبو Repo؟
الريبو ببساطةٍ هو عمليَّةُ إعادةُ الشّراء أو Repurchase Agreement، وتكون بمثابة قرضٍ قصير الأجل لا يتعدَّى عادةً 48 ساعةً، وتُستَخدَمُ بين المُتداولين للأوراق الماليَّة الحكوميَّة، فمثلاً يبيع البنك المركزيُّ لبلدٍ ما سنداتِ خزانةٍ لمؤسَّساتٍ ماليَّةٍ أو بنوكٍ تجاريَّةٍ بسعرٍ مُحدَّدٍ اليوم على أن يشتريها بسعرٍ أعلى خلال يومٍ أو اثنين على الأكثر، ممَّا يُزيد من رأس المال قصير الأجل ويكبحُ التَّضخُّم. [1]
الريبو والريبو المعاكس
الريبو المعاكس أو العكسيُّ هو عكس عمليَّة الريبو نفسها، أي عندما يبيع مُشتري السَّندات أوراقهُ الماليَّة إلى البنك المركزيّ من جديدٍ، فالطَّرفُ الَّذي يوافقُ على شراء ورقةٍ ماليَّةٍ أو سندات خزانةٍ، ثُمَّ يبيعها مرّةً أُخرى، فهنا هو يقوم بعمليَّة ريبو عكسيّ أو إعادة شراءٍ عكسيَّةٍ.
أسعار الريبو والريبو العكسي
أسعار الريبو هو سعر الفائدة الضّمنيُّ على معاملة الريبو، والَّذي يُحدِّده البنك المركزيُّ من خلال الفرق بين أسعار البيع وإعادة الشّراء، أمَّا سعر الريبو العكسي فهو تحديد تكلفة الاقتراض بالنّسبة لبائع السَّند الماليّ، كما يعني أيضاً عائد الاستثمار بالنِّسبة لمن اشترى هذه الورقة الماليَّة وحجم الفائدة الَّتي تعودُ عليه، وتتحدَّدُ هذه الأسعار وفقاً لحجم السُّيولة النَّقديَّة المعروض وعدد المشترين المتوقَّعين وما يحتاج إليه البنك المركزيُّ من سيولةٍ ونسبة التَّضخُّم بالإضافة لمدى استقرار الاقتصاد، وهل هناك حروبٌ أو أوبئةٌ تُؤثِّر على السُّيولة وغيرها من عوامل. [2]
فوائد إعادة الشراء الريبو
تلجأ البنوك المركزيَّة إلى الريبو عادةً لمميزاتهِ المضمونةِ عن القروض العاديَّة، والَّتي تكونُ نسبة الفائدة عليها شديدةَ الارتفاع، ومن أهمّ فوائد إعادة الشّراء الريبو: [3]
- السُّيولة الماليَّة: عندما يحتاجُ البنك المركزيُّ إلى سيولةٍ سريعةٍ ومضمونةٍ لتلبية متطلَّباتٍ تنظيميَّةٍ معيّنةٍ قصيرة الأجل، فإنَّ الريبو يُوفِّر له هذه السُّيولة وفقاً لاحتياجاته.
- الضَّمانات المُتبادلة: يسمحُ نظام الريبو للمُقترضين باستخدام سنداتٍ ماليَّةٍ كضمانٍ لتمويلٍ قصير الأجل، فالسَّندات الماليَّة هنا أصولٌ آمنةٌ وسائلةٌ، ويَسهُلُ التَّحكُّم بها.
- مرونة المدَّة: صحيحٌ أنَّ البنك المركزيَّ عادةً ما يُحدِّد فترةَ إعادة الشَّراء من جديدٍ، إلَّا أنَّه يُمكن للمقرضين تعديل الشُّروط بما يُحقِّق أهدافهم الاستثماريَّة.
- انخفاض المخاطر: المقترض يتعهَّد بإعادة الشِّراء من جديدٍ في فترةٍ زمنيَّةٍ محدَّدةٍ، وإذا تخلَّف عنها، فمن حقِّ المُقرض بيع هذه السَّندات وفقاً للسّعر الذي يُحدِّدهُ.
- استقرار السُّوق: نظام الريبو يلعب دوراً محوريّاً في استقرار السُّوق وزيادة السُّيولة بسلاسةٍ ومرونةٍ دون الحاجة لقروضٍ خارجيَّةٍ بفوائد مرتفعةٍ وزيادة المديونيات.
خطوات إجراء الريبو
أصبح الريبو أكثر شيوعاً في الألفيَّة الثَّالثة مقارنةً بالقرن العشرين، فمع انطلاقهِ للمرَّة الأولى في أمريكا عام 1917، بسبب ظروف الحرب وعدم جاذبيَّة القروض العاديَّة ومخاطرها المُرتفعة تذبذب الاعتماد عليه على مدى نحو 100 عامٍ بين الإقبال والإدبار، حتَّى حدث توسُّعٌ كبيرٌ في استخدامه من الفيدراليّ الأمريكيّ، وبالتَّالي الكثير من البنوك المركزيَّة حول العالم، وتتمثَّلُ أهمُّ خطوات إجراء الريبو في:
- حساب قيمة سندات إعادة الشّراء المملوكة للبنك المركزيّ، والَّتي يُحدِّدُها الاحتياطيُّ النَّقديُّ والحاجة للسُّيولة وغيرها.
- طرح السَّندات للبيع للبنوك والمؤسَّسات الماليَّة الكبرى وصناديق التَّحوُّط.
- تحديد سعر فائدةٍ ثابتٍ للشِّراء خلال 24-48 ساعةً قد تمتدُّ إلى أسبوعٍ على الأكثر.
- تتقدَّم البنوك والمؤسَّسات الماليَّة الَّتي لديها فائضٌ نقديٌّ بالشّراء.
- تحديد وكلاء المقاصة أو الطَّرف الثَّالث الَّذي يحتفظُ بالسَّندات الماليَّة لحين موعد إعادة الشّراء، وتكون عادةً بنوك وهيئاتٍ معروفةً في كلِّ بلدٍ، مثل بنك جيه بي مورغان تشيس وشركائه في أمريكا.
- بعد انتهاء مدَّة العقد يُعيد البنك المركزيُّ شراء السَّندات الماليَّة بقيمتها الأصليَّة مع سعر الفائدة المُتَّفَق عليه.
شاهد أيضاً: الشيكات البنكية: أنواعها واستخدامها في عصر الثورة الرقمية.
العلاقة بين الريبو والفائدة الأمريكية
هناك علاقةٌ قويَّةٌ بين الريبو والفائدة الأمريكيَّة، فالدُّولار هو العملة الاحتياطيَّة النَّقديَّة الأساسيَّة لدى مجموعةٍ مختلفةٍ من البلاد؛ لذا كلَّما حرَّك البنك المركزيُّ الفيدراليُّ سعر الفائدة على الدُّولار تحرَّك أيضاً سعر الريبو. وعادةً ما يَستَخدِمُ الاحتياطيُّ الفيدراليُّ الأمريكيُّ اتّفاقات إعادة الشِّراء والريبو العكسيَّ لإدارة المعروض النَّقديّ والتَّأثير على أسعار الفائدة قصيرة الأجل.
وفي السَّنوات الأخيرة زاد الاحتياطيُّ الفيدراليُّ الأمريكيُّ من مشاركته في سوق الريبو؛ ليُنشئَ مَرفَق ريبو دائماً باسم SRF وتسهيل عمليَّات الريبو العكسيّ على أساسٍ يوميٍّ ON RRP، ممَّا أدَّى إلى سيولةٍ قويَّةٍ في أسواق التَّمويل الأمريكيَّة.
وقد لجأ الفيدراليُّ الأمريكيُّ إلى عمليَّات إعادة الشّراء العكسيّ من قِبلَ المؤسَّسات الماليَّة وضخِّ السُّيولة إلى شرايين الاقتصاد عام 2020 في ذروة جائحة كوفيد 19، ممَّا خفَّض المخاطر الاقتصاديَّة للأزمة؛ لتنخرطَ الحكومة منذ ذلك الوقت في عمليَّات شراءٍ عكسيٍّ متزايدةٍ، ورفع سعر الفائدة للحفاظ على السُّيولة.
العلاقة بين الريبو والسايبر
السايبر هو سعر الفائدة التي تقترضُ بها البنوك التّجاريَّة من بعضها بعضاً، ويُحدَّدُ سعر السايبور من خلال تفاعل عدَّة بنوكٍ مستقلِّةٍ، فلا يُمكن لأيِّ بنكٍ منفردٍ أن يجعلَ سعر فائدة السايبور ينخفضُ أو يرتفعُ، ولكنَّه من ناحيةٍ أُخرى يتأثَّر أيضاً بأسعار الفائدة السَّائدة الَّتي يُحدِّدها البنك الفيدراليُّ الأمريكيُّ، والَّذي عرفنا أنَّه من يتحكَّم في أسعار الريبو في الكثير من البلدان. [4]
وقد انطلق مفهوم السايبور للمرَّة الأولى في البنوك السُّعوديَّة باسم Saudi Arabian Interbank Offered Rate، والذي يُعرف اختصاراً بـSAIBOR، وتَنشرُ مؤسَّسة النَّقد العربيّ السُّعوديَّ SAMA السّعر المرجعيَّ اليوميَّ، كما أنَّ بنوك سنغافورة أطلقت المفهوم نفسه أيضاً باسم SIBOR أو Singapore Interbank Offered Rate؛ ليصبحَ المفهوم أكثر تداولاً بين البنوك الآسيويَّة في البداية، ثُمَّ عَبرَ العالم بأكملهِ.
ومُدَّة السايبر أطول كثيراً من الريبو، فتكون أسبوعاً على الأقلّ، وقد تمتدُّ إلى شهرٍ أو 3 أو 6 أشهرٍ وحتَّى عامٍ كاملٍ، ويكون سعر الفائدة ثابتاً أيضاً، ولكنَّه مرتفعٌ للغاية عن الحدّ الأعلى للريبو العكسيّ؛ بسبب طول مدَّة القرض واحتمالات التَّغيُّر الكبيرة في الأسواق.
فعندما يكون لدى بنكٍ ما احتياطيٌّ نقديٌّ كبيرٌ للغاية يودعه في مؤسَّسةٍ ماليةٍ لتقرضه إلى بنكٍ آخر ليس لديه سيولةٌ نقديَّةٌ كافيةٌ سواءً لحدوث عمليَّات سحبٍ قويَّةٍ أو قروضٍ ضخمةٍ لعملاء مهمِّين، كما تتأثَّر فائدة السايبر بمقدار العرض والطَّلب على الإقراض والاقتراض، فهو يتمتَّع بمرونةٍ أكثر من الريبو العكسيّ، وإن كان يتأثَّر به جزئيّاً.
شاهد أيضاً: العملات المشفرة: استثمارٌ ذكي أم مخاطرة مالية؟
وهكذا يُعدُّ الريبو من الأمور الحاسمة تماماً في النّظام الماليّ سواءً المحليَّ أو العالميَّ، فمع ما يوفِّره من سيولةٍ ومرونةٍ وضماناتٍ، فإنَّه من الخيارات الأكثر جاذبيَّةً للكثير من المشاركين في السُّوق سواءً البنوك التّجاريَّة أو صناديق التَّحوُّط أو المؤسَّسات الماليَّة الأُخرى، على الرَّغم ممَّا قد يحتوي عليه من بعض المخاطر مثل انخفاض قيمة الضَّمان أو إفلاس المقترض، إلَّا أنَّ مميزاته أكبر بكثيرٍ من مخاطره، والَّتي يُمكن التَّحكُّم بها من خلال مجموعة ضماناتٍ متنوِّعةٍ.
-
الأسئلة الشائعة
- ماذا يعني رفع الريبو؟ رفع الريبو يعني رفع سعر الفائدة على عقود إعادة الشراء وفقاً لمقدار السيولة المالية المطلوبة للبنك المركزي وعدد المؤسّسات التي يُمكن أن تُقبل على الشّراء.
- هل الريبو يعادل النقد؟ نعم، الريبو يُعادل النقد إلى حدٍّ ما، فيمكن للمُقرض الذي اشترى سندات الخزانة من البنك المركزي أن يبيعها لأيّ مؤسّسة مالية ويستردّ أموالهُ.
- ما هو الهدف من الريبو؟ يهدف الريبو للحصول على قروض قصيرة الأجل لتوفير السيولة المالية في الأسواق وزيادة قدرة البنوك المركزية على الوفاء بالتزاماتها المالية، فهي عادةً عقودٌ يطرحها البنك المركزي وليس مؤسّسات ماليّة أُخرى.
- كيف يعمل تمويل الريبو؟ يعمل تمويل الريبو بعقد اتّفاق بين 3 أطراف هم البنك المركزي، والذي يطرح سندات خزانة بسعرٍ مُعيّنٍ، ويعرضها للبيع لمؤسّسات ماليّة محلية، مثل: البنوك وصناديق الاستثمار وصناديق التحوط وغيرها مع التوقيع في الوقت ذاته على اتّفاقية شراء في وقتٍ محددٍ وبسعر فائدة محدّدٍ، ويكون الطّرف الثّالث هو الوسيط الذي يضمن تسليم السندات إلى المُقرض أو إعادتها إلى البنك المركزي في حالة تسديده لثمن السندات الأصلي مع سعر الفائدة.
- كيف تستخدم صناديق التحوط الريبو؟ صناديق التّحوّط من المؤسّسات الماليّة التي يُمكن أن تستثمرَ في عقود إعادة الشّراء أو الريبو، وقد تؤدّي هذه الصناديق بسبب ضخامتها إلى التحكم في سعر الفائدة عبر استغلال الفروق الضئيلة بين أسعار سندات الخزانة وما يقابلها في سوق العقود الآجلة، ممّا قد يؤدّي إلى زعزعة الأسواق إذا لم يتدخّل البنك المركزي بإجراء تسوياتٍ ماليّةٍ تمنع تحكّم صناديق التّحوّط.
- ما هو تغذية الريبو العكسي؟ تغذية الريبو العكسي تعني رفع سعر الفائدة على الأموال التي تودعها البنوك التّجاريّة في البنوك المركزية، والتي كلّما ارتفعت تراجع الإقبال على الإقراض للمؤسسّات وتوفير السيولة، وإذا انخفضت يزيد معدّل الإقراض، وبالتالي تنخفض السيولة؛ وبهذا يتحكّم البنك المركزي في مقدار السّيولة الماليّة.